شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

...وماذا لو كان «المومياء» اعمق كثيراً مما اعتقدنا؟

ابراهيم العريس

 

 

 

 

 

لو ان شادي عبدالسلام لم يمت باكراً، وظل حياً بيننا، لكان الآن في الخامسة والسبعين من عمره. وربما كان، في الوقت نفسه، اسقط عنه لقب كان له خلال السنوات الأخيرة من حياته: «صاحب اشهر فيلم وحيد في السينما العربية». ونقصد هنا «فيلماًَ روائياً طويلاً»، بالطبع، لأن شادي حقق افلاماً قصيرة ايضاً، لكن اياً منها، لم يبلغ شهرة وجمالاً، مستوى «المومياء» فيلمه الأجمل! بل ربما اجمل فيلم في تاريخ السينما العربية كله. ربما لم يحمل «المومياء» تجديداً كبيراً في موضوعه وحبكته، لكنه، بالتأكيد، اتى فريداً في مجال لغته السينمائية وعلاقته بالفن بصورة عامة. اتى فريداً في مجال ابعاده الجمالية التي لم يكن احد، من بين كل السينمائيين الذين عرفهم تاريخ الفن السابع العربي، في مصر وخارج مصر، يعتقد لحظة، قبل بداية سبعينات القرن العشرين، ان السينما يمكنها ان تصل إليها. لم تكن السينما العربية مؤهلة، او مستعدة لكل ذلك الجمال... ولو من الناحية التقنية البحتة. ولم يكن من بين السينمائيين العرب من في استطاعته التعامل مع شريط في ساعتين، فيه سيناريو وتصوير وتوليف وعشرات الممثلين والحكايات الظاهرة والخفية، وكأنه لوحة فنية يمكنه رسمها بتأن كمن يفعل وريشته في يد وملونته في اليد الأخرى.

طبعاً، بعد ذلك، بعد تجربة «المومياء» وعلى رغم «اخفاق» التجربة جماهيرياً، سيسير كثر على خطوات شادي عبدالسلام، وليس في مصر بالضرورة: في تونس (ناصر خمير والمنصف ذويب مثلاً)، وفي المغرب (محمد عبدالرحمن التازي الى حد ما، وفريدة بليزيد، حين اقتربت من مواضيع تراثية)... ولكن اذا كان هؤلاء جميعاً، وبضعة غيرهم في بلدان عربية اخرى، دنوا من كل ذلك الجمال، بفضل اجواء موجودة سلفاً وديكورات اختاروا التصوير فيها (كما في «طوق الحمامة المفقود» و»كيد النساء» و»التربة»)، فإن شادي عبدالسلام «اخترع» الجمال من خلال تعاطيه مع الكاميرا، وإعادة تركيبه للمشاهد، واشتغاله على الكادر والملابس والوجوه وأجواء، كأجزاء من لوحة شاملة.

اين اخناتون

ولم يكن هذا غريباً، بالنسبة الى من جاء الى الإخراج، من عالم الرسم والديكور وتصميم الأزياء... كما جاء الى الفن من عالم البحث المعمق في تراث مصر وتاريخها، لا سيما الفرعوني، الذي هو «موضوع» وشكل المومياء.

ولن يكون غريباً بعد هذا، ان تسفر معظم استطلاعات الرأي التي اجريت، مرات ومرات، في اوساط سينمائيين ونقاد ومثقفين مصريين وعرب، عن اعتبار «المومياء» افضل وأجمل فيلم عربي، يسبق في هذا تحفاً مثل «الأرض» ليوسف شاهين و»الحرام» لهنري بركات و»أحلام المدينة» لمحمد ملص و»كفر قاسم» لبرهان علوية.

ولم يكن مشاهدو النخبة العرب، الوحيدين الذين ثمنوا الفيلم كل هذا التثمين: متابعو السينما العربية من الفرنسيين والإنكليز والأميركيين ايضاً، وضعوه دائماً في مرتبة متقدمة. لكن هؤلاء كانوا غالباً ما يستطردون حين الحديث عن «المومياء» متسائلين: لماذا اذاً لم يقيّض لشادي عبدالسلام ان يحقق غيره خلال العقد ونصف العقد اللذين عاشهما بعد انجازه. بل، والأغرب من هذا بالنسبة إليهم، لماذا لم يتمكن من تحقيق ذلك المشروع الكبير والطموح الذي كان يحمله في اوراقه وبين شآبيب فؤاده يتحدث عنه ليلاً ونهاراً الى درجة كاد كثر يعتقدون معها انه موجود فعلاً: مشروع فيلمه عن اخناتون؟

بالنسبة الى هؤلاء من غير المنطقي ان يتردد احد من دون تمويل عمل من هذا النوع... خصوصاً ان نجاحه، الجماهيري حتى، مضمون شرقاً وغرباًّ! فهل هذا صحيح؟

الحقيقة، ان شادي عبدالسلام حين رحل عن عالمنا، كان يمكن له بعد ان يلاحظ ان تحقيق فيلم مثل «اخناتون» لا يزال ممكناً... حتى وإن كان الأمر يحتاج جهداً... ولكن منذ ذلك الحين، أي منذ نهاية سنوات الثمانين وحتى اليوم، اصبح الأمر اشبه بالمستحيل. فالسينما، المصرية خاصة، طلقت الجدية، في الوقت الذي راحت فيه السينمات العربية الأخرى تطلّق وجودها نفسه. ومن هنا قد لا يكون ممكناً ان نقول هنا ان شادي عبدالسلام لو ظل حياً بيننا ليصل الآن الى الخامسة والسبعين، كان من شأن لائحة افلامه ان تحمل «اخناتون» الى جانب «المومياء» وإلى جانب ثلاثة او اربعة افلام قصيرة اخرى يمكن وصف بعضها بالتحف... البصرية على الأقل.

ومع هذا، من الظلم لـ»المومياء» ان يوصف بأنه فيلم بصري، حتى وإن كانت بصريته طاغية فيه مخاطبة للمشاعر الأرقى في وجدان أي انسان: ذلك ان «المومياء» هو ايضاً فيلم عن مصر، يسير في ركاب نظرة الى هذا البلد المدهش، لطالما حملها ابرز ابنائه، من جمال حمدان الى حسين فوزي، ومن حسن فتحي الى شادي عبدالسلام، مروراً بأنور عبدالملك، من الذين لم يغرهم المدى «القومي العربي العريض» وأحلامه – المجهضة لاحقاً – بأن ينسوا ان مصر، كيان مغرق في القدم، بل هو واحد من اول الكيانات، المركزية، في تاريخ البشرية. ومن هنا، ومن دون ان يضع كثرة منهم «عروبة» مصر على المحك، رسموا لتاريخ مصر خطوطاً ومنحنيات، لا ترمي كل تلك الحضارة المصرية العريقة والرائدة جانباً. ونعرف طبعاً ان كل واحد منهم دفع الثمن غالياً امام «زحف الأيدي الملوحة بانتصارات وهمية» بحسب تعبير كاتب صديق.

عودة ما

طبعاً، لا نريد هنا خوض هذا الموضوع... نريد فقط ان نربط «مضمون» عمل شادي عبدالسلام ببيئته الفكرية الفسيحة، مركزين بخاصة، في هذه الإشارة السريعة، على علاقة «المومياء»، شكلياً وجانبياً على الأقل، بعمل حسن فتحي، صاحب «العمارة مع الشعب» الذي اقام معه شادي حوارات طويلة حول العمارة وتاريخ مصر، التقى فيهما الطرفان كثيراً، حتى وإن لم يتطابقا. ولعل الجدير ذكره هنا هو ذلك التشابه – الذي قد يراه كثر غريباً – بين بعض نواحي «المومياء» وبعض نواحي فيلم «الجبل» لخليل شوقي عن رواية معروفة لفتحي غانم. فالجبل... الذي يبدو اليوم منسياً بعض الشيء على رغم ريادته وخطابه السياسي – الاجتماعي الجريء في حينه، هو، في الأصل، فيلم يستوحي حكاية حسن فتحي مع مدينة بناها في الصحراء على امل ان ينقل إليها قوم جبليون من الذين يعيشون من سرقة آثار الفراعنة وبيعها للأجانب (نفس موضوع «المومياء» الى حد ما). لكن الجبليين يرفضون الانتقال... وذلك لأن البناء الذي اقيم لهم، لم يأخذ في اعتباره سوى السكن... فأين الرزق وأين العمل وأين بقية مقومات الحياة. فيلم «الجبل» اتى، باختصار ليوجه سهام نقده الخفي الى «الثورة من فوق» في وقت كان جمال عبدالناصر وعسكريو ثورته الشهيرة، يثورون الناس من «فوق»، من دون اهتمام بما هو «تحت».

«المومياء» لم يحمل الخطاب السياسي العميق والصائب هذا، بالطبع، لكنه حمل – انطلاقاً من العوالم نفسها، وكذلك انطلاقاً من الحوار المتواصل مع حسن فتحي – صرخة لا تقل اهمية... ومزدوجة في آن معاً: صرخة تدافع عن ماضي مصر وتراثها ضد اي افكار تهبط عليها بالمظلة، من ناحية، وصرخة تحدث انعطافة في فن السينما من ناحية اخرى، ويقيناً ان هذا كله يدفعنا الى الاعتقاد بكم ان الحاجة ماسة اليوم الى العودة الى «المومياء»، وربما من خلاله الى حسن فتحي وجمال حمدان وأنور عبدالملك وحسين فوزي... لعلنا نجد عندهم بعض اسئلة مهمة عن انحطاطنا السائد اليوم، بعدما اهملنا، طويلاً، ما كان عندهم.

ولو فعلنا سنكون قدمنا لذكرى شادي عبدالسلام، اجمل الهدايا.

الحياة اللبنانية في 8 أبريل 2005

مكتبة الإسكندرية:

قاعة خاصة لشادي عبدالسلام وعالمه السينمائي

خالد عزب 

في إطار نشاطها الثقافي المكثف احتفلت مكتبة الإسكندرية خلال شهر آذار (مارس) الفائت باليوبيل الماسي (75 سنة) لمولد الفنان شادي عبدالسلام. وافتتحت المكتبة للمناسبة قاعة «عالم شادي عبدالسلام». تضم القاعة مجموعة كبيرة من اللوحات الخاصة بتصميمات الديكور والملابس التي قدمها المخرج الراحل في العديد من الأعمال السينمائية مثل «وا إسلاماه»، «عنترة بن شداد»، «المظ وعبده الحامولي»، «أمير الدهاء»، إضافة إلى مكتبته الشخصية التي تضم نحو 1300 كتاب ومجلد منتقاة في مواضيع مختلفة أبرزها عن الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية والفنون والعمارة وتاريخ مصر والسينما والمسرح والحضارة الأفريقية والأدب. ويحتوي المتحف أيضاً بعض المقتنيات الخاصة بالفنان من قطع موبيليا،أوان نحاسية، ميداليات وجوائز وشهادات حصل عليها شادي عبدالسلام خلال حياته وبعد وفاته. وجهزت القاعة بدار سينما صغيرة (آفاق) لتعرض كل أسبوع بصفة مستمرة مجموعة الأفلام التي أخرجها شادي عبدالسلام أو صمم الديكور والملابس لها, إضافة إلى بعض التسجيلات الخاصة لأحاديث الفنان.

تعد القاعة إحدى الإضافات الجديدة والجميلة في مكتبة الإسكندرية, باعتبارها تطلق الحوار العام حول فكر شادي عبدالسلام, وبخاصة نظريته أو عقيدته, بتعذر قيام نهضة حقيقية لمصر الحديثة في كل دروب الحياة, ما لم يُعِد المصريون اكتشاف تراثهم القديم وتقويمه واستلهامه. وقد أسهمت المكتبة في إبراز ذلك الفكر لابن الإسكندرية الذي ولد فيها في 15 آذار (مارس) 1930, وتخرج في كلية الفنون الجميلة - قسم العمارة (1954), ودرس فن الدراما في لندن عام (1956), ثم اشتهر كمصمم ملابس وديكور في العديد من الأفلام التاريخية المصرية.

عمل شادي عبدالسلام أيضاً مساعداً للإخراج مع كبار المخرجين أمثال بركات، حلمي حليم وصلاح أبو سيف. درّس في المعهد العالي للسينما حتى عام 1974, ثم تولى إدارة مركز الفيلم التجريبي عام 1968, واختير عضواً في لجان التحكيم في مهرجاني طهران ونيودلهي عام 1974, وحصل على العديد من الجوائز في المهرجانات المحلية والعالمية. وتوفي في 8 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1986 مخلفاً وراءه فكراً وتراثاً فنياً رائعاً. ساهم شادي عبدالسلام في وضع السينما المصرية على خريطة السينما العالمية من خلال فيلمه الروائي الطويل الوحيد «المومياء». وعندما عرض هذا الفيلم للمرة الأولى في نهاية ستينات القرن الماضي، قيل إنه «فيلم يسدل الستار على مرحلة كاملة لكي يفتح بجرأة شديدة مرحلة جديدة». وتكمن أهمية فيلم «المومياء» في منهجه السينمائي الجديد ورؤيته وطبيعة الفكر السينمائي الذي تضمنه واللغة السينمائية المتطورة, ولا يجد مشاهده صعوبة في رصد القيمة التشكيلية التي شهدت أول محاولة لتأصيلها في الفيلم المصري الذي أهمل في الغالب الأعم منه هذا الجانب. وهو في «المومياء» ارتبط بمضمون الفيلم الذي تحدده طبيعة الشخصيات ولون الأحداث, وأسباب أخرى جعلت الفيلم ومخرجه علامتين بارزتين في مسيرة الفيلم العربي التي ما زالت بحاجة إلى الكثير من الفحص والدراسة.

وكان لشادي عبدالسلام في مجال تصميم الملابس والمناظر بصمة خاصة وواضحة تماماً, هذا على رغم أن تصميمه للملابس انصب في معظمه على أفلام تاريخية, أي أن الملابس فيها تقيدت بعصر زمني معين مما كان من شأنه أن يكون عذراً لتتشابه ملابس الفيلم مع ملابس بقية الأفلام التاريخية التي تناولت الفترة نفسها, وهو ما لم يحدث، فعبدالسلام استطاع بيسر أن يحفر طريقاً مميزاً له في هذا المجال بالتحديد وذلك عبر خطوطه وألوانه الرائعة.

وأهم ما يميز أعمال الفنان شادي عبدالسلام هو الفكر والمغزى والرسالة التي ينطوي عليها عمله. الذي كان يرى أن «معاملتنا كشعب وأمة وحضارة للتراث المصري القديم, لا تختلف كثيراً في مضمونها عن سلوك لصوص المقابر, أي أننا انتهكنا حرمة هذه الحضارة, فنهبنا كنوزها, وبنينا على أطلالها, ثم حولنا رفاتها إلى مزار للسياح, طمعاً في المادة. ذلك لأنها في مخيلتنا لا تعدو أن تكون سلعة شاءت الأقدار الجغرافية أن تهبها لنا, كما وهبت البترول أو غيره من الثروات لغيرنا».

ومن هنا كانت رسالته الفنية والفكرية المهمة. لذا أسست مكتبة الإسكندرية قاعة تحمل اسمه وستصبح بالتأكيد مزاراً مهماً في عالم مكتبة الإسكندرية.

الحياة اللبنانية

8 أبريل 2005