* مساء الاربعاء القادم في الساعة السابعة تنطلق قناة "التليفزيون العربي"
من التليفزيون المصري بمناسبة عيد ميلاده الخمسين وأشكر المسئولين انهم
تراجعوا عن تسميتها "قناة التراث" واندهش لاستبدالها بالتليفزيون العربي
فهي قناة مصرية تحتفل بعيد انطلاق بثها من القاهرة ولكن ربما كان لانطلاق
البث التليفزيوني المصري هو والسوري معا من جهاز واحد في دولة واحدة هي
دولة الوحدة العربية الدافع لهذه التسمية ولكنه دافع تاريخي انتهي بعد
انفصال دولتي الوحدة ليصبح التليفزيون هو تليفزيون مصر فقط ويستقل تليفزيون
سوريا عنه.. ومع ذلك فإن فكرة قناة "التليفزيون العربي" هذه التي سوف تنطلق
بعد ايام هي فكرة جيدة ليدرك الناس ويروا ماذا كان غيرهم يري قبل خمسين
عاما ومازال الكثيرون يتذكرون وجوها وبرامج وملامح وانجازات قدمها
التليفزيون المصري كما يتذكرون ملامح البدايات وتلك الاعمال الدرامية
المصرية والاجنبية التي لم يهزمها الزمن ففي تاريخ التليفزيون بدأت الدراما
التليفزيونية بالافلام القصيرة والتمثيليات لكبار الكتاب والمخرجين قبل أن
تطول وتصل إلي السباعيات ثم المسلسلات ذات الثلاث عشرة حلقة وفي هذا
التاريخ ايضا اجتذب التليفزيون اكبر عدد من الموهوبين الذين جاءوا من
الاذاعة والمسرح ومن الصحافة ومن الدراسة بالخارج وفتح ابوابه لاختبارات
حقيقية بلا وساطة لاكبر عدد من خريجي وخريجات الجامعات في مصر ومثلهم من
العاملين بالإعلام الصحفي فتح لهم ابواب التدريب واستقدم خبراء اجانب ثم
ارسل الناجحين منهم الي الخارج للتدريب في كل المجالات ومن هنا لايزال اكبر
وأهم جيل من مخرجات وكاتبات الدراما والفيلم التسجيلي من هذا الجيل الاول
وكذلك فتح التليفزيون ابوابه للمرأة في كل مجالات العمل به ولم يتم هذا
اعتباطا وانما في إطار توجه عام للدولة لإنصافها وفتح كل الابواب امامها
بعد ثورة يوليو 1952 والحقيقة أن التليفزيون المصري ربما يكون الجهاز
الوحيد الذي يعبر عن مدي التحولات والتغيرات في مصر علي مدي سنوات عمره فلا
الاذاعة بعمرها المديد استطاعت ان توثق الاحداث مثله ولا السينما بما
واجهته من ازمات متتالية وحتي اليوم التليفزيون هو اكثر الاجهزة تعبيرا عن
مصر في زمن الحلم القومي والعربي وزمن الهزيمة وخطاب التنحي الشهير للزعيم
عبدالناصر ثم العودة. ثم الارتباك فيما يقدم علي الشاشة ما بين الالتزام
بقيم وافكار ما قبل النكسة أو الهروب منها بأعمال خفيفة أو هزلية مثل
"العتبة جزاز" وغيرها ثم عودة انضباط الشاشة بعد حرب أكتوبر المجيدة مرورا
برحيل ناصر ووداعه الذي سجلته عدسات التليفزيون للملايين الذين شاهدوا
غيرهم يودعه في شوارع مصر وخطب الرئيس السادات وحواراته الرئاسية لاول مرة
مع الإعلامية همت مصطفي واعلانه الانفتاح الاقتصادي ومعاهدة السلام وتلك
اللقطات الفريدة له وهو يذهب إلي العدو ليوقع معاهدة السلام واتفاقية كامب
ديفيد ثم رحيله الدامي اثناء الاحتفال بانتصار أكتوبر وتولي الرئيس حسني
مبارك ورفعه علم مصر علي آخر أرض مصرية تحررت واسترداد سيناء والغناء لها
وغيرها من الاحداث التي سجلتها كاميرات الجهاز الوليد الذي جاء في موعده
تماما ليوثق كل الاحداث وليضع المشاهد دائما في قلب الحدث ويغريه بالالتفات
والانتظار خاصة مع صعود اجيال من الإعلاميين المبدعين رجالا ونساء مازال
عطاؤهم مصدر فخر والهام سواء في قراءة نشرات الاخبار أو تقديم البرامج فلا
يمكن لمن عاشوا بدايات التليفزيون وازدهاره نسيان اسماء مثل سعد لبيب
وتماضر توفيق وسميرة الكيلاني وحمدي قنديل وصلاح زكي وليلي رستم وسلوي
حجازي وزينب حياتي واماني ناشد وغيرهم بعضهم كان أول من أرسي قواعد نوعيات
بعينها من البرامج مثل حمدي قنديل وبرامج الصحافة التي اصبحت بندا اساسيا
الآن في كل القنوات وتجربة تماضر توفيق مع برامجها محو الامية وسميرة
الكيلاني والبرامج الثقافية وليلي رستم واماني ناشد واساليب اجراء
الحوارات.. هؤلاء وغيرهم ضمن كتيبة كبيرة من المبدعين في كل المجالات صنعوا
لهذا الجهاز قدراته الكبيرة في الاتصال مع جمهور كبير سرعان ما عسكر امام
الشاشة الصغيرة وسرعان ما اصبحت لديه حاسة نقدية تجاه جهازه المفضل فبدأ
يطالب بما لا يجده خاصة بعد أن انطلق البث الفضائي واصبح الخاص يجاور العام
علي الشاشة تماما مثل الحياة.
ان الاحتفال الذي سيقيمه اتحاد الاذاعة والتليفزيون مساء الاربعاء القادم
في منطقة الهرم وانطلاق قناة الاحتفال لمدة 21 يوما "تتوقف مع بداية شهر
رمضان" هي مناسبة مهمة لتقديم المواد والبرامج الأكثر اهمية في هذا التاريخ
الحافل للتليفزيون ولقد اعلن المهندس اسامة الشيخ رئيس الاتحاد أن هذه
القناة ستبث برامج السنوات الخمس عشرة الاولي من عمره "من عام 1960 إلي عام
1975" فكيف سيتم اختيار موادها؟ ثم ما هي مواصفات ما سوف يعرض علي القنوات
الاخري بعنوان "خمسين سنة تليفزيون" وهناك ايضا ندوة آفاق وتحديات الإعلام
المصري المرئي الدولية التي تحتاج لاسبوع - وفقا لمحاورها - وليس يومين فقط
علي الاقل للحوار حول جهاز بدأ ارساله بست ساعات يوميا ووصل اليوم مع
شاشاته المتعددة إلي 490 ساعة.. وتأثيره علي الشخصية المصرية وعلي الحياة
في هذا البلد لنصف قرن بأكمله بل إننا في الحقيقة نحتاج لحوار علي مدي عام
كامل للاجابة علي هذا فقط.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
15/07/2010 |