كانت البداية في يوم 23 يوليو عام 1960 بداية عالم بأكمله عالم رحب
متنوع كان ومازال ينبض بالحياة وسيظل يحمل في جعبته الكثير إنه يوم ميلاد
صندوق الدنيا المصري ورغم أنه كان في مهده إلا أنه ولد كبيرا فبميلاد
التليفزيون ولد العديد من الكوادر و المبدعين الذين أعطوا لهذا المنبر
الإعلامي الوليد زخما وثراء فجعلوا منه منارة إعلامية ومدرسة رائدة لفنون
الإعلام في الوطن العربي بأكمله ومن هذه الكوادر الإعلامية المهمة ليلي
رستم عميدة الإعلام المصري رغم أنها لم تعمل من خلال شاشته سوي سبع سنوات
فقط إلا أن بصمتها في مجال العمل الإعلامي لا يمكن إغفالها أو تخطيها ولذلك
وبعد مرور 50 عاما علي الميلاد كان لنا هذا الحديث مع رائدة من رائدات
العمل التليفزيوني في محاولة لإلقاء نظرة عامة علي مشوارها معه وكيف تراه
الآن بعد كل هذه
السنوات وما تقييمها للمسار الإعلامي في قنوات التليفزيون الحكومي المختلفة
·
كيف كانت البداية مع هذا الكيان
الوليد ؟
ـ بعد تخرجي في الجامعة الأمريكية حصلت علي درجة الماجستير في الصحافة
من جامعة "نورث وسترن"من أمريكا وبعدها عدت إلي مصر وعملت كمذيعة في
الإذاعة وخلال عدة أشهر كنت قد تركت بصمة واضحة أهلتني للترشيح بقوة للعمل
بالتليفزيون والذي كان سيفتتح في 23 يوليو 1960 ومن ثم فقد بدأ ميلادي
كمذيعة تليفزيونية مع ميلاد التليفزيون المصري..
فقد بدأت العمل في البداية كمذيعة ربط ثم كقارئة للنشرة الفرنسية ولكن
تعارفي الحقيقي مع جمهور التليفزيون كان من خلال برنامج «نافذة علي العالم»
الذي كان يتضمن أهم الأحداث التي حدثت علي مدار أسبوع ثم برنامج «الغرفة
المضيئة» الذي كان يتضمن أهم الأحداث المحلية وكان كلاهما من اعداد الصحفي
الشاب وقتها مفيد فوزي الذي أعد لي فيما بعد برنامجي
الأشهر والأكثر نجاحا برنامج «نجمك المفضل» وقد حقق لي نجاحا وشعبية يفوقان
الوصف وذلك لحرصي علي استضافة نجوم المجتمع من الفن والأدب لإعطاء المتلقي
جرعة ثقافية بشكل محبب .
·
وكيف كانت منظومة العمل في هذا
الصرح الإعلامي الجديد ؟
ـ كنا في مناخ ينبض بالحيوية والثراء الفكري وكان هناك اهتمام بجميع
النواحي الثقافية والفنية سواء في السينما أو الموسيقي أو علي مستوي القصة
والرواية والشعر وكان الجيل بأكمله يري أن الغد سيحمل الكثير من التقدم
والرقي وكنا نعمل بلا مقابل بل في الغالب كنت أنفق علي عملي الإعلامي من
جيبي ليظهر بالصورة التي ترضيني وترضي الجمهور.
·
وما الرسالة أو الهدف الذي تم
توجيهكم إليه في بداية برامجكم ؟
ـ كانت الرسالة الأولي التي حرصنا أن يقوم عليها عملنا الإعلامي هي
زيادة الجرعة التنويرية لشعب غالبيته يعاني الأمية، وتقديم وجبة ثقافية
متكاملة في شكل تغلفه التسلية المفيدة
.
·
كيف كانت طبيعة المنظومة
الرقابية وقتها ؟
ـ كان مدير البرامج وقتها سعيد لبيب وبما اننا كنا مجموعة من الشباب
المتحمسين فكان هناك العديد من الأمور المحظورة وعلي رأسها المواضيع ذات
الطابع الديني و بالطبع المواضيع السياسية
·
اذا حدث وتم تناول أي من تلك
الموضوعات ولو بشكل عرضي في احدي الحلقات ؟
ـ كان السجن هو مصير كل من تسول له نفسه الحديث في هذه الأشياء
والنماذج معروفة، فتهمة إفشاء الأفكار الشيوعية كانت جاهزة لتطول أيا من
كان والخطوط الحمراء كانت كثيرة ويصعب تخطيها
.
·
وهل طالتك تلك التهمة لتكون
السبب وراء سفرك رغم ما حققته من نجاحات؟
ـ لا، وإن كان المناخ العام غير مشجع علي الاستمرار فالرقابة المشددة
جعلت كثيرا من المبدعين يهاجرون ولكن بالنسبة لي في عام 1967 قرر زوجي
الهجرة إلي لبنان بحكم عمله ولم يكن هناك اختيار أمامي سوي مصاحبته والرحيل
معا إلي
هناك حيث مكثت 15 عاما وكنت خير سفيرة لبلدي حيث لمع اسمي هناك وأصبحت نجمة
تليفزيونية متألقة في سماء الإعلام اللبناني وقدمت "بين الحقيقة والخيال"
و"محاكمة التاريخ العربي" و"محاكمات أدبية" ثم برنامج «سهرة مع الماضي» وهي
برامج سياسية وثقافية تمت من خلال استضافتي لضيوف أثروا في الحياة
اللبنانية والعربية بشكل عام .
·
اذًا هل يمكن اعتبارك إعلامية
تخصصت في تقديم برامج التوك شو الشبيهة بما يقدم الان؟
ـ برامج التوك شو طول عمرها موجودة في أمريكا تحت مسمي البرامج
الحوارية المسائية وبدأتها أنا وهمت مصطفي وسلوي حجازي وزينب حياتي في مصر
لكن اذا كان قصدك برامج التوك شو التي تقدم الان فأنا بعيدة عنها كل البعد
فغالبيتها يغلب عليها الطابع السوداوي القاتم، صحيح أن من دور الإعلام أن
يسلط الضوء علي معاناة رجل الشارع البسيط في محاولة للوصول إلي بديهيات
الحياة الآدمية لكن أن يكون
هذا هو الإعلام وفقط فلا .
·
وما الذي ينقصها لتصبح برامج توك
شو متكاملة؟
ـ يجب تسليط الضوء علي نماذج ايجابية ومحاولة تصديرها كقدوة لجمهور
المتفرجين بالاضافة إلي زيادة الجرعة التثقيفية بشكل يحبب الناس في الثقافة
أقصد في القراءة أو حتي الاطلاع فلا أعرف كيف مازالت الأمية تضرب متوغلة في
الشعب المصري إلي الان .
·
وهل هذا يعني أنك لا تتابعين ما
يقدم الان في برامج التوك الشو التي تزدحم بها قنواتنا سواء المصرية أو
العربية؟
ـ لا، فأنا متابعة جيدة للبرامج الاخبارية في قناتي الجزيرة والعربية
والبي بي سي الإنجليزية بالإضافة إلي حرصي علي متابعة مني الشاذلي ومعتز
الدمرداش فقط.
·
والتليفزيون المصري ألست حريصة
علي متابعة بيتك الأول وما وصل إليه؟
ـ لا للأسف، فأبلغ تشبيه أستطيع أن أصف به برامج التليفزيون المصري
تعبير الإعلامي حمدي قنديل أنها برامج محنطة لا تأتي بجديد فما كان
يقدم من 20 سنة مازال يقدم.
·
لكن ألا ترين أن تعبير محنطة
مبالغ فيه في ظل ارتفاع سقف الحرية لتناول موضوعات كان يستحيل تقديمها من
قبل في برامجكم ؟
ـ نعم صحيح إنه يقدم موضوعات لم نكن نجرؤ علي طرحها حتي فيما بيننا
كإعلاميين لكن حتي هذه الموضوعات أصبحت حتمية ويجب مناقشتها في عصر
السماوات المفتوحة والإنترنت فسيتم طرحها عندنا أو عند غيرنا من
التليفزيونات.
·
وتعدد قنوات التليفزيون المصري
بعد أن كان لا يزيد علي قناتين بالاضافة إلي استمرار ساعات البث طوال اليوم
كل ذلك ألا يعد من النقاط التي تحسب له؟
ـ المسألة لا تقاس بالعدد لكن بنوعية ما تقدمه هذه القنوات فلا يمكن
أن تكون القناة الأولي كالثانية كالفضائية نفس الموضوعات ونفس الوجوه ونفس
الأفلام والمسرحيات ما هذا العبث في عقول المشاهدين وكأننا نقدم لهم معلبات
منتهية الصلاحية تدمر صحتهم، فأنا أذكر عندما كانت البي بي سي بصدد اطلاق
قناة ثانية استغرق الموضوع عامين من البحث عن رسالة هذه القناة الحديثة
وليس الموضوع أيضا في عدد الساعات ففي أيامنا كان عدد ساعات التليفزيون لا
يزيد علي 6 ساعات لكن شوفي المحتوي.
·
إذا هل هذه إجابة عما أشيع عن أن
السيد أنس الفقي كلفك برئاسة قناة التراث المصرية إحدي قنوات النيل
المتخصصة الجديدة ؟
ـ ضحكت قائلة: كأني لم أسمع السؤال
!!!
جريدة القاهرة في
20/07/2010 |