...جول فيرن: الرجل الذي اخترع السينما من دون ان يدري بيروت - فيكي حبيب |
في مثل هذه الأيام بالذات قبل مئة عام، وتحديداً في الرابع والعشرين من آذار (مارس) 1905، أخذ الروائي الفرنسي المبدع جول فيرن نفساً أخيراً وأسلم الروح من دون ان يخطر في باله ما سيكون لرواياته من أثر عميق في عالم الفن السابع، حتى ولو كان قدر له ان يشاهد بعضها يُحوّل الى السينما، وهو لا يزال على قيد الحياة. اليوم، وإذ يحتفي عالم الادب بالمئوية الأولى لذكرى وفاة من رافقتنا حكاياته وابداعاته المختلفة منذ الطفولة، هو الذي لا يخفى على احد انسجامه مع كل الأعمار، إذ تقرأه وانت صغير ومهما كانت لغتك الام بالشغف نفسه الذي تقرأه وانت كبير مع فارق اكتشاف في كل مرة شيئاً جديداً، فإن عالم السينما لا يسعه الا ان يشارك في هذا الاحتفال لما لهذا المبدع من رصيد فيه.. الحيّ الدائم مات جول فيرن والسينما كانت لا تزال في اولها... لكنه، وروايته رافقوها طوال تاريخها. معظم رواياته نقلت... مرات ومرات الى الشاشة. بعض انواع السينما الكبرى استعيرت منه: الخيال العلمي، افلام المغامرة، افلام أعماق البحار، أفلام الفضاء... ولو عاش اكثر وكتب أكثر. لكانت السينما حتماً اغتنت اكثر واكثر. آخر اسهاماته، كان قبل شهور قليلة، حينما حققت نسخة جديدة من «حول العالم في ثمانين يوماً» الذي كان الأبرز، ذات يوم، بين المنقول عن جول فيرن. وخلال الأعوام الاولى لعمر السينما كان واحداً من اول افلام الخيال العلمي «رحلة الى القمر» للساحر الفرنسي جورج ميلياس. من هنا اذا كانت الاوساط الأدبية احتفلت بالكاتب الذي يُقرأ أكثر من أي كاتب في العالم، فإن السينما كانت أيضاً على موعد للاحتفال به. فماذا بين جول فيرن والسينما؟ في ألبومه المعنون «الأوديسة جول فيرن» يشرح الباحث الفرنسي جان ديميرلياك اهتمام جول فيرن الكلي بالتأثيرات البصرية في الخيال العلمي، هو الذي كان دائماً مهموماً بتوفير درجات من الوعي لدى الجمهور، والحالم ابداً بخلق صور مسرحية دائمة في رواياته. ويقول ديميرلياك: «كان جول فيرن يتمتع بوعي محدد لاستعمالات الجموع للصورة من دون ان تتوافر لديه فكرة محددة عن الاستعمالات التكنولوجية لثقافة الجموع...». والحال انه سواء تعلق الأمر «بروايات بصرية، ام حيوانات او لوحات طبيعية غريبة، او ادوات سرية، فإن اعمال جول فيرن تكاد تكون مشغولة خصيصاً للفن السابع... ومع هذا، وعلى رغم الاقتباسات اللامحدودة لها، فإن قلة من هذه الاقتباسات بقيت وفية للرواية الأصلية»، كما لاحظ جان لوك دوان في مقال له منشور في الملحق الخاص بجول فيرن الصادر أخيراً عن صحيفة «لوموند» الفرنسية. وإذ يسأل دوان في بداية مقاله عمّا اذا كان مخترع الغواصات والاسلحة والفاكس استشعر سلطة الصالات السينمائية المذهلة قبل الأخوين لوميير فإنه يجيب: «في كل الاحوال نحن مدينون لجول فيرن بتخيله جهازاً افتراضياً تبث عبره صورة ثابتة لامرأة كانت اختفت باستخدامه شعاعاً ضوئياً شديد القوة، ومرآة والواحاً زجاجية منحنية، ما ادى الى تصوير انبعاث المرأة من جديد الى الحياة». وكان هذا قبل ولادة فن السينما بسنوات طويلة. ما يعني مواربة ان جول فيرن ساهم، ايضاً، وحتى من دون ان يدري، في اكـتشاف فن السينما. مهما يكن من امر لا يمكن انكار دور جول فيرن في انجازات عالم المرئي، بفضل خياله المدهش وتلمسه لكل ما هو جديد في زمنه وتوقعه لكل ما سيطرأ من جديد التقنيات والاختراعات في عالم الغد، هو الذي قيل عنه انه حضّر وسرّع ظهور التلفزيون في القرن العشرين، كما تنبأ بظهور مجتمع الصورة في أعمال لا يسعنا ان نتطرق اليها كلها. السينما تردّ الجميل والسينما ردّت الى فيرن جميله هذا، اذ انها لم تكف ولا تكف حتى الآن عن استلهام افكاره ورواياته وتحولها شرائط ناجحة. ومرة اخرى كانت البداية الثانية مع جورج ميلياس (1907) حينما حقق «20 ألف فرسخ تحت البحر»، و«احتلال القطب» (1912). وكما يقول كلود عزيزة وكاتي بويل روسي في مقال مشترك لهما، فإن «شاشات العالم اجمع امتلأت في السنوات الاخيرة لتلك الحقبة الرائعة، بشخصيات «رحلات غريبة»: بشخصية نيمو «كابتن اعماق البحار»، في العام 1905، امام كاميرا والاس ماك كوتشيون، و»روبر الفاتح» (1908) مع جايمس ستيوارت بلاكتون في «سفينة الفضاء». أما تحويل «حول العالم في ثمانين يوماً» فقد بدأ في العام 1913 في المانيا، ليصور دائماً في البلد نفسه من جديد عامي 1918 و 1919. في العام 1916، ستبدأ رحلة ميشال فيرن ابن جول فيرن مع افلام والده، فيحقق اولاً «قدر جان موريناس»، ليتبعه بـ«الهند السوداء» (1917)، «ونجمة الجنوب» (1918). ويمكن القول ان الحرب العالمية الاولى وتزايد مخاطرها لم تؤثر في حركة الانتاج السينمائي في السنوات التي تبعتها، إذ على العكس تتالت الأفلام المستوحاة من اعمال جول فيرن، في السينما الصامتة، والسينما المتحركة لاحقاً، وأتت في معظمها أشد طموحاً وحرفية. من «الـ500مليون بيغوم» (1919) لميشال فيرن، و«ماتياس ساندورف» (1920) اول فيلم كبير لـهنري فيسكور، ليبقى الفيلم الحدث في سنوات العشرين من القرن الماضي «ميشال ستروغوف» الذي يحمل توقيع فياتشيسلاف تورجنسكي (1925 - 1926)... لكن النسخة الاكثر طموحاً من الفيلم نفسه كانت من إنتاج فرنسي - الماني مشترك حقق في العام 1936 مع ريشار ايشبرغ وجاك بارونسيلي. اضافة الى هذا كله، لا بد لنا من ان نقول في هذا المجال ان ثمة اعمالاً ادبية «مسيسة» لجول فيرن استغلها بعض الانظمة. فمثلاً في العام 1941، عشية الاجتياح الالماني لبلادهم، دان السوفيات ما سموه يومها الانتداب الأنغلوساكسوني في نسخة حققوها من «الجزيرة السرية». ولم تحمل من روح جول فيرن الا القليل، مركزة على الجانب الايديولوجي الذي كان واضحاً ان الرجل لم يكن يريد له ان يكون ذا مقام اول. كذلك فإن خمسينات القرن الماضي وستيناته شهدت نهضة جديدة لأفلام مقتبسة عن روايات جول فيرن كان اهمها تحفة ريشار فليشر لاستوديوات والت ديزني «20 الف فرسخ تحت البحر». وكذلك «رحلة الى باطن الارض» الذي سحر عشرات ملايين المتفرجين اواسط الخمسينات، كما فعلت نسخة جديدة من «ميشال ستروغوف» أضاءت على الحياة الروسية. لاحقاً خلال الربع الاخير من القرن العشرين، بدا ظاهرياً ان السينما ابتعدت عن روايات جول فيرن، لكن هذا لم يكن الا ظاهرياً... اذ ان نهضة سينما الخيال العلمي، على ايدي ستيفن سبيلبرغ وجورج لوكاس، ثم لاحقاً بيتر جاكسون وجون كاربنتر، انما تجد مرجعيتها الاساسية لدى جول فيرن. بل ان نقاداً كثراً اطلقوا على سبيلبرغ نفسه لقب «جول فيرن» العصر الحديث... ما يعني طبعاً، ان جول فيرن لا يزال حياً... ومن هنا في هذه المئوية الاولى لفيرن، الا يمكننا القول انه لا يزال حياً بيننا، بفضل خلفائه، بفضل أعماله، وأكثر من هذا بفضل السينما نفسها؟ الحياة اللبنانية في 25 مارس 2005 |
حينما تكلم داستن هوفمان ساعتين رداً على سؤال واحد: والداي كانا غبيين وكنت صبياً مهمشاً استكهولم – قاسم حمادي اثبت الممثل الأميركي داستن هوفمان في آخر فيلم له «تعرف الى آل فوكرز» انه «ماكينة» كلام لا يمكن اسكاتها بسهولة. ولكن هوفمان الممثل يشبه الى حد كبير هوفمان في الحياة العادية. فهو بمجرد طرح سؤال واحد عليه يفاجئك بجواب ليتواصل ساعتين من دون توقف. هذا ما حصل مع مراسل صحيفة «الاكسبرسن» السويدية عندما قابل هوفمان في لقاء خاص في العاصمة البريطانية لندن منذ فترة قصيرة. · سأل المراسل: «سيد هوفمان، ما هي الاشياء التي تجدها في عائلتك من خلال فيلم «تعرف الى آل فوكرز»؟ فأجاب هوفمان: «كل الافلام تجعلني ارى الاشياء ذاتها في عائلتي. بعد ان قضيت اكثر من 30 عاماً في هذا العمل بدأت اقتنع بأن كل شيء اقوم به ما هو الا سيرة ذاتية. وفي النهاية اسرد القصة نفسها عن نفسي مرة بعد الاخرى ولكن بطرق مختلفة. بخاصة تلك الاشياء المتعلقة بالسنوات الاولى من حياتي. اعني الاجزاء الأكثر اهمية ولكنها في غاية الصعوبة من ناحية التعامل معها في شخصيتي. لا يمكنك ان تضعها جانباً لأنها اجزاء اساسية تبنى باكراً في حياتك. اجزاء عميقة الجذور، تؤثر فيك من دون ان تكون واعياً لذلك. انا متأكد من ان اللاوعي هو الجزء الاقوى في داخلنا. في معظم الاحيان نعتقد اننا نأخذ خيارات واعية لأسباب شتى ولكننا نسيّر من اللاوعي. لم اشعر عندما كنت طفلاً بالإلفة ابداً. لم يمكنني التحدث عن ذلك سوى الآن بعد ان توفي والداي. فأنا لم اكن اريدهما ان يشعرا بأنهما غبيان. الآن معظم افراد العائلة والاقارب اصبحوا في عداد الاموات، لذا من المستبعد ان يتصل احدهم بي بعد هذه المقابلة. كنت اشعر دائماً انني عنصر ثانوي في العائلة. فأنا أصغر من شقيقي بسبع سنوات. كنت مقتنعا بأنني حادثة سيئة. وانا كلي قناعة بأن والديّ كانا من المفترض ألا يصبحا والدين. كنت مُهملاً الى حد ما. لا ليس الى حد ما، بل انهما لم يعطياني اي اهتمام. كان شقيقي تلميذاً مجتهداً وناجحاً في الرياضة. كنت دائماً الخاسر في العائلة. فقط عندما قرأت «موت بائع جوال» قلت لنفسي: «انا في الواقع سعيد لأن شقيقي هو بيف». «اشتركت بدورة تمثيل كي اتجنب ان أُطرد من المدرسة. حتى هناك لم اشعر بعلاقة انتماء. كلما قال المدرس شيئاً كنت اذهب في افكاري الى اشياء اخرى. لم اكن كسولاً، في ذلك الوقت كان يطلق على حالتي اسم المتسرنم، اما في يومنا فيمكن تصنيفي كحالم. في نهاية المطاف اجبرت على الالتحاق بدورة دراسية للتمثيل لأجمع بعض النقاط الجامعية لئلا اطرد من الدراسة وتجنًبا للالتحاق بالعسكرية. وقتها فقط شعرت اني بدأت أكون هويتي. ارى ذلك الآن». لذا انا ممثل «وجدت ما كنت اشعر انه ينقصني. لذا انا ممثل. والمذهل في كل ذلك هو اني أرى هويتي من خلال تمثيل دور شخص آخر. لذا لا اعتقد ان هناك شيئاً اسمه دور شخصي. انا اعرف ان الكثير من الممثلين يتحدثون عن ذلك. يقولون: «دوري الشخصي لا يمكنه ان يفعل ذلك». انهم على خطأ. فالموضوع كالتالي: شخص آخر يكتب نص ثم يضعه بين يديك. في النص يوجد حدود يجب ان تتقيد بها. يتكلم الانكليزية البريطانية. جبان. عنده اطفال. بعد ذلك تبحث عن كل الاشياء الخاصة بالشخصية الموجودة في داخلك ولست بحاجة لأن تفعل اكثر من ذلك. لذا تبحث عن الاشياء الصغيرة التي تخلق لك المشكلات. على سبيل المثال عندما يجب علي ان ألعب دور المغتصب أدرس ما معنى ان يقوم الانسان بعملية اغتصاب ويصل الى قناعة بأن خوف الآخرين يثيره جنسياً. قد لا افهم ذلك في بادئ الامر، فإن بقيت لا افهم ذلك لن يمكنني اتقان الدور. ولكنني ابدأ بالتفكير، ان المغتصب في تلك الحال يحصل على هوية وسلطة عندما يخسر الآخرون هويتهم وسلطتهم. ويمكن ان اجد ذلك في نفسي. ولكن في حال لم تقتنع بأن هذه الخصوصيات الشخصية موجودة فيك عليك ألاّ تقدم على العمل». الحياة اللبنانية 25 مارس 2005
|