بفضل كنز نيكولاس كيدج هوليوود تسـرق تاريــخ الحـــضارات! ريم عزمي |
كنا نلتمس العذر للسينما الأمريكية عندما لا نجد نقطة مضيئة في التاريخ الأمريكي, تحاول عبثا التنقيب عن تاريخ مشرف لأسلافها, فتارة تصور لنا بطلا إسكتلنديا مثلما في قلب شجاع, وتارة أخري تنقلنا إلي أيرلندا مثلما في روب روي, أما هذه المرة فلم يحالفها الحظ في تقديم نموذج قيم عن تاريخها, بل بحثت في ماض شديد العتمة يضم روايات مشبوهة عن سرقات فرسان المعبد وطلاسم زعماء الماسونية, ولم ينقذها هذه المرة سوي التقنيات العالية ونجومية نيكولاس كيدج في الكنز الوطنيnationaltreasure! حدوته أمريكية كما في أفلام الدعاية الأمريكية, البطل يتمتع بالذكاء الخارق والقوة العضلية ويحمل ثقافة شديدة التميز منذ نعومة أظفاره, فنجد الطفل بنجامين جيتس وهو يبحث في كتب قديمة لدي جده, الذي يساعده أكثر في فهم أهم سر في عائلتهم, ويحدثه عن كنز سرقه المعبديون وهو كنز أثري هائل أثناء وجودهم في القدس إبان الحروب الصليبية وبطريقة غامضة انتقل الكنز من بعدهم إلي تنظيم آخر ويمثله الماسونيون الأحرار في بريطانيا, وبعد ذلك هاجرت مجموعة من هؤلاء للولايات المتحدة الأمريكية حيث تم إخفاء الكنز في مكان سري ولا يمكن العثور عليه إلا عن طريق فك سلسلة طويلة من الشفرات, ولم يبح زعيمهم بالقصة إلا لسائقه, فعندما شعر باقتراب موته طلب من الأخير اصطحابه للرئيس الأمريكي حتي يطلعه علي كل تفاصيل القصة لكنه لم يجده, وقبل أن يكمل حديثه مع السائق وافته المنية وهو ينطق بكلمة شارلوت, وتوارثت الأجيال هذه القصة منذ عام1830 حتي وصلت للطفل عام1970 الذي نضج فيما بعد وأصبح عالم الآثار والمغامر نيكولاس كيدج في عصرنا هذا ونجح في الوصول إلي شارلوت وهي سفينة مدفونة في جليد قارة أنتركتيكا في القطب الجنوبي! وتكون هذه النقطة لبداية مغامرات بنجامين جيتس, فيعثر علي غليون محفور عليه أبيات شعر أشبه بأحجية, تدخله في دوامة من الأدلة التي تحمل دائما لغزا آخر يحتاج لفك شفرته!! وهكذا نظل نلهث مع البطل وصديقيه خبير الكمبيوتر الذي يقوم بدوره الممثل جستن بارثا, والجميلة الألمانية ديان كروجر التي شاهدناها في دور الملكة هيلانة في حرب طروادة في دور أمينة علي الأرشيف الوطني, وإخراج جون ترتلتوب الذي اشترك في كتابة السيناريو مع ثمانية آخرين! نقطة سوداء من التاريخ المعبديون أو الراوية كما أطلق عليهم العرب, ظهروا عام1307 ميلادية ضمن الفرق العسكرية للحملات الصليبية علي الأراضي العربية, نظرا لغرابة أطوارهم قامت الكنيسة في أوروبا بالقضاء عليهم بنفسها! أما الحركة الماسونية والتي يعرف أصحابها باسم ففري ميسونز أو البناءون الأحرار, فيري البعض أنها ظهرت في أسكتلندا في القرن السابع عشر, ويعتقد البعض أنها أقدم بكثير, فقد ظهر عام44 ميلادية علي يد هيرودس أكريبا وهو ملك من ملوك الرومان. وكان مساعداه من اليهود, لذا ارتبط الفكر الماسوني باليهودية, وأنشأوا أضرحة لتكريم رموزهم مثل ضريح جورج واشنطن في ولاية فرجينيا, وأقاموا محافلهم في العديد من دول العالم, فيعرف مكان تجمعهم باسم المحفل الماسوني وتلتقي فكرة الداوية بالماسونية في نقطة بحثهم عن هيكل سليمان, وكلمة المعبد تشير دائما إليه, لذا فقد سعوا للمجيء إلي القدس, وتعتبر الماسونية هي أكبر تنظيم سري عرفه التاريخ, ويتدرج أعضاؤه إلي مراتب وهناك أسرار لا يتم كشفها إلا للذي يرتقي لأعلي الدرجات. ورغم أن دعايتها حتي الآن تتميز بالمثالية, فهي تدعو للإخاء والمساواة, فسرعان ما تكشف عن نياتها الحقيقية, وهي عبارة عن مجموعة مشروعات مدمرة للبشرية, ويصفها أحد المنشقين قائلا: هؤلاء الأشخاص يقومون بتمزيق كل جزء من حياة الشخص! ويذكر أن الماسونية كانت مرتبطة دائما بالثورات مثل البلشفية في روسيا والعديد من حركات الإصلاح في العالم, وقد خصصت مجلة ليكسبريس الفرنسية في عدد03,05,29 حديثا مطلولا مع أنطوان سفير رئيس تحرير مجلة كراسات الشرق التي خصص عددا كاملا لها, تحت عنوان الماسونية الأحرار علي أرض الإسلام, وهو يعتقد أن الماسونية أتت إلي أرض العرب مع حملة نابليون بونابرت علي مصر عام1798, ويتحدث عن الحركة الماسونية في المغرب والجزائر, وتونس ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا وإيران, وأن السعودية والإمارات تمكنتا من منع دخولها في بلادهما, وقام الرئيس عبدالناصر بالحد من امتداد الماسونيين في مصر وأغلق المحفل عام1965 بعد ذلك هاجر أقطابها إلي انجلترا, وكندا, ويري أنطوان سفير أن الماسونية بدأت تغير نشاطها ولجأت لمنظمات خيرية وإنسانية براقة ومعروفة لتكون واجهة شرعية لنفوذها في المجتمعات خاصة العربية بعد أن تمكنت من المجتمعات الغربية, وحسب رأيهم أن عليها دور في الدول الإسلامية لتساعدها علي النهوض بعدأن ساعدت في نهضة الغرب! ومن أهم القضايا التي يتم التركيز عليها وضع المرأة والتعليم ويتم تشجيع عمليتي تحديد النسل و الإجهاض, الغريب أنه في إسرائيل لا تقبل جماعة السفرديم ـ الشرقيين ـ علي الانضمام لصفوف الماسونية, في حين يتقبل الأشكيناز ـ الغربيين ـ هذه العملية بصدر رحب. نظرة عن قرب تناول الفيلم فكرتي الداوية والماسونية باعتبارهما شيئا عاديا كأي تعاليم أخلاقية نبيلة مرت علي البشرية, في حين أن كلا منهما تمثل تطرف التطرف, فالأولي هي نتاج الفكر الصليبي المارق عن المسيحية, والثانية هي إحدي أدوات الصهيونية الخارجة عن اليهودية, ونري الطفل بنجامين وهو يجثو علي ركبتيه كي يباركه جده كواحد من فرسان المعبد!
لاقت فكرة
الشفرة نجاحا كبيرا في الفترة الأخيرة ومحاولات فك الشفرة ظهرت في أفلام
مثل سبع
خطايا وجامع العظام وحققت رواية شفرة دافنشي نجاحا هائلا. الكنز الذي تدور حوله الأحداث, نكتشف في النهاية أنه مجموعة هائلة تمتد حتي مرمي البصر من الآثار الفرعونية القديمة! ويلمح صديق البطل إلي أن ما توقعه صحيح في إشارة إلي أن أصل الحضارة المصرية القديمة تعود للكائنات الفضائية!! عندما يري أحد التماثيل فيقول إنه أخضر وضخم الجثة وله لحية غريبة!! وكأن تاريخنا مسروق من البداية وحتي النهاية, فلا المصريون القدماء بنوا حضارتهم ولا من حقهم الاحتفاظ بآثارها! فقد جاءت كائنات من خارج الأرض لتمنحنا العلوم, وبما أننا لا نستحقها من وجهة نظر هذا الكوكتيل الصهيو ـ صليبي فهم أولي بها منا! وقد تعرض أخيرا فيلم الفضائي ضد الضاريalienvspredator إلي هذا المفهوم الغريب, وهو استعباد كائنات فضائية للبشر وتسخيرهم لبناء الأهرام! وليس هذا فحسب, بل إن البشر عبدوا الكائنات الفضائية, وبالتالي خلدوها علي جدران المعابد وصوروها في تماثيل, وحسب آراء علمائهم فإن الألوان غير المألوفة للكائنات مثل الأزرق والأخضر, كانت هي الألوان الحقيقية لهذه الكائنات الفضائية التي ربما تشبه البشر لكنها تتمتع بقدرات خارقة تفوق قدراتنا. فيلم الفضائي ضد الضاري يذكرنا بمغامرات لارا كروفت التي تتنزه بين أهرامات الأزتيك في المكسيك والجيزة في مصر والخمير في كمبوديا, فقد حاول كتاب السيناريو مرارا الربط بين هذه الحضارات القديمة, ونلحظ هذه الغيرة شديدة الوضوح في الكنز الوطني, فنجد العلامات التي استعادوها من هذه الحضارات لتزيين ثقافتهم الغربية فنجد شكل الهرم مطبوعا علي العملة الأمريكية وتعلوه العين الماسونية, ونجد مشوار البحث عن الكنز يحمل روح المتاهات والنقوش التي تميز حضارات أمريكا اللاتينية القديمة, وأخيرا فتح الباب المؤدي للكنز يتم بفضل أقفال خاصة يتم تركيبها مع بعضها البعض حسب توقيت سنوي معين وهي فكرة مأخوذة من حضارة الخمير! وكأننا بصدد سرقة تاريخية كبري تخيلها الفنان الأمريكي وصور أخيرا آماله العريضة علي الشاشة! وفي محاولة للتأكيد علي نبل أخلاق البطل الأمريكي, يرفض استئثار بلاده بالكنز وحدها, فيقول إنه كنز ملك للبشرية بأكملها, أي مرة أخري نحن بصدد تجربة من لا يملك يعطي لمن لا يستحق, ويطالب سلطات بلاده بتوزيع الكنز علي ثلاثة متاحف عالمية ثمثونيان واللوفر وأخيرا المتحف المصري بالقاهرة! وبدورنا لابد أن نعترف بكرم وأصالة الثقافة الأمريكية, لأنها منحتنا جزءا من آثارنا الحقيقية! عند عرض الفيلم في أوروبا, اعتبره النقاد فيلما ترفيهيا عاديا يتماشي مع مناسبة أعياد الميلاد ولم يتوقفوا كثيرا عنده, لكنه حقق نجاحا كبيرا, وحصد في الولايات المتحدة الأمريكية حتي الآن ما يزيد علي170 مليون دولار. الفيلم يتمتع بجو إثارة لافت, بحيث يستغرق المشاهد تماما في الأحداث, وكأن ثراءه لا يدع فرصة للتفكير سوي في هدف المغامرة, ويجعلنا نتوحد مع الأبطال ونتمني عثورهم علي الكنز* الأهرام العربي في 9 أبريل 2005 |
|