شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

المخرج العراقي باز شمعون عرض فيلمين في دبي

أبو ظبي - فجر يعقوب

 

 

 

 

 

شارك المخرج العراقي باز شمعون (المقيم في كندا) بفيلمين في مسابقة أفلام من الإمارات في دورتها الرابعة والتي عقدت أخيراً في أبو ظبي. وشمعون درس السينما في تشيكوسلوفاكيا قبل «الطلاق الوردي» الذي أدى إلى تشققها (سلمياً) لتصبح بلدين متجاورين وقد اقتسما تركة ثـقيلة من بينها السينما التي عرفت يوماً بميلوش فورمان ومنسل وغيرهما. ولا ينفي شمعون تأثير هذه السينما فيه، فثمة زخرفة في الإيقاع وتلوين واضح حتى وإن بدا هكذا عارياً كما في الأسود والأبيض الذي ميز فيلمه «الرغبة والطين». الفيلم الذي اعتبر اكتشافاً بحق في تظاهرة «السينما الشعرية» التي نظمت أيضاً في سياق المسابقة. وهنا حوار مع المخرج باز شمعون حول فيلميه:

·         يتردد صدى سؤالك في فيلمك «أين العراق .. أين العراق؟» ذهبت الى هناك بعد طول غياب فماذا وجدت؟

- رجعت الى هناك ولم أذهب، فلم أجد العراق ولهذا سألت عنه. جيران العراق لم يسمحوا للمنفيين مثلي بدخوله... وان حدث وسمحوا للبعض منا بالدخول فبعد أن يحولوا حياتهم إلى جحيم. ألم تكفِ مجازر 35 عاماً حتى تكلل بمجازر أكثر قبحاً ووقاحة؟ تستيقظ الآن وفي كل يوم، فتجد خمسين أو مئة قضوا بطريقة ما... ذبح... نسف... تفجير. لقد ذهبت إلى العراق من أجل معالجة أخرى غير هذه، فقد كانت بالنسبة لي مثل القيام بماراثون من الشمال الى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال. هذه الحلقة الموصولة بكل هذه المسافات كانت تضم كل الأقليات والطوائف، وفيها موت وولادة جديدة، وبالنسبة إلي كانت بمثابة الطوفان الثاني للبشرية جمعاء، فالطوفان الأول حدث أيضاً في بلاد الرافدين.

·         ذكرت لي أن مركز الفيلم القومي الكندي (وهو الجهة المنتجة) اعترض على بعض مشاهد فيلمك؟

- اعترضوا على بعض اللقطات العنيفة لمشاهد سببها بعض المواطنين العرب (من غير العراقيين)، موقف هذا البعض كان واضحاً في الأزمة العراقية، فصدام كان يمولهم ويدفع لهم. وهو (أي صدام) كان يمول في الخارج ويقتل في الداخل. في الفيلم كما شاهدت يتساءلون عن سبب كل هذا الغنى من حولهم وهم معدمون ومكسورون. ثمة شعب يعيش حالاً سوريالية، ففي القرن الواحد والعشرين لا ماء ولا كهرباء.. لا شيء سوى القتل والذبح والتدمير.

كلهم أجانب

·         هل صوّر الفيلم عند الحدود الأردنية - العراقية؟

- أنا صورت عند الحدود التركية، وصورت في عمّان، لأنني لم أتمكن من دخول العراق بعد غياب أكثر من 27 عاماً. لقد أخذتني الحال، لأنني وعيت الحال المأسوية التي عاشها ويعيشها العراقيون حتى الآن في المناطق الحدودية المتاخمة للأراضي العراقية. كيف لا أستطيع الدخول إلى بلادي وأنا أرى بأم عيني الأجانب وهم يدخلون العراق... يصورون أو ينهبون... أو يبنون... وكلهم أجانب. ألا تكف مصائب صدام حتى يجيء كل هؤلاء ويكملوا بطريقة أخرى ما بدأه صدام نفسه؟! «أين العراق» هو مجرد تخطيطات لأناس عراقيين مكسورين ومعدمين ومنفيين أو تقطعت بهم السبل، فاجتمعوا في هذا المحشر.

·     تشارك أيضاً بفيلم «الرغبة والطين»... الجمع ما بين الحسي والمجرد في السينما هل هو ما يودي بك إلى الاصطفاف وراء مصطلح السينما الشعرية؟‍‍!

- «الرغبة والطين» هي دائرة بين رغبة الإنسان والطين، أي إرجاعه إلى الأصل. وهي الرغبة المتأرجحة بين ملذات الحياة والطين الذي يعود الإنسان إليه. لقد تكونت عندي الفكرة بعد الالتقاء بالشاعر الكندي المتصوفة سيرج باتريسي تيبودو، وهو حائز جائزة أفضل شاعر كندي لعام 1997. بدأنا البحث في الشعر الصوفي وهو اصطفاء عناصره ورموزه واعتمدنا في مراجعنا على ابن عربي والحلاج وجان كروا وبعض آيات القرآن الكريم وإنجيل لوقا، وثمة نصوص لي وللشاعر نفسه. بدأنا تثبيت إيقاع العمل لنصنع منه المعادل البصري الذي وجدناه في كل هذه العناصر. والمتصوف مجرد من كل شيء لهذا السبب تجد العراء داخل الصورة وحتى الطبيعة نفسها. بدأنا (تحليل) الكلمات وكيفية مواءمتها مع الصورة والإيقاع والكلمة، وأصبح لدينا قوام فيلم بكامله على الورق، فهي تجربة شعرية سينمائية معقدة ويتطلب نقلها إلى الشاشة إعادة فتح هذه الحلقة وإغلاقها... وقد يكون هذا هو سبب نجاح التجربة برأيي!

·         ما الذي أوحى إليكما بأن التجربة نجحت على الورق... وأنت تبحث في المحصلة عن صورة؟

- كنا خائفين من موت هذه النصوص لمجرد (تعديلها) بصرياً. والذي بحثنا فيه عملياً هو بناء الصورة على أساس نص سينماتوغرافي شعري، فنحن لجأنا إلى الأسود والأبيض من خلال الإيقاع الذي أوصلنا إلى هذه الحلقة المؤلفة من رموز يتداخل فيها (الموت والحياة) من بعد اكتمال رحلتنا على الورق نفسه..!! وإذا ما لاحظت الأصوات الثانوية والخلفية في الحال الشعرية: خذ على سبيل المثال المقبرة ومن حولها الأسلاك. لقد كانت المقبرة على شاكلة ثدي امرأة والشاعر هناك يجلس ويتأمل. فمن هذه القبور أردت أيضاً أن أخلق حال سمعية لاغناء الأثر الإنساني. لقد بنينا تناقضات وصراعات وتشابكات ما بين الإنسان والطبيعة... في الرغبة والطين الحياة موجودة، ولكنها في الوقت نفسه غير موجودة.

مظلومة

·         بهذا المعنى ما هو مدى فهمك للسينما الشعرية التي تشارك فيها بفيلمك هذا؟

- السينما الشعرية بالنسبة إلي هي السينما المتكاملة النظيفة والصورة فيها غير معقدة وإن بدت كذلك للوهلة الأولى ولكنها لا تملك فقط المتفرج الشاعر، ولهذا السبب هي منفية أيضاً من الموزع والمنتج والمتفرج نفسه. بالنسبة إلي هي سينما ما بعد التجريد وأدواتها ليست الكلمة والصورة فقط... إنها شيء أبعد من ذلك لأنها وحدها من تجر روح المتفرج وتضرب عنده في العمق.

·         ما هي مرجعية هذه السينما لديك... وأنت تقيم في كندا ومتاح لك التجريب في خصوصها... بعكس المتفرج الذي تبحث عنه هنا؟

- السينما الشعرية مظلومة في كل مكان... حتى في كندا التي تتحدث عنها. فهي محدودة وصناعها قليلون، وهي بحاجة إلى الجرأة للدخول في عوالمها، لأنك إذا ما أخذت منطق الحسابات فستخسر كمنتج أو كمخرج أو كموزع فالمجال أمامها ضيق للغاية.

·         حسناً إذا ما أردت أن تخرج فيلماً بالأسلوب نفسه ولكن في بلد عربي.. ماذا ستجد؟

- أعتقد أن هناك أرضية قوية لها، لأن الأرض العربية «مخنوقة» بالشعر، ولكن الواقع الإنتاجي يصعّب من تحقيق هذا النوع، ولكن إذا ما توافرت هيكلية لها فسأكون سعيداً لو نفذت عملاً كهذا في بلد عربي. لقد لاحظت أن المتفرج العربي لديه إحساس وإلمام فطري عالٍ بالسينما الشعرية، ولم أكن متصوراً أن يكون الأمر هكذا!

الحياة اللبنانية في 25 مارس 2005