شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

بفضل كنز نيكولاس كيدج

هوليوود تسـرق تاريــخ الحـــضارات‏!‏

ريم عزمي

 

 

 

 

 

كنا نلتمس العذر للسينما الأمريكية عندما لا نجد نقطة مضيئة في التاريخ الأمريكي‏,‏ تحاول عبثا التنقيب عن تاريخ مشرف لأسلافها‏,‏ فتارة تصور لنا بطلا إسكتلنديا مثلما في قلب شجاع‏,‏ وتارة أخري تنقلنا إلي أيرلندا مثلما في روب روي‏,‏ أما هذه المرة فلم يحالفها الحظ في تقديم نموذج قيم عن تاريخها‏,‏ بل بحثت في ماض شديد العتمة يضم روايات مشبوهة عن سرقات فرسان المعبد وطلاسم زعماء الماسونية‏,‏ ولم ينقذها هذه المرة سوي التقنيات العالية ونجومية نيكولاس كيدج في الكنز الوطني‏nationaltreasure!

حدوته أمريكية

كما في أفلام الدعاية الأمريكية‏,‏ البطل يتمتع بالذكاء الخارق والقوة العضلية ويحمل ثقافة شديدة التميز منذ نعومة أظفاره‏,‏ فنجد الطفل بنجامين جيتس وهو يبحث في كتب قديمة لدي جده‏,‏ الذي يساعده أكثر في فهم أهم سر في عائلتهم‏,‏ ويحدثه عن كنز سرقه المعبديون وهو كنز أثري هائل أثناء وجودهم في القدس إبان الحروب الصليبية وبطريقة غامضة انتقل الكنز من بعدهم إلي تنظيم آخر ويمثله الماسونيون الأحرار في بريطانيا‏,‏ وبعد ذلك هاجرت مجموعة من هؤلاء للولايات المتحدة الأمريكية حيث تم إخفاء الكنز في مكان سري ولا يمكن العثور عليه إلا عن طريق فك سلسلة طويلة من الشفرات‏,‏ ولم يبح زعيمهم بالقصة إلا لسائقه‏,‏ فعندما شعر باقتراب موته طلب من الأخير اصطحابه للرئيس الأمريكي حتي يطلعه علي كل تفاصيل القصة لكنه لم يجده‏,‏ وقبل أن يكمل حديثه مع السائق وافته المنية وهو ينطق بكلمة شارلوت‏,‏ وتوارثت الأجيال هذه القصة منذ عام‏1830‏ حتي وصلت للطفل عام‏1970‏ الذي نضج فيما بعد وأصبح عالم الآثار والمغامر نيكولاس كيدج في عصرنا هذا ونجح في الوصول إلي شارلوت وهي سفينة مدفونة في جليد قارة أنتركتيكا في القطب الجنوبي‏!‏ وتكون هذه النقطة لبداية مغامرات بنجامين جيتس‏,‏ فيعثر علي غليون محفور عليه أبيات شعر أشبه بأحجية‏,‏ تدخله في دوامة من الأدلة التي تحمل دائما لغزا آخر يحتاج لفك شفرته‏!!‏ وهكذا نظل نلهث مع البطل وصديقيه خبير الكمبيوتر الذي يقوم بدوره الممثل جستن بارثا‏,‏ والجميلة الألمانية ديان كروجر التي شاهدناها في دور الملكة هيلانة في حرب طروادة في دور أمينة علي الأرشيف الوطني‏,‏ وإخراج جون ترتلتوب الذي اشترك في كتابة السيناريو مع ثمانية آخرين‏!‏

نقطة سوداء من التاريخ

المعبديون أو الراوية كما أطلق عليهم العرب‏,‏ ظهروا عام‏1307‏ ميلادية ضمن الفرق العسكرية للحملات الصليبية علي الأراضي العربية‏,‏ نظرا لغرابة أطوارهم قامت الكنيسة في أوروبا بالقضاء عليهم بنفسها‏!‏ أما الحركة الماسونية والتي يعرف أصحابها باسم ففري ميسونز أو البناءون الأحرار‏,‏ فيري البعض أنها ظهرت في أسكتلندا في القرن السابع عشر‏,‏ ويعتقد البعض أنها أقدم بكثير‏,‏ فقد ظهر عام‏44‏ ميلادية علي يد هيرودس أكريبا وهو ملك من ملوك الرومان‏.‏

وكان مساعداه من اليهود‏,‏ لذا ارتبط الفكر الماسوني باليهودية‏,‏ وأنشأوا أضرحة لتكريم رموزهم مثل ضريح جورج واشنطن في ولاية فرجينيا‏,‏ وأقاموا محافلهم في العديد من دول العالم‏,‏ فيعرف مكان تجمعهم باسم المحفل الماسوني وتلتقي فكرة الداوية بالماسونية في نقطة بحثهم عن هيكل سليمان‏,‏ وكلمة المعبد تشير دائما إليه‏,‏ لذا فقد سعوا للمجيء إلي القدس‏,‏ وتعتبر الماسونية هي أكبر تنظيم سري عرفه التاريخ‏,‏ ويتدرج أعضاؤه إلي مراتب وهناك أسرار لا يتم كشفها إلا للذي يرتقي لأعلي الدرجات‏.‏ ورغم أن دعايتها حتي الآن تتميز بالمثالية‏,‏ فهي تدعو للإخاء والمساواة‏,‏ فسرعان ما تكشف عن نياتها الحقيقية‏,‏ وهي عبارة عن مجموعة مشروعات مدمرة للبشرية‏,‏ ويصفها أحد المنشقين قائلا‏:‏ هؤلاء الأشخاص يقومون بتمزيق كل جزء من حياة الشخص‏!‏ ويذكر أن الماسونية كانت مرتبطة دائما بالثورات مثل البلشفية في روسيا والعديد من حركات الإصلاح في العالم‏,‏ وقد خصصت مجلة ليكسبريس الفرنسية في عدد‏03,05,29‏ حديثا مطلولا مع أنطوان سفير رئيس تحرير مجلة كراسات الشرق التي خصص عددا كاملا لها‏,‏ تحت عنوان الماسونية الأحرار علي أرض الإسلام‏,‏ وهو يعتقد أن الماسونية أتت إلي أرض العرب مع حملة نابليون بونابرت علي مصر عام‏1798,‏ ويتحدث عن الحركة الماسونية في المغرب والجزائر‏,‏ وتونس ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا وإيران‏,‏ وأن السعودية والإمارات تمكنتا من منع دخولها في بلادهما‏,‏ وقام الرئيس عبدالناصر بالحد من امتداد الماسونيين في مصر وأغلق المحفل عام‏1965‏ بعد ذلك هاجر أقطابها إلي انجلترا‏,‏ وكندا‏,‏ ويري أنطوان سفير أن الماسونية بدأت تغير نشاطها ولجأت لمنظمات خيرية وإنسانية براقة ومعروفة لتكون واجهة شرعية لنفوذها في المجتمعات خاصة العربية بعد أن تمكنت من المجتمعات الغربية‏,‏ وحسب رأيهم أن عليها دور في الدول الإسلامية لتساعدها علي النهوض بعدأن ساعدت في نهضة الغرب‏!‏ ومن أهم القضايا التي يتم التركيز عليها وضع المرأة والتعليم ويتم تشجيع عمليتي تحديد النسل و الإجهاض‏,‏ الغريب أنه في إسرائيل لا تقبل جماعة السفرديم ـ الشرقيين ـ علي الانضمام لصفوف الماسونية‏,‏ في حين يتقبل الأشكيناز ـ الغربيين ـ هذه العملية بصدر رحب‏.‏

نظرة عن قرب

تناول الفيلم فكرتي الداوية والماسونية باعتبارهما شيئا عاديا كأي تعاليم أخلاقية نبيلة مرت علي البشرية‏,‏ في حين أن كلا منهما تمثل تطرف التطرف‏,‏ فالأولي هي نتاج الفكر الصليبي المارق عن المسيحية‏,‏ والثانية هي إحدي أدوات الصهيونية الخارجة عن اليهودية‏,‏ ونري الطفل بنجامين وهو يجثو علي ركبتيه كي يباركه جده كواحد من فرسان المعبد‏!‏

لاقت فكرة الشفرة نجاحا كبيرا في الفترة الأخيرة ومحاولات فك الشفرة ظهرت في أفلام مثل سبع خطايا وجامع العظام وحققت رواية شفرة دافنشي نجاحا هائلا‏.‏
ينقلنا الفيلم بين حقبات تاريخية مختلفة منذ الحروب الصليبية‏,‏ ثم قيام الولايات المتحدة مرورا بفترة السبعينيات وحتي يومنا هذا‏,‏ لإضفافء ثراء علي التاريخ الأمريكي‏,‏ وكأنه في حد ذاته كنز‏!!‏ في حين يعلم الجميع افتقار التاريخ الأمريكي خاصة والغربي عامة إلي المواقف المشرفة‏!‏

الكنز الذي تدور حوله الأحداث‏,‏ نكتشف في النهاية أنه مجموعة هائلة تمتد حتي مرمي البصر من الآثار الفرعونية القديمة‏!‏ ويلمح صديق البطل إلي أن ما توقعه صحيح في إشارة إلي أن أصل الحضارة المصرية القديمة تعود للكائنات الفضائية‏!!‏ عندما يري أحد التماثيل فيقول إنه أخضر وضخم الجثة وله لحية غريبة‏!!‏ وكأن تاريخنا مسروق من البداية وحتي النهاية‏,‏ فلا المصريون القدماء بنوا حضارتهم ولا من حقهم الاحتفاظ بآثارها‏!‏ فقد جاءت كائنات من خارج الأرض لتمنحنا العلوم‏,‏ وبما أننا لا نستحقها من وجهة نظر هذا الكوكتيل الصهيو ـ صليبي فهم أولي بها منا‏!‏

وقد تعرض أخيرا فيلم الفضائي ضد الضاري‏alienvspredator‏ إلي هذا المفهوم الغريب‏,‏ وهو استعباد كائنات فضائية للبشر وتسخيرهم لبناء الأهرام‏!‏ وليس هذا فحسب‏,‏ بل إن البشر عبدوا الكائنات الفضائية‏,‏ وبالتالي خلدوها علي جدران المعابد وصوروها في تماثيل‏,‏ وحسب آراء علمائهم فإن الألوان غير المألوفة للكائنات مثل الأزرق والأخضر‏,‏ كانت هي الألوان الحقيقية لهذه الكائنات الفضائية التي ربما تشبه البشر لكنها تتمتع بقدرات خارقة تفوق قدراتنا‏.‏

فيلم الفضائي ضد الضاري يذكرنا بمغامرات لارا كروفت التي تتنزه بين أهرامات الأزتيك في المكسيك والجيزة في مصر والخمير في كمبوديا‏,‏ فقد حاول كتاب السيناريو مرارا الربط بين هذه الحضارات القديمة‏,‏ ونلحظ هذه الغيرة شديدة الوضوح في الكنز الوطني‏,‏ فنجد العلامات التي استعادوها من هذه الحضارات لتزيين ثقافتهم الغربية فنجد شكل الهرم مطبوعا علي العملة الأمريكية وتعلوه العين الماسونية‏,‏ ونجد مشوار البحث عن الكنز يحمل روح المتاهات والنقوش التي تميز حضارات أمريكا اللاتينية القديمة‏,‏ وأخيرا فتح الباب المؤدي للكنز يتم بفضل أقفال خاصة يتم تركيبها مع بعضها البعض حسب توقيت سنوي معين وهي فكرة مأخوذة من حضارة الخمير‏!‏ وكأننا بصدد سرقة تاريخية كبري تخيلها الفنان الأمريكي وصور أخيرا آماله العريضة علي الشاشة‏!‏

وفي محاولة للتأكيد علي نبل أخلاق البطل الأمريكي‏,‏ يرفض استئثار بلاده بالكنز وحدها‏,‏ فيقول إنه كنز ملك للبشرية بأكملها‏,‏ أي مرة أخري نحن بصدد تجربة من لا يملك يعطي لمن لا يستحق‏,‏ ويطالب سلطات بلاده بتوزيع الكنز علي ثلاثة متاحف عالمية ثمثونيان واللوفر وأخيرا المتحف المصري بالقاهرة‏!‏ وبدورنا لابد أن نعترف بكرم وأصالة الثقافة الأمريكية‏,‏ لأنها منحتنا جزءا من آثارنا الحقيقية‏!‏

عند عرض الفيلم في أوروبا‏,‏ اعتبره النقاد فيلما ترفيهيا عاديا يتماشي مع مناسبة أعياد الميلاد ولم يتوقفوا كثيرا عنده‏,‏ لكنه حقق نجاحا كبيرا‏,‏ وحصد في الولايات المتحدة الأمريكية حتي الآن ما يزيد علي‏170‏ مليون دولار‏.‏

الفيلم يتمتع بجو إثارة لافت‏,‏ بحيث يستغرق المشاهد تماما في الأحداث‏,‏ وكأن ثراءه لا يدع فرصة للتفكير سوي في هدف المغامرة‏,‏ ويجعلنا نتوحد مع الأبطال ونتمني عثورهم علي الكنز‏*‏

الأهرام العربي في 9 أبريل 2005