شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

 

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

فيلم غرفة التحكّم لجيهان نُجيم:

قناة الجزيرة محور البحث عن الحقيقة في المنطقة الرمادية

عدنان حسين أحمد

 

 

 

 

 

لم يَدُر في خَلَد جيهان نُجيم، المخرجة الأمريكية، المنحدرة من أصل مصري، أن فيلمها الوثائقي المعنوّن غرفة التحكّم سيحقق نجاحاً منقطعاً النظير، ويلقي قبولاً واسعاً لدي المواطنين الأمريكيين علي وجه التحديد، وللإشارة فقط إلي مدي الاهتمام الكبير الذي حضي به هذا الفيلم، فقد كتب المتخصصون في النقد السينمائي أكثر من ستين مقالة نقدية جُلها باللغة الانكليزية وبعضها باللغة الألمانية، وتكاد تكون هذه المقالات كلها، مع استثناءات محدودة، قد وقفت إلي جانب الرؤية الموضوعية لمخرجة الفيلم جيهان نجيم التي تنتمي إلي المجتمعين الأمريكي والعربي في آنٍ معاً، والذي وفّر لها سانحة الحظ لأن تقف علي الحياد، وتحكم علي الطرفين من خلال التحلّي بالنزاهة، والمصداقية، والموضوعية، والالتزام بكل بنود ميثاق العمل الاعلامي الذي يجب أن يتفادي ظهور النبرة الشخصية، والانحياز في أثناء مراحل العمل بما تشتمل عليه من تغطيات، وحوارات، وأخبار وتقارير ساخنة مُستمدة من أرض المعركة. وتأتي أهمية هذا الفيلم أيضاً لأنه يغطي مدة زمنية حساسة تمتد من اللحظة التي تشّن فيها الطائرات والصواريخ الذكية الأنكلو- أمريكية هجومها الجوي الكاسح علي بغداد وبقية المدن العراقية ليلة 19 ـ 20 آذار (مارس) 2003 وحتي لحظة سقوط التمثال في ساحة الفردوس، في 9 نيسان (ابريل) من العام ذاته.

الجزيرة قناة عربية بذهنية أمريكية

قد يتساءل بعض من الناس عن الأسباب الحقيقية التي دفعت جيهان نجيم لأن تتخذ من قناة الجزيرة محوراً لفيلمها التسجيلي المثير للجدل غرفة التحكّم ، فهناك في العالم العربي 264 قناة فضائية عربية لم تتذمر منها الحكومات العربية، بينما كانت الجزيرة هي القناة العربية الوحيدة التي تذمرت منها الإدارة الأمريكية، وأغلب الأنظمة العربية، بل أن الكثير من مكــــاتبها قد تعرّض للمنع المؤقت أو الإغلاق النهائي في عدد من العواصم العربية، كما قُصفت مكاتب الجزيرة في بغداد ثلاث مرات، وراح ضحية هذا القصف غير العشوائي عدد من المراسلين الصحافيين لعل أبرزهم طارق أيوب الذي شكّل جزءاً من النسيج العام للفيلم.

هل أن الجزيرة هي القناة الفضائية العربية الوحيدة التي تسعي لأن تقول الحقيقة؟ علماً بأن الحقيقة كلها يجب ألاّ تقال في كل الأوقات .

كما يذهب القول المأثور؟ يا تُري، ما الذي يمكن أن نقوله في أثناء تقييمنا لأداء بقية القنوات الفضائية العربية طالما أنها لا تقف عند الخط المحايد، وتمالئ هذه الجهة أو تلك؟ ألا تخون هذه القنوات ميثاق العمل الاعلامي، ولا تعير وزناً لمشاهديها الذين يستطيعون أن يميزوا بين التبر والتراب، أو بين القمح والزؤان؟ في كل حرب أو نزاع ثمة طرفان، ولكن المهم هو: أين تكمن الحقيقة؟ فقديماً قالت العرب الحق أغلبْ و الحق أبلج، والباطل لجلج ، بينما قال الغربيون الحقيقة سوف تسود في النهاية . إن هذه التوطئة المسهبة للحق والحقيقة تدفعنا إلي تساؤل مشروع مفاده: مَنْ يحتكر الحقيقة؟ ولمصلحة مَنْ؟ وربما يتناسل هذا السؤال الجوهري إلي اسئلة أخري لا تقل أهمية عن السؤال الرئيس، لماذا تُحتكر الحقيقة، وكيف طالما أنها ستنجلي ذات يوم، خصوصاً وأننا نعيش في عصر العولمة وثورة الاتصالات؟ سمعنا صوت الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وهو يصف قناة الجزيرة بأنها لسان حال أسامة بن لادن .. وفي حديث مهلهل لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قال فيه أن الجزيرة تكذب علي العالم، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تنكشف هذه الأكاذيب. نعرف أن الجزيرة تمارس نوعاً من الدعاية، ونحن نتعامل مع أناس يرغبون كلياً في الكذب علي العالم خدمة لقضيتهم . بينما قال عنها وزير الخارجية العراقي أنها مُنغمسة فقط بالدعاية الأمريكية .. قد تكون هذه الآراء صحيحة نسبياً، ولكن حقيقة الأمر أن الجزيرة كانت منبوذة من قبل الطرفين الأمريكي والعراقي علي حد سواء. وأن المُشاهد، في نهاية المطاف، هو الفيصل الذي يستطيع أن يحكم علي نزاهة هذه القناة من عدمها. في كل الحروب ثمة دعاية لابد منها، ولم يخطئ سمير خضر، كبير منتجي الجزيرة، عندما قال لا تستطع أن تشّن حرباَ من دون إشاعات، ومن دون ميديا، ومن دون دعاية . وربما تكون هذه الوسائل الإعلامية أشد وقعاً من كل أنواع الأسلحة المستخدمة في الحروب. ولكن ما الذي يدفع الأمريكان لحجب الحقيقة؟ أتريد الإدارة الأمريكية الحالية، المُمثلة بالمحافظين الجدد، أن تُضلل شعبها إلي هذا الحد بحيث تسرّب له ما يخدم مصالحها الأساسية فقط، وتمنع عنه الأخبار والتقارير والصور التي قد تغيّر مجري الحرب تماماً؟ وهل أن هذه الإدارة تعير اهتماماً حقيقياً للشعب الأمريكي أو لشعوب العالم برمتها؟ هذه التساؤلات كانت كلها تدور في ذهن المخرجة جيهان نجيم التي تحمل عقلية مزدوجة أمريكية وعربية في آن معاً. ولأنها تحاول أن تتخلص من عقدة الأخبار السوداء أو البيضاء فقط، لذلك قررت أن تذهب بنفسها إلي المنطقة الرمادية حيث تختلط الأمور، لتري مباشرة وبمساعدة عدد من المصورين المحترفين، لماذا يُحجب خبر معين، ويُمنع تسرّب صورة ما قد تقلب الأمور رأساً علي عقب؟ غرفة أخبار الجزيرة لم تكن تبعد أكثر من عشرة أميال عن مقر القيادة العسكرية الأمريكية في الدوحة، كما أن بغداد كانت علي مرمي 700 ميل من الطائرات الجاثمة في قاعدة العديد العسكرية، حيث تدور في احدي صالاتها وقائع المؤتمرات الصحافية التي تتابع مجريات الحرب وتطوراتها يوماً بعد يوم. وعلي رغم التعاطف الكبير الذي يبديه الطاقم الاعلامي للجزيرة ومراسلوها في بغداد وبقية المدن العراقية فإن عقلياتهم وطريقة تفكيرهم، ومنهجهم في التغطية الإعلامية هي منهجية غربية صرف، فقد درسوا في الغرب، وتمرنوا في الـ بي بي سي ، وتشبعوا بالخبرات الأوروبية. وحتي سمير خضر، كبير منتجي الجزيرة، لا يريد أن يفوّت فرصة العمل إذا ما قُدمت له من قبل محطة الـ (Fox News)، بل سيغتنم هذه الفرصة الذهبية من أجل أن يعيش أطفاله هناك ويحوّل الكابوس العربي إلي حلم أمريكي .. إذاً، كيف استنتج الأمريكيون ان قناة الجزيرة تغذي مشاعر العداء ضد الأمريكان؟ وأن هذه القناة هي موئل لعدد من الإعلاميين الإرهابيين العرب؟ هل أن السبب الوحيد هو قيام الجزيرة ببث صور القتلي والجنود الأمريكيين الذي وقعوا في الأسر، واعتبروا ذلك انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف لأسري الحرب، بينما لم يعيروا أدني اهتمام للخسائر البشرية الجسيمة التي تعرّض لها المدنيون العراقيون، وحجم الدمار الذي ألحقوه بالبني التحتية، ومؤسسات الدولة وما إلي ذلك. هذا ناهيك عن صور الإهانة القاسية، والإذلال المتعمد الذي يواجهه العراقيون العزل كل يوم في أثناء التفتيش أو حالات الدهم المفاجئة للمنازل، وما يتخلله من ترويع للأطفال والنساء والطاعنين في السن. إن ما قامت به الجزيرة هو تقديم صورة محايدة، لا تعتمد علي تحريف الحقائق، أو تشويهها، بل كان اعلاميو الجزيرة ينتقلون من ضفة المهاجم إلي ضفة الضحية، ولابد بالنتيجة، لكي يقنعوا مشاهديهم الكثر الذين جاوزوا الأربعين مليوناً في العالم العربي، أن ينقلوا لهؤلاء المشاهدين صور الخراب والدمار التي كانت تُوقعها قنابل الطائرات المُغيرة التي لم تكن تفرّق بين هدف عسكري أو مدني، فكان من الطبيعي أن تكون الخسائر في أوساط المدنيين كبيرة ومذهلة، وليست هناك أية مبالغات في هذا الصدد. وليس صحيحاً قول رامسفيلد أن العاملين في الجزيرة يستغلون المناطق المقصوفة ليجلبوا إليها ضحايا عراقيين ويضعونهم فيها ثم يصورونهم لمصلحة قناتهم الإعلامية. هؤلاء الإعلاميون من طاقم الجزيرة كانوا قد تتلمذوا في المعاهد والجامعات الأمريكية والأوروبية، وتعلموا منها الصراحة، والحيادية، والمصداقية. الإعلامي السوداني حسن إبراهيم، تمثيلاً لا حصراً، كان شخصاً مهماً من الشخصيات التي رصدتها جيهان نجيم، وقد درس في الجامعات الأمريكية، ثم تدرّج في مناصبه الإعلامية حتي أصبح رئيساً للقسم العربي في الـ بي بي سي قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة، وقد تعلّم كيف يحترم المشاهد، ويقدّم له الحقيقة مهما كان ثمنها. وقد كان شجاعاً بما فيه الكفاية عندما تصدي للإدارة الأمريكية قائلاً بينما البيت الأبيض مُختطَف من قبل ثلة من رجال النفط فإن الأمريكيين هم الوحيدون القادرون علي إيقاف هذا الجنون .. خلاصة القول إن مسؤولية الإعلامي في زمن الحروب هي نقل الحقائق كاملة إلي مشاهديه.

تغيير القناعات عبر الخبر الحقيقي والصور الدامغة

لعل أهم ما في الفيلم أنه ساعد في تغيير القناعات ليس علي الصعيد المدني، وإنما علي الصعيد العسكري أيضاً. فالمشاهد الأمريكي لم يرَ من قبل صوراً علي هذا القدر الكبير من البشاعة، ولم تتسرب إليه مشاهد الدمار المروعة التي ألحقتها الآلة العسكرية الأمريكية ببيوت الناس العراقيين الآمنين، وأكثر من ذلك فإن الضابط الأمريكي جو راشينك قال إنه شعر بالأسي والألم حينما رأي الأسري الأمريكيين، ولكنه لم يشعر بالانزعاج حينما رأي قتلي عراقيين . جاء هذا التصريح قبل أن يلتقي بمراسلي الجزيرة، لكنه حينما توطدت علاقته معهم، وصار ينتبه إلي وجهة النظر الأخري بدأ يتبدل، ثم أخذ يتعاطف شيئاً فشيئاً، وحينما بدأت تصريحاته تزعج الإدارة الأمريكية طلبوا منه ان يتنحي جانباً، وقد وصل بهم الأمر إلي منعه من الحديث لمصلحة فيلم غرفة التحكّم ثم طُرد من الخدمة لهذا السبب لأنه بدأ يلعن الحرب ومسببيها، وينتقد وحشية الطرف المعتدي. حاول الجيش الأمريكي احتكار المعلومات المهمة، والصور التي قد تغير مجري الحرب، ويكفي أن نشير هنا إلي الصدمة الكبيرة التي أحدثتها صور سجن أبو غريب والتي كشفت من خلالها التقاليد الأمريكية المنحطة في التعامل مع أسري الحرب بطرق غير أخلاقية مستمدة من التلقين المنظم الذي يتلقاه الجندي الأمريكي في مرحلة الاستحضارات التي تسبق مرحلة الهجوم. كما كشفت صورة قتل الأسير في أحد جوامع الفلوجة عن أخلاقية الجندي الأمريكي ومع ذلك فالمسؤولون الأمريكيون لا يتورعون عن القول بأنهم يعاملون أسري الحرب علي وفق اتفاقيات جنيف، ويتمنون علي الجانب العراقي أن يعاملوا الأسري الأمريكيين بانسانية. هذه الصور لم يرها المشاهد الأمريكي من قبل، ولو كان شاهدها لتغيرت قناعاته في الحروب التي تشنها أمريكا خارج حدود البلاد بحجة تحرير الشعوب من طغاتها، وتحقيق أسس المجتمعات الديمقراطية، بينما نري في الفيلم رجلاً عراقياً ملطخاً بالدماء وهو يقول لا أريد هذه الحرية، لا أريد هذه الديمقراطية . وامرأة عراقية تقوَّض منزلها وهي تولول قائلة مرحباً بك يا سيد بوش في بيتي، أين الانسانية!؟ ، هذه هي التكاليف البشرية الباهضة للحرب التي عرضتها قناة الجزيرة، ولا تنفع معها تبريرات الجنرال فنسنت بروك الذي لا يترك فرصة إلا وقال فيها أنهم يبذلون قصاري جهدهم لتفادي الخسائر في أوساط المدنيين العراقيين. وبروك، هذا الجنرال المسؤول عن متابعة المؤتمرات الصحافية، لا يعير شأناً للأعراف والتقاليد الصحافية، فهو يحاول أن يحجب أية معلومة مهمة عن الصحافيين، وربما نجحت جيهان نجيم في تسليط الضوء علي حكاية صور المسؤولين العراقيين المطلوبين من قبل القطعات الأمريكية حينما أعلن عن الرقم 55 وترك الصحافيين الذين يتحرقون شوقاً لمعرفة هذه الأسماء المطلوبة ولماذا خبأها هذا الجنرال العتيد. ولأن قناة الجزيرة كانت مصرة علي تقديم الحقيقة للعالم أجمع فقد تعرضت للقصف المتعمد غير مرة، كنوع من العقوبة علي الأخبار والصور الحقيقية الصادمة التي بثتها الجزيرة علي الملأ الأعظم. وربما أضفي استشهاد المراسل الصحافي طارق أيوب في أثناء تأديته لواجبه المهني الشريف نوعاً من الإدانة العالمية لهذه الجريمة الوحشية التي كانت تستهدف الصحافيين قبل غيرهم، كما سبق للأمريكان أن استهدفوا فندق فلسطين مريديان حيث يتجمع فيه أكثر من مئتي مراسل صحافي من مختلف أرجاء العالم. نستطيع القول إن الأمريكيين تبنوا سياسة التضليل، والكذب، والفبركة، لكنهم خسروا المعركة إعلامياً، ولعل مشهد الرئيس بوش وهو يعلن انتهاء العمليات العسكرية وانتصار الجيش الأمريكي مع حلفائه في المعركة، وفي اللحظة التي كان فيها التمثال المنتصب في ساحة الفردوس يتداعي سماع اطلاق النار علي مسافة قريبة منه ليقول لنا أن الحرب قد انتهت في احتفال بوش لكنها لم تنتهِ علي الساحة العراقية. ليس غريباً أن يفوز هذا الفيلم بعدد كبير من الجوائز من بينها الجائزة الكبري لأفضل فيلم سينمائي في مهرجان الأفلام الوثائقية في نورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2004، كما حصل جائزة أحسن فيلم وثائقي في مهرجان سيدني لهذا العام أيضاً، كما انتزع جائزة أحسن فيلم لمركز دراسات الأفلام الوثائقية في نيويورك.  

ناقد من العراق يقيم في امستردام

القدس العربي في 15 ديسمبر 2004

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

غرفة المراقبة كشفت زيف الإعلام الأمريكي

تصوير‏:‏ موسي محمود

في الوقت الذي كان المشاهدون الأمريكيون يتابعون حملة جيشهم المنتصرة لمنح الحرية للعراق‏,‏ فإن قناة الجزيرة التليفزيونية كانت تقدم وجهة نظر أخري للحرب‏,‏ الدماء‏,‏ الكوارث‏,‏ وقصف المدنيين وقد قامت جيهان نجيم‏,‏ التليفزيونية المصرية ـ الأمريكية‏,‏ بتسجيل شهادات العاملين في قناة الجزيرة‏,‏ و سي إن إن‏,‏ وإن بي سي‏,‏ وكذلك العاملين بالمركز الإعلامي لقوات التحالف‏,‏ وذلك من أجل تشريح وسائل نقل الأخبار المختلفة وكشف الازدواجية التي تعمل بها الآلة الإعلامية الأمريكية في فيلمها غرفة المراقبة‏.‏

جيهان نجيم‏,‏ بدأت حياتها كمصورة ومخرجة في القاهرة‏,‏ حيث نشأت إلي أن رحلت عام‏1990,‏ إلي بوسطن حيث كانت تدرس بجامعة هارفارد‏,‏ لدراسة الفنون البصرية والفلسفة‏,‏ إلي أن بدأت حياتها العملية في قناة‏Mtv‏ الموسيقية‏,‏ ولكنها وجدت أن هذه النوعية من الأغنيات والحركة السريعة لا تناسبها‏,‏ فإيقاع هذا العمل يختلف تماما عن أحلامها الحقيقية‏,‏ لذلك جاءت إلي القاهرة وصورت عملها الأول‏,‏ فيلم مقطم عن قرية تجمع القمامة‏,‏ ومنذ ذلك الحين وجدت نفسها في هذه النوعية من الأفلام التسجيلية التي تحتفي بالبشر والحياة الطبيعية‏,‏ وبعدها مباشرة قدمت فيلمها ستارت‏.‏ دوت‏.‏ كوم روائي قصير‏,‏ ثم فيلم البقاء للأقوي ومع وجودها في مجتمع أمريكي‏,‏ ومعايشتها للآثار السلبية لأحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ ثم بدأ التهديدات الأمريكية للعراق‏,‏ ومعايشتها لما يروج له الإعلام الأمريكي شعرت أن هناك شيئا آخر عليها أن تقدمه‏,‏ ولم تكن تعرف ما هو تحديدا؟‏!‏

الصدفة جمعتها بهاني سلامة‏,‏ مصري لأب ينتمي إلي مدينة السويس وأم تحمل الجنسية البوسنية‏,‏ عاش مثلها تماما في مصر وقضي معظم حياته ما بين مصر وسراييفو وألمانيا والنمسا‏,‏ حيث يعيش شقيقه‏,‏ وكان يحضر للماجستير الخاص به في الجامعة الأمريكية عن صناعة الإعلام وحصل علي منح وسافر إلي أمريكا‏,‏ هناك التقي بجيهان‏,‏ والتي كانت تشعر بفضول شديد تجاه قناة الجزيرة والتي علي حد تعبيرها كانت تثير الجدل والنقاش بين كل أفراد عائلتها في مصر‏,‏ وهي القناة التي اكتسبت مصداقية الشارع العربي وأثارت قلق الأمريكيين تناقشا جيهان وهاني مع البروفسير عبدالله شليفر‏,‏ المشرف علي رسالته والذي اقترح عليها الذهاب مع القوات الأمريكية التي أصبحت تصطحب الإعلاميين معها إلي أماكن القتال‏.‏

بالنسبة لجيهان وهاني‏,‏ كان الموقف في قطر دراميا‏,‏ فقناة الجزيرة مقرها الدوحة‏,‏ ومقر قوات التحالف والإعلام العربي والغربي والأمريكي‏,‏ علي بعد كيلومترات من مقر الجزيرة‏,‏ والعراق‏,‏ مقر الحدث تبعد آلاف الكيلومترات‏,‏ والقرارات تؤخذ في واشنطن‏,‏ والإعلاميون يقيمون في الشيراتون والريتز؟

لذلك اتخذا القرار بالذهاب إلي هناك‏,‏ وظلا لمدة أسبوع جالسين بالكافتيريا لا يفعلان شيئا سوي شرب القهوة ـ علي حد تعبيرهما ـ حيث قوبلا بالرفض من جانب المسئولين‏,‏ فالكل مشغول‏,‏ وبدأ العمل الجدي حيث قاما بتصوير‏250‏ ساعة استغرق مونتاجها‏8‏ شهور‏.‏

لم تنس جيهان الموقف النفسي لموفق أحد مترجمي قناة الجزيرة والذي كان يقوم بترجمة حوار بوش والذي هدد فيه بضرب العراق ما لم يتركه صدام وأولاده في خلال‏48‏ ساعة أدهشتني حياديته فهو عراقي وعائلته هناك تعيش في بغداد وسوف يتم ضربهم في خلال ساعات‏,‏ كل من كانوا في الجزيرة أدهشونا فهم مخلصون لعملهم‏,‏ وكثيرا ما رأيناهم يتألمون لما يقع لإحدي الدول العربية‏.‏

‏بالتأكيد الإعلام في أمريكا والذي يشاهده الأمريكيون غير الذي يعرض للخارج‏,‏ وإذا كنت أمريكيا أو ولدت في هذا المجتمع لن تفكر أبدا فيما يجري خارج حدود هذا الوطن‏,‏ فالآلة الإعلامية لا تتوقف عن التجميل والتزييف‏,‏ الأمريكيون بدأوا يشعرون بالرعب الحقيقي بعد الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ فهم لا يهتمون سوي بالأمان‏,‏ وعقدة الخوف‏,‏ هو ما لعب عليه بوش ورامسفيلد والذي مارس أقصي أنواع الرقابة والتهديد علي الإعلاميين الأمريكيين بشكل غير مباشر بكل تأكيد‏,‏ بمعني أنكم لو أذعتم هذه‏,‏ فسوف تحرمون من أشياء أخري‏,‏ هذا ما كان يلعب به رامسفيلد‏,‏ وكل هذه الممارسات من أجل تدعيم وجهة نظر الإدارة الأمريكية لفكرة الحرب النظيفة‏,‏ وهو تعبير غريب وأتساءل معكم هل توجد حرب نظيفة؟‏!‏ بدون قتل وجرح وتدمير وخراب‏!!‏ لا أظن ولكن الأمريكيين كانوا يصدقون ما يروج له الإعلام الأمريكي‏.‏

بالتأكيد حرصنا علي التصوير مع بعض القائمين علي القنوات الإخبارية الأمريكية‏,‏ وهذا ما أعطي للفيلم مصداقية لأننا لو كنا اكتفينا بوجهات نظر القائمين علي قناة الجزيرة‏,‏ كنا سنفقد الجمهور والإعلام الأمريكي الذي احتفي بنا بعد عرض الفيلم في أمريكا‏,‏ ولم نصدق رد الفعل عندما شاركنا بفيلمنا في مهرجان سان دانس والذي أسسه النجم الأمريكي روبرت ريدفورد دقائق طويلة من التصفيق ونقاشات وجدل لم يستمر ويتوقف حول ما شاهده الأمريكيين من صور تليفزيونية للحرب كانت جديدة عليهم تماما‏,‏ وبلد يجهلونه وأناس قضت الحرب علي أمنهم واستقرارهم‏,‏ ووجود الإعلامي الأمريكي جوش راستنج كان عاملا أساسيا ومهما في ذهاب الأمريكيين إلي دور العرض لمتابعة الفيلم والذي يتم عرضه هناك منذ شهر مايو حتي الآن‏,‏ وكذلك ديفيد شوستر‏,‏ من‏c.m.b.c وتوم هنتر من‏C.N.N‏ الذي فتح قلبه لنا‏,‏ فهو إعلامي قديم وعاش حرب فيتنام وأفغانستان‏,‏ ولا أنسي جملته الشهيرة ونحن نسجل معه‏,‏ أنا أعمل مونتاجا لنفسي عند الحديث إليكم‏,‏ وتلك هي خبرته كإعلامي فهو يعرف الأشياء التي يجب أن تقال دون غيرها‏,‏ وملحوظة هذه شديدة الذكاء حيث أكد لنا علي ازدواجية الآلة الإعلامية‏.‏

كثير من مراسلي القنوات الأجنبية والصحفيين أخبرونا بأن لديهم مواد إخبارية مثل الجزيرة تماما‏,‏ ولكن قنواتهم ترفض بثها وكذلك صحفهم‏,‏ ليس ذلك فقط‏,‏ بل رفضوا التسجيل معنا خوفا علي مستقبلهم المهني وجميعهم كانوا صغارا في السن خاصة بعد حوادث فصل بعض الإعلاميين الذين قالوا آراءهم وفضحوا ما يحدث‏.‏

تستعد جيهان وهاني‏,‏ حاليا لعمل فيلم جديد عن كيفية صناعة الرئيس في أمريكا‏,‏ فصداقتها لابنة كيري منذ الدراسة‏,‏ التي أعجبت بأعمالها السابقة جعلتها تقترح عليها هذا المشروع‏,‏ وبالفعل صاحبت جيهان كيري‏,‏ في حملته الانتخابية وعاشت كل التفاصيل وصدمت مثل الكثير من الأمريكيين بعد فوز بوش في الانتخابات الأخيرة وتري أن الشريط الذي أذاعه بن لادن‏,‏ خدم بوش في حملته الانتخابية وذلك لأنه أعاد للأمريكيين الإحساس بالخوف‏,‏ وكما ذكرت فعقدة الأمان هي أهم ما يبحث عنه المواطن الأمريكي‏,‏ ليس ذلك فقط بل هي تبحث عن مشروعات أخري تستطيع أن نقدمها في مصر‏.‏

 

جيهان نجيم

·         مصرية ـ أمريكية

·         تخرجت في جامعة هارفارد‏1996‏

·         ‏2001‏ فيلمها الأول الروائي القصير ستار‏.‏دوت‏.‏كوم

·         ‏2002‏ البقاء للأقوي

·         ‏2004‏ غرفة المراقبة

الأهرام العربي في 11 ديسمبر 2004