صلاح مرعي: هربت الأفلام إلي الشارع.. عندما تراجع الإبداع في الديكور حوار: علاء سالم |
قدم الفنان ومهندس الديكور صلاح مرعي نحو27 فيلما تعتبر ديكوراتها من علامات السينما المصرية والعالمية مثل المومياء, والجوع, وووراء الشمس, وأغنية علي الممر, وأبناء الصمت, وزيارة السيد الرئيس, والبطل, كما شارك مع صديقه شادي عبدالسلام في أفلام: بين القصرين, وصراع من أجل البقاء للمخرج العالمي روسليني.. وهو استاذ مادة تصميم المناظر وتاريخ العمارة بمعهد السينما.. وحول رؤيته لمشكلات الديكور في أفلامنا وآرائه وأعماله تحدثنا: · لماذا هجرت السينما الديكورات إلي الشارع ؟ ـ ليست هجرة بل وجهة نظر بدأها جيل محمد خان وخيري بشارة وداود عبدالسيد عندما شعروا بأن الديكور نمطي.. والنمطية تقتل الإبداع.. وتصادف أيضا أن صناعة السينما كانت تمر بأزمة تمويل, وكان الحل هو الخروج إلي الاماكن الطبيعية كنوع من التوفير. ويضيف: لكن حاليا عادت الأفلام إلي بناء الديكورات بعد أن ظهر نوع من الابتكار في خامات الديكور..لأن خروج السينما إلي الشارع جعل مهندس الديكور يلجأ إلي الوسائط البديلة للوصول إلي الواقع ومنافسته.. كما أن التجربة اثبتت فشلها لان الخروج إلي الشارع أظهر عقبة استحالة التصوير بحرية نظرا للتجمع البشري الذي يفسد جماليات المشهد.. واذكر في اثناء تصوير مشهد من فيلم الساحر بأحد أحياء مصر القديمة, وكان الشارع نموذجا لخيال المخرج ـ تجمع حولنا أكثر من ألف طفل حجبوا الرؤية تماما لدرجة أننا اختصرنا عمق المشهد إلي أقصي درجة, أفسدت الخيال المنشود.. كما أن تسجيل الحوار في الشارع يكاد يكون مستحيلا نظرا للضوضاء.. ولهذا عادت السينما إلي الديكورات. · هل يمكن أن يكون الكمبيوتر جرافيك بديلا للديكور؟ ـ نعم بشرط وحدة المكان والضوء.. لأن استخدام التكنولوجيا الحديثة وارد, لكن الموضوع يرجع إلي خيال الفنان, والامكانات المادية التي تحد من الإبداع.. والحقيقة أنه من الممكن في بعض الحالات أن يكون الجرافيك أفضل. · إلي أي مدي يضيف مهندس الديكور إلي العمل الفني ؟ ـ السينما عمل جماعي.. وبالطبع لمهندس الديكور رؤيته خاصة أنه المسئول عن اختيار مكان التصوير, وله مسئولية الجزء البصري بالاشتراك مع مدير التصوير كما أن اختصاصاته بالاضافة إلي الديكور الاشراف علي الملابس والاكسسوارات.. فمثلا في فيلم المومياء كان الموضوع وحده كفيلا بصنع فيلم عالمي لكن الديكور والملابس شاركا بشكل كبير في إبراز الفكرة. · ما الفرق بين عمل مهندس الديكور ومنسق المناظر, والمشرف العام علي الفيلم ؟ ـ هذه المسميات لها علاقة بتقاليد العمل من بلد إلي آخر, ففي أمريكا وانجلترا يشترط الخبرة, فيوكل إلي كبير مهندسي الديكور مهمة الاشراف علي الفيلم, حيث يبدأ من عنده كل ما هو معماري, وما له علاقة بالصورة من اكسسوارات, وفرش وستائر وأقمشة وملابس ومكياج ثم يأتي في المرتبة الثانية منسق المناظر ومصمم الملابس والمخرج الفني الارت ديركتور, وهو المسئول الأول عن اختيار اماكن التصوير.. بمعني أن الجوهر واحد, ولكن المسميات تختلف. · هل يمكن ان يفسد المخرج مجهود مهندس الديكور؟ ـ نعم.. ولذلك تكون فترة التحضير هي أهم فترات العمل في الفيلم.. حيث تتم جلسات تجمع بين مدير التصوير, ومهندس الديكور والمخرج لعمل ورشة للوقوف علي زوايا الديكورات والاضاءة المناسبة لان الاضاءة من الممكن أن تفسد تأثير تفاصيل الملمس والعمق.. والديكور مرتبط تماما بالاضاءة سواء كان ذلك في السينما أو المتاحف أو معارض الفنون.. وعلي مر العصور في تاريخ العمارة هناك عناصر الاضاءة مثل الشخشيخة في الفن الإسلامي وملاقف الهواء في المناور والافنية الداخلية, والفراغ الموجود بين المباني ومغطي بأسقف زجاجية والحوائط الزجاجية.. ومن الممكن أن يكون هناك ديكور متوسط باضاءة جيدة, لكن من المستحيل ان يظهر ديكور رائع باضاءة فاشلة. · ما رأيك في الجيل الحالي من مهندسي الديكور ؟ ـ لدينا جيل متميز منهم عادل المغربي وهو يقدم الجديد دائما ولايكرر أفكاره, ومحمد فوزي العوامري, وهو شديد الموهبة ويبحث عن تقنيات جديدة في التنفيذ, ومحمود بركة, ومحمد أمين, ومحمد همام, وخالد أمين وكلهم تلاميذي.. وفي الجيل الاحدث شرين فرغل وأحمد عزت وغيرهم. · ماذا عن الفيلم التسجيلي آفاق الذي اخرجته؟ ـ هذه التجربة كانت عام1996, في بداية سمبوزيوم النحت بأسوان وكانت فكرته بسيطة جدا, حيث طلبت من كل نحات وكان عددهم14 نحاتا ان يشرح عمله وكانت القضية: كيف يصل إلي مفهوم المتلقي فكرة مشاهدة العمل علي الطبيعة حيث إن الفكرة هي أن يكون العمل الفني داخل برواز أو في مكان العرض. ولكن ان يعرض في مكان النحت فهذه مسألة جديدة. · ما الفرق بين الديجيتال والسينما بالنسبة للديكور؟ ـ يكفي أن تعرف أن تكلفة كل ثلاث دقائق تصوير للسينما تساوي1800 جنيه, وهذا يعادل ساعة تصوير ديجيتال, بمعني أن الديجيتال أوفر كثيرا.. والذين صنعوا كاميرا الديجيتال كتبوا عليها أنه لكي تصور للسينما يجب أن تجري تجارب لتحقيق المعادلة مع الصورة السينمائية لأن الديجيتال ليس له عمق مثل السينما, ولهذا يجب أن تستخدم ألوانا صريحة وإضاءة مناسبة لكي تصل إلي المعادلة السينمائية. · ما هي أحدث أعمال صلاح مرعي ؟ ـ أحضر لفيلم عقبال عندكم تأليف سيد فؤاد واخراج كريم جمال الدين.. وهو الفيلم الذي كان سيخرجه رضوان الكاشف قبل رحيله, ويدور حول عالم المهمشين البسطاء.. وديكوراته تدور داخل احياء شعبية. الأهرام اليومي في 16 فبراير 2005 |
جدل الازمنة الحديثة بين السينما الاوربية والامريكية طاهر عبد مسلم I بين التجارب الاوربية والامريكية بكونها علامة فارقة في مسار السينما في العالم ثمة اكثر من وشيجة في الاقل في باب نشوء المدارس والاتجاهات ما يعد الحداثية في السينما نذكر منها الطبيعية في المانيا والواقعية في ايطاليا والواقعية الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق والواقعية الجديدة في فرنسا، علي هذا وجدنا ان السينما الاوربية قد واكبت تحولات الفكر الاوربي في تجلياته وازماته اذ تلي الحرب العالمية الاولي ظهور الصوت السينمائي وبواكير قراءة الرواية عبر الشاشة من خلال اعداد النصوص الابداعية للسينما. لكن نقطة التحول الاهم التي لا يختلف عليها اثنان هي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي جاءت بالموجات الدادائية والطليعية والشعرية وكما اشرنا فقد جاءت بالواقعيات المتشظية بتشظي هذا الواقع الاوربي الغربي الذي انجب جيلاً مهمشاً فقد ثقته بالسلطة والذات والمجتمع والقيمة الاخلاقية واوجد لنفسه مضماراً يجري فيه ويحقق فيه المتعة لنفسه، المتعة المجردة واللذة من الفن وحتي تجريد الفن السينمائي الي نوع من اللعب والتعبير عن النوازع النفسية. السينما المأخوذة بأزمات الفكر الانساني وأزمات المجتمع هي هذه السينما الاوربية بتنوع اتجاهاتها وتجاربها التي عكست ازمة الانسان المعاصر وهو الملاحق بأمواج ما بعد الحداثة وبصعود الرأسمالية في العالم. II كانت الموجات التي قدمتها السينما في هذا المجال هي مواكبة لهذا الفكر المأزوم وتحولاته، التحولات التي تقدم واقعاً فصامياً في بعض الاحيان كما هي في تجارب الموجة الجديدة في السينما الفرنسية: تروفو، جودار، الان رينيه، هذه الذات المأزومة الملاحقة بقلقها الذاتي ما لبثت ان وجدت خلاصها في شتي نزعات المجتمع المعاصر واشكالياته. ولهذا ذهبت هذه السينما بعيداً باتجاه التماهي والاندماج مع الاتجاهات الفكرية الطليعية وظهر نقاد ودارسون ادمجوا دراسة الفيلم بدراسة الادب واللغة وحلت (لسانيات السينما) فرعاً جديداً في مثل هذه الدراسات وجاءت التفكيكية والبنيوية وثقلها لتدخل في تحليل البناء الفيلمي كما هي في دراسات كريستيان متيز بشكل خاص. يضاف الي هذا كله ما شهدناه في تأسيس (انطباعية) سينمائية اقرب الي انطباعية فن الرسم كما هي في تجارب وافكار وتنظيرات رودولف ارنهايم في المانيا فهذا العقل المبدع المجدد الذي انطلق من قراءة الفن التشكيلي ودرسه فانه في الوقت نفسه أسس لمفهوم مواز هو ادماج الانطباعية في الادب واللغة والفكر والفن بانطباعية اخري موازية هي الانطباعية المقترنة بفن الفيلم. III ربما كان هذا التجسيم للمشهد هو اقران الفيلم بالفكر وبذلك كانت السينما الاوربية في وجه من الوجوه هي الاكثر اندفاعاً في ترسيخ مكانة الفيلم الفكرية والجمالية وتراكمت القراءات النظرية لفن الفيلم ولم تعد هنالك فاصلة كبيرة بين الفيلم والنظرية. السينما الاوربية مع هذه الالفية ما زالت تحاول ان تؤسس للمزيد من التأطير الجمالي.. واذا كانت هذه السينما لا تملك ذلك الجمهور العريض الذي تملكه السينما الامريكية فانها تحاول ان تصنع جماليتها الخاصة، الفيلم الامريكي بالرغم من كونه مادة نظرية واكاديمية تدرس في الجامعات الامريكية الا انها في هذه الالفية غير معنية بغير مضيّها في الانتشار الجماهيري الواسع لكن هذا المشهد لا يبدو مكتملاً كلياً فيوم انتزع فيلم مدرسة البيانو السعفة الذهبية لمهرجان كان ويوم ذاع صيت الفيلم الايطالي (غرفة الابن) 2001 كانت هذه عودة جديدة لتلك الكثافة الجمالية التي خلفها فليني وتروفو وغودار ورينوار وفيسكونتي وانطونيوني وسواهم. صورة موازية لتلك الجدلية التقليدية بين السينما الاوربية والامريكية وهي كثافة تعبيرية لافتة اكدت تلك العلاقات بين الفيلم والوعي والفيلم والايديولوجيا والفيلم والجمال والفيلم وما بعد الحداثة. موقع "ألف ياء" ـ 16 فبراير 2005
|