مطلعها بدايات السينما المصرية زوابع الأفلام ومقص الرقيب عدنان مدانات |
تستدعي عواصف الاحتجاجات التي هبت واستمرت ردحا طويلا من الزمن ضد الفيلم المصري “بحب السينما” (2004)، للمخرج أسامة فوزي، العديد من الأسئلة حول الحدود التي يمكن ان يتحرك ضمنها الفنان السينمائي العربي في بحثه عن مواضيع لأفلامه او عن المواقف والأحداث التي يمكن أن يصورها، أو الأفكار التي يرغب في طرحها، أو الشخصيات التي يود أن يقدمها على الشاشة. هذا هو السؤال المطروح أمام السينمائيين العرب والذي لا يستطيع أحد الإجابة عنه بسهولة، فالخطوط الحمراء في مجال الأفلام السينمائية والمحرمات متنوعة ولا تحصى، أيضا فإن الأطراف والجهات التي ترسم الخطوط الحمراء وتضع قوائم بالمحرمات متعددة المستويات، فهي تبدأ من الأجهزة الحكومية وتمر من خلال المؤسسات الدينية والمؤسسات الاجتماعية وصولا إلى الأفراد. يستند المثال الأوضح على الرقابة على الأفلام في العالم العربي الى السينما المصرية الأعرق تاريخاً والأشمل تجربة، فتاريخ السينما المصرية مليء بقصص الأفلام الممنوعة ومقصات الرقباء التي طالت سواء مشاهد معينة أو تلك التي طالت أفلاما بأكملها، والتي أعيد السماح بعرضها في أوقات لاحقة أو لم يتبق منها سوى الذكرى، كما طالت نصوص سيناريو وحتى مسميات السيناريوهات. بدأ أول استعمالات مقص الرقابة في الفيلم السينمائي “زينب” أحد اوائل الأفلام المصرية الروائية الطويلة، وهو الفيلم الأول المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه، حيث منعت الرقابة مشهدا تظهر فيه أسرة ريفية تتناول طعامها على “طبلية”. وقد منع المشهد وقتها وفقا للمفاهيم السائدة عن السينما التي كانت لا تتقبل عرض مناظر تظهر الفقر في الأرياف، وهي المفاهيم التي كرسها المخرج المصري أحمد بدرخان في كتابه الشهير حول فن الفيلم الذي أصدره في اواسط الثلاثينات من القرن العشرين وحرّم فيه تصوير أية مشاهد تدل على مظاهر الفقر. ومع الفيلم الروائي التاريخي الطويل “لاشين” شهد العام 1939 أولى حالات منع الأفلام المرتبطة بالسياسة. اخرج الفيلم مخرج ألماني الأصل هو فريتز كرامب. والفيلم يتحدث عن قائد عسكري يشعل ثورة لإقصاء الحاكم، وهذا ما اعتبرته الرقابة من كبائر الأمور. وبعد بضعة أعوام من ذلك، تم منع الفيلم الذي سيصبح أحد أشهر الأفلام في تاريخ السينما المصرية وهو فيلم “السوق السوداء” الذي أخرجه كامل التلمساني في العام 1946. وهو الفيلم الأول الذي ناقش قضايا الفساد الاجتماعي من خلال موضوع السوق السوداء، الموضوع الذي سيصبح بعد سنوات من المواضيع الشائعة في السينما المصرية. وقد منع الفيلم وقتها بحجة إثارة الخلافات بين فئات المجتمع المصري. وفي العام 1947 تم منع فيلم عن الزعيم الوطني “مصطفى كامل” لأنه تضمن الكثير من المشاهد لمصطفى كامل وهو يلقي خطابات سياسية. ولم ير هذا الفيلم النور إلا بعد مضي خمس سنوات على إنتاجه، أي تم السماح بعرضه بفضل ثورة يوليو. حملة السبعينات وشهدت السينما المصرية في سبعينات القرن العشرين أكبر حملة تعرضت لها الأفلام التي حاولت أن تكون جريئة في مواضيعها سواء منها المرتبطة بالسياسة أو بالجنس. وكانت البداية مع فيلم “الظلال على الجانب الآخر” (1970)، للمخرج الفلسطيني غالب شعث. والفيلم كان من إنتاج “جماعة السينما الجديدة” في مصر التي تشكلت من سينمائيين يطمحون لتطوير السينما المصرية شكلاً ومضموناً. يحكي الفيلم عن مجموعة مثقفين محبطين بسبب هزيمة عام ،1967 وأحدهم فنان فلسطيني يشعر بعدم جدوى وجوده في القاهرة ويقرر الالتحاق بصفوف المقاومة الفلسطينية. ولم يتضمن الفيلم أي طرح سياسي خطير أو مباشر، لكن ذلك لم ينجه من المنع الذي استمر ثلاث سنوات، حيث سمح بعرض الفيلم بعد حرب أكتوبر وعبور القناة، الأمر الذي أتاح للرقيب فرصة إظهار كرم أخلاقه وسماحته فاقترح حلا يقضي بإضافة جملة مكتوبة في نهاية الفيلم تخبر المشاهدين ما معناه أن أحداث الفيلم سبقت عبور القناة. الفيلم السياسي “زائر الفجر” أخرجه ممدوح شكري في العام 1973 وأنتجته ومثلته ماجدة الخطيب. وهو الفيلم الذي تجرأ وتحدث عن القمع الذي تمارسه المخابرات على الناشطين السياسيين. ولم يتم عرض الفيلم إلا بعد ثلاث سنوات من إنتاجه وإثر موافقة المنتجة على إجراء تعديلات عليه وحذف العديد من المشاهد، مما أفقد الفيلم مضمونه السياسي وتماسكه السردي. وآنذاك كان مخرج الفيلم الذي رفض في حينه إجراء تعديلات على الفيلم قد توفي إثر تدهور حالته الصحية. واجه فيلم “الهارب” الذي أخرجه كمال الشيخ نفس المصير، فهذا الفيلم ذو المضمون السياسي الواضح لم يسمح بعرضه إلا بعد أن أصابه الكثير من التشويه بفعل مقص الرقابة. ويدل الفيلم التالي للمخرج نفسه على التعسف والمزاجية اللذين يتحكمان في كثير من الأحيان بقرارات الرقباء. ففيلم “على من نطلق الرصاص” والذي يمكن اعتباره بمثابة التتمة لفيلم “الهارب” نجا من مقص الرقيب على الرغم من مضمونه السياسي ووجود شخصية يسارية رئيسية فيه. اما المخرج يوسف شاهين فلم يسعفه موقعه المميز في السينما المصرية لكي ينجو من مقص الرقيب عندما أخرج فيلمه السياسي الانتقادي الشهير “العصفور” ولم تشفع لفيلمه المشاهد النهائية التي تندفع فيها الجماهير إلى الشارع رافضة استقالة زعيم البلاد مؤكدة على مواصلة القتال على خلفية الأغنية الوطنية “مصر يما يا بهية”. ويشير ما حصل مع فيلم “العصفور” إلى السذاجة التي تتحكم بعقول بعض الرقباء. فما تم الاعتراض عليه في الفيلم وحذف منه هو مجرد لقطة رمزية في نهايته تصور عصفورا يخرج من القفص. مزاجية الرقيب ولم ير الرقباء في فيلم “البريء” للمخرج عاطف الطيب أية خطورة باستثناء المشهد الأخير منه، وذلك على الرغم من المضمون السياسي الواضح والمباشر في هذا الفيلم الذي يصور القمع الذي يتعرض له المثقفون اليساريون في السجون المصرية، كما يصور الآلية التي تستخدمها أجهزة الأمن لتحويل فلاح بريء وساذج مجند ضمن صفوف المخابرات إلى وحش بشري لاستخدامه في تعذيب السجناء اليساريين. اما المشهد الأخير الذي أثار هلع الرقباء فكان قتل هذا المجند من قبل قوات أمن السجن بعد أن حمل سلاحه وأطلق النار عليهم بعد أن ثار على الوضع الذي فرضوه عليه. والمفارق في قرار الرقباء، كان الاكتفاء بتثبيت اللقطة على الجندي وهو يمسك البندقية، وحذف باقي المشهد الذي يحدث فيه إطلاق النار، هذا مع أن تثبيت اللقطة لن يمكن المشاهدين من معرفة ما سيحصل في اللحظة التالية. ويمثل ما حصل مع فيلم “المذنبون” للمخرج سعيد مرزوق نقلة نوعية في مجال القمع الذي تتعرض له الأفلام ، أولا من حيث تعدد الجهات التي اعترضت على الفيلم، وهي جهات رسمية وأهلية، وثانيا، لأن الاعتراضات طالت الجوانب السياسية في الفيلم الذي يتضمن من بين شخصياته وزيرا ومسؤولين فاسدين، وكذلك المشاهد التي اعتبرت مثيرة جنسياً، وثالثاً، لأن أساس الاعتراض على الفيلم جاء بسبب اتهامه بتشويه سمعة مصر في الخارج وليس تخوفا من تأثيره في الداخل. فتحت سنوات الثمانينات الباب واسعا أمام كل من يريد خوض غمار معركة الهجوم على الأفلام، مما ادى إلى انتشار ما أطلقت عليه وسائل الإعلام المختلفة تسمية “ظاهرة محاكمة الفيلم المصري”. ففي الثمانينات أثار عدد كبير ومتنوع من الأفلام زوابع مختلفة المسببات والمبررات. بعض هذه الأفلام تعرض للمنع الجزئي أو الكلي وبعضها تعرض لمقص الرقيب، كما أن بعض الأفلام دخل أقفاص الاتهام في المحاكم المصرية نتيجة شكاوى من أشخاص واطراف أو هيئات اجتماعية. من هذه الأفلام نذكر “الأفوكاتو” للمخرج رأفت الميهي ومن بطولة “النجم” عادل إمام، حيث أثارت نقابة المحامين الزوابع ضده بحجة إساءته لأهل المهنة. ولم تكتف النقابة بالاحتجاج على الفيلم الذي أجازت الرقابة الرسمية عرضه، بل أقامت الدعوى ضد المؤلف والمنتج وبطل الفيلم، وكانت نتيجة الدعوى حكما اعتبرته وسائل الإعلام أعنف الأحكام القضائية التي صدرت ضد فيلم سينمائي وضد فنانين. هذا وقد حصل وضع مشابه، إنما مع اختلاف السبب، مع فيلم “للحب قصة أخيرة” للمخرج رأفت الميهي، وهو الفيلم الأول الذي جعل من الأقباط شخصيات رئيسية في السينما المصرية، فقد ثارت القضايا بوجهه وبوجه أبطاله الذين سيق بعضهم إلى النيابة بتهم الدعارة على الشاشة، هذا على الرغم من أن ما ورد في هذا الفيلم من مشاهد، وهي كانت قليلة ومختصرة، مما اعتبر مشاهد إباحية، لا يتضمن أية إثارة للمتفرجين، وذلك على العكس من مشاهد الإثارة التيي ترد عادة في الكثير من الأفلام المصرية، والتي تؤديها ممثلات يفتخرن بحمل لقب “نجمة الإغراء”. وكانت سنوات الثمانينات قد شهدت ردة فعل ضد مشاهد الإثارة الجنسية في السينما المصرية طالت العديد من الأفلام التجارية الجماهيرية، بدأت مع صدور قرار بمنع عرض فيلم “خمسة باب” من بطولة “نجمة الإغراء” ناديا الجندي ورفيقها في الفيلم النجم الكوميدي عادل إمام، الذي منعته الرقابة إثر حملة ضده قامت بها مؤسسات أهلية اعترضت على ما ورد فيه من ألفاظ ومشاهد جنسية فجة. وقد ترافق هذا المنع مع منع فيلم آخر هو فيلم “درب الهوى” ولأسباب مشابهة. هجوم لأتفه الأسباب ثارت في الحقبة نفسها العديد من الزوابع ضد أفلام تجارية لا تتضمن تجاوزات ذات شأن على الخطوط الحمراء، شملت أفلاما تدل تسمياتها على مستوياتها مثل “الفرن”، “المتسول” و”الغول” وأفلام أخرى من ذات النوعية. ودلت الزوابع التي أثيرت ضد هذه الأفلام على ازدياد التدخل المباشر من قبل الهيئات الاجتماعية والمهنية والأشخاص العاديين في مصير الأفلام، الكوميدية خاصة، التي قد تتضمن بعض الانتقادات المباشرة وغير المباشرة او التلميحات الساخرة التي قد تمس فئة اجتماعية او مهنة ما. وقد سمح هذا المناخ في أحيان كثيرة، بالهجوم على الأفلام لأتفه الأسباب. ومن ذلك ما حصل مع فيلم “المتسول” الذي أقام عمدة إحدى القرى قضية ضده لأنه تصادف وجود تطابق بين اسم قريته واسم القرية التي تجري أحداث الفيلم فيها مع تضمين الفيلم حوارا ساخرا من القرية. وحصل أمر شبيه مع فيلم “الفرن” الذي أقامت نقابة أصحاب المخابز دعوى ضده بسبب وجود شخصية فران محتال فيه. وحسب المعلومات التي اوردها الناقد المصري علي أبو شادي في كتابه “الفن بين العمامة والدولة” شهد العام 1987 ولادة فيلم لم ير النور أبدا، وهو فيلم من إخراج سعد عرفة عنوانه “الملائكة لا تسكن الأرض”، لأنه جرؤ على: “اقتحام منطقة ملغومة، شديدة الحساسية، بتعرضه لعلاقة الانسان بربه، وموقف بعض الجماعات الإسلامية المتشددة من هذه العلاقة ومحاولتها فرض سيطرتها ومفاهيمها وأفكارها على المجتمع وتكفيرها لأفراده، وانتهاج بعض رجال هذه الجماعات العنف كوسيلة رئيسية وأداة من ادوات التغيير”. بعد سبع سنوات من منع هذا الفيلم ستثار ضجة قوية جدا ضد فيلم “الإرهابي” للمخرج نادر جلال والذي قام ببطولته نجم الكوميديا المصرية عادل إمام. وفي هذا الفيلم عودة إلى موضوع التطرف الديني والإرهاب من خلال حكاية شاب ساذج ينخرط في تنظيم متشدد وتوكل إليه مهمة اغتيال شخصية رسمية ولكنه يفشل في مهمته ويصاب بجراح نتيجة اصطدامه أمام المنزل بسيارة العائلة حيث يتم إدخاله إلى المنزل ويتلقى الرعاية هناك حيث يشفى. وفي هذه الأثناء يلتقي الجيران الأقباط فيكتشف أن الصورة التي بذهنه عن الأقباط خاطئة ويعود إلى جادة الصواب. وفي هذه المرة سمحت الرقابة الرسمية بعرض الفيلم في حين هبت ضده زوابع منبعها التيارات الدينية المتشددة التي رفضت الموقف السياسي الذي يتضمنه من دون أن تدرك أن سذاجة مقولات الفيلم وعدم منطقية السرد فيه وهزال تركيب شخصياته لا تتيح له أن يقنع أياً كان بمضمونه، وهذا ما أدركه النقاد السينمائيون، الذين، مع ذلك، وقفوا ضد الحملة التي تعرض لها. المبررات الهزيلة لعب المثقفون والنقاد السينمائيون دوراً رئيسياً خلال العقود السبعة المنصرمة في التصدي لقوانين وأنظمة الرقابة الرسمية، وخاصة لممارساتها الموجهة ضد الأفلام السينمائية. وهذا التصدي لم يكن فقط نتيجة موقف مبدئي من الرقابة، بل أيضا بسبب عدم القناعة بالمبررات الهزيلة التي كانت تسوقها الرقابة الرسمية، وهذه المبررات الهزيلة يمكن ملاحظتها من خلال الأمثلة التي أوردناها حول الأفلام التي تعرضت للرقابة خلال السنوات المنصرمة. وفي النتيجة صار موقف الرقابة الرسمية يتضعضع تدريجيا خاصة بعد أن صارت قراراتها تخضع للجنة رسمية أخرى هي لجنة تظلمات، هي في جوهرها أشبه بهيئة دفاع عن الأفلام المتهمة لها صلاحية إصدار القرار. في الأعوام الأربعة الأولى من القرن الحادي والعشرين، وهو القرن الذي تفاقمت فيه سطوة الفضائيات التلفزيونية على المشاهدين في المجتمعات العربية، مما جعل الكثير من المحللين يعتبرونها خير مثال على عقم المفاهيم الرقابية ولا جدوى من ممارستها، استمرت الزوابع المثارة ضد الأفلام السينمائية المصرية ولكن هذه المرة من قبل رقابة الهيئات الاجتماعية والدينية أو الأفراد. أبرز الأفلام التي تعرضت لزوابع من خارج الرقابة الرسمية فيلم المخرج داوود عبد السيد “مواطن ومخبر حرامي” فقد تسامحت الرقابة مع ما ورد من سخرية حادة بحق السلطة التي اعتبر أنها تقوم على التحالف بين ثلاث قوى هي السلطة ممثلة بجهازها الأمني، وأرباب المال، واللصوص، في حين هبت ثائرة البعض ضد ما اعتبروه مشاهد جنسية في الفيلم. أما الفيلم الثاني فكان “بحب السينما” للمخرج أسامة فوزي والذي سمحت بعرضه الرقابة وثارت ضده أوساط الكنيسة القبطية في مصر. وكان الفيلم الثالث “الباحثات عن الحرية” للمخرجة إيناس الدغيدي قد مثّل السينما المصرية رسميا في مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي وتلت عرضه في المهرجان زوبعة تتهمه بالجرأة الجنسية الزائدة والترويج الإباحي، كما تعرضت بعض ملصقات الفيلم المعلقة في شوارع القاهرة للتخريب. نستنتج من هذه الإطلالة على نماذج رئيسية من حالات الرقابة أو الاعتراض على الأفلام في تاريخ السينما المصرية أنه إذا كانت قوانين وأنظمة الرقابة الرسمية واضحة والجهات المشرفة على تطبيقها معروفة، فإن الرقابة الاجتماعية والفردية تشكل ظاهرة خطرة لأنها غير محددة بقوانين ولا تحكمها جهات معينة معروفة الصلاحيات، وهي تنطلق من مفاهيم تتغير حسب الظروف والأزمان، فما قد يرفضه المجتمع اليوم قد يقبل به غدا وما يقبله اليوم قد يرفضه غدا، وأبسط الأمثلة على ذلك الحملات التي تثار ضد روايات نشرت قبل عشرين سنة. الخليج الإماراتية في 12 أبريل 2005 |
ربى عطية: المنافسة بين الاعمال الدرامية والوثائقية تحفز التطور عمان - جمال عياد تعد صناعة الافلام السينمائية من الاشكالات التي تحد من طموحات الدول النامية لجهة كلفتها المرتفعة نسبة لتواضع اقتصاديات هذه الدول الا ان هناك تجارب شابة تحاول اجتراح مقترحات للقفز عن هذه الاشكالات ومن ذلك ما تحاول فعله على المستوى المحلي الفنانة الاردنية ربى عطية من تقديم جهود تبدو متواضعة في عالم هذه الصناعة لكنها واثقة مستقبلياً من خلال البدء بصناعة الفيلم الوثائقي قليل الكلفة لكنه يحمل قيماً فنية وجمالية عاليتين تجعل من الطلب عليه وارداً من قبل الفضائيات سواء العربية او الاجنبية. «الرأي» التقت عطية التي تحدثت عن انشغالاتها الراهنة وعن اسباب تحولها من العمل المسرحي الى الفيلم الوثائقي وتقييمها لصناعة الفيلم الوثائقي العربي ومدى قدرة هذا الفيلم على تناول معالجات تهم المرأة المحلية خصوصاً والعربية عموماً. ويذكر بأن عطية خريجة جامعة اليرموك في العام 1998 تخصص فنون درامية، والتي شاركت فنيا في اول تجربة مسرحية ممثلة في «سوء تفاهم» من اخراج د.عوني كرومي واخرجت مسرحية «بيت ذو نافذة تطل على الحقل» لكاتب روسي و«كاسبر» لبيتر هاندكه، وكتبت واخرجت مسرحية «شو خص الثلج» بعد ورشة عمل مع طلاب من عمر «13» والى «16» سنة تناولت علاقة الاطفال بالمكان، ومسرحية «الرحلة» من موسيقى طلال ابوالراغب وممثلة في مسرحية «في اعالي الحب» للعراقي فلاح شاكر وممثلة في «الدائرة» من تأليف حياة الحويك عطية واخراج عزيزة خيون. واخرجت تلفزيونيا افلاما وثائقية «تذكر 1948» و«نريد المزيد» وافلاما تتناول التنمية في منطقة بلاد الشام والعراق وفيلم درامي قصير بعنوان «الشيء الذي يمشي»، فضلا عن تقديم برنامج من اعدادها واخراجها لصالح التلفزيون الاردني عن ابرز مائة كتاب عربي في القرن العشرين. · ما هو آخر انشغالك في الراهن؟ - انا الان اقوم بدراسة لتقديم فيلم وثائقي بعنوان «الموت» من اعدادي واخراجي، وقد انطلقت الفكرة لدي من ادراكي للوهلة الاولى بأن وعينا بحقيقة موتنا تؤثر على القرارات المهمة في حياتنا وعلى اتجاه الحياة عموما واصبحت ابحث عن الوجوه العديدة للموت، فمثلا كنت اخذ الوجه القديم المرتبط بطقوس الموت والدفن المختزن من رؤية لاكثر من حالة وفاة في العائلة واحسست بأن هذه الطقوس القديمة الخاصة بالدفن تعطي قدسية لمسألة الموت اكثر من الاعلام الحديث الذي يظهر الموت عبر اشكال لا متناهية له فأصبح لدينا نوع من الاشباع من هذه الصور مما افقده مسألة قدسيته واصبحت الحياة البشرية تبعا لذلك وكأنها ارخص. كما وان الاعلام اثر تبعا لذلك ايضا على اظهار بأن الموت هو الحل لبعض الحالات بسبب البؤس الذي نعانيه وللدرجة التي اصبح معها الآخر يرى بأننا لا نحترم حياتنا وقدسيتها وانها رخيصة بحيث لا نهتم بنهايتها. لا بل اننا عندما نقدم انفسنا كضحايا بشكل دائم فان هذا يوحي بأننا ليس لدينا شيء نقدمه للحياة واننا فاقدون لأي قيمة قد نمتلكها. وما ذكرته يعد المحور الاول من الفيلم، اما المحور الثاني وهو الشكل الذي يجيء الموت فيه ما بين الموت الارادي او الذي يجيء بقرار، اذ ان هناك اشياء مشتركة ما بين اصحاب الموت الذين يقررون فيه موتهم سواء انتحارا او استشهادا ويجمعهم احساس واحد باكتساب السلطة على الموت والحياة. · لوحظ في الآونة الاخيرة انتقالك في العمل الفني من المسرح الى الدراما التلفزيونية، هل لهذا علاقة بالمسائل المعاشية، أم برؤية ابداعية معينة، أم ان هناك سببا آخر؟ - بصراحة .. هناك سبب ثالث وهو بأنني انتقلت الى الدراما الوثائقية لأن الفريق الذي أتعامل معه قليل وذلك لأن الحجم القليل من العاملين يؤمن عامل النجاح بالتأكيد ولأنه وبكل صراحة فانه لا يزال في بلادنا هناك اشكالات ليست بالقليلة في خوض العمل الجماعي، ففي الفيلم الوثائقي هناك عملية تركيز على ربط الشكل بالمضمون المستند على عمل بحثي جاف، بينما وللأسف نجد ان اغلب الاعمال الفنية الاخرى تعتمد على الابهار الخارجي عن أي مضمون. · ما هو تقييمك للفيلم الوثائقي العربي عموما، وهل تعتقدين بأن البدء بهذه الصناعة يعد معطى جيدا لتأسيس صناعة سينما درامية مستقبلا تستطيع ان تنافس الفيلم الغربي في السوق السينمائية العربية؟ - تقييمي للفيلم العربي الوثائقي بشكل عام بأن المضمون لا يزال فيه يتجاوز الشكل، لكن أنا اعتقد بأن هذا مرحليا وانه سوف يزول بسبب وجود الفضائيات التي تعرض الوثائقيات على جمهور كبير فتزيد من حركة الانتاج وبالتالي فان المنافسة في الاعمال الوثائقية او اي اعمال اخرى شبيهة من هذا النوع سوف تخلق حوافز للتطور نحو الافضل، فاعتقد وبسبب اعتماد الفيلم الوثائقي على البحث الحقيقي فان هذا يخلق اليات اكثر جدية في التعامل في التحضير للمادة الفيلمية وهذا بدوره سوف ينعكس على الفيلم الدرامي، بحيث يدفعها الى طرح مواضيع بشكل اكثر عمقا وحدة، وهذا ينعكس على الجمهور بحيث يضع مطالب اكثر جدية على الافلام السينمائية وبالتالي فان هذا لا محالة يدفعها نحو تطورها. وبهذا الصدد فان تجربة السينما المغاربية تعد متطورة جدا شكلا وبناء وذلك لانها عميقة تغوص في تفاصيل الحياة الشعبية لمجتمعاتها ولا تعتمد على العامل التجاري. · هل من الممكن ومن خلال تجربتك في الفيلم الوثائقي ان تعدي عملا يخص المرأة الاردنية او العربية متعلقاً باحدى اشكالات حياتها كجرائم الشرف مثلا؟ - لا، وذلك لانني اسجل تحفظا على كلمة امرأة عربية لان في ذلك تعميما كبيرا بسبب ان المرأة تعيش في سياقات متفاوتة فيما بينها، ومن الممكن ان اعد تجربة خاصة ولكن ليس عن المرأة عموما. الرأي الأردنية 13 أبريل 2005
|