مسارات من السينما السويسرية الحديثة تجريب مفتوح من دون أي تقليد سينمائي فريدي بوش ترجمة: أحمد عثمان |
تأسست المدرسة السويسرية على خمسة سينمائيين، لا يمتلكون برنامجاً جمالياً مشتركاً، لكنهم يودون صناعة سينما، وتتمثل الرابطة الاستراتيجية التي تجمعهم في الرؤية الواحدة والنسبية للأشياء التي شيدت “جماعة الخمسة”. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في سويسرا، اكتشف الشباب و(الصغار) الذين عاشوا متسكعين “باسم الحياة” فترة طويلة، الكون ما وراء الحدود وبالأخص جابهوا الوقائع الثقافية، على هامش الأماكن المقدسة للثقافة الرسمية: بفضل موريس نادر، أشعل ماضي السوريالية نيران الالتقاء في الليل (المضاء حالياً لأجل البعض عبر جريدة: “المتاهة” التي أسسها سكبيرا في جنيف عام 1994). أخذت الوجودية تنهض من حالات واعية راقدة، الماركسية تتحدث الى آخرين وتؤجج التوهمات، اكتشاف ديوان: “كلام” لجاك بريفير، السينما الفرنسية ما قبل الحرب العالمية، صمت الألمان والروس والأمريكيين والأوروبيين الشماليين، رغبة المعرفة، الرؤية أو الرؤية الثاقبة الثانية لكلاسيكيات الفن السابع.. مما أعطى، في هذا المناخ المتفائل حق الميلاد الى العديد من الأندية السينمائية. نقيس بصورة سيئة طوال أربعين عاماً أهمية هذه التفجرات، تفجرات الأهواء التي التهمت المشاهدين، (هواة السينما) المجمعين في روابط ديناميكية حتى الموجودة من الضياع الصغيرة: معرفة من النمط اللامطبوع، وضعت يدها على الأفراد الحاضرين خارج المؤسسات التعليمية العليا التي، على وجه العموم (الجامعة) تفاعلت بواسطة القلق وتأثير الموت المزيف، لكي تواجه التنقيب العنيف غير القابل للتفريق عن الحياة ذاتها لكل فرد أو لجميع الناس. عبر الدعاوى البرجوازية، وريثة تقليد الانسانيات القديم، لم تؤخذ السينما (حتى تسترجع صيغة جورج سادول الشهيرة) كسلوة “الرقيق”. لا يتعلق الأمر، بالنسبة للسلطات السياسية والاجتماعية، بسلوة شعبية (بالمعنى المحقر للفظة)، فالصالات المعتمة شبيهة بالمقهى - المشرب، وتخضع بالتالي، لقوانين ضرائب المهنة المعطاة لأية مؤسسة جماهيرية. هذا أداء قانوني، متروك لمسؤوليات الإدارات المحلية، لشرطتها حيث يضمن أعضاء الرقابة بعض الأوامر الأخلاقية الجيدة: عدم السماح على الشاشة بظهور الخيانة الزوجية ولا منحنى الصدر العاري، بينما في حالة القتل (أو بطن النساء السمر) يتساهل الرقباء. حول تانر وجوريتا في هذه الظروف، ظروف الفن السابع المحتقرة من قبل الدولة والمدرسة، وعلى العكس المعتبرة كغذاء روحي لدى عدد من المواطنات والمواطنين، تتأتى الفجوة القائمة بين التشريع القديم وطموحات الناس اليومية من الموضوع اللامحتمل. فضلاً عن ذلك، وسط ازدحام الأفكار التي تستدعي الأندية السينمائية، النزعات تعلن صراحة بشكل خفي، من يحلم بالتعبير عن بلاده أو أوطانه الروحية، لم يكن نقده عن الممارسات الجمعية عبر الكاميرا نادراً، لكنه لم يهيأ له أية دعامة، بحيث ان ضرورة تأسيس دار السينماتيك السويسرية، في لوزان ،1948 التي لا تملك أية فرصة لاستقبال الدعم المالي بما ان الدستور الفيدرالي يجهل لفظة “سينما”. اذاً، في لوزان ثم في جنيف، وحول طالبين: آلان تانر وكلود جوريتا نما، منذ ،1952 مشروع الحصول على معرفة السينما كفن وقانون، وهذا على الفور يشير الى ضرورة تأسيس “الاقتراع” على السطح القومي. هذا الاستغناء جرى أخيراً في ،1958 نتيجته تدرك مقدمة المادة السابعة والعشرين من الدستور، ثم وضعه موضع التنفيذ القانوني: تحريره صعب، نتيجة لمجموعات من المصالح التي اعترضت عليه أو تخافه، ولم يحدث تأثيره بعد اعداده من لدن الغرف، إلا عام 1963. خلال هذه الفترة، تطور الوضع.. اختار تانر وجوريتا السينما، وحققا في لندن ،1957 بفضل الشرائط الخام المقدمة من المعهد البريطاني للفيلم، فيلماً قصيراً: “وقت طيب”، الذي أعطاهما الثقة. بعد ذاك، عادا الى بلدهما، حيث مكنهما التلفاز من أداء وظيفتهما في ،1954 أخرج جودار، وقد رحل عن باريس الى سويسرا، فيلمه “عملية متراصة”، ولما لم يجد وسائل انتاج، رحل ثانية الى فرنسا، وانضم الى من، نحو 1958 - ،1960 أخذوا ينشرون: “الموجة الفرنسية الجديدة”، والذين سيفصلون في “الاتفاقات” (مال، نجوم، استوديوهات): ستحرر السينما في سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية)، رغم عدم الخبرة وقلة المال، من ترك الأفلام القصيرة لإدراك، ليس دون مخاطر للموقف، الفيلم الخيالي الطويل: قدم طموحين أو ثلاثة طموحات ارادة جون لوي الذي تحمل بمفرده وبشجاعة، عام ،1967 المشاكل الاقتصادية والتقنية لفيلم: “مجهول شانديجو” مع جاتروبورج، ميلفورك، بن كاروثر وفيلهو.. وقد انتهى بفشل ذريع على السطح المادي، في حين ان العرض لا تنقصه الابتكارية ولا النوعية الفنية، عبر الدروس المستفادة من هذه المؤسسة، وكذا ينص التأثير على إعادة دراسة جملة المشاكل، مع الأخذ في الاعتبار نشاط ميشال سوتر الذي أخرج أفلاماً (16 مللم و35 مللم): أخرج فيلم “القمر بالأسنان” (1966)، عن تأملات شخص مجنون، هاجمه الصحافيون العاجزون عن فهم ما وراء الصورة في مهرجان لوكارنو، وأظهر الصوت العام للانتاج الارتقاء الممكن بالسينما السويسرية الناطقة بالفرنسية، المشغول بحالات القلق والآمال واضطراب الجيل والعصر والقهر. خمسة زائد واحد هذه التجارب، التي تصل بصورة سيئة الى الجمهور، لأنها خاضعة لنظام التوزيع التجاري الخاص، منذ البداية، القادر على تعطيلها، دفعت السينمائيين الشباب الى توحيد طاقاتهم ورغباتهم ومطالبهم. وفي ،1968 باستغلال شهرة تانر (الذي حاز العديد من الجوائز من سويسرا والخارج) وشهرة جوريتا (الذي وقع العديد من الأعمال الدرامية الناجحة في التلفاز الروماندي)، تأسست جماعة: “الخمسة” في آلان تانر وجوريتا وجون لوي - روا وميشال سوتر وجون باك لاجرانج (الذي حل ايش يرسين عام 1971 محله) بالنسبة لهذه الرابطة، كل واحد منهم ظل مستقلاً، اذ لا يتعلق الامر البتة بجماعة خاضعة الى ميثاق أو بيان معين، لكن فقط بأداة التشاور لكي يعدوا، بصورة فضلى، المشاركة المرغوبة في اتجاه التلفاز الروماندي، في جنيف، يعيب البرهان على المنطق التالي: التلفاز في حاجة الى الافلام لبرامجه، إذاً، يستطيع شراء الانتاج، وبالمنطق نفسه، يسمح بالاخراج، دون أي تدخل في اختيار الموضوع او معالجة المخرج تلك حاجة زائدة ظاهرة بحيث إن مقرري اللحظة لديهم الذكاء للموافقة: يوطدون حيوية الابداع التلفازي مع الخروج الصعب لاستهلالات الصناعة القائمة في طور الحضانة، وبالتزامن، وقد أخذوا يطلقون على هذه الدفعة المناسبة (الانتهازية)/ تلك الحركة، التي أسموها: “السينما السويسرية الجديدة”، والتي ستتأكد على الصعيد العالمي. شارل ميت أو حي: فيلم مؤسس اذا لم يكن هناك ما يفيد أسلوب المخرجين المتحدين كي يدافعوا عن نفس الغرض، فإن هناك حساسية ما تجمعهم، بتوزيع الحاجة المعروفة، ولذا اخترعوا وسائل التخلص منها، لأجل تقنية عالية: الزهد استراتيجيا، الدقة، فريق من المساعدين قليلي الأجور، ولا يرتبطون بأية قاعدة نقابية، والتي لم توجد بعد.. وبذلك، تكشف تصلبهم الوحيد في الاخلاق: عدم تقديم الصورة السويسرية (الجغرافية والاخلاقية) في عرض مجادل ومكثف، لكن على العكس وصف ما وراء الديكور، استغلال كواليس هذا المجتمع في العرض لأجل السياح، في نشوتهم وبثلجه الأبدي ومصارفه ذات الأعمدة اليونانية وفنادقه المشيدة على قمم الجبال الشاهقة، إلا أنهم حملوا نظرتهم الى العجائز والعمال المهاجرين والهامشيين والمتحررين، هؤلاء من رأوا، في مواجهة الموت، أنهم يودون كسب حياتهم، غير انهم وبشكل خفي فقدوها، ويتمثل موضوع الفيلم المؤسس لهذه الجماعة الشعرية والنقدية، الذي تم عرضه في مختلف المهرجانات والمطبوعات: “شارل ميت أو حي” لتانر. تدون الشهرة الرجوع الى تقنيات مجهزة بصورة فضلى وميزانيات ضعيفة، لكن بالتوجه، بالضرورة نحو الافتراضية، وفقد السينمائيون شيئاً من جاذبية التلقائية كي يسجلوا، بعد سبع أو ثماني سنوات، على لوحة التاريخ اسم مدرسة وطنية وسط مدارس اخرى على الرغم من محاولة الحفاظ على نوعية ابتكارية، مما أثار نجاح الأفضل (بفعل تركيز المنافسين القادرين، مع الدعايات الضخمة، في السوق). تطورت مجموعة الخمسة في سياق سويسرا الروماندية حيث لا يوجد أي تقليد سينمائي. اعضاؤها، المتحمسون، استغلوا الخلاء، انطلاقاً من العدم، وجذبوا انتباه الملاحظين الغربيين، وكذا احترام مواطنيهم. في الجزء الذي يتحدث الألمانية من سويسرا يختلف الوضع تماماً، اذ ان زيوريخ تطورت، منذ أيام السينما الصامتة، صناعة سينمائية، مزدهرة أيام الحرب (أكثر من ثمانية الى عشرة أفلام سنوياً). لا يقف الشباب الراغب في إخراج أفلام - في جنيف - وسط الصحراء وانما على العكس استندوا الى الكبار المنشغلين بإنتاج دعابات بسيطة باللهجة المحلية، انهم مجبرون على تبني تكتيك آخر: انكبوا على الانتاجات التي تميز ممثلي: “الآندر جراوند” وتعمل على تعارفهم، وبذا لم يدركوا سوى ضعيفي الخيال، وذلك بواسطة دانيال شميت (“هذه الليلة أو أبداً” ،1972 “بالوما” 1974)، وأبرز حلقات الوصل: فريدي مورر، مخرج “جروزون” في ،1978 و”Hoken Feuer” في 1985 بالنسبة لهما، اجبرا على انتهاز الفرصة متأخراً، وفتحت جماعة الخمسة فمها. الخليج الإماراتية في 25 أبريل 2005 |
|