حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نصف قرن على إنشاء التلفزيون المصري

ثقافة المشاهدة‏..‏ متاهه علي الشاشة

تحقيق‏:‏هبة هجرس

قديما حينما بدأ الإرسال التليفزيوني لأول مرة عام‏1960‏ قيل أن التليفزيون ولد عملاقا برأس صغيرة والآن بعد مرور أكثر من نصف قرن علي ظهور الشاشة الصغيرة إلا أن ثقافة المشاهدة عند المصريين لم تتغير حتي هذه اللحظة وهناك أكثر من شاهد علي تلك الثقافة التي اتسمت بالارتجالية والعشوائية وبكونها غير منتظمة ولا منظمة‏,‏ وبالتالي‏,‏ فهي كالمشاهد المصري يقع بين حدي الافراط والتفريط‏,‏ تارة يلوم نفسه بعد أن يجد أنه كان مفرطا أهدر أوقاته فيما لا يجدي نفعا‏,‏ كما أنه تارة أخري يصفق كفا بكف حسرة لدي اكتشافه التفريط الذي أدي به إلي إهداره فرصة مشاهدة البرنامج
أو العمل الذي يريد أو يعتقد أنه يحتاجه تائها حائرا أمام الريموت كنترول‏.‏ تجد التليفزيون في كل بيت مفتوحا علي أي شيء دون النظر لقيمة المحتوي ودون فهمه ودون الوعي بقيمة الوقت فهل جاء التليفزيون إلي الناس في وقت كان فيه الوعي الثقافي غير موجود‏...‏ أم أن وقت الجمهور متسع لدرجة أنه يشاهد كل شيء وأي شيء‏..‏ أم أن المشاهد المصري بعد مرور أكثر من خمسين عاما لم ينضج بعد ليختار وينتقي ماذا يشاهد؟‏!‏ هل يمكن لنا الحديث عن ثقافة المشاهدة تلك التي تجعل المشاهد يعرف ما الذي يريد مشاهدته‏,‏ ومتي وعلي أي شاشة؟ وينجو من والعشوائية والارتجال والوقوع صدفة علي مشاهدة فيلم أو لقاء أو حوار أو برنامج؟ اسئلة كثيرة تتداخل فيها رؤي مختلفة وثقافة غربية ونظام سائد في بلد عربي وجاءت الاجابات عليها متشابهة في جزء منها ومختلفة في أجزاء كثيرة‏.‏علي جانبي الشاشة الصغيرة تقول سلمي الشامي ــ طالبة بالجامعة الأمريكية ـ أنها تحب مشاهدة التليفزيون أثناء تناول الطعام وغالبا ما يكون فيلما أجنبيا مثيرا أو فيلما عربيا غاية في الرومانسية وأحيانا تتابع نشرات الأخبار أما غير ذلك فهي تقضي وقت فراغها علي الكمبيوتر‏,‏ حيث الانترنت وثقافة الشات وتضيف أنها لا تهتم كثيرا بالقصص والمضامين المقدمة علي الشاشة الصغيرة‏,‏ وإنما يهمها أكثر الصناعة والشكل النهائي للمادة المقدمة‏...‏ ويقول محمد فكري ــ تلميذ بالمرحلة الاعدادية ــ أنه يحب مشاهدة أفلام الاكشن ومباريات كرة القدم وأفلام عادل إمام وبرامج المسابقات‏,‏ ولا يهتم بأي شيء آخر وكثيرا ما يغضب منه والده لإهماله المذاكرة وحبه للتليفزيون‏..‏ ويقول عزت شاكر ــ موظف ــ أنه يتابع البرامج التليفزيونية التي تمس المواطن ومشاكله ومنها مصر النهاردة والحقيقة وواحد من الناس إلي جانب مباريات كرة القدم‏,‏ ويضيف أنه أحيانا يشاهد بعض الأفلام والمسلسلات الأخري بجانب قنوات الأخبار‏,‏ وينتقد بشدة كثرة الاعلانات علي شاشة التليفزيون وبين البرامج‏...‏ وتقول أماني مصطفي ــ ربة منزل ــ أن لديها طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات وتضطر في معظم الوقت أن تجلسها أمام التليفزيون لمشاهدة أفلام الكارتون أو الأغاني حتي تنتهي من أعمال المنزل دون سماع صراخ الطفلة‏,‏ وكثيرا ما أنتهي من العمل لأجدها غارقة في النوم أمام التليفزيون‏,‏ وتضيف ليس أمامي غير هذه الوسيلة لتساعدني علي قضاء الوقت‏,‏ ولا تعرف سوي قنوات الأفلام والأغاني والمسلسلات‏...‏ ويقول محمود موافي ــ عامل بإحدي القهاوي ــ أنه يشاهد التليفزيون في القهوة التي لا تري فيها سوي قنوات الأغاني والأفلام وماتشات الكورة فقط وكما تعلمون القهاوي تزدحم مساء حيث الانتهاء من مواعيد العمل الرسمية وقضاء وقت الفراغ‏...‏ وتقول زينب السيد ــ موظفة ــ أنها تحب مشاهدة التليفزيون كثيرا لكنها لا تجد الوقت الكافي لذلك نظرا لعملها ولكونها أما وزوجة‏,‏ وتضيف أنها في وقت الفراغ تستمتع بمشاهدة المسرحيات والمسلسلات وأحيانا بعض القنوات الدينية‏,‏ وليس عندها وقت محدد للمشاهدة‏,‏ ولا برنامج معين تقوم بمتابعته‏...‏ وتقول سميرة سالم ــ متزوجة حديثا ــ أنها لا تعمل وتظل طوال النهار في البيت‏,‏ ولكي تخفف الاحساس بالملل فإنها تجلس أمام التلفاز طوال النهار وحدها حتي أثناء قيامها بالأعمال المنزلية‏,‏ وبالليل في صحبة زوجها‏,‏ وتضيف أنها تحب مشاهدة كل القنوات حتي غير المفهوم منها مؤكدة أنها تعودت علي دوشة التليفزيون حتي أنها كثيرا ما تنسي أن تغلقه أثناء الخروج أو النوم‏...‏ وتقول عايدة محمد ــ طالبة بالثانوية العامة ــ أنها تشاهد التليفزيون كثيرا هربا من جو المذاكرة الكئيب وأنها تحب متابعة المسلسلات التركية وأفلام الأكشن‏,‏ وليس لديها اهتمام بمتابعة نشرات الأخبار‏...‏ وتقول عالية محمود ــ طالبة بإعلام القاهرة ــ أن التليفزيون أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا ليس فقط علي مستوي السياسة وما يتعلق بها من سماع آخر الأخبار والتحليلات بل كل المستويات الأخري كل‏,‏ من تناول الموضوعات والاحداث السياسية الاستراتيجية إلي الموضوعات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية إلي القضايا والموضوعات الثقافية الفنية‏,‏ وحتي التوجهات الفكرية والتربوية‏,‏ دون أن ننكر الرياضة وحصص الترفيه‏,‏ بما فيها المسابقات والطرائف والتسالي‏...‏ ويؤيدها في ذلك عادل شوقي ــ خريج اقتصاد وعلوم سياسية ــ ويضيف أن الشاشة الصغيرة رغما عنا هي قناة اتصال جماهيرية واسعة تصب في الثقافة والمعرفة والتربية‏,‏ وتقوم بمهمة تشكيل الرأي العام أو التأثير به وتنمية الذائقة البصرية في عصر سمته الأساسية ثقافة الصورة‏.‏

سلاح ذو حدين

ويقول الدكتور محمد منصور‏,‏استاذ علم النفس بآداب طنطا‏,‏ انه في ظل خروج المرأة للعمل وجدت الام في التليفزيون وسيلة سهلة جدا لتربية اطفالها دون النظر للمضامين المقدمة ودون وعي بخطورة السن الصغيرة‏,‏ وقد رأينا العديد من الاطفال وقد نما لديهم سلوك عدائي من كثرة العنف المقدم لهم في التليفزيون خاصة في افلام الكارتون ومنها ـ توم آند جيري ـ الشهير‏,‏ وللأسف الشديد يكون هدف الأم الاساسي من ذلك هو إسكات الطفل عن البكاء لأطول فترة ممكنة اي انها تقتل الوقت بأن جعلت التليفزيون هو البديل المربي للطفل وليس ذلك عيبا في كل الاحوال لكن تقع علي الأم مسئولية انتقاء ما هو ايجابي حتي تسمح لطفلها ان يشاهده وذلك يعتمد بالأساس علي ثقافة الام ووعيها بما هو ايجابي او سلبي لذا فالتليفزيون سلاح ذو حدين‏.‏ واضاف منصور ان القنوات المتخصصة في مصر مثل ـ الاسرة والطفل ـ غير موجهة بشكل صحيح حيث لا يشرف عليها متخصصون او سيكولوجيون يمكنهم توجيه البرامج المناسبة للاشخاص حسب اعمارهم وثقافتهم ومفاهيمهم وانما الذي يتم تقديمه الان غير منتقي بالمرة فضلا عن اوقات عرض البرامج نفسها التي غلبا لا تكون مناسبة‏,‏ لذا فيجب علي الدولة اختيار متخصصين يمكنهم توجيه البرامج في القنوات المتخصصة بمختلف اشكالها وبحيث يساعدون الاسرة علي تربية ابنائهما نفسيا وتعليمهم ثقافة الانتقاء والاختيار‏..‏ واضاف ان المصريين اتخذوا التليفزيون كوسيلة للتسلية فقط وليس للتثقيف وحتي من يثقف نفسه من خلال التليفزيون يفعل ذلك من اجل عمله او شيء اخر وليس بهدف التثقيف في حد ذاته فضلا عن كوننا اصلا شعب لا يعرف كيف يقضي وقت فراغه بل نملك فقط ثقافة قتل الوقت وذلك سبب كارثتنا الحالية والتي جعلتنا نتقبل اي شيء يصدره لنا الغرب دون النظر للمحتوي المقدم‏..‏

أين رموز مصر؟

ومن جانبها تؤكد الدكتورة سامية خضر‏,‏ استاذة الاجتماع بتربية عين شمس‏,‏ انه بصفة عامة ثقافة الاختيار غير موجودة في المجتمع المصري‏,‏ وتري ان الاعلام ذاته تقع عليه مسئولية كبيرة في تعليم الجمهور الاختيار والانتقاء‏,‏ وتقول‏:‏ ـ عشت في فرنسا سنوات طويلة وكنا نشاهد المذيعة تنصحنا مثلا بالنزول الي الحدائق العامة غدا لأن الجو سيكون حارا جدا واحيانا نجدها تنصحنا بأن نطفئ التلفاز لمدة معينة لكي ندخر الطاقة وغير ذلك من النصائح التي تأتي علي لسان المذيعة وكنت اعجب لأن اولادي لم يستمعوا لكلامي بل استمعوا لكلام المذيعة وهذا يعكس امرا خطيرا وينبهنا إلي خطورة هذا الجهاز العجيب ـ واضافت ان البرامج لابد وان توجه الجمهور وتعلمه كيف ينتقي ويختار لأننا وبكل اسف تربينا علي ألا نختار أي شيء في الدنيا حتي ـ العريس ـ وبالتالي وصلنا لحالة من الفوضي العارمة واصبحنا نتقبل كل ما يأتي لنا علي الشاشة الصغيرة حتي ولو كانت بلا مضمون او بلا معني فضلا عن اننا بطبيعة الحال نتفنن في تضييع الوقت ولا نحترمه‏..‏ واضافت ان الدولة لابد وان تضع خطة تثقيفية متكاملة للمساهمة في احياء وعي المجتمع من جديد وتحفيز الابتكار والابداع وتطوير التعليم وايجاد ارادة الرفض والمعارضة ووضوح الرؤية لدي المشاهد واختيار توقيت عرض مناسب للبرامج والمضامين المقدمة للجمهور ولكن ما نحن فيه الآن هو توارث مستمر للفوضي‏..‏ وتري خضر ان القنوات الحكومية تقدم مضامين افضل بكثير من الفضائيات فمثلا برنامج ـ صباح الخير يا مصر ـ من افضل البرامج في التليفزيون ومن البرامج الحوارية ايضا ـ مصر النهاردة ـ الذي يعتبر أكثر رقيا وتوازنا من كل البرامج المشابهة له علي الفضائيات‏,‏ وتؤكد اننا بحاجة للتعلم من الشاشة الصغيرة ذاتها وان نجد فيها من يوجهنا لكل ما هو صحيح خاصة وان المشاهدين يقتنعون دائما بكلام الاعلاميين‏..‏ وربما يرجع قلة مشاهدة القنوات الحكومية لعدم ثقة الجمهور فيها حيث الظن الدائم بانها تروج فقط لسياسات الحكومة في وقت تجد الفضائيات ترفض وتعارض وتنتقد بشدة‏..‏ وتنادي خضر بضرورة احياء الرموز والقمم المصرية في وسائل الاعلام أمثال طه حسين ويوسف السباعي والدكتور مصطفي محمود والدكتور مصطفي مشرفة والدكتورة سميرة موسي ويحيي حقي‏.‏

تربية اعلامية

ويقول الدكتور صفوت العالم‏,‏ استاذ العلاقات العامة بإعلام القاهرة‏,‏ ان التليفزيون صار البديل الوحيد لشغل فراغ الناس وبالتالي لا يشاهدون البرامج او الاحداث والمسلسلات بانتقائية‏,‏ فطالما لديه وقت فراغ يشاهد اي شيء والمشكلة الكبري هي ان المضمون الاعلامي هنا اصبح مؤثرا للغاية في حياة هؤلاء البشر وغالبا ما تكون له اهمية دعائية وسياسية توجه الجمهور لوجهة نظر معينة وطريق محدد خاصة في الفترة التي كان عدد القنوات فيها محدودا‏..‏ ايضا اصبحت الشاشة الصغيرة بديلا للتفاعل الاجتماعي فبدلا من ان نجد الرجل او الجار يزور اهله واقاربه وجيرانه كفعل اجتماعي وانساني قائم اصبحنا نتجمع من اجل مشاهدة ماتش كرة قدم او فيلم يتم عرضه لاول مرة وبعد انتهاء المشاهدة كل يعود الي داره دون ان يتحدث الاشخاص مع بعضهم البعض ودون ان يحدث تفاعل اجتماعي‏,‏ وبالتالي فنحن كمشاهدين لا نتعامل مع التليفزيون بانتقائية وليس لدينا تخطيط سليم لقضاء وقت الفراغ‏..‏ ويري ضرورة تعليم الجمهور التربية الاعلامية السليمة وكيفية اختيار المضامين والبرامج وفقا لاعمارهم وثقافتهم وخبراتهم وغير ذلك‏..‏ويرجع سبب اقبال الجمهور علي الفضائيات لانها سمحت للافراد بالتنوع وتعدد البدائل حيث تصل القنوات لاكثر من‏700‏ قناة بعكس القنوات الارضية المحدودة العدد القليلة الحقائق فضلا عن كونها تمثل صوت النظام الحاكم‏.‏

الأهرام المسائي في

18/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)