شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

بيدرو المودوفار:

كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

نيويورك ـ اب ـ جايك كويل

 

 

 

 

 

 

يأتي بيدرو المودوفار الي المقابلة الصحافية حاملا دفترا ابيض صغيرا وقلما وخلال الحديث يرسم بهدوء صورة تفصيلية لقلم موضوع علي الطاولة.

يبدو المخرج انه منصرف علي الدوام الي رسم الصور. ان المشاهد في اخر افلامه Bad Education تربية سيئة هي من اروع ما صنعه هذا السينمائي الاسباني حتي الان: خيط رفيع من الدم يسيل من وسط وجه فتي يافع.. لوحة فوضوية من احرف آلة كاتبة علي الورقة بعد ان يسقط رأس رجل ميت علي لوحة أزرار الآلة الكاتبة.

بعد ان امضي 15 سنة في صنع افلام كوميدية لامعة بمعظمها، حظي المودوفار علي ثناء النقاد علي فيلميه الاخيرين All About My Mother وTalk to Her وفاز علي هذا الاخير بجائزة الاوسكار لأفضل نص سينمائي.

ومع ان احدث افلامه Bad Education لن يدخل سباق الاوسكار لجائزة افضل فيلم اجنبي هذه السنة، فيحتمل ان يتم ترشيحه لجائزة اخري ـ وهذا من الامور النادرة لفيلم مصنوع بغير اللغة الانكليزية.

ويقول المودوفار (55 سنة) مبتسما خلال المقابلة في احدي فنادق مانهاتن: اعتقد دون ادعاء التواضع، انني وصلت الي مرحلة النضج والخير لا يزال لقدام.. هذا هو شعوري .

ولكن باديء ذي بدء توجب علي المودوفار ان ينظر الي الماضي لكي يصنع فيلم تربية سيئة . انه فيلم شخصي جدا استغرق صنعه 10 سنوات ويتمحور حول لقاء صديقين منذ ايام الدراسة في مدرسة كاثوليكية تعرضا لاعتداء جنسي من مدير المدرسة الاب مانولو. وفي لقائهما هذا في مدريد الثمانينات، يكون انريكي (يعلب الدور فيه مارتينيز) اصبح مخرجا سينمائيا وهو يسند نجومية الفيلم لصديقه ايغناسيو (غايل غارسيا برنمال) عن تشابك حياتيهما.

وتتقاطع الحقيقة والخيال فيما يذوب الثلاثي الجنسي ليتحول الي قصة خداع وقتل سوداء. ولكون الشخصية الرئيسية للفيلم صانع افلام، واجه المودوفار اسئلة كثيرة عن مقدار السيرة الذاتية في Bad Education.

ويقول المودوفار انه استلهم موضوع الفيلم من اثنين من قساوسة مدرسته الكاثوليكية الداخلية اعتديا علي عدد من التلاميذ ولكنهما لم يعتديا عليه. اما القس مانولو فله جانب شرير واضح، الا انه مثير للشفقة لانه سجين شهواته القذرة.

ويضيف المودوفار: هناك فارق كبير بين الشخصية الخيالية والحياة الحقيقية. انني اهتم اكثر بالقس عندما لا يعود كاهنا ويعتدي علي هذا الفتي اليافع .

والفتي اليافع الذي يلعب دوره برنال كمخنث هو المرأة الفتاكة لهذا الفيلم القاتم غير المعهود. ولا يوجد في الفيلم رجال تحري يدخنون بشراهة، بل ان المخرج هو الذي يبحث عن الحقيقة.

ويقول المودوفار: انني مبهور بالسينما السوداء، فأفضل دراما وافضل المآسي موجود فيها. انني اهتم بالافلام السوداء القاتمة التي لا يوجد فيها بالضرورة تحريون كثيرون وتحقيقات جارية بل تخاطب الجانب المظلم في اخلاق الانسان.

وهذا امر غير معهود ولكنه الناحية الطاغية بتزايد علي افلام المودوفار. ولماذا يبدو المخرج الذي اشتهر بالفوضوية الحمقاء في افلامه مثل نساء علي وشك الانهيار العصبي منشغلا الان بالجانب المظلم للناس؟

ويرد: ما تقوله صحيح ولكنني لا اعرف لماذا. وربما يعود ذلك الي حقيقة انني احيا حياة اكثر وحدة من قبل ـ اكثر وحشة واقل تلونا .

هذا التصريح يفاجيء الكثيرين باعتبار ان المودوفار هو احد الاشخاص المحبوبين جدا في اوروبا وامريكا الجنوبية، الا انه يزداد انشغالا بأفلامه، وقد اصبح شعره الاسود المشعث شائبا بمعظمه.

وعلي غرار حبكة تربية سيئة ربما اصبح المخرج اكثر تركيزا علي ماضيه. ففي شهر تشرين الاول (اكتوبر) الماضي كان المودوفار موضوع عرض استعادي خلال مهرجان الافلام في نيويورك. الامر الذي تأثر منه كثيرا.

ويقول المخرج: عادة لا اتطلع الي الوراء. وحتي الآن لم اكن شخصا يحن الي الماضي. ان التطلع الي الامام دائما مرعب نوعا ما لان الحياة اقصر دائما. ان ما بقي من الحياة اقصر دائما .

غير ان المودوفار يتطلع الآن الي الامام، ليس نحو فيلمه القادم، بل الي افلامه الاربعة القادمة ـ احداها بمثابة العودة الي الكوميديا ـ ان لا لشيء فلارضاء الجمهور السينمائي.

ويقول المخرج: انني ناجح جدا بآخر افلامي واعتقد ان الاهتمام الدولي بعملي آخذ بالتزايد. ولكن عندما انزل الي الشارع يأتي الي الناس ويقولون: بيدرو، رجاء اصنع فيلما كوميديا جديدا، فنحن نضحك معك كثيرا ـ وكأنني املك دكانا والزبائن يأتون ليقولوا لي رجاء ان تصنع لنا فيلما كوميديا اخر.

الا ان اثنين من مشاريعه السينمائية الاخري هما عن مخرج آخر يصاب هذه المرة بالعمي. ويقول المودوفار ان الفيلمين ستكون لهما نفس نغمة تربية سيئة .

واذا كان المودوفار يبدو انه يجد صعوبة في التخلص من اثار تربية سيئة علي نفسه، فذلك لانه يجد صعوبة فعلا. فالفيلم ينتهي بشكل مفاجيء بمشهد آخر يرسخ في الاذهان هذه المرة مشهد بوابة خضراء يتم اغلاقها رمزيا، وكلمة ختام.

ويقول المخرج ان تلك الخاتمة هي ملخص لاكثر من 100 صفحة نص غير مستعملة. وهو يصور ذلك برسم سلسلة من الجبال علي الورق. ويشرح المودوفار ان الفيلم والخاتمة هما القمم فقط، يخفيان تحتهما السرد الشبيه بجبل الجليد.

ويضيف، وهو يتطلع الي الامام كعادته: ان خاتمة حياتنا لم تكتب بعد .

القدس العربي في 2 ديسمبر 2004