شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

فتاة المليون دولار

Million Ddollar Baby

 

 

 

 

 

أناس جميلون بنهايات قاسية!!

كلينت إيستوود بين (النهر الغامض) و(فتاة بمليون دولار)

إبراهيم نصرالله

يبدو المشهد البائس لصالة تدريب الملاكمة التي يديرها المدرب (فرانكي) كلينت إيستوود ويشرف على تنظيفها الملاكم العجوز (آندي) مورغان فريمان، وتقتحم عالمها بإصرار (ماغي) هيلاري سوانك، يبدو مشهد هذه الصالة مكانا ملائما لموت الأحلام أكثر مما هو مكان ملائم لتفتّحها في هذا الفيلم الذي حاز على أربع جوائز أوسكار هذا العام.

فآندي خرج من تاريخه الطويل كملاكم بعين واحدة وانتهى لتنظيف بصاق الملاكمين المتساقط، وفرانكي المهزوم ذو تاريخ صعب طويل مع ملاكميه وصولا للأخير ويلي الذي يتخلى عنه في اللحظات الأخيرة كمدرب ومدير أعمال ليقفز إلى حضن مدير أعمال آخر سيدخله مباراة البطولة ويفوز بها، قافزا عن سعي فرانكي المستمر لحمايته من أي مكروه، فرانكي المعذَّب برسائله العائدة التي لا تجيب عليها ابنته ولا يكف (يوميا) عن محاصرة رجل الكنيسة بأسئلة الطفل المشاغب صاحب الروح القلقة الذي لا ينقصه اليأس.

أما ماغي الشابة التي تجاوزت سن فتوة الملاكمة وتصرُّ على أن تجرِّب حظها، فليس لديها في ماضيها سوى عائلة ممزقة، وأب ميت تحبه، وعجز عن تحقيق أي شيء منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها وزيادة على ذلك قول آندي المر: لقد نشأت، وكانت طوال الوقت تحس بأنها ليستْ أكثر من زبالة.

في عالم هذا الفيلم، بعدد شخوصه القليلة، ووسائل إنتاجه شبه المتقشفة، (أنجزه إيستوود كمخرج ومنتج وممثل في خمسة أسابيع) تتجاوز الحكاية إطارها البسيط، والذي يكاد يكون مألوفا تماما في السينما الأمريكية، ونعني قصة الملاكم الفقير الذي يبدأ من الصفر، والرجل الذي يفتقد ابنته أو ابنه أو زوجته ويعيش وحيدا ويجد البديل في إنسان آخر. لكن الفيلم بالتأكيد غير ذلك، وهو ما يؤهله ليكون فيلما قابلا للتأمل.

لقد شاهدت الفيلم ثلاث مرات في غضون أسبوع، ولكن المفاجأة أنني لم أملّ مشاهدته، بل كان يفاجئني كل مرة بجديد، وهذا الأمر شيء نادر في العلاقة مع العمل الإبداعي، لكن يبدو أن علينا أن نثق أكثر بهذا المخرج ورسالته التي تألق فيها كما أشرنا في الحديث عن فيلمه ما قبل الأخير (النهر الغامض) وفيلمه الأسبق (جسور مقاطعة ماديسون) وفيلمه العذب (بيرد).

لكن إيستوود في ( النهر.. وفتاة المليون) مخرج آخر، فإذا كان قبلهما يشتبك مع أسئلة الحب والفن ودهاليز التحقيقات البوليسية والخيارات الإنسانية الأرضية، فإنه هنا يمضي لمحاورة العالم ما فوق الأرضي، مرة بأسئلة مباشرة وقلق محموم ومرة بالمصائر التي تتربص بالشخوص.

تأتي ماغي كي تحقق حلمها في صالة التدريب على يد فرانكي، في حين أن القائمين على الصالة قد فقدوا أحلامهم من زمن طويل، بل يبدو دخولها وتصميمها على المضي نحو هدفها أمرا مبالغا فيه ومن الصعب تصوّره أو القبول به، ولو لم يكن فرانكي يعاني من فقدان ابنته، فإنه على الأرجح ما كان سيسمح لنفسه أن يقبل بتدريب ماغي، التي أوحى ظهورها منذ البداية بأنها الابنة البديلة، التي لا يريد أن يضعف أمامها أو يبوح لها بشيء، حتى وهو يعطيها اسما جديدا من اللغة الايرلندية (واكوشلا) دون أن تفقه هي معناه، لنكتشف في النهاية أنه يعني عزيزتي التي من دمي. والأمر نفسه ينطبق عليها، فهي حين ترفض عرضا مغريا فيما بعد من مدير أعمال وتصر على تمسكها بفرانكي فإنها في الحقيقة لا تريد أن تتخلى عن ذلك الذي (لم يعد لها أحد غيره) أو بمعنى آخر الذي احتل دور أبيها.

لقد صالت السينما وجالت كثيرا في عالم الملاكمة وحلباتها ودهاليزها، وتألقت غير مرة كما في تحفة سكورسيزي (الثور الهائج) وفيلم (روكي) الجميل لستالوني، في بداياته؛ لكنها هنا تتقدم في فيلم مختلف لأن الأمر يتجاوز كثيرا ما يحدث في الحلبة، كما يتجاوز العلاقة بين الشخوص، لأنهم مجرد ذرائع لا غير في لعبة أكبر لا يستطيعون معها شيئاً.

يقول آندي، الذي يأتي صوته من خارج الفيلم معلقا على أحداثه (هناك حلم لا يراه أحد غيرك، إنه السحر الذي يدفعك للمخاطرة بكل شيء، من أجل حلم لا يراه الآخرون).

وفي طريقها لهذا الحلم الذي لا يراه الآخرون يرى الآخرون عري حياتها وفقرها (ماغي) وهي تعمل كنادلة وتأخذ ما يفيض عن شبع الزبائن من طعام لتأكله بعيدا في غرفتها البائسة، مدَّعية أن هذا الطعام لكلبها، أو حين تنظف الدولارات التي دُفعت كإكرامية لها من بقايا الطعام بفرح لتمضي نحو (حصّالتها) التي تمتلئ بالقطع الصغيرة، تلك القطع التي تحملها وتمضي لتبتاع قفازين لتحقق بهما حلمها.

ولا يختلف الأمر عن واقع الصالة التي تزحف لتحقيق أي شيء يُخرج مَن فيها من دائرة البؤس، فالجوارب المثقوبة لآندي ليست إشارة لواقع الحال المزري على المستوى المالي فحسب بقدر ما هي دلالة على واقع لا يمكن أن يصلحه حتى شراء جوارب جديدة غير ممزقة، وآندي يدرك هذا، لكن فرانكي لا يريد أن يعترف به، فهو مشغول بالثمن المرتفع للمنظفات التي يبتاعها آندي بدل المنظفات الرخيصة، ومرتبك أمام رفض المبلغ الذي تدفعه ماغي رسوما ليتم تدريبها (لستة أشهر) ومُقَدَّماً.

لكن رؤية إيستوود حالكة هنا، وهو يقدم هذا الفيلم، كما كانت في (النهر الغامض) فثمة أناس لا يستحقون هذه النهايات القاسية، لأنهم جميلون مشعّون بالأمل وتحقيق الأفضل، أناس حالمون، بريئون ولا يريدون الكثير، وماغي نموذج مدفوع للأمام لذلك الدور الذي لعبه تيم روبنـز في (النهر الغامض).

إن الأبرياء هم وحدهم من يدفعون الثمن، وحتى عندما يدفعونه فإن الأمر لا يتوقف عند الدفعة الأولى، إذ عليهم أن يواصلوا دفع الفوائد لهذه المصائر القاسية.

يُنتهك ديف في (النهر الغامض) ولكنه يُقتل على يد صديقه القديم عقابا لجريمة لم يرتكبها، وتُسحق ماغي في حياتها بأسرتها الممزقة وفقدان أبيها، ويغدو أملها في النهاية أن تموت الميتة التي ماتها كلبها الأثير لا أكثر؛ كلبها الذي بات يجر نفسه بين الغرف مستخدما قدميه الأماميتين، ووجد أخيراً ميتة الرحمة على يدي أبيها.

يحاول ديف أن يرتب حياته بعد مأساته، وتحاول ماغي الأمر نفسه، ولكن العين الغامضة المتربصة بهما لا تغفر لهما هاتين المحاولتين، أو المحاولة الواحدة، كما لو أن الأمر لا يتعلق بالإنسان مهما حاول، وكما لو أنه لا ينتمي لفكرة أن في السعي الجميل نتائج جميلة، أو كأن كل حلم يتحقق أو كل خروج من كابوس ليس أكثر من فسحة مسروقة من قبضة عملاقة تترصده، ولا تغفر له ذلك التملص الذي يبديه خارجها.

ثم إن العقاب الأقسى لجمال هؤلاء ماثل في أن على كل منهم إما أن يغدو موته حلما أخيرا له، أو يغدو قيام الآخر (أو الحامي البديل) بقتل أكثر الناس قربا إليه هو الحل الوحيد كي لا يتواصل العذاب.

وهنا يبدو خيار الموت تمردا أخيرا على حياة لم تستحق كل ذلك الجمال، ويغدو الموت تمردا على مصير يصر أن يواصل تعذيب هذا الجمال إلى ما لا نهاية. ولذلك يمضي فرانكي ليخلِّصها من عذابها، متمردا جسورا على أسئلة إيمانه وسعيه المخلص في العثور على خلاص، إذ تبدو المسافة بين ما يقال له على بوابة الكنيسة وبين السرير الذي تقبع فوقه ماغي مشلولة والسكاكين تحدق شرسة بمزيد من أعضائها بعد بتر أحد ساقيها، تبدو هذه المسافة خالية، لا أحد يملؤها، شبه صحراء لا بد من وجود من يعيد الاعتبار إليها برؤيته لعذاب الآخرين.

يقول آندي لفرانكي: (أحس بأن لديك اليوم قتال لم أعلم به). حين يراه يُحضّر حقيبته في الظلام كما يُحضِّرها عادة حين يذهب لخوض مباراة ملاكمة مع أحد متدربيه. وإحساس آندي العميق (وهو حكيم الفيلم فعلا) في مكانه، لأن فرانكي كان يذهب لخوض معركة لا تتعلق بالبشر.

لم يكن فرانكي غافلا عن هذا ليحتاج إلى من يذكِّره بما سيفعله، فقبل ذلك كان قد ذهب ورأى رجل الدين الذي حذره: انس أمر الجنة والنار، إذا فعلت ذلك (القتل الرحيم لماغي) فإنك ستفقد نفسك مرة أخرى، ولن تعثر عليها أبدا.

لكن فرانكي كان قد وصل إلى ذلك الحد الذي فقد فيه ماغي، هي التي غدت بالنسبة إليه أغلى من نفسه. وكل كلام خارج هذه الحقيقة هو مجرد كلام لا غير وإن بدا عاقلا: لقد دخلت ماغي من ذلك الباب وهي تريد أن تصبح ما تريده لنفسها، وبعد سنة ونصف السنة كانت تقاتل من أجل اللقب العالمي. وأنت فعلت ذلك (يقول آندي مخاطبا فرانكي) ويضيف: الناس يموتون كل يوم، يمسحون الأرض ويغسلون الصحون، هل تدري ما يدور في أفكارهم في نهاية الأمر. أنا لم آخذ فرصتي في الحياة، ولكنها بفضلك أخذت فرصتها، وآخر فكرة ستخطر في بالها قبل أن تموت: لقد أبليت بلاء حسنا. وأنا كنت سأكون قنوعا بوضع كهذا)

إن الجملة التي لا يكف فرانكي عن ترديدها طوال الفيلم: القاعدة الأولى هو أن تحمي نفسك. لكن ذلك التكرار المتواصل للوصية الأثيرة، الأثيرية في واقع الأمر، يتطاير في لحظة، ويحدث المحظور حين تتلقى ماغي لكمة قوية من غريمتها، التي يقدمها إيستوود كمخرج قاسية وحاقدة، بعد انتهاء واحدة من جولات المباراة، لكمة غير شرعية تنهي أحلامها كلها.

تقول ماغي: أتمنى لو أنني لم أنزل يدي، لم يكن علي أن أستدير.

وهنا تتقدم المصادفة لتكون القوة الأكثر حضورا، بما يذكِّرنا بقول جيمي عن ديف في (النهر الغامض) لو لم يصعد في تلك السيارة، لو لم تواصل أم هتلر حملها به!!!

وتغدو المعادلة الكبرى قائمة في أن هناك من يتربص بك باستمرار ليصرعك، وحين لا يصرعك فهذا لا يعني أنه لا يريد، بل لأنه لم يجد الفرصة الملائمة ليحقق ذلك.

لكن هيلاري سوانك في هذا الفيلم أخذت فرصتها، إذ بدت وكأنها بعد فيلمها الأكثر قسوة من هذا (الأولاد لا يبكون) والذي نالت عنه الأوسكار وظهرت بعده كما لو أنها ليست أكثر من ممثلة هامشية في عالم السينما، بعد هذا جاءت لتثبت مرة أخرى أنها تستحق أن تكون واحدة من النجمات الكبيرات اللواتي حققن الفوز الثمين والنادر بالأوسكار مرتين. وأمر نفسه ينطبق عل إيستوود وهو ينتزع انتصارات جديدة في الخامسة والسبعين، والممثل الكبير مورغان فريمان وهو يحقق أول أوسكار له بعد رحلة في عالم السينما أصبح عمرها الآن خمسة وثلاثين عاما.

الأيام البحرينية في 24 أبريل 2005

 

فتاة بمليون دولار..

فيلم أوسكار 2005

سمير فريد

فاز الفيلم الأمريكي "فتاة بمليون دولار" إخراج كلينت استوود بجوائز أوسكار أحسن فيلم وأحسن إخراج وأحسن ممثلة "هيلاري سوانك للمرة الثانية بعد فوزها عام 2000 عن "الأولاد لا يبكون" إخراج كيمبرلي برايس" وأحسن ممثل في دور مساعد "مورجان فريمان". واستطاع استوود بهذا الفوز أن يكون نجم الأوسكار مرة ثانية بعد أن فاز بأوسكار أحسن فيلم وأحسن مخرج عن "غير المتسامح" عام .1992

بدأ استوود حياته الفنية ممثلا عام 1955 في فيلم "انتقام الرب" إخراج جاك أرنولد. وبدأ الإخراج عام 1971 مع فيلم "اللعب الغامض" ولم ينقطع عن التمثيل. وإنما مثل في أغلب افلامه كمخرج وخلال نصف قرن من الزمان مثل 55 فيلما وأخرج 27 فيلما أحدثها "فتاة بمليون دولار". ومن أهمهات إلي جانب فيلم أوسكار 1992 "جسور مقاطعة ماديسون" 1995. و"ميستيك ريفر" .2003

في فيلمه الجديد يصل استوود إلي ذروة جديدة في مسيرته الفنية الطويلة المتنوعة والثرية. ويقدم نموذجا فذاً للفيلم الشخصي حيث يعبر عن رؤيته للحياة بعد أن بلغ الخامسة والسبعين من عمره. وللفيلم متعدد القراءات من ناحية أخري من القراءة الأولية لقصة صعود وسقوط ملاكمه إلي قراءة ميتافيزيقية لرحلة الوجود الإنساني علي الأرض.

تحول الثلث الأخير

كتب بول هاجيس سيناريو الفيلم عن قصة قصيدة للكاتب ف. إكس تولي من مجموعة قصص صدرت عام 2000. ولم يكتف استوود بإخراج الفيلم وإنما قام بتمثيل أحد الدورين الرئيسيين كما قام بتأليف موسيقاه.. ولكن الفيلم ليس شخصيا بالإخراج والتمثيل وتأليف الموسيقي. وإنما بتعبيره عن رؤية صانعه وتأملاته في الحياة والموت والوجود بعد أن بلغ من العمر ما بلغه. وأصبح كما قال شابلن في أواخر أيامه إنني مثل محكوم عليه بالإعدام ينتظر تنفيذ الحكم.

القراءة الأولية للفيلم عن مدرب الملاكمة المخضرم فرانك "كلينت استوود" الذي يمتلك ناديا للتدريب في لوس انجيليس في الزمن الحاضر "زمن إنتاج وعرض الفيلم عام 2004". والذي رفض دائما تدريب امرأة. وذات يوم تأتيه ماجي "هيلاري سوانك" للتدريب فتقنعه بشخصيتها القوية وكرمها الإنساني الواضح وإصرارها الشديد. ويساعد صديقه القديم الملاكم المعتزل الذي يدير النادي ويعيش فيه سكراب "مورجان فريمان" علي إقناعه بتدريبها. تنجح ماجي. وفي مباراة فاصلة تقترب من الانتصار علي غريمتها. ولكن هذه تخرج عن قواعد اللعبة وتلكمها في إحدي الاستراحات لكمة تطيح بها وتحطم عمودها الفقري فتصاب بالشلل.

ويتحول الفيلم في ثلثه الأخير تحولا تاما حيث تعالج ماجي في المستشفي. ولكن من دون أمل في الشفاء. وتتدهور حالتها. ويبتر الأطباء إحدي ساقيها. وتحاول الانتحار اكثر من مرة. وتطلب من فرانك أن ينزع أجهزة التنفس الاصطناعي لتموت. وبعد تردد يقوم فرانك بنزع الأجهزة فتموت. ويختفي. ويبقي سكراب في النادي وحده.

رسائل عديدة

القصة تروي علي شريط الصوت بواسطة سكراب منذ البداية في رسالة إلي ابنة فرانك التي لا نراها ابدا. والتي يكتب لها رسائل عديدة طوال الفيلم. ولكنها كانت ترد الي الراسل من دون ان تفتح. ويحتفظ فرانك برسائله المغلقة الي ابنته في صندوق خاص. وهذه الابنة التي تبدو مثل المستحيل هي كل ما نعرفه عن ماضي فرانك. والذي لا يقل غموضا عن مستقبله عندما يختفي في النهاية. اننا لا نعلم من أين جاء وإلي أين سيذهب. إنه وحيد تماما. ولكنه لا يكف عن التدريب. ولا يكف عن البحث عن بطل جديد. كما لا يكف عن المعرفة وتعلم المزيد. إذ نراه يتعلم اللغة الحالية من كتاب يتضمن قصائد للشاعر يتيس مترجمة إلي تلك اللغة. ويعبر يتيس هنا عن جذور فرانك الايرلندية وتمسكه بها.

الملاكمة والحياة

تدور أغلب الأحداث في النادي الذي تتوسطه حلبة الملاكمة. وفي حلبات الملاكمة حيث تلعب ماجي. وتبدو الحلبة تعبيرا عن حياة الانسان وكأنه يقضي سنوات عمره في ملاكمة مستمرة. وهذا هو حال ماجي التي بلغت الثلاثين ولا ندري شيئا عن ماضيها الخاص بدورها. وإن كنا نعرف أنها من أسرة فقيرة "والدها في السجن وأمها تخدع السلطات لتحصل علي الضمان الاجتماعي". وأنها تعمل نادلة في مطعم وتأكل من بقايا الطعام. ومن الواضح أن رغبتها في الملاكمة تحقق لها أمرين: التنفيس عن المعاناة. وتحقيق وجودها بالانتصار في المباريات. والعلاقة بين فرانك وماجي علاقة مركبة. فهي تعوضه عن ابنته بقدر ما يعوضها عن والدها. وهي الشباب والمستقبل بقدر ما هو الماضي والشيخوخة. وتتطور العلاقة بينهما إلي حب عميق يجعله ينقذها من الحياة بالموت.

في ساحة الملاكمة

في ساحة الملاكمة الحياة تبدو العلاقة الأخلاقية الوحيدة هي العلاقة بين فرانك وماجي رغم الاربعين عاما التي تفصل بينهما. ورغم أنهما لا يلتقيان إلا في تلك الساحة للتدريب ثم في المباريات. وتبدو الخيانة والأنانية وانكار الجميل السمات الرئيسية لكل البشر حيث يجمع النادي بين السود والبيض وذوي الأصول اللاتينية وحتي سكراب الذي فقد عينه في المباراة رقم 109 قبل أن يعتزل يسعي لبيع ماجي إلي أحد منافسي فرانك بعد نجاحها. ولكنها ترفض. ومن بين المتدربين في النادي شاب من اصول اسبانية بريء تماما حتي انه لا يعرف كيف دخل الثلج في زجاجة مياه غازية. وعندما يتعرض للضرب من ملاكم اسود يتدخل سكراب وينقذه ويلاكم المعتدي ويهزمه. ويعتبرها المباراة رقم 110 والأخيرة.

الحضيض الإنساني

يخون سكراب صديقه فرانك ويدافع عن البراءة. في نفس الوقت وهذه هي تناقضات الانسان بل إن الفيلم يبدأ بملاكم أسود انتهي فرانك لتوه من تدريبه. ولكن ها هو يقول له وداعا قبل أن يلعب مباراته الكبري الأولي. وعندما يسأله فرانك هل يثق في أنه أصبح جاهزا يرد لقد تعلمت منك كل شيء وحفظته جيدا وفي مشهد من أهم مشاهد الفيلم نري أسرة ماجي لأول مرة وهي تقدم لوالدتها بيتاً كبيراً جديداً اشترته لها بعد نجاحها وتوفر المال لديها. ولكن الأم ترفض البيت لانه سيحرمها من الضمان الاجتماعي وتطلب من ابنتها اموالا سائلة فترد عليها يمكنك بيع البيت والحصول علي ثمنه. ونحن لا نري هذه الاسرة مرة ثانية الا وهي تحاول الحصول علي توقيع ماجي وهي عاجزة في المستشفي للحصول علي المال في تعبير عنيف عن نظرة استوود الي الحضيض الذي يمكن ان يتردي فيه البشر.

ساحة الكنيسة

ساحة الملاكمة الحياة المسرح تتوازي طوال الفيلم مع ساحة الكنيسة الكاثوليكية التي يذهب اليها فرانك بحثاً عن اليقين. فهو يشك. ويسأل الراهب عرفنا أن الأب هو الله سبحانه وتعالي فماذا عن بقية الثالوث. يرد الراهب يسوع المسيح. يسأله وما الروح القدس. يرد هو الله الواحد. ولا يجد فرانك اليقين ابدا فعندما يتحدث مع الراهب عن طلب ماجي نزع أجهزة التنفس عنها لتموت يحذره من ارتكاب هذه المعصية الكبري. ومع ذلك يرتكبها فرانك في النهاية واثقا أنه يفعل الخير. بل ويعبر عن حبه لماجي التي تقول كلما مر الوقت انتزعت مني لحظات السعادة التي عشتها. وقبل أن ينزع الأجهزة يقبلني لأول مرة وآخر مرة. ويفسر لي اللقب الذي أطلقه علي من شعر يتيس باللغة الجالية. ومعناه "يا حبيبتي يا دمي".

الساحات الأربع

وإذا كانت ساحة الملاكمة تتوازي مع ساحة الكنيسة. فإن ساحة المكان الذي تقيم فيه عائلة ماجي هي الواقع المرتبط بساحة الملاكمة. أما غرفة المستشفي فهي ساحة القبر. والتحول في الثلث الأخير من الفيلم هو التحول من الحياة إلي الموت. والساحات الأربع هي ساحات الوجود في رحلة الإنسان.

الجمهورية المصرية في 1 أبريل 2005