بعد سلسلة ماتريكس كيانو ريفز آخر أبطال سينما الكومكس هوليوود- محمد رضا |
في العروض الجديدة بدءا من الأسبوع الماضي فيلم' كونستانتين' إخراج فرنسيس لورنس وبطولة كيانو ريفز مع دور بارز لراشيل وايز وآخر مساند لجميون هاونسو ودور أصغر لتيلدا سوينتون. أما شرير الفيلم فهو بيتر ستورمار الذي منذ أن قدمه الأخوان كووين في دور القاتل الذي كان يحاول التخلص من جثة زميله ستيف بوشيمي في' فارغو' عبر حشر جثته في آلة تقطيع كبيرة, وهو يؤدي الشخصيات الشريرة علي نحو متوال. الفيلم المذكور' أكشن فانتازي' كما يطلقون علي الأفلام التي تجمع بين الحركة والخيال الجانح, لكن فرنسيس لورنس وضع الأجواء حسب إطار شبيه بسينما التحريات في الأربعينيات من حيث إن بطله مخبر سري مهموم يدخن ويشرب ويفكر في كيف يواجه الشر وينتصر عليه في كل زاوية من زوايا حياته. حسب القصة الأصلية الواردة في كتابة غارث إنيس فإن بطلها هو طارد أرواح شيطانية يجد نفسه مطالبا بما هو أكثر من ذلك: مواجهة الشيطان الأكبر( ستورمار) لتخليص العالم وتخليص نفسه من مشاعر الذنب بعدما زار جهنم وخرج منها برسالة تقتضي ما يقوم به. الأصل في كل ذلك شخصية من شخصيات' الكوميكس' الأمريكية نشرت في السنوات الأخيرة تحت اسم' مشاعل جهنم'Hellblazer وهي وإن لم تحقق ذات الشهرة التي حققتها شخصيات كوميكس أخري تم نقلها إلي الشاشة الكبيرة علي امتداد السنوات الخمس عشرة الأخيرة علي الأخص, إلا أنها تبدو مناسبة جدا للغاية. وكنا شاهدنا شخصية' جهنمية' أخري في الصيف الماضي ممثلة ببطل آخر اسمه' هلبوي'( فتي جهنم) قام ببطولته رون بيرلمان. لم يحقق ذلك الفيلم النجاح الذي يمكنه من المعاودة علي عكس حال' كونستانتين' الذي يستفيد من زخم المشاهدين المقبلين علي كيانو ريفز من وحي سلسلة' ماتريكس'. في الحقيقة,' كونستانتين' يبدو مثل عمل تفرع من سلسلة' ماتريكس' أكثر مما يبدو عملا مستوحي من المجلات المعروفة بمجلات' الكوميكس' التي هي- بحد ذاتها- ركن مهم في الثقافة الشعبية الأمريكية منذ عشرينيات القرن الماضي وإلي اليوم. أصول هناك أرضية مشتركة تجمع بين سينما الكوميكس من' سوبرمان' إلي' باتمان' ومن' سبايدرمان' إلي' كاتوومان' مرورا بـ' دك ترايسي' و'فانتاستيك فور' و'كابتن أمريكا' و'العقاب' والعديد سواها, وبين سينما أفلام الخيال- العلمي كما سينما التحري الخاص. لأنه إذا ما كان الخيال- العلمي قائما علي المزج بين الفانتازيا والخيال في جانب والعلم والتقنيات فإن' الكوميكس' هو خط منفصل في أسلوب تعبيره قد يتضمن الجانب العلمي والتقني من القصص, لكنه بالتأكيد قائم علي الخيال والفانتازيا الجانحة. أكثر من سواه من أنواع الترفيه الأمريكي, هو فن سرد قائم علي الأمل بحل مشاكل المجتمع, العامة والمختلفة وذات الأبعاد السياسية والاقتصادية المترامية, عن طريق خلق بطل( أو مجموعة أبطال أحيانا) قادر علي مواجهة هذه المعضلات الناتجة عن أطماع بشر آخرين. ومثل التحري الخاص, يعمل' السوبرهيرو' الذي يبتدعه' الكوميكس'( الأمريكي خصوصا) خارج القانون إنما لصالحه. علي عكس التحري الخاص, بمدرسته الكلاسيكية بالطبع, يتجاوز' السوبرهيرو' الواقع ويتبدل من شخصه إلي شخص آخر أكثر قوة وإمعانا في الخوارق. التحري الخاص يعمل في ظل ظروف ضاغطة تجعله أقرب لأن يكون واحدا من الضحايا التي يحاول إنقاذها, في حين أن' السوبرهيرو' لا يمكن أن يكون ضحية لأن المواصفات التي يملكها لا تسمح له بأن يصبح ضحية. وهي قلما تمنحه فرصة لكي يعيش حياة طبيعية. غالبا ما هو طبيعي ليس سوي تمويه وتورية لشخصيته الأخري. الملامح الأخري التي فيه ليست في حد ذاتها فريدة في الأدب العالمي. شخصية مثل' العملاق'TheHulk تلتقي بخيوط عريضة, ولو من دون استيحاء, مع شخصيتي' الرجل- الذئب' و'دكتور جايكل ومستر هايد' اللذين هما من أدب أواخر القرن التاسع عشر. الأول كان رجلا عاديا إلي أن تحول إلي ذئب شرس وفتاك, والثاني كان طبيبا يعمل لصالح العلم الذي قاده إلي شرب مادة كيمائية ابتدعها لاستخراج الوحش الذي يعيش في داخله. الفارق أن' العملاق' لم يكن ليستطيع أن يصبح مجرما فتاكا, لكن العمق السيكولوجي يكاد يكون واحدا. وتختلف المنطلقات التي تحول شخصا ما من مجرد صورة بشرية عادية إلي أخري خارقة, أو تنقله من' الزيرو' إلي' السوبر هيرو' لكنها عموما لها علاقة بعارض او حادث مأساوي. مثلا شخصيتي' سبايدرمان' و'العملاق' اللتين تحولتا إلي مسلسلات تليفزيونية وسينمائية, كانتا نتيجة كوارث شخصية.' الضخم' عرضه والده إلي إشعاعات نووية سكنت داخله وانتظرت طويلا قبل أن تطلقه علي الصورة التي عهدناها. في' العفريت'Daredevil الذي قام بن أفلك ببطولته قبل عامين, نري ذلك البطل أصيب بالعمي في حادثة كيماوية لكن الحادثة دفعته لإتقان فنون القتال كافة والإنصراف لتحقيق العدالة التي لا تستطيع المحاكم والقوانين تنفيذها. البحث عن بطل 'الكوميكس' فن الرسوم الشعبية الحاكية لقصص خيالية جانحة أقبل عليها الأمريكيون أكثر من سواهم. في تتابع الرسوم شيء من الاستيحاء من السينما والكثير من الاستيحاء من فن الكرتون, وهو قد شهد نوعين أساسيين منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما انطلق أول مرة. الأول كان ترفيهيا خفيفا, والثاني نوع فانتازي جاد. المسلسل الأول نشرته الصحف البريطانية سنة1895, السنة ذاتها التي عرض فيها الأخوان لوميير أول فيلم تجاري( بتذاكر مدفوع ثمنها) وهو' خروج العمال من المصنع'. ذلك المسلسل الكرتوني كان بعنوان' خرافات ساعي المكتب. في العام1905( وحتي العام1911) انتشر' كوميكس' أمريكي باسم' نيمو الصغير في سلمبرلاند' وضع قصصه وينسر مكاي ونشرتها صحيفة كانت تصدر في نيويورك باسم' نيويورك هيرالد'. ولعلها المرة الأولي التي نتعرف فيها إلي بطل يكتشف أنه يتمتع بقوي أكبر مما كان يعتقد. والتميز الخلقي امتد ليشمل حتي القطط حيث إن العام1912 هو العام الذي ولدت فيه شخصية' فيلكس القط' وهي شخصية تم نقلها علي الشاشة سنة1928 في فيلم أمريكي بذات العنوان لم يحقق نجاحا يذكر. مزاج الأمريكيين تغير في أواخر العشرينيات مع ملامح المتغيرات الاقتصادية( التي أدت إلي' سنوات اليأس الاقتصادي' في الثلاثينيات) إذ أخذ الجمهور يطلب أبطالا أكثر جدية من تلك الرسوم الفانتازية الخفيفة. وهكذا ولد' باك روجرز' سنة1929 ثم' فلاش جوردون' سنة1934 اللذان تعاملا مع كائنات الأرض والفضاء بذات القوة والحسم. والسينما لم تتأخر كثيرا عن تقديم الشخصية الأولي إذ أقدمت شركة يونيفرسال سنة1939 علي إنتاج مسلسل من خمس عشرة حلقة/ فصلا( كل حلقة من خمس دقائق وكانت تعرض قبل الفيلم الرئيسي كنوع من الجذب الجماهيري) بعنوان' باك روجرز' من بطولة باستر كراب في الدور. وفي نفس العام أطلقت نفس الشركة' فلاش جوردون'( ومع ذات الممثل) في مسلسل مواز. علي أن هاتين الشخصيتين, وكثير غيرهما من تلك الفترة, عاشتا ما بين الأرض والفضاء وداخل مراكب متنقلة. التنفيذ كان بسيطا والحكايات لم تكن معقدة والمستويات التقنية كانت بدائية تماما لكن العنصر الترفيهي كان متوفرا لجمهور ذلك الحين ومطلوبا. أما الشخصيات الآدمية( أو في بعض الأحوال آدمية الشكل علي الأقل) التي تخرج عن نطاق المعتاد من الحركات والقوي فظهرت من العام1939 وصاعدا. سنة1939 ولد' سوبرمان' وفي أواخر السنة ذاتها ولد' باتمان' و'كابتن مارفل' وتوالت الشخصيات فيما بعد مثل' دك ترايسي' و'سبايدر مان' و'فانتاستيك فور' و'كابتن أمريكا' و'العقاب' و'رجال الغموض' و'بليد' و'العملاق العجيب' و'روكتير' وسواها وهي التي تؤلف ما يعرف بسينما الكوميكس التي تسجل منذ نحو عشر سنوات فورة إنتاجية واسعة تغذيها التقنيات الحديثة التي باتت تستطيع أن تفعل أي شيء كان الرسم غير قادر علي تحريكها ولا أفلام الأمس كانت قادرة علي تنفيذها جيدا. خصائص شبيهة ' كونستانتين' في نهاية المطاف ليس سوي حلقة من حلقات مسلسل طويل من الصعب إحصاؤه. وهوليوود عرفت كيف تغذي النوع بتقنيات لم تكن متوافرة حتي عندما طار' سوبرمان' كما أداه الراحل كريستوفر ريف قبل نحو عشرين سنة. شاهد' سوبرمان' وشاهد' سبايدرمان' تجد ملامح مؤكدة من التطورات التقنية التي أصابت مبدأ طيران وتحليق كل شخصية علي حدة. و'سوبرمان' عائد في حلقة جديدة يتم تصويرها بعنوان' سوبرمان يعود', بينما الشخصية التي نافست' سوبرمان' طويلا علي عرش الشهرة, وهي شخصية' باتمان' عائدة أيضا في فيلم آخر يتم تجهيزه هو' باتمان يبدأ'. وكانت هناك فكرة قبل نحو عامين بالجمع بينهما في فيلم واحد, لكن الفكرة تلاشت بعد حين قريب. ومع أن' ماتريكس' ليس من الكوميكس, كذلك' رجال إكس' إلا أنهما يشابهان أفلام الكوميكس في كل النواحي والخصائص. يستفيدان من' النظرة' الخاصة لذلك النوع ومن ملامح أبطاله وأوضاعهم الاجتماعية وحاجاتهم لتخليص المجتمع من شروره. وفي حين أنه ليست هناك نية لإنتاج' ماتريكس' رابع, إلا أن التصوير انتهي علي' رجال إكس- الثالث'. والملاحظ أن المحاولات لتقديم نساء في أدوار البطولة الخارقة لم تؤد إلي أي نجاح يذكر. مبتدعو' سوبرمان' كانوا ابتدعوا' سوبر جيرل' التي نقلتها السينما إلي الشاشة في الثمانينيات لكنها أخفقت في ترك علامة. كذلك أخفقت هال بيري عبر محاولة مماثلة أخيرة باسم' كاتوومان'* الأهرام العربي في 9 أبريل 2005 |
|