المغرب وبوركينا فاسو وإيران تحصد جوائز «فريبور» فريبور (سويسرا) - أيمن يوسف |
شهدت مدينة فريبور السويسرية أخيراً فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمهرجانها السينمائي الذي يحمل اسمها. وكعادة المهرجان ورسالته منذ نشأته، استمر في عرض أفلام الجنوب من آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، وتكونت مسابقته الرسمية للأفلام الطويلة من ثمانية أفلام من آسيا هي «السلاحف يمكنها الطيران» (إيران), «شانخوناد» (بنغلاديش), «ملاذ» (ماليزيا), «هذه الفتاة الساحرة» (كوريا الجنوبية), «البقرة التي تحلب لبناً أبيض وأسود» (الصين), «امرأة حاجر الأمواج» (الفيليبين), «منتصف الصيف» (كزاخستان). وشاركت القارة الأفريقية بفيلمين «الطفل النائم» (المغرب), و»ليلة الحقيقة» (بوركينا فاسو), أما أميركا اللاتينية فمثلها فيلم واحد هو البرازيلي «أربعة للاشيء». على رغم أن معظم أفلام المسابقة كان متميزاً, وعلى رغم غلبة المشاركة الآسيوية، كانت توقعات النقاد للجوائز الرئيسية تدور حول «ليلة الحقيقة» و»الطفل النائم» و»السلاحف يمكنها الطيران» وهو ما تحقق بالفعل مع انه كان من الواضح أن الفيلم الإيراني ظلم في توزيع الجوائز وكان يستحق أكثر مما حصل عليه. تسجيلي وقصير على المستوى نفسه كانت توقعات النقاد, بل حتى بعض المخرجين المتنافسين, بالنسبة الى جوائز مسابقة الأفلام التسجيلية التي كانت تدور حول «كابوس داروين» وهو إنتاج فرنسي - بلجيكي - نمسوي مشترك لكن أحداثه تدور في سيراليون وعن افريقيا من دون إغفال الإشارة إلى ملابسات وسلبيات ما أصبح يطلق عليه اليوم النظام العالمي الجديد. حصل الفيلم فعلاً على جائزة أفضل فيلم تسجيلي (ستة آلاف فرنك سويسري) لكن ليس منفرداً، إذ قررت لجنة تحكيم المسابقة التسجيلية منح الفيلم الكوري الجنوبي «عودة المعتقلين إلى الوطن» الجائزة نفسها وبالأهمية الأدبية والقيمة المالية نفسيهما وذلك, كما صرحت اللجنة, «للالتزام القوي والعميق اللذين أبداهما كلا المخرجين في عرضهما لواقع سياسي وضعانا من خلاله في قلب تركيبة إنسانية معقدة من طريق العلاقات التي أقاماها مع شخصيات فيلميهما». وكانت هناك أفلام أخرى مهمة ومتميزة في المجال التسجيلي لكنها لم تستطع الوصول إلى مستوى الجوائز ومنها الفيلم التشيلي «وشاح برتا» لستيبان لارين الذي يعرض في فيلمه لعزيمة امرأة في الثمانين (برتا) وقوتها في الدفاع عن أراضي آبائها وأجدادها ضد مشروع استثماري سيقام في جنوب تشيلي حيث تعيش، إذ تجمع بضع نساء من جيرانها ليقفن معاً ضد مصادرة الأراضي لمصلحة شركة كبرى متعددة الجنسية. من الدول التي شاركت في هذا القسم أيضاً فلسطين, بنين, مدغشقر, الكاميرون والارجنتين، ليكون عدد أفلامه 13 فيلماً. ولا توجد مسابقة للأفلام الروائية القصيرة في مهرجان فريبور لكن توجد فيه دائماً أعمال مهمة في هذا المجال. من بين سبعة أفلام كان الفيلم المصري «يعيشون بيننا» للمخرج الشاب محمود سليمان أكثر الأفلام اثارة لاعجاب وتعاطف سينمائيي المهرجان ومشاهديه لما يتمتع به موضوعه من صدق ومعاناة امرأة شابة تعول ثلاثة أطفال بمفردها وتمتهن من أجلهم مهنة صعبة، فتجوب بآلة ثقيلة فوق ظهرها شوارع القاهرة من أجل سد حاجاتهم. المرأة التي مثلت في الفيلم هي نفسها التي قابلها سليمان في الشارع وتفاعل مع مشكلتها. سويسرا بلد صغير يعيش في حال من السلم منذ أكثر من 150 عاماً, لكن لا يعني هذا أن سويسرا لا تفكر في معاناة الآخرين وقضاياهم المهمة كالقضية الفلسطينية في منطقة تشهد عنفاً وحروباً منذ أكثر من خمسة عقود, من هنا اهتدى تفكير إدارة المهرجان إلى عرض الأفلام السويسرية التي تناولت هذه القضية على مدار الـ34 عاماً الماضية في برنامج خاص بعنوان «فلسطين / إسرائيل في الذاكرة السويسرية», تكوّن من تسعة عشر فيلماً سويسري الانتاج, أحدثها «موسيقانا» (2004) لجان لوك غودار, وأقدمها «بلدي, ثورة» (1971) لفرانسيس روسي وجان بيير غارنييه, ومن أهمها «من أجل الفلسطينيين, شهادة امرأة إسرائيلية» (1974) للمخرجة إدنا بوليتي التي ولدت في صيدا في لبنان والتي يعد فيلمها من الأفلام التسجيلية المبكرة التي وقفت الى جانب الحق الفلسطيني لتنادي بإنشاء دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل. «هنا وأي مكان» (1974) لجان لوك غودار وأن - ماري ميغال, وكذلك «جينيه في شاتيلا» (1999) لريشار ديندو من بين الأفلام المهمة أيضاً, ويتحدث الأخير عن الشاعر والكاتب الفرنسي الشهير جان جينيه وذكرياته الخاصة في شاتيلا ومعايشته للفدائيين, وتعاطفه مع الفلسطينيين وكتاباته عنهم. استرجاع وجوائز فيلم «الصبّار» (2000) لباتريك بيرج يحكي عن مصورة فلسطينية من إسرائيل تتتبع آثار بعض القرى من بين أربعمئة قرية عربية دمرتها إسرائيل منذ 1948, وتدين اتجاه الحكومة الإسرائيلية نحو إعادة كتابة التاريخ على هواها ومحاولتها طمس الماضي العربي وتاريخه بالبلاد. وخصص البرنامج الاسترجاعي في هذه الدورة لفكرة لامعة بعنوان «تصوير غير المرئي» أو أكثر دقة «أفلمة غير المرئي» وعرض في إطاره 24 فيلماً روائياً طويلاً ومتوسطاً وقصيراً من بينها المغربي «الرحلة الكبري» (2004) والجزائري «نوبة نساء جبل شنوه» (1977) والايطالي «الإنجيل طبقاً للقديس ماثيو» (1964) لبازوليني, والياباني «اوغتسو مونا غاكوري» (1953) لميزو جوتشي. تكونت لجنة التحكيم الدولية من خمسة أعضاء برئاسة المنتج التونسي حسن دلدول وقررت بالإجماع منح جائزتها الكبرى «نظرة الذهب» (عشرة آلاف فرنك) وأيضاً جائزة لجنة التحكيم الخاصة، لفيلم بوركينا فاسو «ليلة الحقيقة» لمخرجته فانتا ريجينا ناكرد ويعرض للحرب الأهلية ومذابحها في مناطق افريقية جنوبية غير محددة. أما الفيلم المغربي «الطفل النائم» (وهو أول تجربة إخراجية روائية طويلة للمغربية الأصل ياسمين قصارى (35 عاماً) والذي يدور حول امرأتين شابتين يسافر زوجاهما للعمل في فرنسا, حالة شائعة في تلك القرية الصغيرة, ويطول غيابهما أكثر من اللازم ما يترك المرأتين فريسة للوحدة والحيرة والمعاناة) فحصل على جائزة قيمتها المادية (5 آلاف فرنك) تمنحها جمعية المؤلفين السويسريين وتقرر لجنة التحكيم الرسمية إعطاءها للفيلم «الذي يتمتع بالابتكار في السيناريو والإخراج والتجديد على مستوى اللغة السينمائية والموضوع». كما حاز الفيلم نفسه على تنويه خاص من لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للجمعيات السينمائية. الفيلم الإيراني العراقي المشترك «السلاحف...» لمخرجه الإيراني بهمان غوبادي، يندد بالنتائج السلبية للحرب على الأكراد في العراق، وآثارها المدمرة بصفة خاصة على الأطفال، وقد صاغ رسالته في شكل إنساني عذب ومؤثر لأبعد الحدود, ومع ذلك حاز فقط على جائزة لجنة تحكيم الشباب الدارسين للسينما (خمسة آلاف فرنك) وجائزة الجمهور بالقيمة المالية نفسها. الحياة اللبنانية في 8 أبريل 2005 |
|