شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

دراما ملحمية شديدة الشاعرية عـن الوجود الفلسطيني

علا الشافعي

 

 

 

 

 

 مصر العالمية تقهر يسري نصرالله

يسري نصر الله مخرج يستحق الاحتفاء به‏,‏ خاصة أنه لن يأخذ حقه في دور العرض‏,‏ ويتعرض لظلم شديد‏.‏

المفارقة الدرامية التي نتحدث عنها هو أن شركة بحجم أفلام مصر العالمية ــ ويقع علي رأسها مخرج بقيمة يوسف شاهين‏,‏ طالما قدم إنتاجات شديدة الخصوصية ــ تركن الفيلم وترفض عرضه منذ شهر يوليو الماضي‏,‏ وتحت ضغوط صفقة تتم بين أمبير بلزان‏,‏ المشارك الرئيسي الفرنسي‏,‏ ليوسف شاهين في معظم أفلامه‏,‏ والمدين لأفلام مصر العالمية‏,‏ بمستحقات عن فيلم إسكندرية‏-‏ نيويورك‏-‏ بوصفه الشريك الفرنسي‏-‏ فقد أعطاهم حق توزيع باب الشمس في مصر مقابل تخليص حقهم‏,‏ وقبلت الشركة هذا العرض‏,‏ لكنها تعاملت مع المسألة بمنطقها الخاص الذي لا نفهمه‏,‏ فالدعاية قليلة جدا‏,‏ أختارت توقيت عرض قبل نزول أفلام العيد بأسبوع واحد‏,‏ ليس ذلك فقط‏,‏ بل أكتفت بطبع ثلاث نسخ‏,‏ واحدة ستعرض في جالاكسي‏,‏ والأخري كوزوموس‏,‏ تخيلوا سينما من سينمات وسط البلد في العيد‏,‏ بالتأكيد لن يقبل مشاهدو وسط البلد علي هذه النوعية في العيد‏.‏

وأخري ستعرض بمجمع ستي ستارز‏,‏ والسؤال الذي يطرح نفسه‏:‏ هل هناك تعمد في تحجيم الفيلم؟ خاصة أن نفس الشركة هي التي أقامت أسبوعا للأفلام الأوروبية‏,‏ ودعمتها بحملة إعلامية ضخمة وساندتها الصحافة‏,‏ ونجح الأسبوع وقضي نجاحه علي حجج الموزعين في أن الجمهور يرفض الأفلام المختلفة‏,‏ والتساؤل الملح لماذا لا يتم التعامل مع باب الشمس بنفس المنطق؟

وهذا يستدعي من الذاكرة ما حدث مع المخرج الراحل رضوان الكاشف في فيلمه عرق البلح الذي حصد أ كثر من‏20‏ جائزة عالمية‏,‏ إلا أن الشركة وقفت منه نفس الموقف‏.‏ ونفس الحال مع فيلم المدينة ليسري نصرالله‏,‏ والأبواب المغلقة لعاطف حتاتة‏.

الأهرام العربي

8 يناير 2005

 

يسري نصر الله حالة خاصة في تاريخ السينما العربية‏,‏ لأنه من المخرجين القلائل الذين يرفضون الاستسلام لشروط السوق‏,‏ لذلك فهو لا يقدم سوي السينما التي ترضيه فنيا وتعبر عن البشر‏,‏ وطبيعي أن تتحول إبداعاته إلي علامات فارقة في تاريخ السينما العربية‏,‏ لذلك علينا أن نحتفي به ونفخر بأن لدينا مخرجا بحجم موهبته‏,‏ وطبيعي أن تختار مجلة الـ تايم فيلمه باب الشمس بجزئيه الرحيل والعودة من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم وترتيبه الثامن في‏2004,‏ وباب الشمس سيعرض الجزء الأول منه في دور العرض المصرية والعربية في الأسبوعين القادمين‏,‏ ويتوقع له أن يثير الكثير من الجدل السياسي والسينمائي‏.‏

بشر‏...‏ نصر الله

الذين لا يعرفون يسري نصر الله قد لا يصدقون أن هذا الشخص شديد الخجل والدماثة‏,‏ هو نفسه المتمرد الذي تفور منه براكين الثورة والغضب تجاه الواقع العربي‏,‏ والاجتماعي والسياسي‏,‏ لا تعنيه المؤسسات كثيرا بقدر ما يهتم بأوجاع الفرد‏,‏ يرفض النظم العقيمة‏,‏ عندما وجد أن المعهد العالي للسينما يدرس هذا الفن بأسلوب متخلف‏,‏ علي حد تعبيره وقف في المعهد وقال هذا صراحة‏,‏ بل قام بتقديم طلب ليتم رفته‏,‏ دراسته للعلوم السياسية وخوضه غمار السياسة شكلته ثقافيا وانتماؤه لأسرة برجوازية لم يمنعه من أن يصبح يساريا له دور في الحركة الطلابية‏,‏ وعندما شعر بعجز المجتمع من حوله‏,‏ وانهيار الكثير من أحلامه لم يتردد في السفر إلي لبنان في أوج الحرب الأهلية‏,‏ وهو شاب مصري في مقتبل العمر‏,‏ يرغب في أن يعيد صياغة المزيج من الخيبات والأحلام‏,‏ وهناك بدأت علاقاته بالسينما‏,‏ حيث عمل مساعدا للمخرج الألماني العظيم صاحب فيلم الطبلة شلوندورف‏,‏ وبعده للسوري عمر أميرالاي‏,‏ وبعد ذلك عاد إلي القاهرة ليبدأ مغامراته السينمائية بالعمل مع شاهين‏,‏ لكن إخلاصه وذكاءه وموهبته وثقافته الواسعة‏,‏ حيث يجيد أكثر من لغة الفرنسية‏,‏ الإنجليزية‏,‏ الألمانية‏,‏ أهلته ليكون حالة متفردة في تاريخ السينما المصرية‏.‏

يسري يملك عينا شديدة الحساسية‏,‏ طوال الوقت هو في حالة مراقبة‏,‏ يفرز وجوه البشر‏,‏ يقيس التحولات التي تحدث لهم‏,‏ فالبطل عنده هو الوجود الإنساني الشخصيات‏,‏ بملامحها وتعرجاتها الإنسانية‏,‏ لذلك عندما قرر أن يقدم فيلما عن القضية الفلسطينية‏,‏ اختار أن يحمل الفرد والجسد تحديدا كل المعاني‏,‏ لكن بشاعرية شديدة ورقة قد تدهش المشاهد‏,‏ بعيدا عن الصورة النمطية من صراخ وعويل وآلات الحرب العتيدة التي تقهر وتدوس الأجساد‏,‏ فالحب حاضر بقوة ومن خلال العشق الذي يصل إلي درجة الوجد بين الأبطال‏,‏ يروي نصر الله مأساة الوجود الفلسطيني من خلال جدلية العلاقة بين الفرد والتاريخ‏,‏ وهذا هو أسلوبه منذ فيلمه الأول سرقات صيفية ثم مرسيدس‏,‏ وصبيان وبنات والمدينة فالموضوعات الكبري من وجهة نظره لا تلغي الفرد فهو دوما الأساس‏,‏ ولا نستغرب إذا قلنا إن يسري بذكائه الشديد حول كل المظاهر الطبيعية الماء والهواء إلي أشياء ملموسة تستطيع أن تتحسسها وتشعر بها‏,‏ تنفذ إلي أعماقك‏,‏ فهناك حسية شديدة‏,‏ تحيل ما هو غير مرئي إلي مرئي‏,‏ ومثلا في المشهد الافتتاحي لباب الشمس‏-‏ اسم مغارة‏-‏ يقول أحد المحاربين إذا كانت فلسطين برتقالة دعونا نأكلها‏,‏ قبل أن تأكلنا‏,‏ بينما تظهر خلال الأسماء والعناوين كومة من البرتقال المقشر في لقطة شديدة الدلالة والتعبير‏,‏ ونقصد من ذلك أن نصر الله تعامل في عمله الفني مع شخصيات بشرية لها أحلامها ونزواتها وأخطاؤها بعيدا عن الصراخ السياسي غير المبرر‏,‏ فهو لم يتعامل مع فلسطين بمفهوم الضحية‏,‏ بل البقاء والصراع من أجل الحياة‏,‏ وهذا أعمق وأسمي‏.‏

باب الشمس

احتفي مهرجان كان الدولي في دورته السابعة والخمسين العام الماضي بفيلم نصرالله الذي عرض في قسم نظرة ما‏,‏ وكذلك معهد العالم العربي في باريس‏,‏ الفيلم مأخوذ عن رواية للبناني إلياس خوري‏,‏ بنفس الاسم‏,‏ وكتب له السيناريو والحوار كل من يسري نصر الله وإلياس خوري‏,‏ والمخرج والناقد اللبناني محمد سويد‏,‏ حينما قرأ نصر الله الرواية لم يتخيل أن هذا النص قد يتحول إلي عمل سينمائي نظرا لكثرة شخصياته‏,‏ ولحجم الفترة الزمنية التي يتناولها‏,‏ إلا أن هناك شيئا في داخله‏,‏ كان يحرضه‏,‏ لذلك أعاد قراءة النص أكثر من مرة‏,‏ إلي أن وجد المفاتيح التي فكت له شفرة هذا العمل الأدبي‏,‏ وكان الحب والإنسان هما الحل ليتحول النص إلي عمل سينمائي ملحمي‏,‏ ونظرا للمساحة الزمنية التي تناولتها الرواية وصلت مدة الفيلم إلي‏4.39‏ ساعة‏,‏ وقد عاد بنا المخرج ومؤلف النص إلي أوائل الأربعينات من القرن الماضي‏,‏ وبالتحديد عام‏1943‏ ثم توقف عند حرب الـ‏48,‏ مرورا بالوحدة المصرية‏-‏ السورية عام‏1958‏ والحرب الأهلية اللبنانية‏,‏ ومجازر صبرا وشاتيلا‏,‏ وانتهاء بنزوح الفلسطينيين من بيروت عام‏1982,‏ مع ضرورة لفت الانتباه إلي أن أحداث الفيلم تبدأ في شتاء‏1994,‏ حيث يتزامن مع توقيع اتفاقية أوسلو‏,‏ ومن خلال تقنية الفلاش باك‏,‏ يستعيد الأحداث الدامية عبر نصف قرن‏,‏ توزعت أماكن التصوير ما بين سوريا ولبنان في قلعة الحصن‏,‏ ونهر طاحون ومعلولا السورية‏,‏ ودوما وتل الزعتر وعين الحلوة‏,‏ ومخيم ميه‏-‏ ميه والجميزة‏,‏ اشترك في هذا الفيلم أكثر من ثلاثين ممثلا معروفا من ست بلدان عربية‏:‏ لبنان‏,‏ سوريا‏,‏ مصر‏,‏ الأردن‏,‏ تونس‏,‏ فلسطين‏,‏ ومنهم ريم تركي‏-‏ تونسية‏-‏ أروي نيرابية‏,‏ هيام عباس‏,‏ باسل خياط‏,‏ هالة عمران‏,‏ نادرة عمران‏,‏ ماهر عصام وعصام محتسب‏,‏ وباسم سمرة‏,‏ وحنان الحاج علي‏,‏ ودارينا الجندي‏,‏ والفرنسية بياتريس دانيال‏.‏

نضال الحب

لفتنا النظر إلي أن نصر الله دوما ستجده معنيا أكثر بالذاكرة الفردية للفلسطينيين‏,‏ أكثر من عنايته بالقضية‏,‏ لذلك فالمصائر الفردية هي البطل‏,‏ التحولات‏,‏ النجاحات‏,‏ الإخفاقات‏,‏ الانكسارات‏,‏ يختصر باب الشمس تاريخ الشعب الفلسطيني‏,‏ ويجسد جانبا منه من منطلق أن الجزء يؤدي إلي الكل‏,‏ وذلك من خلال قصتي حب معقدتين في آن واحد وفي أزمنة مختلفة‏,‏ من قصة حب يونس‏,‏ أروي نيرابيه المناضل‏,‏ القديم في المقاومة الفلسطينية‏,‏ والوالد الروحي للدكتور خليل باسل خياط‏,‏ يونس‏,‏ الذي يتزوج من سهيلة‏,‏ ريم تركي‏,‏ وقصة حب خليل‏,‏ من شمس هالة عمران‏,‏ وذلك من خلال الترابط القوي بين بطلينا‏,‏ حيث يمارس خليل مهنته كطبيب ويقوم بدور الراوي الذي يبذل قصاري جهده لكي يحث يونس علي الاستفادة من غيبوبته‏,‏ ويستعيد وعيه ويسترد ذاكرته المفقودة‏,‏ وهو راقد علي السرير يتأرجح ما بين الحياة والموت‏,‏ ومن خلال الفلاش باك يذكرنا الراوي بفترة شباب يونس وحبه لنهيلة‏,‏ وهربه من الجليل إلي لبنان وتتداخل هذه القصة مع سيرة خليل الذاتية‏,‏ وحبه الملتاع لشمس‏,‏ وبالتأكيد تتفجر قصص وحكايات أخري تتناول المصائر الفردية للفلسطينيين الذين عانوا نكبة‏1948‏ والمجازر المأساوية التي تعرضوا لها في أكثر من بلد عربي‏.‏

وينطوي فيلم باب الشمس علي مزايا إخراجية وفنية عالية أثبتها نصر الله في أفلامه الروائية والتسجيلية علي السواء‏,‏ ويروي يسري نصر الله في باب الشمس الحكاية وأحداثه وامتداده وينجح في تفادي مآزق كثيرة كان يمكن أن يوقعه فيها الفيلم الحاشد بشخصياته وأحداثه وامتداده بعمر الوجع الفلسطيني‏.‏ ويقدم باب الشمس البعد الفردي والعائلي في المعاناة الأساسية للفلسطينيين عبر قصة تراوح بين الواقع والحكاية‏.‏ تأتي الحكاية علي لسان خليل‏,‏ باسل خياط‏,‏ الذي يعمل طبيبا في مستشفي مخيم شاتيلا الفلسطيني في بيروت‏,‏ والذي يعالج يونس الواقع في غيبوبة طويلة‏.‏ القسم الأول من الفيلم يروي حكاية يونس الفدائي الذي ولد وكأن البارودة في يده‏,‏ كان يحارب الإنجليز وهو في السادسة عشرة‏,‏ وفي هذه السن تزوج من نهيلة التي كانت في الثانية عشرة في قريتهم بالجليل‏,‏ ويصور الفيلم لحظا ت الفرح لعائلات تأكل من رزق أرضها التي تعيلها وكيف تحول العرس إلي مأتم إثر هجوم اليهود علي القرية‏,‏ مما أدي إلي خراب العرس وأقفل موسم الفرح الأول إلي الأبد‏.‏ وتأتي مشاهد القسم الأول من الفيلم جميلة غائمة ومغبرة وتمثل زمن هجرة الفلسطينيين في الجليل في جو حكائي وثائقي‏.‏ وكان الكاتب إلياس خوري استمع قبل كتابته للرواية لقصص الفلسطينيين في الجليل ممن عايشو ا تلك الحقبة‏.‏ وتخرج الحكاية السيرة من عاديتها فتحيلها إلي زمن البدايات القاسية‏,‏ لكن السعيدة لكأن تلك الأرض كانت الجنة تقام فيها الأفراح وتعمر بالليمون والزيتون وأشجار أخري زاهرة‏.‏ في المستشفي يحكي خليل حكايات يونس البطل‏,‏ يونس الذي اتخذه خليل أبا روحيا له بغياب أهله في فلسطين ثم يحكي ليونس في القسم الثاني من الفيلم حكايته هو لتتقاطع الحكايتان في قالب يؤطر شكل الفيلم‏.‏ يقول الطبيب خليل ليونس في أحد المشاهد‏:‏ أنت لم تحب نهيلة إلا حين افترقت عنها‏,‏ لقد قلت لي بنفسك إنك لم تدرك معني كلمة وطن تماما مثل معني كلمة حب‏,‏ إلا عندما سقط الجليل‏.‏ وينتقد الجيلان اتفاقات السلام وتحديدا اتفاق أوسلو الذي قضي علي وجود أولئك الذين صمدوا في أرضهم التي باتت تسمي إسرائيل والمنفيين الذين أهملتهم اتفاقات السلام بتناسيها حق العودة‏.‏ غير أن القضية العامة عند يونس تتحول إلي قضية شخصية‏,‏ قضية الرجل الذي يحاول تحرير بلده ويذهب رغم كل الصعاب لرؤية زوجته متحديا الحدود والعدو‏.‏ في القسم الثاني من الفيلم تبرز شخصية خليل كنوع من بطل نقيض من جيل جديد‏,‏ جيل الخيبة والقطيعة مع الآباء‏,‏ خليل الذي يتحول إلي راو للحكاية بمجملها في ماضيها وحاضرها يروي عن نفسه وعن يونس يقارن نفسه بيونس القابع في المستشفي‏.‏ إنها سيرة الشخص الفرد في حياته التي تطغي علي التاريخ‏.‏ مقاربة يسري نصر الله تتراوح بين المعالجة الحميمة وبين المعالجة التاريخية لقصة عائلة تتشابك بقصة بلد هو فلسطين‏.‏ غير أن الحكاية حين تتوقف تنتهي الحياة حين يغيب خليل ليلة عن يونس‏,‏ وهو في غيبوبته تغيب عنه الحياة ولا يعود‏.‏ أما خليل فيدفعه حضور الفرنسية بياتريس دانيال التي تأتي إلي المخيم المغلق لتشهد علي المجازر التي ارتكبت فيه عام‏1982‏ لاكتساب وعي جديد ويقرر العودة إلي أرضه الجليل‏,‏ سيان عنده إذا كانت تدعي إسرائيل أم فلسطين‏.‏

شاعرية وعبثية

الجزء الأول قدمته بأسلوب شديد الشاعرية‏,‏ في حين جاء الجزء الثاني في إطار يحاكي عبثية الواقع‏,‏ الجزآن مشروع واحد‏,‏ لكنني أحببت أن أقدم فلسطين التي سمعنا عنها في الحواديت‏,‏ ومما زاد العبء بالنسبة لي هو أن رواية إلياس خوري كانت مليئة بالقصص وحواديت أهل المخيمات‏,‏ لكن المسألة بالنسبة لي كانت هي كيفية تحويل ذلك إلي صورة ذات تفاصيل لها خصوصياتها‏,‏ فمثلا كما ذكرت فالطبيعة حاضرة بقوة‏,‏ لذلك حرصت علي أن تصور في فصول معينة‏,‏ مثلا بدأنا في الشتاء‏,‏ ذلك الجو الضبابي بثلوجه وريحه وأمطاره‏,‏ بالتأكيد انعكس علي الصورة‏,‏ تلك المغامرة التي جمعت بطلينا أيضا شعرنا أنها تحاكي ليالي ألف ليلة وليلة‏,‏ الزهور التي تملأ المكان‏,‏ شكل الأواني المستخدمة‏,‏ الإضاءة‏,‏ الفرش‏,‏ كل هذه الشاعرية جعلت المشاهد يشعر بأن الجزء الأول أكثر إنسانية‏,‏ وعمق وينفذ إلي المسام‏..‏ يضحك يسري معلقا‏:‏ هناك قصدية‏,‏ لقد أردت أن تكون الحكاية دافئة يغوص فيها المشاهد‏,‏ وساعدني في ذلك جماليات الصورة العالية‏,‏ وقد تكون هذه أيضا طبيعة الفترة الزمنية‏,‏ في حين جاء الجزءالثاني واقعي ويحاكي عبثية الأحداث كما ذكرت‏.‏

دقة الديكورات والملابس‏,‏ تظهر حجم الجهد المبذول فعلا‏,‏ بنينا قرية عين الزيتون كلها‏,‏ كذلك الكيبوتزات اليهودية بنيت كديكورات‏,‏ أما الملابس فالاختيار كان لناهد نصر الله‏,‏ التي ركزت علي ضرورة اختلاف ملابس المجاميع والكومبارس‏,‏ حتي يكون لكل منهم فردانيته‏.‏

عادة في الأفلام التي تعالج القضية الفلسطينية نري الشخصيات الإسرائيلية وما تمارسه عن قرب‏..‏ عندك حق إلا أنني تعمدت أن أصورهم في لقطات بعيدة وأحيانا كنت أجعل قوة النور تحجب ملامحهم‏,‏ وذلك لأنني لم أرغب في تقديم صورة نمطية للجنود‏,‏ مثلا عندما أكون في مظاهرة فأنا لا أري وجه الجندي الذي يضربني‏,‏ بل العصا هي البطل‏,‏ كما قلت وناقشتني أنا أعمل طوال الوقت من وجهة نظر شخصياتي‏,‏ ناهيك عن أنني لا أري الإسرائيليين ببساطة كجسد‏,‏ يضحك‏,‏ هو تغييب جسدي‏,‏ وليس أيديولوجيا‏.‏

باب الشمس إنتاج سينمائي شديد الخصوصية‏,‏ يستحق أن يحتفي به‏,‏ خاصة أن مخرجه أخذنا بعيدا عن الميلودراما الفاقعة‏,‏ واستطاع أن يمسك بميزان شديد الحساسية‏,‏ حتي لا نقع في الندب‏,‏ وشاهدنا لحظات الفرح‏,‏ الانسكار‏,‏ الدعاية المرة‏,‏ وأخذنا إلي فلسطين ولبنان وهو قابض علي جمر الحب والحكاية باب الشمس مغامرة فنية لحكايات تتوالد ولا تنتهي‏*‏

تحية خاصة

عندما تشاهد فيلما بحجم باب الشمس عليك أن تلتفت إلي الجنود المجهولين الذين يقفون خلف الكاميرا‏:‏

‏-‏ مدير التصوير سمير بهزان‏.‏

‏-‏ المنتج الفني للفيلم إيهاب أيوب‏.‏

‏-‏ مهندس الديكور ومنسق المناظر عادل المغربي‏.‏

‏-‏ الملابس ناهد نصر الله‏.‏

‏-‏ استغرق تصوير الفيلم‏7‏ أشهر‏.‏

‏-‏ يسري نصرالله عمل علي الفيلم ما بين الكتابة والتحضير للتصوير لمدة‏4‏ سنوات‏,‏ منها سنة واحدة استعدادا للتصوير‏.‏

‏*‏ وزير الثقافة الفرنسي منحه لقب فارس

الأهرام العربي في 8 يناير 2005