مذكرات راكب الدراجة النارية من شاب مغامر إلى رمز لحركات النضال السياسي الوسط - محرر الشئون الفنية |
كان هذا الفيلم الأسباني الذي أخرجه والتر ساليس، واحد من أشهر مخرجي بلاده، ضمن قائمة الأوسكار لهذا العام، إذ رشحة موسيقاه كأفضل موسيقى، كما رشح جوسيه ريفييرا للحصول على أوسكار أفضل نص سينمائي. الفيلم مأخوذ من مذكرات تشي جيفارا، البطل الثوري، والشهيد رمز الثوار، الرجل الذي ساعد فيديل كاسترو في طرد الأميركان الى ما وراء البحار على الأقل الى ساحل غوانتنامو، والذي لاقى حتفه وهو يأخذ بيد الثورة ذاتها الى قلب أميركا الجنوبية حيث اغتالته المخابران الأميركية في غابات بوليفيا. القصة تدور حوادث قصة هذا الفيلم في العام ،1952 بطلها هو ارنستو جيفارا دولا سيرنا، الطالب في كلية العلوم والبالغ من العمر 23 عاما والذي يوشك على الانتهاء من آخر اسابيع فترة تدريبه بالكلية، وهو أحد أفراد اسرة من الطبقة المتوسطة العليا تعيش في بيونس ايرس. يقرر جيفارا ترك منزله ومرافقة صديق العائلة والمتخصص المعروف في الكيمياء الحيوية البرتو غرانادو، في رحلة بريــــة إلى اميركــــا اللاتينية مستقلين دراجة جيفــــارا النارية 5000 Norton التي يطلق عليها تيمنا "لابيدوروسا أو العظيمة". وتأتي هذه الرحلة لتحقيق حلمهما باستكشاف اميركا اللاتينية القارة التي لا تزال مجهولة في ذلك الوقت. خطة سيرهما تشق جبال الأنديز بمحاذاة ساحل تشيلي ثم تأخذهما عبر صحراء اتاكاما ثم الى نهر الأمازون في البيرو، وطبقا لخطتهما فسيكونان في فنزويلا للاحتفال بعيد ميلاد البرتو الثلاثين. الطبيعة الجغرافية المتنوعة التي يشهدها الاثنان في دول اميركا اللاتينية تعكس التحول في وجهات نظرهما، فيواصلان حتى اعلى قمم الماشو بيشو التي تحوي ما تبقى من آثار شعب الانكا العظيم الذي خلف ارثا مميزا ترك اثاره في نفس الشابين. مع وصولهما الى احدى المستعمرات النائية على نهر الأمازون، تواجههما أسئلة كثيرة عن قيمة التقدم في الأنظمة الاقتصادية وهو الذي لا لا ينفع الكثير من الناس، وهكذا تحدد خبرتهما في هذه المستعمرة ما سيتحولان إليه في المستقبل القريب. يصلان الى فنزويلا بعد رحلة طويلة وشاقة وبعد أن حملا الكثير مما شاهداه ما خلق اول بوادر ثورتهما العاطفية من أجل تحقيق العدالة كوسيلة لتحسين ظروف حياة الكثيرين حولهما. يعود احدهما لبحوثه العلمية بهدف جديد، بينما يواصل الآخر مسيرته ليتحول الى واحد من أبرز القادة الثوريين في القرن العشرين. من القصة إلى النص السينمائي نشأت فكرة تحويل كتاب "مذكرات راكب الدراجة" لارنست جيفارا الى فيلم سينمائي لدى العاملين في استوديوهات South Folk Pictures، وبمجرد ان ادرك أفراد الطاقم قيمة هذا المشروع وأهميته وقع اختيارهم على والتر ساليس كمخرج لهذا العمل، وهو مخرج حصل على احدى جوائز مهرجان صندانس السينمائي في العام 1996 عن فيلمه Central Station. ولم يكن الكتاب غريبا على ساليس الذي يقول عنه "انه كتاب لا يتحدث عن اكتشاف هوية الذات، وموقع أي انسان في العالم، بل انه يتحدث عن البحث عن هوية أميركا اللاتينية". الخطوة الأولى لانتاج نص الفيلم كانت بسفر طاقم العمل الى العاصمة الكوبية هافانا للالتقاء بأسرة جيفارا وللقاء البرتو غرانادو الذي ناهز 80 من عمره الآن والذي لا يزال يتدفق حيوية ونشاطا. ولكتابة القصة استعان فريق العمل بجوزيه ريفيرا، كاتب مسرحيات شاب فاز بعدد من الجوائز، وقد بدأ بالتعاون مع المخرج في قراءة كل السير الذاتية المتوافرة لجيفارا، وقد احتاج ريفيرا لعامين ليتمكن من تقديم نصه النهائي ليضمن تقديم تصور متواز ومتساو عن الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم "جيفارا والبرتو". استقى ريفيرا الكثير من المعلومات من مذكرات جيفارا ومن الوصف الذي قدمه غرينادو لرحلتهما معا. وقد ساهمت هذه الحال المباشرة التي تميز بها نص غرينادو وظرافته الواضحة فيه، بشكل واضح وكبير في اعادة ترتيب وسرد الحوادث ولاعطاء فكرة عن شخصية هذا الرجل الذي يتمتع بهيبة كبيرة. ومنذ البداية دعمت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني المشروع، أما مخرج العمل فقد قام برحلة شخصية ليمر بالمدن والمناطق نفسها الواردة في الكتاب ليعيش التجربة ذاتها التي عاشها جيفارا وغرينادو والتي حدثت منذ 50 عاما مضت. مواقع التصوير منذ البداية أدرك ساليس ان اصالة القصة تتطلب ان يتم تصوير حوادث الفيلم حيث جرت في واقعها وهكذا بدأت رحلة استكشاف مواقع التصوير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 بزيارة فريق العمل الى الارجنتين. في يناير/ كانون الثاني 2002 بدأ الاستكشاف في المناطق الأخرى، وقد استمرت العملية تلك حتى مايو / آيار من العام نفسه. اختيار الممثلين فرضت قوة القصة والرغبة في تقديمها بأكبر درجة ممكنة من الواقعية الاستعانة بممثلين محليين في كل منطقة يتم التصوير فيها، وهكذا جاء الممثلون من الأرجنتين وتشيلي وبيرو. الاستثناء جاء مع الممثل الرئيسي الذي يقوم بدور جيفارا إذ قام ساليس باختيار الممثل المكسيكي الموهوب غيل غارسيا بيرنال والذي أبدى حماسا شديدا لتقديم هذه الشخصية الاسطورية على الشاشة. بعدها ظهرت الحاجة لايجاد ممثل مفعم بالنشاط والحيوية لتأدية دور البرتو، ووقع الاختيار على رودريغو دولاسيرنا ممثل المسرح الأرجنتيني المميز، والذي يمثل فيلم "مذكرات راكب الدراجة النارية" أول ظهور له على الشاشة. والى جانب هذين الممثلين امتلأ الفيلم بعدد من الأسماء المهمة لمشاهير الممثلين والممثلات أمثال ميرسيدس مورن، ما مايسترو، جان بيير نوير، اضافة الى عدد آخر من الممثلين الذين أخذهم الفيلم الى الشاشة الفضية. بداية العمل
بمجرد اكتمال طاقم التمثيل، بدأ الممثلون في
الاستعداد لأدوارهم بشكل جيد، بيرنال بدأ في قراءة الكتب التي كان جيفارا
يقرأها في
تلك الفترة من حياته مثل بعض كتب الفلاسفة الوجودين الفرنسيين، ومفكري علم
الاجتماع
في اميركا اللاتينية، اما دولاسيرنا فقد بدأ في قراءة مذكرات
غيرنادو الأصلية، كما
عمل بجد ليزيد الى وزنه 15 رطلا، كما ان الممثلين سافرا مع مخرج الفيلم الى
كوبا
للقاء غيرنادو وعائلة جيفارا. وجوه الفيلم غيل غارسيا بيرنال "ايرنستو جيفارا دولا سيرنا" اول ظهور لهذا الممثل على الشاشة كان مع فيلم المخرج المكسيكي اليخاندرو غونزاليز Amores Perros الذي أثار جدلا كبيرا، والذي حصل على جائزة البافتا كأفضل فيلم أجنبي، كما رشح لأوسكار أفضل الأفلام الأجنبية، وحصل بيرنال عن أدائه في هذا الفيلم على جوائز في مهرجان شيكاغو الدولي للأفلام وأحد مهرجانات الأفلام في المكسيك. وقال عن دوره كتشي جيفارا "أثر تشي في حياتنا جميعا، خصوصا لأولئك الذين ولدوا بعد الثورة في كوبا، وانا أحد أبناء جيل تشربوا بفكرة البطل اللاتيني، هذا الرجل الذي كافح من أجل معتقداته، وهو أرجنتيني تبنى قضية ليست قضية بلاده، وأصبح مواطنا في كل دول أميركا اللاتينية، مواطن عالمي، وأرى أن مثل هذه الأفلام يمكن أن تشكل دافعا للآخرين ليدافعوا عن معتقداتهم بكل ما يملكون". من هو تشي جيفارا في العام 1928 ولد في عائلة من الطبقة المتوسطة في العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس وهو الأكبر من بين 5 أبناء وبنات. 1932 عند سن الرابعة بدأت بوادر مرض ضيق التنفس تظهر على جيفارا ما اضطر عائلته للانتقال من المدينة الى منطقة هادئة، الأمر الذي جعله قارئ نهم ولاعب كرة قدم على رغم مرضه. في العام 1948 عاد الى بيونس ايرس ليواصل دراسته الجامعية في مجال الطب. 1950 قام بأول رحلة برية له قاطعا فيها 4000 ميل في شمال الأرجنتين، وقد قام بها بشكل منفرد على دراجته النارية. 1953 تخرج من كلية الطب، وبدأ رحلته البرية الثانية ليطوف بأميركا الجنوبية، إذ شاهد عن كثب كيف قامت الحكومة البوليفية الاشتراكية بعمل اصلاحات راديكالية في المجال الزراعي. 1954 استقر ارنستو في غواتيمالا لكنه أجبر على مغادرتها حين تم اسقاط الحكومة اليسارية هناك بدعم أميركي، ليسافر الى المكسيك ويلتقي بفيديل كاسترو المنفي هناك بعد محاولة انقلاب فاشلة في كوبا، ووافق على الانضمام له في مساعيه للقيام بثورة في كوبا. 1959 انتصر الثوار الكوبيون الذين انضم اليهم ارنستو في حرب العصابات التي شنوها ضد النظام الحاكم، ليتقلد جيفارا منصب مدير البنك الوطني، كما ظهر توقيعه على عملة كوبا الجديدة، ثم تزوج بعدها بفتاة كوبية انجب منها اربعة ابناء. 1967 شارك في حرب العصابات في بوليفيا لكن المخابرات الأميركية طاردت فرقته والقت القبض على جميع أفرادها وأطلقت النار عليه لترديه قتيلا، ولتجعل منه رمزا لنضال الشباب السياسي في جميع أنحاء العالم. والتر ساليس "المخرج" فيلم Foreign Land الذي قدمه ساليس في العام 1995 الذي يعد أول أفلامه فاز بتسع جوائز عالمية من بينها جائزة أفضل فيلم برازيلي في ذلك العام. بعدها قدم فيلم Central Station الذي حصل على احدى جوائز مهرجان صندانس السينمائي لقوة نصه، كما تم عرضه في الحفل الافتتاحي لهذا المهرجان في العام ،1998 واستمر الفيلم في حصد الجوائز في مختلف المهرجانات إذ حصل على جائزة الدب الذهبي باعتباره أفضل فيلم في مهرجان برلين لذلك العام كما حصلت بطلته على جائزة أفضل تمثيل في المهرجان نفسه، لتأتي بعدها جائزة الكرة الذهبية في مهرجان الغلوب وجائزة البافتا كأفضل فيلم أجنبي في العام ،1999 هذا عدا عن حصوله على ترشيحين للأوسكار في ذلك العام. بالاضافة الى اخراجه الفيلم، فقد ساهم ساليس في انتاج او المشاركة في انتاج بعض الأفلام الأولى لبعض المخرجين الشباب، إذ إنه ساهم في إنتاج فيلم City of God كما إنه انتج فيلم المخرج كريم اينوز Madame Sata. رودريغو دولا سيرنا "البرتو غرانادو" هو ممثل أرجنتيني مسرحي متعدد المواهب اثبت نجاحه في تقديم مختلف الأدوار والشخصيات، يقول عنه والتر ساليس "التشابه بين شخصية رودريغو الحقيقية وشخصية البرتو التي يؤديها في الفيلم هو تشابه جسدي مذهل، لكن ليس هذا ما جعلني اختاره للدور فهذا الممثل الشاب يذكرني بكبار ممثلي ايطاليا في شبابهم، وهو على استعداد دائم ليفاجئ جمهوره ومحبيه في كل شخصية يقدمها مازجا ظرافته المحببة بأدائه الدرامي المميز، وقد تفاجأت بعد اختياره لهذا الدور أنه أحد أبناء عمومة جيفارا". الوسط البحرينية في 13 أبريل 2005 |
شاهد لك مذكرات راكب الدراجة النارية روح شفافة وإنسانية عالية وقائد ثوري الوسط / منصورة عبد الأمير لا يختلف الثوار في جميع أنحاء العالم عن الناس العاديين أبدا، هم بشر يعيشون بيننا، يشبهوننا تماما، فما الذي يجعلهم ثوارا، أين تقع نقاط اختلافنا معهم؟ ولماذا يكونون في المقدمة دائما ونتبعهم نحن، لماذا تتعلق بهم قلوبنا، ولماذا يتركون في نفوسنا انطباعات لا تمحى من الذاكرة، بعباراتهم، بكلماتهم، بلحاظ أعينهم، وبكل مواقف حياتهم؟ إنه كم الإنسانية الذي يحملون على ما أظن، هي رهافة الحس وشفافية الروح، فهم وإن كانوا يشبهوننا الا أنهم يتألمون كما لا نتألم، يحملون عبئ آلام الآخرين ويشعرون بها كما لا نشعر، هم باختصار يحملون كما هائلا من الإنسانية لا يمكن أن تصفه الكلمات. هم كذلك دائما، وهكذا أراد مخرج فيلم The Motorcycle Diaries "راكب الدراجة النارية" أن يقول عن تشي جيفارا، أحد أبرز قادة الثوار في القرن العشرين، الذي وإن اختلفنا معه ايديولوجيا او فكريا، الا اننا بعد مشاهدة هذا الفيلم، وعلى فرض نزاهة مؤلف نصه ومخرجه في نقل الحقيقة من دون تلميع، لا يمكننا إلا ان نتفق حول الروح الانسانية العالية التي يملكها هذا الشاب والتي ملأت نفسه حبا للآخرين وإحساسا بآلامهم، وكرها لكل الفقر والجوع والحرمان والظلم الذي يحيل حياتهم أسى وعذابا. اشتهر كثائر مقاتل مدافع عن قضايا المظلومين والضعفاء وانتصاره لقضية يفترض ان تكون عادلة، لكننا لم نعرف ابدا كيف خلقت هذه النفس الثائرة على الظلم، ولا ندري ان كان الثوار يولدون كذلك ام انها الظروف الصعبة وقسوة الحياة التي يعيشونها أو يشهدونها بأم أعينهم هي ما يصنعهم؟ الفيلم يتكفل بالاجابة على بعض تلك الأسئلة، إذ يأخذنا في رحلة تمتد لما يزيد على الساعتين بدقائق هي ذاتها الرحلة التي عاشها جيفارا لشهور كثيرة التي خلقت منه انسانا آخر وأدت الى ولادة أحد أبرز ثوار القرن الماضي. ويتتبع الفيلم الذي أخرجه الإسباني بيتر ساليس "الذي شاهدنا له عددا من الأفلام الجيدة مثل City of God, Me, You and Them أنا وأنت وهم" رحلة جيفارا الشهيرة في أميركا اللاتينية التي قام بها بصحبة صديقه البرتو غرانادو وهي الرحلة التي غيرت مجرى حياته الى الأبد وصنعت مستقبله وحددت مصيره فيما بعد. لم يكمل جيفارا 24 من عمره حين بدأ الرحلة، وكان على وشك بدء برنامج التدريب في كلية الطب، لكنه فضل مصاحبة صديقه في رحلة طالما حلم بها، رحلة كان يفترض ان تبدأ من الأرجنتين وتنتهي في فنزويلا إذ يحتفل الاثنان بعيد ميلاد غرانادو الـ ،30 لكن ما حدث كان مختلفا تماما إذ إنفصل الإثنان عند نقطة معينة ليعود غرانادو الى عمله السابق في الكيمياء الحيوية وليستقر الحال بجيفارا متقلدا منصبا عاليا في حكومة فيديل كاسترو بكوبا، وليصبح أحد قادة الثورة هناك ثم ليتم اغتياله بعدها على يد المخابرات الأميركية في بوليفيا في العام ،1976 في محاولة أخرى منه للمساهمة في إشعال جذوة ثورة أخرى في ذلك البلد. الفيلم الذي بدا كرحلة تصحيح ايديولوجي "ان شاء لي تسميتها كذلك" يقدم صورة رائعة لتشي جيفارا، ولا أعرف حقا مدى صحة هذه المزاعم وان كان جيفارا في الواقع يحمل روحا شفافة كتلك التي تتضح في الفيلم. الفيلم يحاول أيضا، خلسة، ان يروج للشيوعية بطريقة أو بأخرى، فأصحاب الأرض المغبونون في حقهم والمطرودون من أرضهم الذين جردوا من كل ما يملكون بحجة تطوير البلاد، هم في واقع الأمر شيوعيون، ولقاءهم مع جيفارا هو ما يشعل جذوة الثورة في نفسه لأول مرة، وهو ما يجعله يلاحظ للوهلة الأولى مدى قبح الظلم وسوئه، وهو ما يأخذه الى الشيوعية ويجعله أحد أبرز المدافعين عنها. إنسانية جيفارا على أية حال تثبتها حقيقة نضاله المستميت من أجل قضايا الآخرين في كوبا وبوليفيا والكونغو بعيدا عن بلده الأم الأرجنتين، وجيفارا وان كرهه البعض كنقاد الأفلام الأميركان على أقل تقدير، وهم الذين يمكن تلمس غيض بعضهم الشديد من تمجيد هذا الفيلم لشخصية جيفارا واضفاء هالة ملائكية عليه بقراءة بعض مما كتبوه عن الفيلم، على رغم ذلك لا يمكننا أن نجزم أن هذا الرجل يملك روحا معطاءة وإنسانية عالية. يبدأ الفيلم في الأرجنتين بمشهد لجيفارا وهو يخبر عائلته عن نيته مصاحبة غرانادو في رحلته تلك، لنعرف من خلال هذا المشهد ان الفتى يحمل إعجاب والديه وان حاول الأب اخفاء الأمر وتصنع الغضب من ابنه لتفضيله القيام بهذه المغامرة وترك الدراسة، كما نعرف بعدها ان جيفارا مصاب بداء ضيق التنفس منذ صغره، هذا عدا عن أن له حبيبة لا تحمل له الكثير من الإخلاص، إذ إن هذه الحبيبة التي يمر الفتى بمنزلها قبل الانطلاق في رحلته التي بدت من أسرة ثرية، لا تتمكن من أن تقدم له أي وعد بانتظاره ان أطال السفر، لكنه على رغم ذلك يقرر المضي في ما عزم عليه، وتفي هي بوعدها على ما يبدو حين تصله رسالة لا يخبرنا المخرج عن مرسلها أو محتواها، لكننا نفترض بناء على بعض التفاصيل انها من الحبيبة الغادرة وانها تخبره فيها بتخليها عنه! بعدها يأخذنا المخرج لنسافر مع جيفارا والبرتو ولنلازمهما طوال رحلتهما في مشاهد جاء ايقاعها بطيئا للغاية لكنه كما يبدو كان متعمدا لنعيش مع الفتى كل اللحظات التي صنعته ولندرك حجم النقلة الروحية التي مر بها جراء ما شاهده، وربما لنمر بذات النقلة ونستشعر حلاوتها، تماما كما فعل طاقم العمل، المخرج والممثلان الرئيسيان على الأقل، الذين زعموا أن مشاركتهم في الفيلم قد أحدثت تغييرا كبيرا في حياتهم وانهم ليسوا ذات الأشخاص السابقين. الفيلم رائع بشكل عام أداءا واخراجا، كما تم اختيار بقع جميلة لتصوير مختلف المشاهد في الأرجنتين والبيرو وجميع المناطق التي زارها جيفارا في رحلته الحقيقية، لكن لعل ما يشد الانتباه هو تلك الروح الشبابية التي تسود جميع مشاهده وهي روح الانطلاق وحب المغامرة والاثارة التي نلمسها لدى جيفارا والبرتو والتي عبر عنها الفيلم من دون حاجة لأي تصنع أو تكلف في الأداء أو الأخراج، إذ لم نكن بحاجة لمشاهد بطولية يتعارك فيها البطلان ويثبتان بسالتهما وقوتهما التي لا تكسر، ببساطة كانا شابن عاديين، أوقعا نفسيهما في مطبات ومزالق بدا بعضها مضحكا أو غبيا، وقد أضافت عليها ظرافة غرانادو الشيء الكثير، بينما أظفت عليها رهافة احساس جيفارا لمسة مميزة. لا يمكن أخيرا تصنيف الفيلم بالدرامي أو الكوميدي أو التوثيقي لكنه كل ذلك، كما لا يمكن ارجاع الفضل في نجاحه الى الإخراج أو الأداء أو التصوير أو الموسيقى لكنها الهالة السحرية التي تحيط بتشي جيفارا لدى الكثيرين أولا ثم كل الأمور الآنفة الذكر ثانيا. الفيلم يستحق المشاهدة وهذه ليست دعوة أو للاعجاب بشخصية جيفارا لكنها دعوة لمشاهدة عمل جيد قدم بطريقة مختلفة بعيدة عن اثارات هوليوود الرخيصة وتصنعاتها المكلفة. الوسط البحرينية 13 أبريل 2005
|