عمان - ناجح حسن |
حظيت النجمة غريتا غاربو بهالة من الشهرة التي لم تنلها زميلاتها وقررت في لحظة مفاجئة وهي ما تزال تتربع على عرش نجومية هوليوود ان تتوارى عن الانظار وترمي خلفها ذلك البريق الذي يطمح له كل نجم او نجمة في الفن السابع. غريتا غاربو التي اطلق عليها نقاد وعشاق السينما اسطورة السينما، وساحرة الشاشة ما زال هناك من يحكي عن تفاصيل افلامها التي حققتها ما بين اواخر السينما الصامتة وبدايات السينما الناطقة وحملت جميعها تقديراً والقاً فريداً لما كانت عليه بطلة تلك الاعمال غريتا غاربو مسحة من الجمال الغامض والسحر النافذ الى عينيها والمثقلة بألوان من الحزن الدفين. اطلت غريتا غاربو الذي يجري الاحتفال بها عالمياً بمرور 100 عام على ميلادها على نور هذا العالم العام 1905 وودعته العام 1990 وتنحدر من عائلة سويدية فقيرة لوالدين عاملين في جنوب ستوكهولم، وعاشت بداياتها الاولى في احياء سويدية شعبية وداخل غرفة واحدة مع اسرتها، ونظرا للحالة الصعبة التي كانت تعيش فيها عائلتها لجأت غاربو الى ميدان العمل للمساهمة في تصريف حياة عائلتها اليومية وهي لا تزال على مقاعد الدراسة الابتدائية، ثم تدرجت بعملها حتى تمكنت وهي في الخامسة عشرة من عمرها من العمل كمرافقة لمصعد في مجمع تجاري وسط العاصمة، وهناك استحوذت على اهتمام الشركات التجارية التي قدمتها على هيئة اعلانات لمنتجاتها قبل ان تتوجه وهي في عامها السابع عشر صوب التمثيل عندما لاحت لها احدى الفرص مع مخرج سويدي بفيلم «بيتر المتشرد»، ولقاء ظهورها بهذا الدور الصغير كان لا بد من دراسة فن التمثيل في احد معاهد ستوكهولم المتخصصة وهناك التقت مع واحد من اشهر مخرجي الافلام السويدية الصامتة دوريس ستيللر مما مكنها من تحقيق حلمها بالظهور في دور لا يستهان به في فيلم «اسطورة غوستا برلينغز» الذي عرض العام 1924 وحقق نجاحاً جماهيرياً واسعاً. في العام 1925 اتيح لها ان تلتقي مع المخرج الالماني ويليام بابست احد ابرز صناع السينما التعبيرية واسند لها دوراً رئىسياً بفيلم «طريق بلا سعادة» في هذه الاثناء كان مكتشفها مواطنها السويدي المخرج ستيللر قد تلقى دعوة للعمل في واحد من ستوديوهات شركة ميترو غولدوين ماير لانجاز عدد من الافلام، ولكنه اشترط لتلبية الدعوة ان يصطحب معه ممثلته التي اخذ على عاتقه ان ينطلق بها في فضاءات السينما العالمية، لكن ذلك ووجه احيانا بصعاب وحمى المنافسة المنتشرة بين نجوم ونجمات تلك الحقبة مما اتاح الفرصة لغاربو بعد فترة وجيزة ان تثبت للشركة الشهيرة قدرتها على تقمص الدور متسلحة بجمال فائق ولعبت دور البطولة بفيلم «السيل» الذي كان الى جوارها فيه النجم ريكاردو كورتيز وادت هي دور البطلة ذات الجاذبية الخارقة التي تنجح في اصطياد الرجال وتدمير كل من يواجهها. وكان فيلمها التالي «الجسد والشيطان» 1928، امام الممثل جون غيلبرت بداياتها الرئيسية للانطلاق صوب الشهرة العالمية فقد حصد العمل نجاحاً كثيفاً على صعيد شباك التذاكر، وتألق نجمها ورفعت سعرها الى مبلغ قياسي ابان تلك الفترة. من بين العام 1926 الى العام 1939 ادت غريتا غاربو العديد من الاعمال السينمائية المتباينة منها المستمدة احداثه عن روايات ومسرحيات من الادب العالمي كما هو بفيلم «آنا كارينا» لتولستوي وفيلم «المرأة الالهية» الذي يسجل وقائع حياة النجمة سارة برنارد وفيلم «السيدة الغامضة» وسواها.. وفي جميعها كان نجم غاربو يسير نحو القمة بسرعة قياسية، فقامت ببطولة اكثر من عشرين عملاً نجح اغلبها نجاحاً صاعقاً من بينها افلام مثل: «القبلة» 1929، «ماتاهاري» 1931، قصة حياة جاسوسة ابان الحرب العالمية الاولى «كما تريدني» 1932، «نيفوشكا» 1939، وكان اعتزالها الشاشة البيضاء العام 1941 مفاجئاً ومدوياً ولا زال يثير تساؤلات النقاد وعشاق فنها، رغم ما قيل عن اسباب كثيرة، ولا احد الى هذه اللحظة يستطيع ان يجزم اسباب دفعها الى الانطواء والعيش في عزلة طوال نصف قرن من الزمان. تفاوتت افلام غاربو ما بين الكوميدي والرومانسي والتاريخي العاطفي الملحمي وكانت قد تمردت على رغبات كثير من المخرجين والمنتجين في هوليوود عندما ظلوا يطلبون منها ادوار المرأة اللعوب والتي تثير حفيظة الرجال، وانه عرف عنها حبها لعملها وتعاونها الدائم مع صنّاع افلامها الا انها اقترحت في واحدة من المرات ان تقدم عملاً غير مألوف في مسيرتها السينمائىة وذلك عندما قررت ان تستوحي فكرة تمثيل دور الملكة السويدية كريستينيا من اخراج روبن ماموليان العام 1933 عن قصة الحب المجنون الذي دار في اروقة قصور السويد وهو عمل تاريخي ملحمي مليء باجمل قصص الحب التي عرفتها هوليوود، وصورة مدهشة ومؤثرة للحب الذي يكسر القواعد والحدود، ويتخطى العقبات والمكائد والتضحية بكل شيء في سبيل حب وقفت السياسة في طريقه والتقاليد في وجهه حتى لو كان ذلك على حساب التاريخ والاحداث الحقيقية التي احاطت بملكة السويد الشهيرة، التي جعلها فيلم ماموليان واداء غاربو من اشهر ملكات السويد في تاريخها الذي يعرفه العالم اجمع، لكنها لم تحصل على الاوسكار الذي رشحت اليه عن ادائها بهذا الفيلم وفي عملين اخرين، لكنها منحت الاوسكار العام 1954 في تكريم خاص عن مجمل ادوارها كما كرمها بلدها السويد بوسام شرف. عندما قررت غاربو الاعتزال كانت تبلغ من العمر 36 عاماً وقيل انها فكرت اكثر من مرة خلال عزلتها بالعودة الى الشاشة البيضاء وحاولت ان تؤدي دور امرأة في احدى روايات بلزاك الشهيرة وكذلك دوراً تتقمص فيه شخصية الاديبة جورج صاند، وسعت الى افلمة رواية ادبية شهيرة مثل «البحث عن الزمن المفقود» للفرنسي مارسيل بروست بيد ان مثل هذه المحاولات وجدت طريقها الى الفشل بسبب مزاجية غاربو وعلاقاتها المتوترة مع الكثير من الجهات الانتاجية في هوليوود لما عرف عن حياتها من غموض وشائعات وعلاقاتها المتوترة مع رجال الصحافة والاعلام ورغبتها البقاء في العزلة والوحدة لسنوات طويلة التي لم تخترقها الا في مناسبات قليلة. عزفت «غريتا غاربو» في ادوارها المختلفة حول الحب والعلاقات الانسانية المتحولة وظلت جميعها بمثابة الانشودة البصرية في تاريخ السينما. الرأي الأردنية في 17 أبريل 2005 |
|