تظاهرة للفيلم الفلسطيني في لندن... افلام متنوعة الهوية تدعو للتساؤل: فيلم خاص للايطالي سافيرو كوستانزو عن استفزاز المحتل وتأكيد الفلسطيني علي عدم تكرار لحظة عام 1948 ابراهيم درويش |
اجد صعوبة في فهم التظاهرة السينمائية التي بدأت يوم الجمعة الماضية في لندن بكلمة افتتحتها الروائية المعروفة اهداف سويف، وهي التظاهرة التي تقدم عددا من الافلام عن القضية الفلسطينية. وصعوبة الفهم تنبع من قضية اجرائية وهي تعريف الظاهرة ووصمها بالفلسطينية لان عدد الافلام الاكبر فيها هو ليس من عمل واخراج فلسطينيين، ففيها افلام اخرجها اسرائيليون وفيلم ايطالي ابطاله فلسطينيون. فالذي يفهم عندما نتحدث عن سينما فلسطينية، انها عن الافلام التي يصنعها فلسطينيون وان لم تكن حتي تتعلق بالقضية الفلسطينية، تماما كما نقول السينما الايرانية او الفرنسية. وان كان القصد من هذه التظاهرة هو الاحتفاء والتعريف بالافلام التي تتحدث عن فلسطين والقضية الفلسطينية، فكان الاولي ان تسمي التظاهرة بتظاهرة افلام فلسطين او القضية الفلسطينية. هذا الجدل لا يروق للكثيرين الذين تجاوزوا في ظل الوضع الحالي، والتهميش الذي تم علي القضية الفلسطينية، ويعتبرون الجدل بانه صرعة قديمة تعود للحرب الباردة. واذا تجاوزنا هذه القضية ، فالتظاهرة رغم الالتباس الحاصل فيها تقدم عددا من الافلام المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وعن الوضع الاني في فلسطين، الجدار، والحصار. ومن بين الافلام المعروضة في التظاهرة السينمائية والتي شاهدتها، فيلم خاص من اخراج الايطالي سافيرو كوستانزو، والذي يلعب دور البطولة فيه الفنان الفلسطيني المعروف محمد بكري، والفيلم قاتم، ومستفز وفيه درجة عالية من السوداوية، ولكنه ايضا مثقل بالأمل والتحدي، تدور احداثه في بيت، قد يكون كناية عن الوطن. محمد بكري، مدرس ناجح ومثقف ومبدئي في زمن تساقط فيه المبدئيون والايديولوجيون، يعيش مع عائلته حياة هانئة، وسعيدة في تآلفها مع اليومي والعادي، زوجته قلقة نوعا ما وتحاول تفهم مواقفه. وفي يوم يكسر امان البيت عندما يحضر الجنود الاسرائيليون ويقررون احتلال الطابق العلوي من بيته، ويقسمون البيت الي مناطق الف، باء وجيم وجيم هي المطبخ وغرفة المعيشة، حيث تتوزع المهام بين صاحب البيت وعائلته والمحتلين الجدد. وفي كل مساء يحضر جندي من الطابق العلوي لاخبار العائلة ان موعد الحظر علي المطبخ باعتباره منطقة عسكرية. القرار يحرم العائلة، من الحاجيات الاساسية، فعندما تحتاج الطفلة الصغيرة لدخول الحمام في الليل يطلب منها الأب الصبر والتماسك حتي الصباح. في البداية، تتجمع العائلة حول مصيرها، ولكن مع مرور الوقت، تظهر الشقوق والتوترات علي تصرفات العائلة خاصة الأم، التي تعلن عن قلقها علي مصير ابنائها وعائلتها بالذات. في الوقت نفسه، تقوم البنت الكبري التي يطالبها والدها بالرحيل لالمانيا لتأمين مستقبلها، باختراق حاجز الخطر، وهو الصعود الي الطابق العلوي، حيث تختبئ في خزانة وتراقب عن كثب تصرفات الجنود باعتبارهم بشر وتتعرف عن قرب علي اشيائهم الخاصة، واهتماماتهم اليومية التي تتجاوز حراسة الموقع العسكري الجديد الطابق العلوي ، ويبدو ان احد الجنود يلاحظ وجود الفتاة ولكنه يغض الطرف عن وجودها متيحا لها فرصة التعايش والتعرف علي المحتل الذي اقتحم حياة وامان البيت الفلسطيني. وفي توترات الوضع، يمارس الولد الاكبر لعبة اخري، هي البحث عن مشهد اخر، لافراغ احباطه ومقاومة الوضع الجديد، بطريقة تختلف عن مقاومة الاب الذي يعتقد ان خروج العائلة ومجرد مغادرتها يعني التخلي عن حقها في البيت والمكان، حيث يتخيل في الليالي نفسه مفجرا استشهاديا، ويحصل بطريقة او بأخري علي قنبلة يدوية يزرعها في خيمة بلاستيكية، يمارس الجنود عليها حماقاتهم كلما اعاد صاحب البيت بناءها. وفي لحظة من لحظات الفيلم الاخيرة، يقوم بتفخيخ الخيمة. البنت المترددة تكتشف مغزي ومعني مقاومة والدها وصموده في مكانه، رغم انقلاب حياتها رأسا علي عقب عندما تتعرف علي قلق الجنود واحباطهم من عملهم في الجيش، فهم كانوا يحلمون بالعودة الي عائلاتهم ولكن قرار القيادة جاء لنقلهم الي جبهة اخري في رفح. وفي الليلة التي يخبر فيها الجنود بمغادرة البيت في المساء. تقول البنت لوالدها قبل النوم انها بدأت تتفهمه، وتسند رأسها للمخدة لتنام بهدوء وهناء. وفي اللحظة التي يغادر فيها الجنود، تحضر فرقة اخري لتعيد احتلال البيت. وتبدأ العائلة معركة جديدة ولكن بظروف اخري، حيث يقرر المخرج قطع المشهد الاخير، علي منظر الجنود الجدد الذاهبين لتدمير الخيمة المفخخة، والتي تنفجر، ايذانا بمرحلة جديدة، ولكننا لا نشاهد الانفجار، بل نقرأ في عيون الولد الذي كان يراقب الجنود. ومثلما تواطأ الجندي مع البنت، تواطأ الاب مع ابنه، حيث كان يعرف اسراره ولكنه فضل الصمت علي البوح. الفيلم في طقوسه ومشاهده، وحركات ابطاله، هو عن الاستفزاز، تشاهده وتشعر بثقل الوضع، وفيه لحظات عالية من التوتر، خاصة عندما تقوم البنت الكبري برحلاتها اليومية الي الطابق العلوي، حيث يتساءل المشاهد هل يكتشفها الجنود، وماذا سيحصل، خاصة عندما يعرف اخوها الاصغر بلعبتها اليومية، ويأخذ يسألها عن ما يحدث، بل يصل التوتر درجته عندما يصعد الولد الصغير الدرج باتجاه الطابق الممنوع، ولكن لا يحدث شيء، بل يتلذذ الولد بالسر الجديد وتجيد الفتاة جدل الحكايات والاكاذيب التي تشير للجانب الاخر من الجندي وهو الجانب الذي ارادت توصيله لشقيقها. خاص هو عن الاحتلال والاقتلاع وقصة الضيف الثقيل في حكايات ونوادر السلف التي كنا نسمعها في الصغر حول كانون النار، والتي قدمها لنا الكاتب امين الغول، الرجل الذي جاء زائرا واستمرأ العيش واضطر صاحب البيت لرميه في الشارع. ولكن فيلم كوستانزو، يعطي صورة مختلفة عن حالة المحتل الجديد الذي لا يشعر بأمان في موقعه الجديد. وقد احسن الاستاذ الياس خوري عندما وصف الفيلم يوم الثلاثاء الماضي بقوله ان ما يعانيه الشعب الفلسطيني هو لحظة كافكاوية. ففي لحظات الرعب التي تسيطر علي المشاهد، يتساءل عن الرعب اليومي الذي يواجههه الفلسطينيون كل يوم امام الحواجز، وتحت صوت المقاتلات الاسرائيلية، التي تمارس غطرستها وتخوض حربها الارهاب علي الشعب الفلسطيني الاعزل. ولكن الفيلم يؤكد ان ما حدث يوما في فلسطين، اي عام 1948 لن يتكرر مرة اخري وهو ما اكده الفنان محمد بكري في ادائه المميز. بالاضافة لفيلم خاص، يحتفي المهرجان بعدد من الافلام الاخري، الافلام القديمة التي انتجت في السبعينات من القرن العشرين مثل رجال في الشمس لتوفيق صالح، وفيلم لجون لوك غودار، وتتوزع الافلام بين الوثائقية والطويلة والافلام القصيرة. ففيلم (الفي ارهابي) يتحدث عن بحث اربعة من الناجين من مذبحة صبرا وشاتيلا التي قامت بها الميليشيات المارونية بدعم وحماية من وزير الدفاع الاسرائيلي في حينه ارييل شارون، رئيس الوزراء الحالي. وقام الناجون بتقديم دعوي قضائية ضد شارون قبل عامين في بلجيكا بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقرر القضاء البلجيكي في فترة لاحقة تعليق القضية. والغريب ان شارون وصف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في لقائه مع صحيفة (معاريف) الاسبوع الماضي بانه قاتل الاطفال. اطفال ارنا عن تجربة مخرج يهودي في انشاء مسرح في مخيم جنين قبل اجتياحه والزيارة التي يقوم بها المخرج الي المخيم بعد اجتياحه، حيث يجد الاطفال الذين تدربوا علي المسرح يعلبون ادوارا في مسرح اكبر جاء من اثر الاحتلال. فيلم لا تتحدث عن هولوكوستي هو محاولة من المخرج آشر تعليم عن علاقة الهولوكست واهميته للاجيال الاسرائيلية الجديدة.. هاني ابو سعد المخرج الفلسطيني يقدم فيلما عن معاناة الفلسطينيين امام حواجز التفتيش ونقاط العبور ترانزيت فورد هو عن الظروف التي يعيشها الفلسطينيون في اثناء الانتفاضة فيه سخرية سوداء من الوضع القائم. جيمس لونغلي، يقدم مثل ابو سعد فيلما وثائقي قطاع غزة ، ويقول لونغلي اردت ان اقدم فيلما لا يعبر فقط عن الحقائق الصعبة للحياة في قطاع غزة ولكن عن العواطف والرغبات التي تدفع الناس الذين صورت حياتهم . ويقول لونغلي قمت باخراج الفيلم لكي املأ الفراغ الحاصل، النقطة العمياء في فهمنا للصراع الحاصل، اردت ان اصور انسانية الاشخاص الذين قابلتهم وهو الأمر الذي لا يمكن نقله عبر الكلمات . وحظي الفيلم الذي انتج عام 2002 باحتفاء نقدي في امريكا والعالم العربي، لانه كما تقول نيويورك تايمز يظهر لحظات عميقة اكثر من السياسة نفسها. رائد الحلو في فيلمه آمل ان يكون احسن عن مدينة رام الله، التي تدخلها الكاميرا مع بداية الاجتياح الامريكي للعراق، قبر يغطيه الثلج الا من الشاهد المكتوب عليه الفاتحة تدور الكاميرا في تقاطع واحد بشوارع رام الله المعفرة بالمطر، وتنقل شهادات الزبالين وصانعي الحمص والفلافل، العادية التي تبدو في حركات السكان في الصباح، هنا قلق يطفو علي السطح وبحث عن حياة عادية في صباح عادي قبل ان تشرق الشمس وتفضح الواقع الحقيقي. في فيلم علي ناصر، في الشهر التاسع وهو فيلم درامي عن حكاية قرية فلسطينية في العهد العثماني تتحدث عن رجل يقوم باختطاف الاطفال الاشقياء، ويعتقد ان احمد الرجل الغامض هو الذي يقف وراء عمليات الاختطاف. ولكن غموض احمد له علاقة بعودة شقيقه اللاجئ من لبنان حيث تسلل للقرية. ولنفس المخرج نصار، يعرض الفيلم الدرامي الاخر طريق الحليب عن قوانين الطوارئ التي فرضتها اسرائيل علي فلسطينيي عام 1948، حيث يدور الفيلم حول اهل القرية ـ ولكن الفيلم هو عن العلاقات التي فرضها الوضع الجديد علي الفلسطينيين، ويتحدث عن قضايا لها علاقة بالعمالة، والحب المحرم والسلطة التقليدية.. عن الجليل ايضا يدور فيلم ليس في حديقتي من اخراج شيري ويلك. ويوثق لمحاولات السلطة الاسرائيلية تغييب الذاكرة الفلسطينية عبر قرية راميا التي اقيمت علي انقاضها بلدة كرميل اليهودية، والفيلم هو عن رفض سكان القرية الاصليين المشاركة بعمليات الاقتلاع. عن مخيم برج البراجنة، يدور فيلم خارج المكان، خارج الزمان عن تجربة مخرج استرالي هو ستيفان ماركوورث الذي يكتشف واقع مخيم فلسطيني اقيم الي جانب مدينة بيروت الفارهة، والناس غير العاديين الذين التقاهم هناك في المخيم، وبسخرية ومرح يتحدث الرجال والنساء عن احلامهم وطموحاتهم المحصورة داخل حصار متعدد الطبقات، انه عن تجربة المخرج نفسه حيث يتعاطف مع موضوعاته. عن دور الكاميرا ومعانيها في الانتفاضة الفلسطينية، يقدم المخرج التسجيلي الفلسطيني عبدالسلام شحادة تجربة شخصية عن الصور التي تواجهها عدسته اثناء الانتفاضة، حيث يواجه بالفقدان والمعاناة، والفيلم هو عن دور المصور الصحافي كشاهد وضحية يواجه ما يصفه المخرج هنا قوس قزح . هاني ابو سعد، عرس رنا علي خلاف الفيلم الوثائقي الاخر، يتحدث عن فتاة في سن الزواج يعطيها والدها خيارين اما الزواج من شخص في قائمة من تسعة اشخاص او الهجرة معه للخارج. وتدور احداث الفيلم حول فتاة ترغب بالزواج من شخص تختاره ، وعندها تتسلل من بيتها في القدس المحتلة بحثا عن حبيبها خليل. طريق 181 شظايا رحلة في فلسطين/ اسرائيل، فيلم مشترك بين ميشيل خليفي وايال سيفان، حيث يقوم المخرجان في صيف 2002 برحلة من شمال الي جنوب البلاد في طريق هو 181 والذي يشير الي قرار الامم المتحدة الصادر عام 1947 لتقسيم فلسطين الي دولتين، وخلال الرحلة يتلاقي المخرجان علي حدود وتقاطعات مثيرة تشير للانقسام الحاصل وجذوره الان في فلسطين. كذلك يحتفي المهرجان بفيلم تهاني راشد، المخرجة التسجيلية التي قامت باخراج فيلم اربع نساء من مصر والفيلم هذا الذي انتج العام الماضي هو عن حياة وكفاح امرأة في رام الله، حيث تقابلها وتتابعها بالكاميرا في اثناء انشغالاتها اليومية، انه احتفاء بحياة امرأة تريد الحفاظ علي كرامتها في وجه العنف والاهانة اليومية التي يفرضها الاحتلال علي الشعب الفلسطيني.. ستار الاسمنت هو فيلم وثائقي من اخراج بيني برانر، عن اثر الجدار العنصري علي حياة الفلسطينيين، ويقوم علي مقابلات عديدة مع عدد من سكان ابو ديس وبيت لحم التي يقطع الجدار حياتهم. زيارة وفد الكتاب العالمي الي رام الله، كانت موضوع الفيلم الوثائقي محاربون علي الحدود ، من اخراج سمير عبدالله، وجوزي رينرز، الذين جاؤوا للاحتفاء بمحمود درويش الشاعر الفلسطيني المعروف، وبنفس الوقت يقدم شهادة اصيلة عن الحياة في ظل الاحتلال. وهناك في المهرجان الذي يستمر حتي السادس من شهر ايار (مايو) القادم عدد من الافلام القصيرة هروب ، الله معنا ، الجدار هو جدار، جدار ، ظل في بئر جميل ، البهو ، ارض العرب . والمهرجان نظمته وقامت بالاشراف عليه المؤسسة الفلسطينية للافلام التابعة لجمعية الطلبة الفلسطينيين في جامعة لندن (سواس وتخطط لعقد مهرجان اوسع في العام القادم. وكانت الجمعية قد قامت بتنظيم تظاهرة مشابهة للفيلم الفلسطيني عام 1999 وبناء عليه انشأت.
القدس العربي في 25 أبريل 2005 |
|