التلفزيون المصري: التحدي
والإنشاء
!
كمال القاضي ـ القاهرة
في دراسة متخصصة عن تاريخ التليفزيون المصري
ونشأته أعدها نخبة من أساتذة الإعلام وقيادات ماسبيرو تم
حصر شامل لإنجازات التليفزيون في مرحلة الستينيات وما
تلاها وألقى الضوء على مراحل تطور البث منذ عام 1960 وحتى
دخول الإعلام المصري عصر الفضائيات، تناولت الدراسة ثلاثة
محاور رئيسية أولها النشأة واستعراض إرهاصات الخدمة
التليفزيونية في مصر وبدايات الإرسال وصولا إلى عام 1980
والتطور الذي بدأ مع عام 1981، حيث التفكير في مد الإرسال
لتغطية كل أنحاء الجمهورية ثم الاتجاه نحو إنشاء القنوات
الإقليمية والدخول في عصر الفضائيات والقنوات المتخصصة،
ويأتي المحور الثالث بمثابة مسح شامل لنمط الملكية
والمسؤولية الإعلامية والاجتماعية والذاتية الثقافية في
مواجهة الغزو الوافد وإعداد الكوادر الإعلامية، تتناول
الدراسة القنوات التالية من حيث النشأة والتطور والأهداث
وساعات البث، القناتان الأولى والثانية والقنوات الإقليمية
والقنوات المتخصصة.
في عددها الصادر في 13 شباط/فبراير عام 47 نشرت
جريدة 'البروجرية' خبرا عن اعتماد الحكومة المصرية مبلغ
200 ألف جنيه مصري لبناء استديوهات للإذاعة والتليفزيون،
ولكن أحبط المشروع وتأجل تنفيذه حتى عام 1951 وفي هذه
الأثناء أجرت الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون
أول تجربة للإرسال في مصر، وذلك لتصوير المهرجانات التي
اقيمت بمناسبة الزواج الثاني للملك فاروق عن طريق محطة
إرسال أقيمت بمبنى سنترال باب اللوق وكان لهذه الشركة هدف
آخر أن تعرض على الحكومة المصرية آن ذاك تشييد محطة
تليفزيونية بالقاهرة وروجت الشركة الفرنسية لمشروعها
الإعلامي الجديد بوضع أجهزة الاستقبال التليفزيونية في بعض
الأماكن المهمة بالقاهرة وأقيم حفل ساهر بهذه المناسبة دعا
إليه كبار الصحافيين وعدد من الوجهاء وظهر لأول مرة نقيب
الصحافيين في ذلك الوقت حافظ محمود على شاشة التليفزيون
ليوجه التحية الى أعضاء البعثة الفرنسية التي استخدمت
سنترال باب اللوق في فعاليات الحفل الساهر، وكما هو وارد
في الدراسة ان هذه التجربة كانت اختبارا أجرته بعثة
الاتصالات الفرنسية لإثبات صلاحية المناخ المصري للبث
التليفزيوني، وفي ايار(مايو) من عام 53 نشرت إحدى الصحف
الفرنسية أيضا إقتراحا لإحدى الهيئات الأجنبية بإنشاء محطة
تليفزيون بالقاهرة تغطي مساحة 60 كيلو مترا مربعا قابلة
للزيادة وتحول المشروع للدراسة الى ان جاء عام 54 وتقدم
الصاغ صلاح سالم بمشروع الى الرئيس جمال عبدالناصر شخصيا
لإنشاء إذاعة جديدة ومحطة تليفزيونية فوق جبل المقطم ووافق
الرئيس عبدالناصر فورا على المشروع وأوكل مسؤوليته الى
المهندس صلاح عامر وكيل الإذاعة للشؤون الهندسية وعليه
اعتمدت حكومة الثورة مبلغ 108 ألف جنيه لإقامة مبنى
الإذاعة والتليفزيون في مساحة 12 ألف متر بشارع ماسبيرو
بكورنيش النيل بولاق وبدأت الدراسات وأعلن عن استيراد مصر
لأجهزة اتصال حديثة خلال عام 56، وقد جرى العمل في تصميم
الاستديوهات ومحطات الإرسال ودراسة وضع نواة للتليفزيون
فوق جبل المقطم وتطايرت أنباء رسمية للعالم كله عن بداية
البث الإذاعي التليفزيوني في منتصف عام 57 ولكن سرعان ما
تعطل تنفيذ المشروع بسبب العدوان الثلاثي وظل معطلا إلى
عام 59 وفي 25 تموز/يوليو من عام 59 فتحت عطاءات المشروع
من 14 شركة عالمية كبرى وتمت الدراسة الفنية لهذه العطاءات
في خلال ثلاثة أشهر وتبين أن الصالح للمشروع من الناحيتين
الفنية والاقتصادية هو العرض المقدم من شركة
R.C.A الأمريكية واستقر الرأي على استخدام النظام
الأوروبي 625 خطا و50 مجالا للصورة في الثانية الواحدة،
حيث أنه الأكثر ملائمة من الناحية الفنية للتيار الكهربائي
المتردد المستخدم في مصر بواقع 50 ذبذبة في الثانية
الواحدة، وقد اختير للحيز 3 كيلوات بند، ولم يمر سوى ستة
أشهر على بداية المشروع حتى تم الإنتهاء منه وبدأ الإرسال
في 21 تموز/يوليو عام 1960 بعد صدور تعليمات من القيادة
السياسية بضرورة الإنتهاء من هذا الإنجاز قبل مرور شهرتموز
(يوليو) وإتاحة الفرصة لإجراء البروفات الهندسية الخاصة
بالاستديوهات على مسرح قيصر عابدين الذي تحول الى ورش عمل،
فضلا عن استخدام كافة الإمكانيات الموجودة باستديو مصر،
وفي نفس الوقت كانت البعثات المصرية في طريقها للعودة من
الخارج بعد دراسة أحدث النظام الهندسية والإذاعية بمعهد
R.C.E
بأكاديمية
S.R.T بنيويورك وتم لأول مرة إفتتاح التليفزيون المصري
في تمام الساعة السابعة مساء 21 تموز(يوليو) 1960 ولمدة
خمس ساعات يوميا في الاحتفال بالعيد الثامن لثورة
تموز/يوليو وبدأ الإرسال بتلاوة آيات من القرآن الكريم ثم
إذاعة وقائع حفل افتتاح مجلس الأمة وخطاب الرئيس جمال
عبدالناصر ونشيد وطني الأكبر ثم نشرة الأخبار ثم الختام
بالقرآن الكريم، وفي أعقاب افتتاح المبني وبداية الإرسال
صدر أول قرار من رئيس مجلس إدارة هيئة الإذاعة المصرية
السيد محمد أمين حماد بإنشاء إدارة عامة للإذاعة المرئية
'التليفزيون' تتبع الإذاعة المصرية ليبدأ الإرسال الإعلامي
المنتظم لهذا الوافد الجديد، وقد بلغت قوة الإرسال حينذاك
20 كيلو وات من محطتي الإرسال اللتين أنشئتا فوق المقطم
بإرتفاع 300 متر فوق سطح البحر.
استهل التليفزيون المصري إرساله بقناة واحدة
'القناة الخامسة' وكان زمن الإرسال محددا، بمعدل 6 ساعات
يوميا يبدأ في السابعة مساء الى ما بعد منتصف الليل ثم
ارتفع هذا المعدل ليصل الى 13 ساعة يوميا بعد بدء إرسال
القناة الثانية '7' في 21 تموز/يوليو عام 61، في 13 تشرين
الاول/أكتوبر من عام 62 بدأ إرسال ثالث قناة بالتليفزيون
المصري '9' ووصل متوسط ساعات الإرسال على القنوات الثلاث
الى 20 ساعة يوميا وتضاعفت شيئا فشيئا لتصل ما بين 25 و30
ساعة يوميا.
وقد أنشئت محطة إرسال أسوان في تموز/يوليو عام 62
في محاولة لتعميم الإرسال لتغطية المناطق النائية وبلغ
إرسال المحطة ثلاث ساعات يوميا وكانت تنقل الشرائط
الإذاعية عبر القطار من ماسبيرو الى أسوان، وهكذا بدأت
مسيرة الإعلام المصري في التنامي حتى وصلت الى ما هي عليه
الآن بفضل الجهود المخلصة والقرار الجريء للرئيس عبدالناصر
بضرورة إنشاء هيئة إذاعية تتحدث بلسان مصر وشعبها في الوقت
الذي كان يواجه فيه تحديات على كافة الأصعدة والجبهات، رحم
الله الرئيس.
القدس العربي في
29/11/2009 |