شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

 

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

الخليج في مهرجان برلين السينمائي الدولي

الإقبال على الفيلم الأمريكي والاسطوانات المدمجة سببا أزمة السينما الأوروبية

برلين - محمد رضا

 

 

 

 

"الجنة الآن"

نصر فلسطيني على شاشة دولية

“العالم يكتفي بالمشاهدة ونحن نموت. كيف أصبح الطغيان مشروعاً والمحتل ضحية” يقول سعيد للفتاة التي تحبّه وتحاول ثنيه عن القيام بعملية وافق عليها في حديث طويل يقطر ألماً ويترك في أعين وآذان المشاهدين صدى كبيراً. لا أقول أن الفيلم سيجعل المشاهد الأوروبي أكثر قدرة في فرض العدالة الغائبة واسترجاع الحقوق المهضومة، لكنه إذ سيشاهد الفيلم سيخرج، معظمه، بوعي أفضل.

من ناحية أخرى، مجرّد وصول هذا الفيلم الروائي الثاني فقط للمخرج أبو أسعد الى شاشة أحد أهم وأكبر ثلاثة مهرجانات دولية، وهو مهرجان برلين، انتصار إعلامي جيّد للقضية الفلسطينية وللسينما العربية بأسرها. برهان آخر على دور السينما في إيصال الرسالة قبل وخلال وبعد فشل السياسة والعمليات الإرهابية في إيصالها.

أبي أسعد يقول ل “الخليج”:

“تطلب هذا الفيلم الكثير من التدقيق والإمعان. ماذا نقول وكيف نقوله وأي كلمة نستخدم لكي نوصل قناعاتنا الى العالم بطريقة لا تبدو عاطفية او حماسية مفتعلة او خطابية فارغة. كيف تبقى أميناً لما تؤمن به وتطوّره لكي يتجانس مع الفكر الغربي الذي يختلف عن تفكيرنا. أنت وأنا مؤمنان بالقضية الفلسطينية، لكن نصف العالم إذا لم يكن أكثر لا يزال يطرح تساؤلات نابعة من سنوات طويلة من تطويع “اسرائيل” للإعلام الغربي وتوظيفه بما يحقق غاياتها. وكانوا ناجحين. يجب أن لا ننسى”.

“الجنة الآن” وقد عرض في القاعة الكبرى مرتين أمام جمهور لم يترك كرسياً واحداً شاغراً يتحدث عن صديقين هما سعيد (قيس الناشف) وخالد (علي سليمان). والد سعيد، كان عميلاً “إسرائيليا” وتم تصفيته قبل عشر سنوات. والد خالد قطع “الإسرائيليون” إحدى ساقيه (يقول خالد: “سألوه أي ساق تختار”). سعيد وخالد صديقان منذ الصغر في نابلس. وكلاهما مع مطلع الفيلم يعمل في كاراج. صاحب الكاراج يطرد خالد من الشغل في صبيحة اليوم الذي جاء فيه أحد “الأخوان” ليزف الى سعيد بأنه أختير وخالد للقيام بعملية استشهادية داخل “إسرائيل” يوم غد.

الكتمان ضروري ويستعرض الفيلم عدم قدرة سعيد على توديع أمه وأخيه والفتاة التي تتودد إليه ويريد أن يحبّها لكنه لا يستطيع واسمها سهى (لبنى أزابال) لأن عليه أن يتصرّف كما لو أن هذا اليوم هو يوم عادي آخر. ما يحدث في اليوم التالي يعرقل العملية تماماً ويهدد بإلغائها، فإحدى الدوريات تكتشف المتسللين ويهرب سعيد في إتجاه وخالد في إتجاه آخر.

القيادة في المنظمة (التي تبقى بلا اسم) ترتاب في سعيد كونه لم يعد الى نابلس بل اختفى وتمنح خالد لآخر اليوم حتى يجده فينطلق هذا في كل إتجاه بحثاً عنه. خلالها تكون سهى قد اكتشفت حقيقة ما كان سعيد على أهبة القيام به وهاهي المتفجرات ما زالت ملصوقة حوله. تحاول ردعه عن القيام بالمهمة، لكنه كان قرر وأنتهى الأمر. وبعض قراره عائد الى محاولته تصحيح الصورة الملتصقة به من جراء ما فعله أبوه في زمانه.

النهاية لا تقل تشويقاً عن كل الاستعراض السابق من مواقف وأحداث. لا تعرف من الصديقين سيفجّر نفسه.

السيناريو مكتوب بعناية شديدة بالفعل،لكن ليس لتجنّب وصم “إسرائيل” بالعنصرية والقتل والخداع وأنواع الظلم، بل لوضع كل هذه المسمّيات في استعراض مقبول من دون السقوط الى حيث نرى تبريراً للعمليات الاستشهادية. لا يدخل الفيلم في أسر تنميطها وتصنيفها او التعريف بها، بل يضعها تحت محك الخيار الوحيد المتاح للفلسطيني الذي لا يعيش أملاً بل سجناً حارقاً والعالم، كما يقول سعيد لحبيبته في أحد مشاهد الفيلم “يتفرّج”.

قبل العرض تم الإعلان عن أن “صندوق الفيلم الإسرائيلي” وافق على القيام بتوزيع الفيلم في “إسرائيل” وتمويل إعلاناته. أمر لم يكن الصندوق راغباً به إذ رفضه قبل بضعة أسابيع. لكن “الإسرائيليين” اختاروا اليوم نفسه الذي سيعرض فيه الفيلم للإعلان عن أنه ليس لديهم أي مانع في عرض هذا الفيلم -المعادي لهم أكثر من أي فيلم آخر شاهدناه حول القضية الفلسطينية بإنتاج غربي- داخل البلاد.

طبعاً هذا سيكون أمراً جيداً وتأكيدا لحرية الإبداع والآراء الديمقراطية، لكن شيئا يفيد بأن في الإعلان عملية دفاع عن النفس ومحاولة سرقة الأضواء والظهور كما لو أن مسألة ما إذا كان الفيلم الفلسطيني مع او ضد “إسرائيل” ليست حائلاً دون عرضه. ربما هذا الشيء ناتج عن أن إتفاقاً لم يتم توقيعه بعد بين الجهة الإنتاجية (بلجيكية وهولندية وألمانية) وبين “إسرائيل” وبالتالي فإن الحديث عن هذا الاستعداد، والى أن يتم فعلاً، هو كلام في الهواء. هاني أبو أسعد لا يعرف شيئا محدداً عنه بعد.

من ناحية أخرى، هذا الفيلم، وليس بسبب موضوعه، أفضل فيلم مسابقة عرض حتى الآن. لكن كيف سيخترق جدار لجنة التحكيم هو الأمر الذي لا نعرف عنه شيئا بعد. فرئيس لجنة التحكيم هو المخرج الأمريكي (الألماني الأصل) رولاند إميريش الذي يحكي مشهده في “يوم الاستقلال” رطلا من المواقف عندما -مع المشاهد الأخيرة من الفيلم- يتقدم مسيحي الى لفيف من اليهود الذين تحلّقوا جلوساً على الأرض. يدعوه أحدهم بأن يجلس معهم، فيقول المسيحي “لكني لست يهودياً” فيجيبه اليهودي “لا بأس. ليس هناك من هو خال من العيوب”!

الخليج الإماراتية ـ 16 فبراير 2005

 

فيلمه "السترة" ضمن العروض الخاصة

إدريان برودي: يستهويني الدور الذي يفتح أمامي طريق البحث والاستقصاء

في العروض الخاصة لمهرجان برلين السينمائي الدولي أطل فيلم “السترة” من بطولة إدريان برودي. ولمن يعتقد أن الاسم ورد من قبل من خلال مشاهداته او مطالعاته فإنه على حق. برودي كان في “القرية” لاعباً دور “أهبل” القرية. وهو بالطبع كان نال الأوسكار عن دوره في “عازف البيانو” وهو أفضل أدواره الى الآن.مثل غيره من الأفلام الأمريكية المعروضة هنا، تم عرض “السترة” في مهرجان سندانس الأمريكي الخاص بالسينما المستقلة حيث حصد اهتماماً من دون جوائز. برودي يبدو نموذجياً في دور الرجل الذي يعاني من عقدة الأماكن الضيّقة او التي تبدو ضيّقة لكنها قد لا تكون كذلك.

·         ما هي علاقتك بالموضوع؟ هل تشعر بالتوتر إذا ما دخلت مكاناً ضيقاً؟

في مثل هذه المسائل ليس لديك حل. شخصياً ليس لدي عقدة من الأماكن الضيقة ومعتاد على الأماكن ذات المساحة المحدودة كوني من أبناء نيويورك حيث الغرف صغيرة أساساً.  وكممثل عليك أن تكون مرتاحاً وأنت تستقبل الأدوار من دون أن تكون لديك مواقف منها.

·     تنفيذ مشاهد الفيلم وأنت مطوّق بالسترة التي يستخدمها الممرضون للسيطرة على المرضى لابد إنه كان متعباً. ماذا عن المدة التي يتطلبها تصوير كل مشهد وعليك فيه أن تبقى مقيّدا على ذلك النحو؟

صحيح. يضعونك في واحد منها وعليك أن تبقى فيها فليس هناك وقت لكي تخلعها وترتاح الا إذا كانت هناك فرصة من الوقت، لنقل ساعة، بين المشهد والآخر او المشهد وإعادته. وفي كثير من الأحيان كنت أتغلب على شعور العجز عن الحركة بالتفكير بعيداً عن الفيلم. لكني عموماً أعتقد أن المشقة كانت مفيدة بقدر ما كانت مزعجة على صعيد ذهني ونفسي. فأنت تجد نفسك تفكر في حال المرضى فعلاً. تشعر بمعاناتهم من دون أن تفهمها.

·         ما الذي في السيناريو من ميزات خاصة جعلتك تقبل على تمثيل هذا الدور؟

كانت هناك عدة أشياء جعلت ردّة فعلي حيال السيناريو قبولية. إنها شخصية تجهد في سبيل التغلب على عدد هائل من المعيقات النفسية من دون أن يتمكن من السيطرة عليها. طبعاً لو كان قادراً على السيطرة عليها لما احتاج لمعالجتها، او لما دخل المستشفى لكي يقوم المجتمع بمعالجته، او محاولة معالجته على الأقل. لكن هناك أيضا ذلك البعد: إنه جندي مسرّح ولم تتم معالجته كما كان يجب فاستفحلت الحالة. وأعتقد أن ذلك يقول الكثير عن وضعه ووضع بيئته. هناك كثيرون من الناس يتكلون على النظام لأجل مساعدتهم لكن النظام يستخدمهم ويزيد من مشكلاتهم فيخرجون أسوأ مما كانوا عليه من قبل.

·         يخال لي أنه شخص بلا هوية.

صحيح. هذا أيضا أمر أعجبني. إنه شخص بلا هوية. رجل يبحث عن هويته المفقودة. ليس لديه حس بأنه يمتلك شخصية ثابتة ولا نعرف عن عنصره وأصله. أحببت العمل على هذه الشخصية لأنها تثير أيضاً العطف لما تمر به.

·     منذ سنوات وأنت تشخّص  رجالا حسّهم الشخصي مرتفع رغم إنهم بحاجة الى الإحساس به. سواء في “صيف سام” أو “عازف البيانو”.

أستطيع أن أضم “القرية” الى هذا التحديد. ليست هناك هوية ثابتة لذلك الرجل الذي لا يعرف من الحياة سوى تلك القرية.

·         هل تستهويك تلك الأدوار أكثر من غيرها؟

ما يستهويني هو الدور سواء أكان على هذا النحو او غيره. يستهويني الدور من دون مواصفات كالتي ذكرت. عليه أن يفتح لي طريقة للبحث فيه ولاستقصاء معلومات عنه. أن لا يكتب الدور كمجرد اسم وحركات. لو أن “عازف البيانو” كتب على هذا النحو لذهب الدور الى شخص آخر.

·     تطرقت الى نقطة مهمة، وهي الجندي العائد من الحرب معطوباً. الفيلم يتطرّق الى هذه المسألة من دون أن تصبح هم الحديث نفسه. وفي الولايات المتحدة الكثير من الحديث حول جنود تنتهي مهمّاتهم حالما تبدأ معاناتهم. او هم يُصرفون من الخدمة فيعودون فاقدين لجوانب كثيرة من شخصياتهم قبل دخولهم الحرب. هل من تعليق على ذلك؟

أوافق على ذلك وأعتقد أن هناك القليل من المعرفة فيما يختص بالحالات التي تتحدث عنها. الصحافة تكتب عنها من حين لآخر لكني لا أعرف إذا كان هناك من تحقيق استكمل دورته كلها وتابع حالات الجنود العائدين من العراق. المثير هنا هو أن هذا الفيلم، كما أظن، تم استيحاؤه من قصص تعود الى الحرب الخليجية الأولى وليست الحرب الحالية، لكنها أكثر علاقة بما يدور اليوم من الأمس.

·         خلال خطبة تسلّمك الأوسكار قبل عامين ذكرت صديقاً لك يحارب في العراق... ماذا حدث له؟

نعم تومي! جُرح في الحرب وأعيد الى أمريكا مسرّحاً لكن قدر العناية التي منح إياها من قبل القيادة أقل مما كان يجب. او مما بذله في سبيل تنفيذ المهمة التي قام بها. استلمت رسالة من جندي آخر شاهد الفيلم، شاهد فيلم “السترة”، وكتب إليّ ليقول إنه يحب أن يشاهد فيلماً يتعامل مع هذه الحالة ولو بهذا القدر المحدود، فهو لا يزال يعاني، وقد خدم في الحرب الأولى، من ردّات فعل واضطرابات نفسية بسبب تلك الحرب.

·         نحاول أن نغيّر عالمنا ولو بالقوّة. الحروب هي وسيلة لذلك بصرف النظر عن التضحيات.

تعرف لو أن هناك شيئا يمكن لي أن أقوم به... لو أنني أستطيع العودة بالزمن الى الماضي لفعلت شيئا لتجنّب مثل هذه السقطات الإنسانية. مؤخراً وقعت كارثة اندونيسيا وجوارها... لو استطيع العودة لصنعت جهاز إنذار مبكر او لناديت به على الأقل.

·         تتحدث كما لو أنك تعود على غير ما أنت عليه. لكي تصنع جهازاً عليك أن تكون عالما...

نعم، لكن العملية كلها نظرية. تمنيات. لا نستطيع العودة ولا نستطيع التقدم بل نسير في حياتنا لحظة بلحظة. لكن تستطيع أن تحلم على الأقل بأن الناس تستطيع أن تتعلم وتتحاشى الأخطاء، لكنها لا تفعل. لا أدري ما الذي يمنعها فعلاً.

·     أعتقد إنك انضممت مؤخراً الى فيلم “كينج كونج” تحت إدارة بيتر جاكسون. هل تعرف ما الذي يميّز النسخة الجديدة عن النسختين السابقتين؟

سيكون الفيلم مختلفاً جداً عن النسختين السابقتين. أعتقد أن بيتر جاكسون سيخلق “كينج كونج” كما كان مفترضاً به أن يكون ولم تكن  تقنيات السينما في الثلاثينات ولا في السعبينات قادرة على تقديمه.

·     سألت جسيكا لانج التي سبق لها وأن لعبت بطولة النسخة الثانية عما إذا كانت ستظهر في الفيلم، وهي لن تظهر، فقالت إنها لا تعرف لماذا يتم إنجاز نسخة جديدة. سألت أيضا جف بردجز عنه، وهو لعب مع جسيكا دور البطولة، فقال إنه يريد أن يكون في الإعادة الجديدة لأنه يمثل له متعة فائقة. ماذا يعني إليك ذلك الغوريلا القادمة من عصر مضى؟

شاهدت “كينج كونج” النسخة الثانية قبل أن أشاهد النسخة الأولى التي  أعتقد تم إنتاجها سنة 1939. وفي المرتين اعجبتني الفكرة كثيراً. كان هذا قبل انضمامي الى فريق العمل وسعدت جداً للعرض لأن تصوير فيلم كهذا سيكون متعة فائقة.

·         لكنه لن يضمن واحدة من الشخصيات التي تبحث عنها في مجالك كممثل جاد؟

ليس هذا شرطاً. أعتقد أن بيتر جاكسون برهن في سلسلة “سيد الخواتم” على نجاحه في المزج بين القصة وبين الاعتماد على الشخصيات لتحريكها. لا شيء يعرقل الشيء الآخر.

·         تركت مهرجان “سندانس” وأممت مهرجان برلين.

زيارتي شخصية جداً لمهرجان برلين. لم يكن من المفترض أن تعلم بها الصحافة. في “سندانس” لم تكن تستطيع أن تخرجني من الصالات. غالباً آتي متأخراً قليلاً لكي أدخل في العتمة فلا يلهيني أحد. هنا الأمر جديد عليّ لكني سأشاهد اليوم “بلا قدر”. يقولون إنه بقوّة “عازف البيانو”.

الخليج الإماراتية في 18 فبراير 2005

كانت احدى الندوات شبه المغلقة المقامة خلال الدورة الخامسة والخمسين للمهرجان وحضرها منتجون وموزّعون تبحث في حلول جادة لأزمة أطلّت برأسها قبل أعوام قليلة والآن دخلت عقر الدار، وهي تقلص متزايد من قبل المشاهدين في أوروبا على الفيلم الأوروبي لصالح الأمريكي، من ناحية، ولصالح سوق الأسطوانات المدمّجة من ناحية أخرى. أكثر من عاصمة تشكو من أن هناك عدداً يرتفع عاماً بعد عام من المشاهدين الذين يفضلون الانتظار. يقولون: “أريد أن أشاهد هذا الفيلم الجديد، لكني سأنتظر ال DVD”.وهذا الفيلم الجديد قد يكون أمريكياً أيضا، لكن نظراً لأن الأفلام الأمريكية منتشرة حول العالم، فإن العبء الأكبر من الخسارة من نصيب الفيلم المحلي، الأوروبي كما سواه.

المشكلة ذاتها مطروحة داخل الولايات المتحدة. ريع العام الماضي من ايرادات الأفلام التي عرضت على الشاشة الكبيرة بلغ 9 ملايين دولار. لكن هذا الارتفاع (عن الايراد المسجل في العام الأسبق، 2003) يعود الى ارتفاع سعر التذكرة المضطرد. ذلك أن انحسار الروّاد بات ملحوظاً خصوصاً في الفصول السابقة مباشرة لفصل الصيف وتلك السابقة مباشرة لموسم الجوائز الذي يبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام.

كل هذا كان معروضاً في الندوة المصغّرة التي حضرها هذا الناقد بصفة مراقب والتي تألفت من محرري مجلة “سكرين انترناشونال” السينمائية وعدد من المنتجين والموزعين الذين جاءوا من بريطانيا وفرنسا وهولندا والمانيا وروسيا الى جانب أصحاب مؤسسات متخصصة في مراقبة عادة ارتياد السينما وايرادات الأفلام جاءوا من أمريكا وبريطانيا للمشاركة وتدارس الموضوع.

واذ باشر المنتج ديفيد كولينز، الذي يعرض له فيلم في المسابقة بعنوان “مستشفى”، القول متحدثاً عن وضع السوق الأوروبي على النحو المذكور أعلاه، تدخل صاحب مؤسسة احصاء أمريكية متبرعاً للتشديد على أن الدور الاعلامي المناط بالمهرجانات والنقاد معدوم لناحية جذب قدم المشاهد الى صالة العرض. المتحدث هو ديف بولتر صاحب مؤسسة اسمها BzzAgents “الحاصل أنه لا يوجد ناقد سينمائي ولا مهرجان معين ولا جمعية متخصصة بالترويج للأفلام تستطيع جذب المشاهدين لحضور الأفلام”.

لكن جيفري مكناب من مجلة “سكرين انترناشونال” عارض تعميم هذا الرأي قائلاً:

“أميل الى القول إن بعض النقاد وبعض المهرجانات وبعض الجمعيات تؤدي الوظيفة التي يتحدث عن غيابها بولتر”.

خلال ساعة حوار تبين للمراقب أن الاتفاق سائد على المشكلة - الأزمة لكنه مختلف في أسباب حدوثها وكيفية معالجتها.

العائلة الايطالية

على أن الغريب فعلاً هو كيف يمكن للجمهور الكبير التوجه الى الصالات اذا ما كانت الكثير من الأفلام الأوروبية على الأخص، التي نراها هنا، والتي رأيناها في مهرجانات أخرى، تشبه تمثيليات التلفزيون شبها غريباً؟.

ذلك الشبه متأت من عاملين. الأول أن العديد من مخرجي الأفلام اليوم هم خريجو استديوهات التلفزيون الأوروبية، والثاني أن العديدين أيضاً هم جدد يستوحون رؤاهم السينمائية من المسلسلات والأفلام التلفزيونية التي شاهدوا منها أكثر مما شاهدوا من أفلام السينما خلال الخمسين سنة الماضية مثلاً.

أحد هذه الأفلام عرضته المسابقة وهو “بلدة صغيرة، ايطاليا” لمخرج اسمه ستيفانو مورديني، الذي أخرج أفلاماً تسجيلية طويلة وقبلها أفلاما تسجيلية قصيرة بدأت عام 1996. واليوم يتحوّل الى ميدان الفيلم الروائي من دون ذخيرة جيدة. النية الطيّبة لفيلم يعكس حالات اجتماعية ذات غرابة موجودة لكنها الشيء الوحيد الموجود فعلاً.

يحكي الفيلم عن عائلة مؤلفة من الزوج والزوجة وطفليهما وكلبهما وسحلية. تعيش العائلة في بلدة ايطالية صغيرة هادئة. كل شيء هاديء باستثناء أن حياة تلك العائلة التي، كما يقدّمها الفيلم، تؤمن بالمساواة بين كل أفرادها في الوقت الذي يتعارض فيه هذا المبدأ مع بعض شروط الحياة مثل قدرة الأطفال على استيعاب المساواة. هذا ما تلاحظه معلمة المدرسة التي تعلن للأبوين انهما ليسا جديرين برعاية طفليهما ما يثير القرية خصوصاً والدة الزوجة فتأخذ واحدة من ابنتهما (الطفلة الأكبر سناً) لرعايتها حسب التنشئة الايطالية التقليدية.

هذا ليس كل شيء، لابد من تدهور الحالة حتى ولو فشل المخرج في جعلها مهمة: الزوجة تخون زوجها مع ميكانيكي روسي والزوج المخدوع لا يعرف الا حين تضع زوجته طفلاً لا يشبهه. الانهيار الأسروي هو ما يتحدث عنه الفيلم لكن عبر قصة تلتوي لتودع منهجاً حديثاً وتقبل على آخر شبه منفصل عن سابقه.

أفضل منه قليلاً الفيلم الايطالي غير المتسابق “الحياة التي أريد”. صحيح أن الموضوع يفرض على الفيلم حدوداً ضيقة لا تخرج الكاميرا بعيدا وراءها، لكن فيه ادارة ممثلين جيدة وموضوعاً عاطفياً يشوبه الصدق عوض الدجل.

البطلان هنا هما ممثلان يتعرفان خلال تصوير فيلم تلفزيوني تقع أحداثه في القرن التاسع عشر. فيلمنا تبدأ حكايته بتقديم البطلة لورا (الجديدة الى حد ساندرا سيكاريللي) كممثلة جادة وطموحة ومخلصة في عملها. يتأملها الممثل الذي جيء به لمشاركتها البطولة وهو ستيفانو (لويجي لو كاشيو) ويعجب بتصرفاتها المسؤولة وحبها للعمل. داخل الفيلم يمثلان قصة حب لعاشقين. في حياتهما يبدآن منوالا عاطفياً مماثلا لولا أن ستيفانو يكتشف أن لورا تتعامل واياه كما لو كانت تعيش التصوير نفسه ما يجعل حياتهما مرآة لدوريهما في الفيلم. والأمور تزداد سوءا بعد ذلك عندما يكتشف أن لورا انشغلت عن عملها الحالي بالتفكير في عرض أكبر قُدم لها خلال تصوير هذا الفيلم.

يحتاج الفيلم الى بعض الحدّة في المواقف لبعث النبض في أرجائه، لكن آخرين قد يعتقدون أن بطء منواله ودورانه حول شخصيتيه فقط أمر يميّز الفيلم ولا يعيبه.

برلينيات:

·     الممثل دون شيدل يتحدث في لقاء قصير عن فيلمه المقبل “توشيمينجو بلوز” بعدما شاهدت نسخة من السيناريو ملقاة على طاولة القهوة في جناحه: “كان المشروع عرض عليّ قبل ستة أشهر ووافقت مبدئيا عليه كممثل فقط، ثم سمعت أن المشروع يتعرّض لبعض المصاعب انتاجياً. عرضت أن أتبنّاه على أساس أن أخرجه. ولا أدري اذا كنت أصبت في هذا العرض أم أنني سأجني على نفسي. المهم أنه فعلاً فيلمي الأول كمخرج”.

·     اليوم (الاثنين) يصل الممثل بيل موراي الى المهرجان مدعوّاً لحضور فيلمه الجديد “الحياة المائية لستيف زيزو” ويؤدي فيه شخصية بحّار يريد الانتقام من سمكة قرش بعينها (ولو أنه لا يستطيع تمييزها) لأنها قتلت صديقه وشريك أعماله. موراي كان تحدث عن أن الفرصة التي واتته في الحصول على الأوسكار في العام الماضي عن “مفقود في الترجمة” قد لا تتكرر: “هل أقول انني مستاء؟ نعم لدرجة انني قررت صنع تمثال لنفسي ومنحه لي”.

الخليج الإماراتية في 14 فبراير 2005