شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

قنوات تلفزيونية متخصصة جديدة

يوخنا دانيال

 

 

 

 

لا شك في ان مشاهدة الافلام السينمائية في صالات ودور العرض المتخصصة أفضل وأكثر متعة من مشاهدتها في البيت على الشاشة الصغيرة. ان دور السينما منذ إنشائها في مطلع القرن الماضي، شكّلت مهربا ومتنفساً من هموم الانسان المعاصر وضغوطات الحياة اليومية ... دور السينما : بطرازها المعماري الخاص وواجهاتها المتميزة، بمقاعدها الوثيرة، بزحام الناس على أبوابها ومداخلها، بأجواء الظلمة الساحرة المقاربة للاحلام، باجتماع الأصدقاء وافراد العائلة اسبوعيا او شهريا لحضور الأفلام الجديدة، بالتلصص اللذيذ "المشروع" على حياة أناس آخرين؛ من مجتمعات أخرى، او إستعادة أحداث من التاريخ او الحياة المعاصرة؛ أحداث فريدة او خيالية، مختلفة عن الواقع "المعتاد" بجرأتها، بصدمتها، بفتنتها .... كل هذه الأشياء وغيرها شكّلت "السحر" المعقد للسينما، ليس كفن فحسب، لكن كحاجة حياتية انسانية عصرية عميقة. صانع السينما الايطالي المتفوق "جيوزيبي تورناتوري" اقترب الى ابعد الحدود من كل هذه المسائل في فلمه العظيم "سينما الفردوس" الذي خلّد دار سينما في المدينة الصغيرة. أشياء كثيرة وتجارب عديدة في حياة الناس ارتبطت بالسينما وحضور الافلام؛ قصص الحب الاولى، التدخين المبكر، تقليد النجوم في الحياة الواقعية. مواعيد العرض السينمائي كانت شبه مقدسة او محترمةعلى الدوام بين المشاهدين، إذ لايجوز ابدا الذهاب الى السينما بعد بدء العرض. إطفاء الأنوار في الصالة كان إيذانا ببدء الرحلة التي تحمل المفاجآت والمغامرات.

لكن التقاليد الاجتماعية "السينمائية" أصابها الانحلال في العديد من البلدان على مرّ السنين، ودور العرض السينمائي فقدت دورها وحضورها المميّز لمختلف الاسباب والظروف الموضوعية. ومع هذا، فان تقنيات وآليات أخرى حلّت محلّها منذ ما بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي، وعلى الأخص أجهزة الفديو المنزلية بوسائطها المتعددة؛ الشرائط المغناطيسية والأقراص الليزرية بأنواعها المختلفة، ومحطات التلفزيون المتخصصة المجانية والمدفوعة الثمن عبر الأفمار الصناعية باستخدام صحون الالتقاط او البث الرقمي المباشر.

وفي الوقت الحاضر، مهما تخلّفت دور العرض السينمائي، وبوجود شبكات القرصنة الالكترونية الدولية، فان أحدث الفلام أصبحت متوفرة حتى لأفقر الناس. هذا أحد مظاهر العولمة : الناس تشاهد نفس الأفلام في أوقات متقاربة بمختلف السبل ... كما تشاهد نفس المسلسلات الكوميدية والدرامية والبرامج والأغاني أيضا ... مما يقرّب الناس في أرجاء المعمورة من أذواق وحساسيات مشتركة او متقاربة. لم يعد سروال "الجينز" او همبرغر الـ "مكدونالدز" او دجاج "الكنتاكي" المقلي او الكولا هي الأشياء الوحيدة التي "تؤمرك" الناس حول العالم. ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ولا بالملبس ... اليوم مئات البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية توحّد الناس تقريبا وتصوغ ما يشبه ثقافة شعبية عالمية او "أمريكية" بالأحرى.

ويضاف الى كل هذا، الدور "الثوري" غير المسبوق لشبكة المعلومات الدولية في نقل واستقبال كل شيء بدون قيود ... كل شيء سيء او جيد .... لتسلية الناس واثارتهم وهم في منازلهم. في بغداد مثلا، لا يقبل الناس على شراء أقراص الأفلام المشهورة او الحديثة فحسب، انهم يقبلون على شراء أقراص لمواسم كاملة لمسلسلات امريكية لم يسمعوا بها قبل سنتين؛ مسلسلات مثل ... الأصدقاء، عائلة سيمبسون، فيوتوراما، السبرانوز، ساوث بارك، الجناح الغربي، الدرع، ألياس، المدينة الصغيرة، تحريات موقع الجريمة ... وغيرها. كل هذا بسبب اطلاعهم عليها في المحطات الفضائية التي اصبحت متاحة لهم لأول مرة بعيدا عن هيمنة المؤسسات الرقابية، بعد سقوط النظام الشمولي السابق الذي كان يتحكّم بعملية تدفق المعلومات والنتاجات الفنية والثقافية.

ومع هذا فان العديدين من الناس يفتقدون تجربة الخروج من البيت والالتقاء بالاخرين لمشاهدة فلم سينمائي او يحنّون اليها ... رغم انهيار مثل هذه التقاليد منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وتحوّل دور السينما الى اوساط "موبوءة" اجتماعيا. لكن هناك مزايا أيضا لعملية مشاهدة الأفلام السينمائية في البيوت وعلى شاشة التلفزيون؛ ومن أهمها الكلف القليلة والراحة والحرية في البيت بعيدا عن ضوضاء وزحام المدينة ومشكلاتها واضطراباتها الأمنية والاجتماعية. ويوم بعد يوم تتزايد قنوات التلفزيون الفضائية المجانية التي تتخصص في بث الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية الأمريكية المنوّعة في العالم العربي.

ولسنتين مضت، كانت قناة  MBC 2 او ما تسمى  Channel 2 هي الرائدة في هذا المجال؛ بعرضها العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات الكوميدية والدرامية الأمريكية يوميا، إضافة الى برامج الأحاديث  Talk Show  وتلفزيون الواقع  Reality TV . ومع بدء هذا العام، دخلت هذا المجال قناتان تلفزيونيتان مجانيتان، مختلفتان في تخصصهما لحسن الحظ، وتبثان برامجهما على قمري "النايل سات" و"العرب سات". الأولى هي قناة "روتانا سينما" للأفلام العربية التي تعرض يوميا ما يقارب 10 افلام عربية قديمة وجديدة أيضا. وقد ابتدأت مشوارها بعرض أفلام يغلب عليها موضوع او ثيمة مشتركة؛ مثل مجموعة افلام مأخوذة من روايات الروائي الكبير "نجيب محفوظ"، وافلام المخرج الكبير "يوسف شاهين"، وأفلام تاريخية او كوميدية، او لممثلين معينين.

القناة الجديدة الثانية هي "تلفزيون رقم واحد" او  One TV من امارة دبي، واسم القناة فيه اشارة الى تنافسها مع  قناة  Channel 2  في عرض البرامج الأجنبية حصراً من أفلام ومسلسلات ولقاءات على مدار الساعة. وقد بدأت بالفعل بعرض العديد من المسلسلات الدرامية والكوميدية المتميزة، وأفلام شائعة من نتاجات السنوات القليلة الماضية. ان هاتين القناتين تكسران احتكار شبكات التلفزيون المدفوع الثمن الرائجة في العالم العربي مثل شبكات " الأوربت " و" الشو تايم " و" الـ  ART "، بتقديمهما خدمات ترفيهية مجانية على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم. وبينما تصبح مشاهدة النتاجات السينمائية التلفزيونية الحديثة والراقية متاحة لأوسع الجماهير التي تصبو الى التحرر من النتاجات المحلية المحكومة بأنواع القيود والموانع ويسودها التكرار والملل ... فان هذه المحطات تساهم في تشكيل ذوق "أمريكي" بين مشاهديها. والحقيقة، انه في مثل هذه المحطات المتخصصة – سواء المجانية او المدفوعة الثمن – قلما نشاهد افلاما او برامجا أوروبية او آسيوية او لاتينية.

وبالرغم من ان النتاجات الأمريكية شائعة في معظم دول العالم، وبالرغم من ان إدخال برامج وأفلام غير امريكية الى هذه المحطات قد يلاقي بعض الصعوبات في البداية ... إلا انها مسألة يجب الاهتمام بها والسعي وراءها مستقبلاً. كما ان تطوير وابتكار برامج تلفزيونية عربية أصيلة مسألة مهمة جدا، وما لا يعرفه معظم  المشاهدين في العالم العربي، ان معظم البرامج الترفيهية الشائعة – وحتى البرامج الاخبارية والسياسية –والمسابقات واللقاءات .... ما هي إلا نسخ معرّبة من برامج امريكية في معظم الأحيان، وعند مقارنتها بالأصل تزول جاذبيتها ويبهت بريقها الى حد بعيد.

شيء آخر يبعث على الأسى، هو غياب الثقافة الجادة والفن الراقي من حياتنا يوما بعد يوم  - في هذه الحمى من أجل الفوز بأكبر عدد من المشاهدين والاعلانات - لصالح ثقافة شعبية بصرية ومباشرة، عن طريقها يلتهم التلفزيون المشاهدين، ويعيد تشكيل وعيهم واذواقهم وسلوكياتهم وتفسيرهم للعالم والصراعات الدائرة فيه. اننا قلما نشاهد برامجا – اوحتى افلاما -  ذكية او معقدّة بعض الشيء  Sophisticated ... كل شيء يخضع في عالم التلفزيون – وصناعة السينما أيضا - الى ثنائيات البطل / الشرير او الناجح / الخاسر .... مؤلم هذا الاختزال الشامل والمبسّط لعالم معقد كهذا الذي نعيش فيه، هذا العالم الذي يفارق كثير من المسلّمات والطروحات التقليدية، وفي نفس الوقت هو يحتاج الى تفسير او قراءة جديدة على جميع المستويات.       

الحياة اللبنانية في 4 فبراير 2005