مشروع تخريب السينما فى مصر أمير العمري |
|
كتب الزميل الناقد سمير فريد مقالا نشرته جريدة القاهرة بتاريخ 14 ديسمبر الماضى رصد فيه أسباب انهيار مهرجان القاهرة السينمائى الدولى رغم كل ما يطلق من تصريحات عنترية عن تربعه على قمة الأحد عشر مهرجانا الأولى فى العالم وما إلى ذلك من مبالغات تبتعد كثيرا عن حقائق الأمور. ويعزو سمير فريد فى مقاله انهيار المهرجان إلى تولى شريف الشوباشى مسئوليته دون خبرة ودون معرفة ودون دراية- وهو الذى لم يعرف له أى اهتمام حقيقى بالسينما قبل أن يتولى المنصب- حسب نص كلمات سمير فريد- وهذا كله صحيح تماما. غير أن هناك الكثير من التفاصيل التى تتعلق - ليس فقط بمهرجان القاهرة السينمائي- بل بالنشاط السينمائى لوزارة الثقافة عموما، تستحق لفت الأنظار وتسليط الأضواء بقوة عليها باعتبارها تدخلا فى إطار المسكوت عنه فى حياتنا الثقافية. والحقيقة أن الموضوع ليس موضوع شخص أو آخر، بل سياسة عامة غريبة تميل إلى الاستخفاف بالسينما عموما، والاعتماد فى تسيير أمورها على نوع أقرب إلى مراكز قوى ليس لديها أى دافع للعمل إلا بهدف الدفاع عن المصالح الشخصية. ودعونا نطرح النقاط التالية: أولا: لماذا يجب أن يتصدى لمسئولية تنظيم ورئاسة وإدارة مهرجانات السينما فى مصر حفنة محدودة من موظفى وزارة الثقافة، وهل يأتى هذا عملا بمبدأ تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة؟! تأكيدا على مبدأ تدخل الدولة المباشر، التى تطرح نفسها باعتبارها المنقذ الوحيد من خلال موظفيها يكفى أن نتأمل ما حدث فى حالة مهرجان إسكندرية السينمائى، هذا المهرجان أوشك على الانهيار بفعل ممارسة حفنة من أعضاء جمعية عرفت منذ تأسيسها على يدى الصحفى الراحل كمال الملاخ باعتبارها واجهة علنية للمؤسسة الرسمية، وعندئذ أسرعت وزارة الثقافة من خلال صندوق التنمية الثقافية إلى تبنى المهرجان ودعمه ووضع بصمات موظفيها عليه، فهل تقدم مهرجان الاسكندرية بالفعل وأصبح يختلف كثيرا عما كان عليه، وهل حققت دورته الأخيرة حقا نجاحا منقطع النظير حسبما تقول لنا تصريحات موظفى الوزارة الذين أشرفوا عليه فى صحف الوزارة والحكومة ومن خلال عدد من المقالات والتحقيقات الصحفية الموجهة، فهل حقق مهرجان الاسكندرية هذا، أم أننا كالعادة أوهمنا أنفسنا بالنجاح من خلال ممارسة النرجسية المعتادة، أى مديح الذات! ثانيا: ترتبط أزمة مهرجانات السينما فى مصر أشد الارتباط بالمفهوم السائد لدى وزارة الثقافة للنشاط السينمائى عموما، فالوزارة تفضل التدخل المباشر، ورغم كل ما يقال عن أهمية تفعيل مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية وتشجيع المبادرات الفردية، لا تزال هذه المؤسسات غائبة أو مستبعدة تماما عن الساحة. وكيف نريد لها دورا فاعلا بينما تحرص الدولة على التدخل بنفسها فى كل صغيرة وكبيرة، تحتكر المال والإعلام، وتحدد لنا المسموح والممنوع، ترفع وتنصب وتجر، وتوافق وتتمنع. من جهة أخرى، تدار المؤسسات السينمائية التى تنتمى لوزارة الثقافة بأسلوب وفكر مرحلة الستينيات، ليس بالطبع انطلاقا من رؤية أيديولوجية تملك برنامجا سياسيا وتسعى لتنفيذه، بل لقد تحولت فى حقيقة الأمر إلى تسخير المال العام لحساب جيوش من البيروقراطيين الكسالى المنتفعين من مخلفات الماضى، ولكن بعد أن اندثر المشروع القومى الطموح وحل بدلا منه المشروع الفردى للنجاة بكل ما يمكن حمله، وتلاميذهم الذين يمارسون العمل الثقافى بعقلية الرقيب على الفكر أكثر من تبنى التجارب الإبداعية الفردية، حتى لو كان هؤلاء محسوبين بشكل ما على ما يسمى بالمثقفين. فهل يمكن أن يبرر لنا أحد لماذا يحتاج جهاز بيروقراطى مهلهل مثل المركز القومى للسينما، إلى نحو سبعمائة موظف لكى يمارس عمله؟ بل وما هى نسبة ما ينفق من ميزانية هذا المركز على النشاط الإبداعى قياسا إلى ما ينفق فى بند الأجور والمكافآت، بل والإصلاحات والتجديدات والديكورات التى أنفق عليها- عن سعة- كل من تولى رئاسة هذا المركز على الجناح الخاص به داخل المركز، وأخرها ما أنفقه الرئيس الحالى للمركز على توسيع حمامه الخاص وتغيير ديكوراته رغم وجود حمام واحد آخر فقط يخدم موظفى المركز ال 700 لقد كان كاتب هذه السطور شاهدا بنفسه على نشاط جمعية سينمائية واحدة هى جمعية السينما الشابة فى إيران-وعضو بلجنة تحكيم مهرجانها-، تمول وتنتج سنويا نحو ستمائة فيلم روائى وتسجيلى قصير، وهذه الجمعية هى التى تتولى تنظيم المهرجان الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى طهران، فكم فيلما ينتج المركز القومى سنويا من هذا النوع؟! هل بوسع أحد أن يحدثنا بأمانة وموضوعية عن المطبوعة الدورية التى تتكلف أموالا طائلة والتى تصدر عن قسم العلاقات الثقافية الخارجية فى الوزارة، بلغات عدة، بدعوى الترويج الثقافى الخارجى، ولا توزع إلا على السفارات وما يسمى بالمراكز الثقافية المصرية فى الخارج التى لا يتردد عليها أحد، بل يتعامل معها الأجانب بارتياب وشك باعتبارها جهة حكومية رسمية لا تمثل المثقفين، إنه منطق الدعاية الممجوج الذى عفى عليه الدهر بدعوى تجميل صورة مصر ثقافيا، طبقا للمبدأ الفاشى الذى لا يرى فى النشاط الثقافى إلا وسيلة للترويج للنظام الحاكم وممثليه وسياساته. وضمن هذا التصور الأجوف يفترض المسؤول أن كتابة بالتكليف، عن بعض الجوانب الفنية والثقافية بالإيجاب والتطبيل وبعيدا عن التقويم والنقد- يمكن أن يجعل القراء فى العالم الخارجى يقتنعون بأهمية مصر ثقافيا، فى الوقت الذى تتناقل فيه وكالات الأنباء ساعة بساعة، ما يحدث فى مصر من مهازل مرتبطة بالمنع والحظر والتدخل السافر من طرف مؤسسات دينية فى الفكر والنشر والابداع، والضغوط التى تمارسها نقابات مهنية ووزارات معينة لمنع وإيقاف أعمال فنية وأدبية، ولا أريد أن أضرب أمثلة فالأمثلة كثيرة ومعروفة. إنهم فى الخارج يضحكون علينا ويسخرون منا، وآخر ما نشر بالفعل فى مجال السخرية من مهرجاناتنا السينمائية العملاقة ما كتبه الناقد السينمائى الانجليزى رونالد برجان الذى أوفده الاتحاد الدولى لنقاد السينما فيبريسى إلى مهرجان القاهرة بناء على دعوة من شريف الشوباشى لكى يكتب تقريرا عن مدى جدية هذا المهرجان، وذكر فى التقرير إنه سعد كثيرا بكرم الضيافة فى القاهرة، مبديا إعجابه بالفندق الذى ينزل به الضيوف، الذى يقدم لهم ثلاث وجبات يوميا، كما أشار ساخرا إلى عرض كل أفلام المسابقة والأفلام المهمة داخل الفندق، معلقا بالقول إن المرء لا يحتاج إلى مغادرة الفندق وهو أمر جيد بالفعل، ويذكر غياب أجهزة كومبيوتر لكى يستخدمها الصحفيون، ويشكو من عدم وجود ترجمة إلى الإنجليزية للمؤتمرات الصحفية، ويقول إن المركز الصحفى للمهرجان يقع على مسافة 5 كيلومترات، ولم ينس بيرجان أن يقول إن المصريين عندما يقولون لك انتظر خمس دقائق، فهم عادة يقصدون خمسين دقيقة ولذا فقد عين الشوباشى أمريكيا من أصل ألمانى وزوجته البريطانية للرد على تساؤلات الضيوف الأجانب، إلا أن أهم ما ذكره بيرجان هو أنه لم يجد فى مهرجان القاهرة أفلاما تستحق المشاهدة، لكنه يوصى الفيبريسى فى نهاية تقريره، بتشكيل لجنة تحكيم لكى يستمتع أعضاؤها بالطعام والشراب والمعاملة الخاصة التى سيقدمها الشوباشى لهم! ؟وقد كانت لى تجربة مباشرة فى التعامل مع العلاقات الثقافية الخارجية بعد أن تولى رئاستها مباشرة شريف الشوباشى عقب عودته من مكتب الأهرام فى باريس لكى يصبح وكيلا لوزارة الثقافة وبالمرة أيضا رئيسا لمهرجان القاهرة!. وكان ذلك على ما أذكر فى أوائل عام 2002. وكنت وقتها رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين التى تأسست عام 1972. فقد اتصلت عدة مرات بمكتب السيد الشوباشى وحاولت الحصول على موعد لمقابلته، ووعدتنى الموظفة المسؤولة بمعاودة الاتصال بى ولكن دون جدوى. وكنت مخطئا فى تصورى أن الشوباشى كونه صحفيا يمكن أن يكون أقل صلفا من كبار البيروقراطيين، غير أننى كنت مخطئا، فلم أتمكن - رغم تكرار المحاولة، من الحصول على موعد لمقابلته، إلى أن تدخل الصديق الأستاذ صبحى شفيق الذى يعرف الشوباشى معرفة وثيقة قديمة منذ أن كان الشوباشى صبيا صغيرا. وتم تحديد موعد لى لمقابلة السيد وكيل أول الوزارة. وذهبت فى الموعد تماما أحمل مشروعا مكتوبا بالتعاون بين الجمعية التى أرأسها ومهرجان القاهرة. ويتلخص المشروع فى إقامة أسبوع النقاد على هامش المهرجان على غرار ما ينظمه نقاد السينما الفرنسيون والإيطاليون والسويسريون مع مهرجانات كان وفينيسيا ولوكارنو. وتتلخص الفكرة فى عرض سبعة أفلام من سبع دول، يختارها أعضاء الجمعية من النقاد بالتعاون مع الاتحاد الدولى للنقاد والصحافة السينمائية فيبريسى الذى انضمت الجمعية منذ تأسيسها إلى عضويته. ويشمل المشروع أيضا إصدار كتاب عن الأفلام السبعة ومخرجيها وإدارة المناقشات التى تعقب عرض الأفلام وتشكيل لجنة تحكيم دولية من النقاد تضم خمسة أعضاء منهم عضو أو اثنان من مصر. وكان المقصود تغطية جانب ثقافى مهم فى المهرجان ودعوة نقاد العالم إلى الاهتمام به. وكان المفترض أن تتولى الجمعية إقامة الأسبوع وتنظيم المسابقة والإشراف على المطبوعات دون مقابل حسب قوانين العمل الأهلى التى تحظر الحصول على أجر، على أن يدفع المهرجان مكافآت للنقاد - كما يفعل عادة- مقابل إعداد الدراسات وإدارة ندوات الأفلام. وكانت هناك مقترحات أخرى مكتوبة تتعلق بإصدار أعداد خاصة بالعربية والفرنسية والإنجليزية من مجلة السينما الجديدة التى كانت الجمعية تصدرها وكنت أرأس تحريرها. لكنى لم أتمكن من مناقشة شريف الشوباشى فى أى من هذه المقترحات، واضطررت لتركها له بعد أن مكثت حوالى 45 دقيقة جالسا أمامه، أستمع إلى أحاديثه التليفونية المشوقة، فالتليفون لم يكف عن الرنين، وكان الشوباشى يستغرق فى حديث تلو حديث، غالبا مع عدد من الفنانات والفنانين وغيرهم كانوا على الطرف الآخر، يهنئونه على تولى المنصب ويتدللون عليه ويطلبون منه الطلبات والتوسطات، وكان الحوار يدور على طريقة: نعم ياروح قلبى.. حاضر من عينى.. ربنا يخليك.. أنا تحت أمرك.. إلخ. واستمر الأمر كذلك طيلة المقابلة وهو ما أصابنى بالذهول التام، فقد كنت أفترض أن الشوباشى -الذى عاش مثلى فى الغرب أكثر من عشرين عاما، يعرف أن للمواعيد احتراما، وأن الأصول تقتضى أنك عندما تكون مرتبطا بميعاد عمل، أن تأمر بمنع تلقى المكالمات التليفونية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل فاجأنى السيد الشوباشى بأن سمح لضيف آخر بالدخول والجلوس قبالتى وأخذ يدردش معه، وفجأة نهض واقفا معتذرا بأن عليه الذهاب إلى المطار لاستقبال مسؤول ثقافى تركى، ووعد بأنه سيدرس المقترحات ويرد بشكل رسمى على الجمعية. وهو ما لم يفعله حتى وقتنا هذا، لقد بدأ شريف الشوباشى عهده كرئيس لمهرجان القاهرة السينمائى بمؤتمر صحفى كان أول ما طرحه على الحاضرين وقتها السؤال التالى الخطير الذى أوضح أنه يشغله كثيرا: هل يبقى على شرط ارتداء الملابس الرسمية السوداء الاسموكن لدخول حفل الافتتاح أم يلغيها؟! وفى العام التالى اهتم الشوباشى كثيرا بالبساط الأحمر الذى سيجعل النجوم يسيرون عليه قبل دخول الأوبرا، والزفة التى ستقام فى مركب بالنيل لكبار النجوم .. وغير ذلك مما لم أعد أذكره! وقد تحدث الشوباشى كثيرا قبل الدورة الأخيرة عن حفل الافتتاح وأهميته. والملاحظ أن العقلية السائدة لدينا عموما تعتبر حفل الافتتاح أهم أحداث المهرجان. وعادة ما يتحول الحفل إلى استعراض طويل ممل سخيف يمتلئ بالغناء والرقص المتنافر والاستعراضات الفقيرة الشاحبة التى لا أعرف لها سببا. فالمهرجانات الكبيرة فى العالم لا تعرف حفلات راقصة فى الافتتاح، لم يسبق أن رأيت ذلك فى أى مهرجان بما فيها كان وفينيسيا أهمها على الإطلاق. أغلب الظن أن اهتمامنا متأثر أساسا بحفل توزيع جوائز الأوسكار، وهو ليس مهرجانا دوليا للسينما، بل مسابقة ترويجية للأفلام الأمريكية والناطقة بالإنجليزية التى تعرض فى السوق الأمريكية فقط! العربي المصرية في 13 فبراير 2005 |