حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نصف قرن على إنشاء التلفزيون المصري

اضبط.. إنهم يحتفلون بأمجاد التلفزيون المصري!

سليم عزوز

'يقتلون القتيل ويمشون في جنازته'..

إنهم قادة مبني 'ماسبيرو'، الذين يحتفلون في هذه الأيام باليوبيل الذهبي لتلفزيون الريادة الإعلامية، مع أنهم لم يكونوا جزءا من ريادته، وإنما كانوا سببا في 'وكسته'.. وأصبحنا بسببهم نستحق الشفقة، من باب ' ارحموا عزيز قوم ذل'.

50 عاما مرت على بث التلفزيون المصري إرساله، الذي بدأ في 21 تموز (يوليو) 1960، ومع ذلك بدا كهلا، وللدقة فان كهولته تبدت منذ أربعة عشر عاما، عندما استيقظت الدنيا على قناة 'الجزيرة' القطرية، وظهورها كان كاشفاً عن خيبة القوم، ولم يكن منشئاً لها، بعد أن تحول التلفزيون على أيديهم الى شاشة عرض لنشاط أهل الحكم، وصار جزءا من إعلام الحزب الحاكم، وهو حزب ليس محظوظا في مجال الإعلام، لانه رائد فقط في مجال التزوير، وقد أمتعنا في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة بوصلة تزوير معتبرة، كفيلة بأن تؤهل من يطلعون عليها للإقامة الدائمة في مستشفى المجانين بالعباسية.

لاحظ أن هذا التزوير غير المسبوق في حياة الأمم والشعوب، كان بعد خطاب للرئيس مبارك، شاهده الملايين عبر وسائل الإعلام وعد فيه بأن تكون الانتخابات 'نزيهة'.. وبعض القوى السياسية في مصر تفكر الان في طلب مقابلة الرئيس من اجل ان تحصل على وعد بنزاهة انتخابات مجلس الشعب القادمة.. لا بأس هذا وعد من محسوبكم كاتب هذه السطور بأن تكون كل انتخاباتنا 'نزيهة'، الى ان تمل منا السيدة 'نزيهة' نفسها.. مبسوطين؟!

احتفال قادة 'ماسبيرو' الآن بالبداية الجادة للتلفزيون المصري، يأتي لتأميم هذا الانتصار بعد ان فشلوا في مجال المنافسة، وأصبحوا يطلقون مشروعات إعلامية لتؤكد فشلهم، يبدو أنهم يسعون بهذا العدد الضخم من الإخفاقات للدخول في موسوعة ' جينس' باعتبارهم روادا في عالم الفشل.. ريادة بريادة، المهم ان يكونوا رواداً، وما دامت الريادة في النجاح أصبحت من حظ ' علبة كبريت ' في قطر، إذن فلتكن الريادة في الفشل من حظهم.

لقد أقام القوم الأفراح والليالي الملاح بمناسبة الاحتفال بالعيد الذهبي للتلفزيون المصري، كأنه نجاح شخصي لهم.. وقد خشيت في زمن السطو على الإنجازات التاريخية، أن يقال ان أول من أطلق إشارة البدء للتلفزيون هو رجل الحديد والصلب، والرجل القوي في الحزب الحاكم احمد عز، وهو من أدار انتخابات مجلس الشوري الماضية، فخرج الموتى والإنس والجن والعفاريت، الذين لم يبلغوا الحلم ليدلوا بأصواتهم، لدرجة ان وزير الأوقاف حصل على 285 ألف صوت في دائرة انتخابية، ولم يحصل الرئيس مبارك على مثل هذه العدد المهول من الأصوات، في هذه الدائرة في أي انتخابات رئاسية منذ ان تولي الحكم في 1981.. حتى سكان جهنم مارسوا حقهم في التصويت في عهد احمد عز.

الإنجاز الوحيد الذي تحقق على يد القوم في هذا الاحتفال تمثل في إطلاق ' التلفزيون العربي' في نفس توقيت إطلاق إرسال التلفزيون المصري، ليذكرنا بزمن الأبيض والأسود، وبأماني ناشد، وسامية صادق، وفريدة الزمر، ونجوى إبراهيم، وسلوى حجازي، وهمت مصطفى، وزينب سويدان، وسهير الاتربي، واحمد سمير، ومحمود سلطان.. وغيرهم، وغيرهم.

الخيبة الثقيلة

فريدة الزمر قالت ان هذه القناة الجديدة فكرة عبقرية، وأنا معها، لكن فاتها ان هذه المحطة ساهمت في تعرية القوم، عند المقارنة بين ما كنا عليه، وما صرنا إليه، مع انهم استخدموا شعارا مضللا: ' كباراً بدأنا.. وكباراً نستمر'.. المشكلة ليست في ان يمارسوا التضليل ويعلمون أنهم يضللون، أو ان يطنون فينا ظن السوء، ويعتقدون اننا ' مختومون على أقفيتنا' مثلا، ويمكنهم ان يدخلوا علينا بالتالي الغش والتدليس، ولكن المشكلة في أن يعتقدوا بالفعل أنهم لا يزالون كبارا، ولا يرون أننا أصبحنا في الدرك الأسفل بفضل 'خيبتهم الثقيلة'.

ما علينا، لقد كبرت فريدة الزمر، وازداد وزنها، لكنها لا تزال تحتفظ بما كانت تتميز به أيام زمان، وهي ابتسامتها العذبة، التي كانت مثار دهشة المشاهدين، فلم تظهر بدونها مرة، كأنه لم يحدث ان تشاجرت مع المخرج قبل ظهورها، أو اختلفت مع زوجها قبل قدومها، أو أنها استيقظت من النوم لتجد نفسها مكتئبة، و أن قلبها 'مقبوض' بدون سبب.. قيل انها سئلت في ذلك أيامها فقالت وما ذنب المشاهد حتى يشاهدني حزينة؟

شاهدت لقاء للراحلة سلوى حجازي مع أم كلثوم في باريس.. كانت إجابات سيدة الغناء العربي مقتضبة، لكن المحاورة كانت حاضرة بأسئلتها السريعة الهادفة.. شاهد رقة الشكل.. واستمع الى رقة الصوت وقوته، وهي كلها أمور كانت تميز مذيعات التلفزيون المصري، وشاهد مفيدة شيحة وهي تثرثر وترفع صوتها وكأنها توقظ نياما، لتعرف الفرق بين ما كنا عليه وما وصلنا إليه.

الراحل احمد سمير كان صاحب صوت مميز وقوي، وكذلك محمود سلطان الذي يجمع صوته بين القوة والجمال والدفء، ولأن من لم يرحلوا منهم يعملون في تلفزيون الحكومة، فقد تم الاستغناء عن خدماتهم بمجرد ان وصلوا الى سن الستين، وجاءت الفضائيات الاخرى فلم تستعن بهم، ولكنها جلبت من لا علاقة لهم البتة بالعمل الإذاعي.. ممارسة، او صوتا.. وشاهدنا جيلا من المذيعات والمذيعين اللقطاء، الواحد منهم يحصل على راتب في الشهر أضعاف ما يحصل عليه فيصل القاسم مثلا في العام، وكأننا أمام عمليات غسيل أموال.

التلفزيون العربي

أرني صوتا في كل فضائيات العالم يعادل صوت سامية صادق جمالا ورقة وعذوبة.. استمع إليها وهي تغرد في الإذاعة: أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي، في برنامج 'لغتنا الجميلة'؟!

وكان المفروض ان نحافظ على هذا الرصيد البشري، بدلا من التعامل معه على طريقة التعامل مع خيل الحكومة، التي يتم التخلص منها بالضرب بالرصاص في شيخوختها، فالفضائيات الكبرى تستعين بكبار السن للعمل فيها ، وكان بالامكان ان تمزق اللوائح، من اجل الاستفادة بمحمود سلطان، وفريدة الزمر، ونجوى إبراهيم، وسامية صادق، وسهير الاتربي، إذا وجدت الإرادة، ومن المعروف ان هذه اللوائح وضعت تحت الأحذية من اجل جلب أسامة الشيخ رئيسا لقطاع القنوات المتخصصة، فرئيسا لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، وأيضا من اجل جلب عبد اللطيف المناوي رئيسا لقطاع الأخبار.. وغيرهما ممن يمثلون دليلا حيا على ان يوم القيامة قد اقترب.. فإذا وسد الأمر الى غير أهله فانتظر الساعة، كما ورد في الحديث الشريف.

اللافت ان تلفزيوننا كان اسمه 'التلفزيون العربي'، حتى الأفلام التي كان يعرضها كانت تطل علينا قبل بدايتها فريدة الزمر، أو فريال صالح، أو نجوى إبراهيم،.. أو غيرهن من مذيعات الربط.. بالقول: الآن جاء موعدنا مع 'الفيلم العربي'!

تذكرت كل هذا، وتذكرت 'كلاب السكك' في البرامج الرياضية، وهم ينهشون في العروبة، ويطالبون بخروج مصر من عروبتها بسبب مباراة لكرة القدم في كأس العالم، فأدركت الفرق بين ما كنا عليه و ما النا إليه، حتى تفوقت علينا فضائيات لم تكن شيئا مذكورا وتلفزيوننا ينطلق في الفضاء الفسيح.

لقد 'قلبوا علينا المواجع' ثكلتهم أمهاتهم.

التحرش بالمذيعات

علاقتي بالبشر، لا تتحدد حسب موقعهم السياسي، أو توجههم الفكري، وقد تعجبون عندما تعلمون انني كنت صديقا للمؤرخ الراحل الدكتور عبد العظيم رمضان الذي كان يرى ان الرئيس حسني مبارك هو أعظم من حكم مصر منذ عهد اخناتون (!)، فما تعرضت لمحنة إلا وجدته معي وبدون طلب مني، على الرغم من انه كان يرى ان السبب في ضياع الدور المصري راجع الى هجوم عبد الباري عطوان عليه في 'الجزيرة'، وفي 'القدس العربي'.. مؤخرا ذكرني احد الزملاء بمانشيت احدى الصحف القومية عقب اللقاء التاريخي بين الزعيم السوفييتي جورباتشوف والرئيس الأمريكي ريجان.. وكان على هذا النحو: الزعيمان يؤكدان على الدور المصري!

وأذكر لأسامة سرايا رئيس تحرير 'الأهرام' انه عرض علي الكتابة في 'الأهرام العربي' عندما كان يرأس تحريرها، وفي الكتابة لـ 'الأهرام' بعد ذلك، وكلما رآني أقام علي الحجة أمام الزملاء بأنه عرض علي الكتابة وأنني رفضت، وفي الواقع انني لم ارفض، لكن لا أريد ان أفجر نفسي فيه، وقد عرض على بلال فضل فكتب، فقاد عبد الله كمال حملة ضده في 'روز اليوسف' وقال ان سرايا يفتح 'الأهرام' لخصوم النظام.

ومع هذا فقد أسفت لدفاع أسامة سرايا عن السقطة المهنية التي وقعت فيها 'الأهرام'، وفي ملحق 'ع الهوا'، من القول بأن السبب في استقالة المذيعات الخمس من الجزيرة يرجع الى تحرش قيادة بالمحطة بهن.

سقطة مهنية، لا تليق بتاريخ 'الأهرام'، وهذا التاريخ يحتم عليها المبادرة الى الاعتذار، ليس لـ'لجزيرة' وحسب، ولكن للقراء أيضا، فـ'الأهرام' ليست صحيفة صفراء، حتى تحتفي بهذا اللون من الكتابة، كما لا يليق برصانتها ان يكون لها ملحق يحمل عنوان 'ع الهوا'.. لا أظن ان القراء سيهربون منها ويهرعون الى جريدة 'عيون الفجر'.. وجريدة 'سهران لوحدي'.. إذا جاء الاسم ' على الهواء'.. فـ 'الأهرام' دورها ان ترتقي بالأداء المهني، لا ان تهبط مع الهابطين.

ليس في يد 'الأهرام' دليل واحد على صحة ما نشرته، دعك مما جاء في برنامج 'مانشيت' من أن لديهم اعترافا بخط يد احد المذيعين، فلو كان معهم لأبرزوه، ولو فعلوا لأكد أي طالب بالسنة الأولى بكلية الحقوق بأنه لا يرقى الى مستوى الدليل، أو المستند، أو القرينة.. فأمر كهذا لا يثبت إلا بحكم قضائي، يدين قيادات 'الجزيرة' بالتحرش الجنسي بالمذيعات، وبدون ذلك فنحن في مواجهة حالة من الفهلوة، ولا شأن لها بالدفاع القانوني.

لقد بدا سرايا واثقا وهو يقول ان القضاء المصري وحده هو المختص بنظر دعوى 'الجزيرة' ولا شأن للقضاء البريطاني بالدعوى.. وهي ثقة في القضاء المصري تبدو مفهومة، مع ان المنشور يخضع للمادة 308 من قانون العقوبات الخاص بالمساس بالأعراض، والحبس فيها وجوبي، مع احترامنا لدفاع الدكتور طارق نجل الدكتور فتحي سرور، بأن هذه المادة فقدت مفعولها بعد التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات سنة 2004، فالمحكمة لم تأخذ بهذا الدفع وبمقتضاها تم حبس عبده مغربي في قضية نور الشريف.

لا بأس، فـ'الأهرام' حتى بالبراءة التي قد تحصل عليها إذا كانت الدعوى من اختصاص محكمة بولاق أبو العلا بالقاهرة.. قد وقعت في 'سقطة مهنية' لا تليق بالصحيفة التي رأس تحريرها ذات يوم محمد حسنين هيكل.

صحافي من مصر

azouz1966@gmail.com

القدس العربي في

25/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)