شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

رحيل آمبير بلزان راعي السينما العربية

انتحار رجل أم انتحار مغامرة!

جرجوره نديم

 

 

 

 

إنتحار الفرنسى بالزان منتج أطول فيلم عربى على الإطلاق

تونس – صابر سميح بن عامر 

أقدم مؤخرا المنتج الفرنسى الشهير هامبير بالزان 50 سنة الذى أنتج خصوصا أفلاما للمخرجين المصريين يوسف شاهين ويسرى نصر الله والفلسطينى إيليا سليمان على الإنتحار وذلك تحديدا مساء الخميس 10 فبراير شباط فى باريس,وظلّت الأسباب مجهولة إلى حين...

بالزان فى كلمات

ولد هامبير بالزان رئيس شركة أونيون بيكتشورز فى 21 آب أغسطس 1954 فى أركاشون جيروند وهو سليل عائلة إقتصادية عريقة­ عائلة ويندل ­الصناعية الكبرى، بدأ أولى خطواته فى السينما كممثل من خلال فيلم البحيرة عام 1974 للمخرج روبير بريسون الذى عمل معه على الإثر كمساعد مخرج فى الشيطان على الارجح عام 1976

أنتج بالزان نحو 60 فيلما روائيا طويلا إلا أن إسمه إقترن خصوصا بالمخرج المصرى يوسف شاهين الذى أنتج له وداعا بونابرت و اليوم السادس الذى قامت ببطولته المغنيةالعالمية الراحلة داليدا و المصير واخيرا إسكندرية نيويورك كما أنتج ليسرى نصر الله ملحمة باب الشمس الذى يعتبر من أطول أفلام السينما العربية على الإطلاق "278 دقيقة-­بالألوان-­35مم".

وللفلسطينى إيليا سليمان يد إلهية الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان \"كان\" لسنة 2002 الدورة 61 .

كما أنتج للأميركى جيمس إيفورى \"فيلم رباعية\" و انتج أيضا للفرنسية ساندرين فيست فيلم \"هل ستسقط الثلوج فى عيد الميلاد؟\".

وقد عرف عنه بوصفه­ نائب رئيس مجلس إدارة السينماتيك الفرنسية ­ تشجيعه الدائم للمخرجين المغمورين ومنحهم الفرصة الأولى كما حدث مع إسماعيل فروخى فى الرحلة الكبرى ويولاند موروفى عندما تعلو أمواج البحر.

آخر إنتاجاته فى العامين الأخيرين

اشتهر بالزان بإنتاجه عدداً من الأفلام السينمائية العربية المتميزة بلغتها الصادمة فى معاينة الواقع والفرد والحكاية الإنسانية. فبعد إنطلاقته الفنية كممثل فى عام 1973 مع المخرج بروبير بروسون، ومشاركته إياه كمساعد مخرج في\"الشيطان على الارجح\".

فى عام 1976، ووجد بالزان فى الإنتاج طريقة أفضل للعمل السينمائى فتحت أمامه أبواباً متنوعة أخذته الى دول وهويّات وأساليب مختلفة، من جيمس إيفورى إلى إيليا سليمان، ومن ساندرين فايسى وروبير ساليس ودومينيك بو كاروسا إلى يوسف شاهين ويسرى نصر الله ورندة الشهال صباغ ومارون بغدادى وآخرين. من أفلامه الأخيرة التى أنتجها فى العامين الفائتين \"طيارة من ورق\" لرنده الشهال صباغ و\"حين يصعد البحر\" ليولاند مورو و\"جيل بورت\" و\"إسكندريه... نيويورك\" لشاهين الذى سبق وأنتج له \"إسكندرية كمان وكمان\" و\"وداعاً بونابرت\" و \"اليوم السادس\" و \"المهاجر\" و\"المصير\" و \"سكوت ح نصوّر\" و ليسرى نصر الله \"باب الشمس\" الأخير، بعد أن أنتج له سابقا \"مرسيدس\" و\"صبيان وبنات\" و\"المدينة\".

\"الرحلة الكبرى\" للمغربى إسماعيل فروخ، كما أنتج \"الرجل المحجب\" للراحل مارون بغدادي. وعمل مع إيفورى منتجاً مشاركاً فى جيفرسون فى باريس فى عام 1995 و بيكاسو، حب البقاء فى عام 1998 .

المقترح الرئيسى لإنجاز \"باب الشمس\"

عرف عن بالزان إنفتاحه على الثقافات المغايرة فى كليتها، علاوة على إيمانه بالقضايا الإنسانية عامة وحبّه للعرب خاصة أدباء وشعراء وسينمائيين تحديدا فكان تعامله مع شاهين كما أسلفنا فى عدة أفلام ويسرى نصرالله فى 4 أفلام ضخمة­ مرسيدس، صبيان وبنات والمدينة­ لعل أبرزها ،الفيلم الملحمى عن القضية الفلسطينية،المقتبس عن رواية إلياس الخورى \"باب الشمس\" فى إعادة طرح سينوغرافى لكل من نصرالله الخورى ومحمد سويّد.

هذا الفيلم يعتبرالأطول بحساب الزمن فى تاريخ السينما العربيّة "4 ساعات و 38 دقيقة" بالتمام والكمال فى جزئين الأول بعنوان \"الرحيل\" والثانى \"العودة\" , وقد صور الفيلم بين سوريا والأردن ولبنان بفريق عمل كبير وبإعتمادات مالية ضخمة فى جمع لنجوم تمثيلية عربية مختلفة من تونس والأردن وفلسطين ومصر ولبنان على غرار ريم التركي، هيام عباس، بسام سمرة، بياتريس دال، باسل خياط، عروة النيبرية، نادرة عمران وآخرون.

بالزان كان مقترح فكرة إنجاز الفيلم على مخرجه نصرالله إذ يقول المخرج فى هذا الخصوص \"جاءنى المنتج الفرنسى هامبير بالزان بمشروع وصفه بـالخرافى وهو رغبة جيروم كليمان وبيار شوفالييه فى محطة -آرتي- فى إنتاج فيلم عن فلسطين أو بالأحرى عن عائلة فلسطينية فى شكل ساغا\".

واضاف \"كان رد فعلى الأول الرفض السريع لإحساسى بأن الموضوع مركب، أقصد إننى مصري. وركب فى رأسى فوراً التصور أنهم، أى فى -آرتي-، لا بد يفكرون فى مشروع عن قصة حب بين يهودية وفلسطينى بأبعاده حول السلام، فرفضت. ولكن الرواية عادت إلى ذهنى رواية ­باب الشمس­ لإلياس الخورى فأعدت قراءتها على الفور واتصلت ببالزان وقلت له إننى موافق على المشروع شرط أن يكون عن رواية \"باب الشمس\" وأن يوافق إلياس الخورى على تحويلها وان يشارك فى كتابة السيناريو\". وبعد أسبوعين، تقابلنا، هامبير وشوفالييه وكليمان وأنا، فى مؤتمر فى بيروت. عرضت عليهم المشروع وأوضحت أننى لن أعمل فيلماً عن السلام إذا كان هذا ما يفكرون فيه. كنت عدائياً بعض الشيء فنظر الى أحدهم قائلاً: \"نريدك أن تصنع فيلماً جيداً، سوى ذلك إفعل ما تريده.\" من تلك اللحظة، أصبحت لدى السيطرة الكاملة على المشروع من السيناريو وحتى إختيار كل تفصيل. بدأ العمل مع إلياس ومحمد سويد فى أيار مايو2001 لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثمة ثلاثة أشهر أخرى إلى أن إنتهى السيناريو فى تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه. المشكلة الأولى التى واجهتنا هى إستحالة التعاون مع ممثلين فلسطينيين لعدم قدرتهم على دخول سوريا ولبنان والأردن. عندها، توجهت أنظارى إلى الأردن والممثلين الفلسطينيين المقيمين فى الخارج. هيام عباس كانت مشاركتها محسومة فى دور \"أم يونس\" وكذلك نادرة عمران كانت من أوائل الممثلين الذين وقع الإختيار عليهم ولعبت دور \"أم حسن\". المشكلة الثانية كانت العثور على \"يونس\" لأننى منذ قرأت الرواية لم أفهم لماذا هو بطل. وبالنسبة إلي، لم تكن صورة البطل المقدام المغامر بأكتافه العريضة هى المطلوبة، لأنه عندها كان سيطغى على الشخصيات الأخرى وسيشعر المتفرج بأنه أمام فيلم نضالي. شيئاً فشيئاً بدأ طاقم الممثلين يكتمل. بدأنا التصوير فى أيلول سبتمبر 2002 وحتى كانون الثانى يناير2003 إنتهى الجزء الاول. وعدنا فى أيار مايو2003 لنصور الجزء الثانى وحتى تموز يوليو منه\"...

وفاة هامبير بالزان تعد بحق خسارة كبرى للمشهد المرئى السينمائى بالحوض المتوسطى عامة والعربى خاصة فهو الذى حوّل بإنتاجه للسينما العربية إهتمام الجناح الشمالى للكرة الأرضية أوروبا إلى الجانب الآخر المضيء لبلدان الجنوب فى إنتصار حضارى للعرب كأدب مشهدى وكتابة سينماتوغرافية وأخرى أدائية تمثيلية خالصة العروبة دليلنا الجائزة المتحصل عليها فيلم\"يد إلهية\" للفلسطينى إيليا سليمان ذات مهرجان \"كان\" والذى كان بالزان أحد مؤثثى الفيلم المتوّج.

موقع "العرب أنلاين"

17 فبراير 2005

 

أومبير بلزان الارستقراطي الجميل الذي راهن على السينما العربية

باريس - بيار أبي صعب 

أهل الفنّ السابع المجتمعون في «مهرجان برلين» لم يصدّقوا الخبـر الذي وقـع عـليـهم كالصاعقة يوم الخميس الماضي. قبل سنتين تحديداً، في برلين، وخلال المهرجان نفسه، ظهر المنتج الفرنسي أومبير بلزان بطلّته التراجيدية، وقف منكسراً على المسرح، تكلّم بصـوت متـهـدّج يرثي زميله وصديقه المنتج الفرنسي توسكان دو بلانتييه الذي كان وصل للتوّ، من باريس، نبأ موته منتحراً. وها هو السيناريو السوداوي نفسه يتكرّر من جديد أمام الوجوه المشدوهة والنظرات التي سمّرها الذهول، ويكون بطله هذه المرّة... أومبير بلزان نفسه!  

وفي الحقيقة، كان يصعب على المرء أن يتوقّع لهذا المنتج الذي يغرّد خارج سربه على امتداد السينما الأوروبية، تلك النهاية المفجعة. من عرف بلزان، أو التقاه في شكل عابر خلال احدى المناسبات التي تقترن بالسينما العربية، أو حتّى لمحه من بعيد خلال احدى زياراته إلى القاهرة أو بيروت، بقامته الفارعة، وملامحه القريبة إلى القلب، وطلّته الارستقراطيّة الأنيقة المحاطة بهالة النجوم، لا يمكنه أن يتصوّر الدقائق الأخيرة في حياة الرجل: ترى أي أرواح شريرة رافقته صباح ذلك اليوم القاتم من شباط (فبراير) وهو يدخل مكتبه في قلب باريس، حيث يدير شركة «اونيون بيكتشرز» للانتاج؟ بماذا كان يفكّر حين أغلق الباب بهدوء، ونصب المشنقة التي انتزعت أنفاسه الأخيرة؟

يمضي هذا الفارس المغامر، بعد أن صفق خلفه الباب، حاملاً معه أسراره. لكنّه يترك لنا تاريخاً فنيّاً مثيراً وحافلاً، ومسيرة سينمائيّة صاخبة اعتاد خلالها ركوب الصعاب، وارتياد الطرق الوعرة، وخوض المغامرات غير المضمونة النتائج. يقف بلزان الذي عمل أيضاً ممثلاً في ادارة روبير بروسون، وجاك ريفيت، وجيمس إيفوري، وفولكر شلوندورف، وراء بعض الأفلام الفرنسية اللافتة من جان لوي ترينتينيان إلى كلير دوني... لكنّه سيبقى في ذاكرتنا بصفته الشخص الذي راهن على السينما العربية، حتّى صار أبرز منتجيها المستقلّين، والتصقت به صورة صديق المخرجين العرب الذين يغرّدون خارج السرب. هكذا كان له الدور الأوّل في ظهور بعض أبرز الاعمال التي شهدتها شاشاتنا خلال العقدين الأخيرين، من يوسف شاهين إلى يسري نصر الله، ومن مارون بغدادي إلى رنده الشهّال وإيليا سليمان.

مسيرة هومبار بلزان تكاد تقوم على مبدأ الشراكة والوفاء، وغالباً ما كانت شخصيّة المخرج الذي يجلس أمامه هي العامل الحاسم في اختياراته، قبل السيناريو الذي يحمله هذا المخرج. في العام 5891 أنتج فيلم يوسف شاهين «وداعاً بونابارت»، وبقي، منذ ذلك الحين، حاضراً في جلّ أعمال صاحب «الأرض» و«العصفور». نذكر على سبيل المثال: «اليوم السادس»، «المصير»... وصولاً الى آخر أفلام شاهين «اسكندرية... نيويورك».

ولعلّ علاقة بلزان بالسينما العربيّة بدأت بصداقته بالسينمائي اللبناني الراحل مارون بغدادي الذي أنتج أوّل أفلامه الروائيّة «بيروت يا بيروت» (5791). وبقي صديق بغدادي، وشريك أبرز أفلامه، حتّى رحيل صاحب «الرجل المحجّب»... في بيروت كما في القاهرة، كان له اصدقاؤه وعاداته وأماكنه الأثيرة... وكان يطلق عليه أصدقاؤه في بيروت خلال الحرب لقب «أبو اللولو».

ولولا بلزان لما أبصر النور، ربّما، فيلم إيليا سليمان «يد إلهيّة» الذي حقق نجاحاً عالمياً... كما شارك في انتاج فيلم رنده الشهّال «طيّارة من ورق»، وأخيراً ملحمة يسري نصر الله عن رواية إلياس خوري «باب الشمس». وكان حتّى لحظة رحيله، مشغولاً بمشاريع عدّة، لعلّ أبرزها - على الصعيد العربي - الفيلم الجديد الذي يعمل عليه المخرج الفلسطيني إيليا سليمان. لكنّ طموحه وحماسته قاداه ربّما إلى مآزق ماليّة، ومصاعب كثيرة... حتّى أن معارك قانونيّة وخلافات عدّة فرّقته خلال الأشهر الأخيرة عن بعض اصدقائه من السينمائيين العرب... ولا شكّ في أنه، بانسحابه العنيف من دائرة الضوء، يوجّه رسالة اعتذار صارخة إلى كلّ الذين أحبّهم، ويترك عدداً من المخرجين في حالة يتم وضياع، ولعلّه يطوي صفحة استثنائيّة في تاريخ السينما العربيّة.

الحياة اللبنانية في 13 فبراير 2005

لم يكن رحيل المنتج الفرنسي آمبير بلزان متوقّعاً بهذا الشكل، وفي هذه اللحظة، أقلّه بالنسبة إلى سينمائيين عديدين عملوا معه أو التقوه في مناسبة ما. لعلّ الذين عرفوه عن كثب شعروا أن هناك شيئاً ما في الأفق يُنذر بحادثة مؤسفة، أو لعلّهم وجدوا في تصرّفاته الأخيرة ما أثار خوفاً أو قلقاً. لكن الخبر بحدّ ذاته صادم ومزعج: فالرجل، الذي أنتج أفلاماً سينمائية عربية وأجنبية عدّة منذ سنين طويلة، انتحر شنقاً في مكتبه في <<أونيون بيكتشرز>> في باريس بعد ظهر أمس الأول الخميس، مخلّفاً وراءه التباس الأسباب والنيّة، وتاركاً في تاريخ السينما عناوين متنوّعة شكّل بعضها تحوّلاً و/أو تطوّراً ما في مسار النتاج السينمائي العربي، كأفلام المصريّين يوسف شاهين ويسري نصر الله والفلسطيني إيليا سليمان واللبناني مارون بغدادي الذي <<لعب دوراً مهماً في تعرّف بلزان الى العالم العربي>> كما قال أحد النقّاد، في حين أن نقّاداً آخرين يعتبرون يوسف شاهين المدخل السينمائي لبلزان إلى السينما العربية، علماً بأن بلزان نفسه، في حوار أجرته <<السفير>> معه قبل ثلاثة أعوام بمناسبة مشاركته في <<أيام آرتي في لبنان>> (18/21 تشرين الثاني 2002)، نُشر بتاريخ 28 تشرين الثاني 2002، أشار إلى معرفته بالسينما العربية بفضل بغدادي.

لم يكن آمبير بلزان منتجاً فرنسياً لأفلام عربية أخرجها سينمائيون من فلسطين ولبنان ومصر والمغرب، بقدر ما ساهم في <<ولادة>> مخرجين أجانب، أفسح لهم مجالاً للتعبير الدرامي، تماماً كما منحه روبير بروسّون فرصة مهمّة أتاحت له الدخول إلى عالم الفن السابع بجعله ممثلاً ومساعداً في الإخراج. ذلك أن إحدى الصفات الأساسية التي تحلّى بها بلزان وردت على لسان صديقه الناقد سيرج توبيانا (مدير <<المكتبة السينمائية الوطنية>>): إنه موهوب في <<إنتاج أشياء حُكم عليها باستحالة إنتاجها>>. ما يؤكّد هذا القول أيضاً أن سينمائيين عرباً لا يزالون مدينين له بإنجازهم أفلاماً لم يكن سهلاً عليهم إنتاجها من دونه. لا يعني هذا أن بلزان هو المنتج الغربي الوحيد الذي منحهم فرصة الخروج من العزلة العربية الضيّقة، فلولا قدرتهم على تحقيق الجيّد والجميل، لما خاض بلزان مغامرة إنتاج الفيلم العربي الحديث. مع هذا، فإن أفلاماً عربية عدّة أنتجها بلزان لم تكن ذات سوية إبداعية وجمالية مهمّة، كما هي حال معظم المنتجين الذين يتحمّسون لإنتاج مشروع سينمائي وهو لا يزال مكتوباً على الورق، لكنهم <<يستاؤون>> (ربما) من كيفية تحويله إلى فيلم سينمائي. ولعلّ ما ميّز آمبير بلزان عن غيره، كامن في أنه وجد في العالم العربي أناساً مشحونين بالسينما ومتحمّسين للعمل البصري، فإذا به لا يتردّد عن دعم مشاريع عدّة لمخرجين أصدقاء، دافع عنهم وعنها إلى اللحظة الأخيرة لتحقيقها، من دون أن يسأل عن مدى جودتها وقيمها الفنية والدرامية. ولعلّ المثل الأخير عن ذلك ما تسنّت لي مشاهدته مؤخّراً، عنيت به <<الرحلة الكبرى>>، الفيلم الروائي الطويل الأول للمغربي إسماعيل فرّوخي الذي لم يكن ذا سوية إبداعية وجمالية مهمّة، بل مجرّد رحلة سياحية في الجغرافيا العربية والدين الإسلامي من دون أي عمق درامي أو لغة سينمائية تُبهر العين وتأخذ المُشاهد إلى المعنى الأجمل للسينما.

لماذا انتحر؟

في حواره مع <<السفير>>، حدّد بلزان آلية عمله الإنتاجي بقوله إن تدخّله بالمشاريع <<يتمّ بشكل خفيف جدا>>، مضيفاً أنه <<لا يعني بهذا أني أتخلّى عن مهنتي ومسؤوليتي كمنتج، وأترك كل شيء. ما أحاول فعله هو أن أحمي المخرج وأذهب معه إلى أقصى حدّ يريده. هناك منتجون يتدخّلون كثيراً. أنا لا أفعل هذا، إذ إن مهمّتي تكمن في دفع السينمائي إلى أن يفعل ما يريد. التفاصيل الأخرى كثيرة: من الكتابة إلى التوليف مروراً بالمونتاج والعمليات الفنية وغيرها. هناك نقاش. لكن المهم أن تتلاءم النتيجة النهائية مع المشروع نفسه، أي مع المخرج ورغباته. ذلك أن علاقة المخرج بالفيلم هي الأهم>>.

الخامسة بعد ظهر أمس الأول، انتحر آمبير بلزان شنقاً. وبعد وقت قصير، تردّد خبر رحيله في الأوساط الفنية والثقافية العالمية، مروراً ببرلين التي شهدت، في اليوم نفسه، افتتاح الدورة الخامسة والخمسين لمهرجانها السينمائي الدولي، مما دفع بالصحافية الفرنسية آنج دومينيك بوزي إلى استعادة حادثة سابقة عكست ما يُمكن وصفه ب<<الصدفة الغريبة>>، في مقالة لها نشرتها في <<ليبراسيون>> يوم أمس الجمعة: فمنذ عامين، اعتلى الراحل بلزان منبر الصالة الكبرى في برلين أيضاً في افتتاح الدورة الثالثة والخمسين، كي يرثي صديقه دانيال توسكان دو بلانتييه الذي توفي في صباح اليوم نفسه. لكن، أمس الأول الخميس، بدا أن أحداً لا يملك الجرأة على <<إعلان>> الخبر أو <<رثاء>> الرجل، الذي بدأ حياته ممثلاً في أفلام فرنسية، في <<لانسلوت البُحَيرة>> لروبير بروسون في العام 1974، وهو المخرج الذي عمل معه مساعداً في إخراج <<الشيطان ربما>> في العام 1977، قبل أن يجد في الإنتاج طريقه الخاصّة بالعمل السينمائي فأنتج للسينما، بدءاً من العام التالي وعلى امتداد نحو ثلاثين عاماً، عدداً لا بأس به من الأفلام. وعلى الرغم من إنتاجه الفرنسي والأوروبي، إلاّ أنه ارتبط بالعالم العربي بدءاً من منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، حين أنتج <<وداعاً بونابرت>> (1984) ليوسف شاهين، فتأسّست علاقة عمل بينهما تحوّلت إلى صداقة استمرّت لغاية رحيله. سينمائياً، أنتج بلزان لشاهين، بعد <<بونابرت>>، سبعة أفلام لم تكن كلّها من الأفلام الجيّدة والمهمّة لصاحب <<باب الحديد>> و<<الأرض>>: <<اليوم السادس>> (1986) و<<إسكندرية كمان وكمان>> (1990) و<<المهاجر>> (1994) و<<المصير>> (1997) و<<الآخر>> (1999) و<<سكوت.. حنصوّر>> (2001) و<<إسكندريه.. نيويورك>> (2004). ومن خلال شاهين، تعرّف بلزان إلى يسري نصر الله (الذي شارك في كتابة سيناريو <<وداعاً بونابرت>>، وعمل مساعد مخرج في الفيلم نفسه)، فأنتج له <<مرسيدس>> (1993) و<<صبيان وبنات>> (1995) و<<المدينة>> (2000) و<<باب الشمس>> (2004). يُذكر، هنا، أن معظم هذه الأفلام عُرضت في مهرجانات سينمائية دولية، أبرزها <<كان>> و<<البندقية>> و<<لوكارنو>>، ومنها عناوين نالت جوائز مختلفة. وإذا طرحت أفلام شاهين التي أنتجها بلزان سؤال التراجع الإبداعي للمخرج المصري، إلاّ أن أفلام نصر الله للمنتج نفسه ساهمت في طرح سؤال الفرد والجماعة، ولعبت دوراً في إعادة صوغ المشهد الإنساني العربي في لحظات تاريخية صعبة.

من التمثيل إلى الإخراج (له فيلم/بورتريه عن ناديه بولانجي) فالإنتاج، اختبر بلزان أنواعاً عدّة من العمل السينمائي، وأساليب مختلفة (إن لم تكن متناقضة) في الفكر والجماليات والإخراج وارتباط السينما بالمجتمع والناس. بدا وكأنه لا يأبه بالمغامرة. خاض العديد منها، وأدرك أن السينما بحدّ ذاتها مغامرة تدفع المرء أحياناً، إذا أبدى حماسة لها أو حبّاً بها، إلى تخوم الوجع والألم والقلق. لذا، يبقى السؤال مُعلّقاً: لماذا انتحر آمبير بلزان، وفي جعبته مشاريع سينمائية يُفترض به أن يُنجزها ومخرجيها في خلال العامين المقبلين، ك<<الدخيل>> لكلير دوني و<<أعمال>> لبريجيت روان و<<ماندرلاي>> للارس فون تراير و<<سيحدث يوماً ما>> لساندرين فايسّي (أنتج لها سابقا <<هل سيهطل الثلج في عيد الميلاد>> في العام 1996، وهو الفيلم الذي عُرض في <<أسبوع المخرجين>> في مهرجان <<كان>> في العام 1996، ونال جائزتي <<لوي دولّيك>> في العام نفسه، و<<سيزار>> أفضل فيلم في العام نفسه) و<<رجل لندن>> لبيلاّ تار؟ لا أحد قادرا على فهم ما جرى. فالذهاب إلى الموت انتحاراً، بأي شكل من الأشكال، سرٌّ لا يُدركه إلاّ صاحبه. لعلّ الأزمات المالية المتكاثرة في الأعوام القليلة الفائتة سببٌ أدّى به إلى الموت انتحاراً، أو لعلّ اكتشافه أن لا معنى لهذه الحياة في زمن مليء بالانكسار والتمزّق مدخلٌ إلى الرحيل عبر هذه الطريق الصعبة.

مشكلة جوهرية

لم يكتف آمبير بلزان (مواليد 21 آب 1954) بالإنتاج. فاهتمامه بالسينما تجاوز المالي والتمويلي إلى شؤون عملية أخرى، كتبوّئه منصب نائب رئيس <<لجنة منح القروض المالية المسبقة>> في <<المركز السينمائي الوطني>>، ثم نائب رئيس <<الأكاديمية الأوروبية للسينما>> بين العامين 2000 و2002، كما تعاون مع المحطة التلفزيونية الثقافية الفرنسية الألمانية <<آرتي>> في الإنتاج، التي ساهمت في إنتاج أفلام لبنانية وعربية عدّة، لم يشارك فيها كلّها. لكن، ما قاله ل>>السفير>> في خلال <<أيام آرتي في لبنان>> بخصوص الإنتاج، مهمّ، على الرغم من أنه لم (وعلى الأرجح <<لن>>) يُترجم إلى واقع ملموس، بسبب غياب السياسة الثقافية اللبنانية السوية. فهو رأى <<أن مسؤولي <<آرتي>> مهتمّون بتطوير هذه العلاقات (الفرنسية اللبنانية) التي تُعتبر قيّمة للغاية، ليس فقط على مستوى تمويل أفلام لبنانية، بل أيضاً على مستوى عرضها على شاشة المحطّة>>. أضاف أن <<هذه الاستفادة اللبنانية المزدوجة لا تلغي وجود مشكلة جوهرية: غياب سياسة إنتاجية لبنانية واضحة. يجب أن يكون هناك نظام تمويلي خاص بلبنان لإنتاج أفلام لبنانية بمال لبناني. لا يعني هذا تغييب الإنتاج المشترك مع فرنسا، بل مفاده أن على الدولة اللبنانية أن تضع أسساً واضحة لإيجاد شبكة لبنانية للإنتاج والتوزيع، كأن تؤسّس صندوقاً للدعم يُسهّل للمخرجين اللبنانيين الحصول على إنتاج مشترك، من خلال التعاون مع الأجانب>>.

السفير اللبنانية في 12 فبراير 2005