شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

سنوات البوهيمية، سنوات السياسة

مازن الراوي

 

 

 

 

 

في احتفال ضخم قدمت الممثلة الشهيرة جين فوندا في لوس إنجلس كتابها الموسوم "حياتي حتى الان" الصادرة باللغة الانجليزية عن دار راندوم الشهيرة. ويعتبر إصدار الكتاب الذي تسرد فيه حياتها حدثا كبيرا، ليس فقط لممثلة حازت على اوسكارين و ستبقى معروفة في تاريخ السينما، بل لأن سيرة حياتها صاخبة متغيرة أبان الستينيات والسبعينيات تمتد أبعد من الفن إلى البوهيمية والانفلات في فترة باريس إلى فترة التسيّس التي أصبحت فيها داعية سياسية ضد الحرب الفياتنامية ومن اجل حقوق المرأة والهنود الحمر وضد الأسلحة النووية. ومن ثم دخلت فترة الامبراطورية المالية لرياضة ترشيق الجسد والـ "إيروبيك". وتأتي أهمية الكتاب أيضاً من اعترافاتها الصريحة عن أمور نفسية وجنسية كما لو أن الكتابة لديها نوع من محاولة كشف الرؤية والمعالجة النفسية.

ولدت جين فوندا في العام 1937وحازت على اوسكارين عن فيلميها "كلوت" 1971   و"العودة إلى البيت" 1987. وعرفت أيضاً بنشاطها السياسي الذي أثار جدلاً بين الأمريكيين عندما ذهبت إلى هانوي واعتبرت القصف الأمريكي وحشية بل بربرية مما جعلها هدفا لملاحقة مركز التحقيقات الفيدرالي "اف. بي. آي.". ووقفت ضد الأسلحة النووية في فترة حاسمة من التسلح في الحرب الباردة التي رأت فيه تهديدا للبشرية.. وقبل كتابها الجديد " حياتي حتى الآن " الذي يمكن اعتباره أدبيا وغنياً إلى جانب كتب السيرة المهمة نشرت فوندا عددا من الكتب المختلفة العادية احتوت على نصائح وتوجيهات مرتبطة باهتماماتها العملية ومشاريعها المالية، مثل "تجربتي مع التغذية" وبرنامج "رياضة الترشيق" وكتاب عن "فترة الحمل"...الخ. يمكن للمرء وهو يريد الإحاطة بحياة جين فوندا أن يقول بأنها لم تترك شيئا لم تفعله في حياتها. هكذا توصَف الممثلة التي غيّرت وبدلت من نهج حياتها مرات ومرات. ذلك إن الماضي بزخم أحداثه وتنوعه في سيرتها غالبا ما يشبه أدوارها التي لعبتها في السينما والتي اختلفت فيها من شخصية إلى أخرى.

لقد أجادت واشتهرت جين فوندا في عالم السينما الصعب، وتميزت بقدرتها على التحوّل الناجح من دور إلى آخر. وهكذا في حياتها أيضاً تحولت إلى ناشطة سياسية ضد الحرب الأمريكية في فياتنام بحيث سُمِّيت " جين ـ هانوي ". ثمَّ أصبحت مدربة ومشرفة على ترشيق النساء " فيتنيس "، وجنت ملايين الدولارات من امبراطورية "الإيروبيك" التي تمتلكها قي كثير من أنحاء العالم.

 لقد أدركت إبنتها فانيسا ـ وهي مخرجة افلام وثائقية ـ هذا التحول في حياة والدتها جين فوندا فقالت لها بذكاء : لماذا لا توثقين حياة حرباء، وكانت تعني التحولات الكثيرة في حياة والدتها. وفعلا خطرت إلى ذهنها أن تصور حياتها وتقدمه على شريط فيدو.

أجل أصبحت حياة جين فوندا كتاباً صدر حديثاً في الولايات المتحدة الامريكية باحتفاء كبير أثار مزيدا من الأسئلة عن خفايا صغيرة في فصول الكتاب التي كتبته بصراحة كبيرة. وتتحدث في الكتاب، جين فوندا التي بلغت 67 عاما، عن مراحل حياتها من دون أن تجمِّل وتحسِّن صورتها. تروي كثيراً من الحقائق غير المكشوفة في صفحات من الكتاب بشكل غير استعراضي ومن غير أن تضفي علي نفسها مسحة البطولة. وما تسرده يعتبر جرأة منه، وخاصة عندما تأتي على تفاصيل من حياتها الخاصة، كما لو أنها تعترف. تتناول نفسها بصراحة فتعرِّفها وتتحدث عن الخوف الملازم لها من أن لا تكون مرضية بالقدر الكافي لكي تكون محبوبة كما ترغب. وتعترف في الكتاب بمرضها النفسي " الخوف المتخيل من السمنة " الذي أدمنها على تناول الحبوب لعقود، ذلك المرض الذي كان مجرد ظاهرة مخادعة وتمويه لما كانت تعاني منه في الأصل. وكلا الاعترافين، كما تقول في الكتاب، هما مجرد نتيجة لحياة قاسية كابوسية عاشتها في طفولتها هيأت لها أمراضاً نفسية فيما بعد. وتعيد أسباب مرضها النفسي إلى اتخاذ موقف متباعد بارد وسلبي من والدها هنري فوندا الذي كان يفرض عليها احتراماً شديداً، وكان رجلا شهيرا آنذاك. وتردُّ المرض أيضاً إلى والدتها التي كانت تعاني من مرض عصبي قادها إلى أن تحزّ رقبتها وتنتحر. كانت جين فوندا آنذاك في العاشرة من عمرها فقط. وهكذا كان عليها أن تجهد نفسها وتناضل من أجل أن تروق أولاً لوالدها حتى يعجب بها، وبعد ذلك لتروق من تزوجتهم. هكذا كتبت عن طقسها السري لمحاولة التكامل آنذاك.

وتسرد جين فوندا أيضاً في "المشهد الأول" من مسرح حياتها عن السنوات البوهيمية في باريس التي عاشتها مع المخرج الفرنسي روجيه فاديم وحتى وقت قصير بعد ولادة ابنتهما فانيسا. كانت تقبل على سبيل المثال، دون اعتراض، أن يلعب فاديم "لعبة الليالي" في اختيار رفيقة الليل ليذهبوا هم الثلاثة معاً الى البيت. كانت الغيرة في الستينيات المنفلتة أمراً غير محبذٍ بل مكروهاً والحرية الجنسية دافعاً للحركة وللدينامية. وتفول جين فوندا، كان الأمر يجري هكذا وكانت تستمتع هي بالثرثرة صباحاً مع النساء حين يستيقظن لشرب القهوة.  كانت هذه الفصول من الاعترافات الصريحة والجريئة مادة غنية للصحافيين الذين حضروا تقديم الكتاب ولم يبق أحد منهم، أو في اللقاءات التلفزيونية التي تلت تقديم الكتاب، لم يسأل عن تفاصيل في اعتراف السنوات البوهيمية تلك. ولكن من أكثر الأمور التي تبعث على القرف والغثيان لدى الكثير من الأمريكيين هو "المشهد الثاني" من حياة الممثلة،  ذلك الفصل الذي ارتبط بحياتها السياسية.. بعد أن عادت من فرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتسيست لتلعب دورا في الغليان السياسي. في تلك الفترة ساهمت بنشاط دفاعاً عن حقوق الهنود الحمر. وساندت حركة الفهود السود، كما نشطت في الحركات والتظاهرات المناهضة للحرب الفياتنامية. وتطلق جين فوندا على تلك المرحلة أسم "عملية تغيير مستمر" بحيث يتحوّل فيه الاسم إلى فعل :"وأن تكون فعلا يعني أن تعرِّفَ نفسكَ بالافعال لا بالعناوين والالقاب". كلا لم تندم فوندا على سفرها إلى هانوي في العام 1972 لتكون هناك في العاصمة، ولتوَّثق غارات الطيران الحربي الأمريكي على سواتر وسدود فياتنام الشمالية، ولا هي نادمة على أحاديثها الإذاعية التي وصفت بها بربرية القصف وشهَّرت بها. أما الندم الذي تشعر به في تجربتها الفياتنامية وتعترف به فهي تلك الوقفة مع قوات الفيات كونغ إلى جانب صاروخ أرض جو يطلق على الطائرات الأمريكية المغيرة التي صُوِّرت فيها : "تلك الدقيقتان، في غياب العقل، ستلاحقاني حتى الموت" وهي تدرك اليوم لمَ تتجسد تلك الصورة أمام أعين الكثيرين كوثيقة خيانة ضد الجنود الأمريكيين .

ولكن فضلا عن هذا فإن فوندا تعتبر سنوات السبعينيات في حياتها من أفضل السنوات. لقد تزوجت من توم هايدن الذي كان يرأس " اس.دي. اس." وأنجبت منه ابنها تروي. أحست فعلا بالاستقرار ولم تعد تسرح كثيراً بخيالها وهي تعيش إلى جانب رجل تبادله الحب، ويسود بينهما جدال صاخب حول القيام بمشروع مشترك : جدل حول مشروع الـ " سي.إي. دي. " والحملة لإصلاحه وتجديده ومن ثمّ المساهمة في تمويله، تلك الحملة التي قادت في النهاية الى مشروع " الإيروبيك ". وعندما وضعت كتابها بهذا الصدد ترجم إلى 50 لغة وحقق شريط الفيديو بهذا الشأن نجاحاً لم يسبقه أي شريط فيديو من قبل، وقد استخدمته الملايين بنيّة بناء جسد متناسق متين.
وربما بتأثير فترة الاهتمام بالجسد، أو لتنال رضا نفسها وتكون أكثر كمالا، عمدت فوندا إلى إجراء عملية لتكبير ثدييها لفترة من الزمن. ولم يفهم زوجها هايدن لماذا فعلت ذلك.

ثمّ تأتي سنوات عاصفة أخرى في العلاقة مع تيد تيرنر رئيس مؤسسة الـ"سي. ان. ان." الشهيرة الذي رأت فيه مع الوقت شخصية متفردة يمتاز بصفات تناقض صفاتها لتبتعد و تخلد أخيراً إلى السكون. وهكذا قررت في مقتبل الستين من عمرها أن تمسك حياتها بيدها وتعيش منفردة.

ويبدأ " المشهد الثالث " في حياتها الصاخبة لتعيش وحيدة على مسرح الحياة. و بذا يعتبر هذا الفصل من حياتها بمثابة إطلالة على المشهدين السابقين لتحدق طويلا في نفسها وتتساءل ما إذا كانت حياتها آنذاك تنطوي على أي معنى. ويأتي هذا التساؤل، بعد جرأة الاعتراف، بمثابة بحث مخلص في الماضي هو مجسد أمامها بالكلمات وهي تعيد النظر إليها. ولربما قادتها الرؤية الجديدة إلى يقظة أهتمامها بالمعتقد المسيحي. ثمَّ تستخلص جين فوندا من كل ما كتبته، وكأنما تكتب لنفسها وتحدد المشهد الأخير من حياتها، وهو الأصعب والأعقد، فتقول : "لا أريد أن أموت قبل أن أعرف من أنا".  وهل أجابت جين فوندا في كتاب حياتها على السؤال. ربما ستتحول فوندا إلى "مشهد آخر ـ رابع" بعد السؤال الملح : من تكون. وفي الحقيقة أنها وضعت عنواناً مفتوحاً لكتابها عندما قالت " حياتي حتى الآن.. " بحيث أن المستقبل ما زال بيدها لتعبر إليه.

ولا يمكن أخيراً النظر إلى جين فوندا، بتحولاتها وبدفق أنشطتها كأمرأة، تخلد إلى السكون مهما تقدمت في العمر. لقد أكدت مرة اخرى حيويتها وعادت بعد 15 عاماً من الانقطاع عن عالم السينما لتقدم فلمها الجديد "مونستر إن لو"، وهي تؤكد بذلك إنها مازالت فاعلة " إنها فعل".

موقع "إيلاف" في 25 أبريل 2005