بين "أقرب" مايك نيكولز و"ليلا" زياد دويري تشريع الخيال الجنسي للشخصيات على العالم الواقعي ريما المسمار |
الجنس والحرب يجتمعان في مهرجان برلين برلين 9-2 (اف ب)- يشارك عدد من كبار نجوم السينما العالمية مثل الاميركيين كيانو ريفز وغلين كلوس او الفرنسيين جيرار دوبارديو وكاترين دونوف في الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي الدولي الذي يتنافس فيه 21 فيلما علي الفوز بالدب الذهبي او الفضي. الا ان المسابقة الرسمية ليست كل ما في المهرجان الذي سيقدم من العاشر وحتي العشرين من الشهر الحالي 350 فيلما ضمن اقسامه الستة وهي: المسابقة الرسمية وبانوراما والمنتدي الدولي للسينما الجديدة وافلام الاطفال وافاق السينما الالمانية والافلام الاستعادية. ويقول مدير مهرجان "برليناد" ديتر كوسليك مازحا "سيكون هناك كرة قدم وجنس وسياسة" مشيرا الي تنوع الموضوعات المقدمة. ويتحدث عدد كبير من الافلام الطويلة عن العلاقة الجنسية ولا سيما فيلم وثائقي عن ردود الفعل علي فيلم "ديب ثروت" (الحلق العميق) الذي اخرج عام 1972 والذي يعتبر اول فيلم اباحي حقيقي للاغراض التجارية. وخارج المسابقة سيعرض فيلم "كينسي" للمخرج بيل كوندون وهو انتاج الماني اميركي مشترك عن حياة عالم الجنس الاميركي الشهير الفرد كينسي. وفي الجانب السياسي سيكون هناك تركيز علي افريقيا مع "هوتيل رواندا" (فندق رواندا) للمخرج الايرلندي الشمالي تيري جورج. وهذا الفيلم مستوحي من قصة صاحب فندق في كيغالي انقذ المئات من التوتسي خلال جرائم الابادة التي شهدتها رواندا عام 1994 او "سامتايمز اين ابريل" (احيانا في ابريل) للمخرج الهايتي راوول بيك عن الابادة الرواندية ايضا. كما سيلقي الضوء علي الحروب الافريقية من خلال الفيلم الوثائقي "لوست تشيلدرن" (الطفل الضائع) الذي يتناول مصير اطفال اختطفتهم مجموعات مسلحة في اوغندا والسودان. اما هواة كرة القدم فانهم سيستمتعون بفيلم "وان داي اين يوروب" (يوم في اوروبا) للمخرج الالماني هانيس شتور الذي يروي في عدة اجزاء ما تعرض له مشجعو هذه اللعبة في روسيا وتركيا والمانيا واسبانيا من سرقات خلال مشاهدة مباراة نهائية في دوري ابطال اوروبا، اهم بطولة اوروبية لكرة القدم. ومن الافلام ال21 المتنافسه علي الدبين الذهبي والفضي هناك 16 فيلما تعرض للمرة الاولي عالميا بمناسبة مهرجان برلين الذي يعتبر واحدا من اهم المهرجانات العالمية الي جانب كان وفينيسيا "لا موسترا". وتحتل فرنسا مكانة مميزة في هذا المهرجان مع خمسة الافلام علي الاقل في المسابقة الرسمية هي "ليه تان كي شانج" (الزمن الذي يتغير) للمخرج اندريه تشينيه مع جيرار دوبارديو وكاترين دونوف و"مان تو مان" (رجل لرجل) لريجي وارنييه. اما الافلام الثلاثة الاخري فهي "لو برومينور دي شان دو مارس" (المتنزه في الشان دي مارس) لروبير غيديجيان مع ميشال بوكيه في دور الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران و"ليه مو بلو" (الكلمات الزرقاء) اخراج الان كورنو و"دو باتر مون كور سيت اريتيه" (قلبي توقف عن الدق) لجاك اوديار. وتشارك الولايات المتحدة في المسابقة باربعة افلام هي "ذي لايف اكواتيك" (الحياة المائية) اخراج فيس اندرسون و"سامتايمز اين ابريل" (احيانا في ابريل) لراوول بيك و"ثامبساكير" (الذي يمص اصبعه) لمايك مايلز و"اين غود كومباني" (في صحبة جيدة) لبول فايتز. وبعدهما تاتي المانيا مع ثلاثة افلام هي "اشباح" لكريستيان بيتسولد و"صوفي شول- الايام الاخيرة" لمارك روزمو و"يوم في اوروبا" لهانيس شتور. كما تعرض اسيا ثلاثة افلام هي "الطاووس" للمخرج الصيني جو شانغوي و"الغيمة الجامحة" للمخرج تساي مينغ-ليناغ (تايواني-صيني-فرنسي) و"السكين المخبأة" ليوجي يامادا (اليابان). وتعرض بريطانيا "اسايلوم" (اللجوء) لديفيد ماكينزي وايطاليا "بروفينشا ميكانيكا" (منطقة صناعية) لستيفانو مورديني وروسيا "شمس" لالكسندر سوكوروف. واخيرا تتمثل القارة الافريقية في المسابقة بالفيلم الجنوب افريقي "كارمن اين كايليتشا" لمارك دورنفورد ماي. موقع "ألف ياء" 11 فبراير 2005
|
في السينما، يجوز ان تتقاطع الافلام من دون ان يلحق بأحدها وصف النقل او التقليد. إذ يقف خلف ذلك البناء الفيلمي، شديد الوعي احياناً، بشر تواقون الى سرد جزئيات من احاسيسهم. وحيث ان الشخصيات، النماذج الانسانية، هي في معظم الاحيان الاساس لذاك البناء، يحدث الشبه بسهولة كبرى بين عوالم قوامها الانسان. نقول ذلك واعين تماماً لفرادة بعضهم السينمائية التي يصعب التقاطع معها من دون تكرارها. انما، هناك، في العمق، على مستوى البوح والتعري، يلتقي كثيرون في السينما كما في الحياة. اذا كانت الأخيرة صيرورة غير متوقعة، فإن نقلها الى السينما يتحول اشبه بلعبة من حيث التحديد المسبق لقوانينها والامساك بمفاتيحها. غني عن القول ان ما يتحرك على الشاشة ليست حياة بل شيء يشبهها الى درجة محيرة. عند "لعبة" يلتقي الفيلمان "أقرب" Closer و"هكذا تحدثت ليلا" Lila Dit Ca المعروضان في الصالات المحلية وينجحان بتفاوت في المضي بها بقدر ابتعاد كل منهما او اقترابه من وطأة الواقعية. فانتازيا وواقعية يقوم كلا الفيلمان على افتراض حالة خاصة او سرية عالماً سينمائياً متكاملاً. والفرضية هنا تقوم على تشريع الخيال الجنسي للشخصيات على العالم الواقعي او لنقل الخارجي. كلاهما يتصور عالماً، تبوح شخوصه بخيالها الجنسي وأحلامها وافكارها باليسر الذي تعبر به عن رغباتها في اقتناء الثياب او الذهاب في نزهة. ولكن الفارق الاساسي بين الفيلمين يتبدى من خلال صلة كل منهما بالواقع. فبينما يغلق مايك نيكولز عالم Closer على شخصياته الاربع"دان" (جود لو)، "اليس" (ناتالي بورتمن)، "آنا" (جوليا روبرتس) و"لاري" (كلايف اوين) حاصراً الأحداث والحوارات بين اشخاص تحركهم رغبته هو، اي المخرج، في رسمهم على تلك الصورة من البوح الجنسي، يقدم زياد دويري في Lila شخصية المراهقة "ليلا" (فاهينا جيوكونت) ذات الخيال الجنسي المتفتح ليختبر تأثيرها في العالم من حولها، ذلك العالم المنغلق على رغباته وأحاسيسه بعكس "ليلا" تماماً. لعبة نيكولز فنية بامتياز، لا تتوخى الاسقاطات الانسانية والاجتماعية وان كانت غير قادرة على منع تشكلها في ذهن المتفرج بينما لعبة دويري تصب اكثر في الرصد الاجتماعي لحالة خاصة، شاذة اذا جاز التعبير عن المجتمع. يفسر ذلك بعض اختياراته: فتاة فرنسية وشاب عربي "شيمو" (محمد خواص) في بيئة مهاجرين وكلام على الجنس والعلاقات يتقاطع مع الخلفيات الاجتماعية والثقافية للشخصيات... كل ذلك من قبيل البحث عن جذور للقصة في الواقع.. لا يهتم نيكولز لخلفيات شخصياته. صحيح انه يحدد المكان بالعاصمة الانكليزية ولكنه ليس أكثر من وحدة مكانية، تبعد عن الحكاية شبح التجريد لاسيما ان العمل مكتوب بالاصل للمسرح. كل ما نعرفه عن شخصيات Closer مرتبط بالواهن، راهن الفيلم. كأنها وُجدت مع انطلاق المشهد الاول وستختفي مع اسدال الستار على المشهد الأخير. تتحرك في عالم مليء بالبشر ولكنها لا تتواصل الا مع بعضها البعض. اعالم من حولها ديكور خلفي والبشر كومبارس، بأدوار من دون كلام. لعله البناء المسرحي الذي آثر نيكولز وكاتب المسرحية والسيناريو معه باتريك ماربر الابقاء عليه كشكل بصري معبر عن طبيعة العلاقات بين الشخصيات. في لعبته البصرية، يميل Lila الى الاقتباس من ايقاع الحياة في محيط الأحداث. لا تفعل الشخصيات الكثير. تتسكع في الشارع او تذهب لشراء الحاجيات فتتقاطع حيواتها بلقاءات طبيعية غير مخطط لها، او هكذا يريدها المخرج ان تبدو في محاكاة الطبيعية. كل يمشي على سكته. يريد نيكولز لعالمه ان يحاذي الواقع، واقع الشخصيات نفسها. بينما يذهب دويري الى صدامية بين العالمين. يبدو الاول اكثر ميلاً الى فهم الجنس كحالة ضرورية انما منفصلة عن الواقع وان كانت شديدة التأثير فيه. اما الثاني، فيزج به في اليومي بما ينتهي به الى "تنازلات". كأن المخرج في كلا الفيلمين يتماهى مع شخصياته، او الأحرى يدفعها الى مصيرها المحتوم. في اختياره الاولي مواجهة المجتمع بجرأة "ليلا"، ينتهي الفيلم الى نوع من التنازل في وجه المنظومة الاجتماعية يُترجم في مصير الفتاة. بخلافه، لا يبدو Closer في مواجهة مماثلة خلا تلك بين شخصياته. في المحصلة، ينتهي Lila الى حكم أخلاقي لا مفر منه، بينما يخلص Closer الى نظرة اشمل الى العلاقات مجردة من التأثيرات الاجتماعية. جنس وحب في كلا الفيلمين، لعبة كلامية لا تنتهي. الشخصيات تعبر من خلال الكلام، الجنس يقتصر على الكلام والحب ايضاً يُراد له ان يشتعل بالكلام. ينتهي Lila من حيث يبدأ Closer، بالاحاسيس. يبدأ Lila بكلام صدامي وينتهي الى اقدار مدجنة. يبدأ Closer بافتتان بصري بين اثنين ويتطور الى بوح جنسي جريء فعلاقات مبتورة. اين هو الحب في كل ذلك؟ بينما يحرص الاول على الربط بين خيال "ليلا" الجنسي ودعوتها "شيمو" الى الحب، يقفل Closer على تشكيك بوجود شيء يُسمى حب. بهذا المعنى، لكل من الفيلمين خطه التصاعدي العكسي. يتصاعد Lila من "اتريد ان تراني عارية؟" في اتجاه سؤالها: "الا تستطيع ان ترى انني احبك؟" ("ليلا" لـ"تشيمو" في بداية الفيلم ونهايته تباعاً). بينما يتخذ Closer الخط المعاكس ذاهباً من "لا استطيع رفع عيني عنك" ("دان" لـ"أليس" في افتتاحية الفيلم) الى "ألم تفهم ان قصتنا انتهت؟" ("أليس" لـ"دان" في ختامه). في الاول، يشعل كلام "ليلا" عن الجنس ورواياتها حب "تشيمو". اما في الثاني، فيقود افتتان الشخصيات بالبوح الجنسي الى تدمير العلاقات. تنسحب المفارقات على تفاصيل اخرى في الفيلمين. في النهاية، يتضح ان "الكذب" هو وسيلة "ليلا" الى تحريض "تشيمو" على الحب بينما "الصدق" في الاعتراف بالاكاذيب والخيانات يضع حداً لعلاقات الرباعي في Closer. ثمة ميل في فيلم دويري الى التأكيد على فصل "الطهارة" او "النقاوة" عن الفعل الجنسي. بخلافه، لا يبدو نيكولز مشغولاً بالعناوين العريضة، بل انه يتقصد الابقاء على ضبابية المفاهيم المكرسة (الحب، الصدق، الكذب، النزاهة، الاخلاق...). بالعودة الى لعبة الكلام في الفيلمين، تسهل ملاحظة التنميق الذي تمتاز به في Closer. فالشخصيات الاربع تتمتع بقدرة كلامية عالية وبسرعة بديهة لا تُضاهى ومقومات حوارية بصرف النظر عن خلفياتها الثقافية حتى ليبدو احياناً الحوار المسرحي متعدياً وظيفته. "ليلا"، من جهة ثانية، تظهر بوضوح انها ايضاً تؤدي لعبة كلامية وانما بهدف التأثير في الآخر. بين شخصيات الفيلمين، نلمح شبهاً بين "ليلا" و"أليس". تبدو الاخيرة الشخصية "الأخلاقية" الى حد ما الوحيدة في Closer. فهي لا تقدم على علاقة اخرى الا بعد ان يهجرها حبيبها. كلتاهما، "أليس" و"ليلا" تحتفظان بشيء من البراءة والطفولية المناقضتين لافعالهما. ولكن بينما تنطلق الاولى قوية وواثقة وتنتهي الى محاكمة قاسية، تخوض الثانية رحلة معاكسة من الهشاشة الى الامساك بزمام حياتها. في المحصلة، كلتاهما لا تظهر الى العلن حقيقتها. مشهديات يحافظ Closer من المشهد الاول وحتى الأخير على توأمة بين شكله ومضمونه. فيختار مخرجه المضي بالشكل المسرحي ممزوجاً بتقنيات السينما المتاحة لاسيما تداخل الازمنة. من المسرح، يبقي على التقسيم المشهدي الذي يتيح مرور زمن بين مشهد وآخر من دون توضيحات او تبريرات. هكذا يكتفي نيكولز من اجتماعات شخصياته بموقفين اثنين: لقاؤها الاول وفراقها الأخير. بمعنى آخر، لا نشاهد اثنين منهما على الشاشة الا لحظة لقائهما الاول او فراقهما. وغالباً ما يفصل بين الزمنين لقاء جنسي لا نراه، نتخيله او يستعيده المخرج بمقتطفات مختزلة هي الاخرى (كأن نشاهدهما يخلعان ثيابهما ومن ثم يلبسانها). كما لا يدور حوار الا بين اثنين فقط في وقت واحد على الرغم من اجتماع الاربعة في مكان واحد في غير مشهد. كأن في هذا الانفصال الذي يعتمده المخرج تأكيد على اقامة الشخصيات في عالم جنسي لا صلة له بالواقع او بالعلاقات الاخرى. فالحوار لا يدور الا بين اثنين تربطهما علاقة او محاولة اغواء الى علاقة. على صعيد آخر، لا ينتهج دويري اسلوباً فنياً بارزاً في Lila Dit Ca ولا يعتمد شكلاً فنياً ينافس المضمون. انه من انصار السينماالحكاية او الشكلالسرد. برغم ذلك، يميز المشاهد التي تجمع "ليلا" و"تشيمو". فهي ايضاً حواريات تقتصر عليهما فقط وتعتمد اسلوباً كلامياً خاصاً، لا يعتمد على مهارة خاصة بقدر ما يقوم على التناقض بين جرأة "ليلا" واستفزازيتها من جهة وخجل "تشيمو" وانغلاقه عى مشاعره من جهة ثانية. واذا كان من سمة تجمع تلك المشهديات فهي انتهاؤها بتحريض على البوح بالمشاعر، تقوم به "ليلا" بالطبع. خلا تلك المشاهد، يسير الفيلم في اتجاه سردي شبه كلاسيكي، واقول شبه لأن مشاهد "ليلا" و"تشيمو" تكسر شيئاً من حدة السرد الواقعي من خلال الكاميرا المحمولة واللقطات القريبة والمناخ الاقرب الى خيال كل منهما. والتشبيه بين الفيلمين جائز هنا ايضاً من حيث عمل المخرجين على الممثلين وان كان شغل نيكولز يمتلك وقعاً أكبر لأنه في نهاية المطاف يقدم نجوماً في غير هيئاتهم المعتادة (الحضور الابرز لبورتمن واوين من دون شك)، من دون التقليل من شأن اداء ممثلي دويري الذي يوازن بين بوح "ليلا" (جيوكونت) وانطواء "تشيمو" (خواص) كأنما في محاكاة لطبيعة العلاقات نفسها. مخرج وتوقعات على الرغم من انه ليس فيلماً كوميدياً، استطاع Closer ان يثير ضحكات افراد الجمهور القليل الذي كان حاضراً إحدى حفلاته المسائية من ايام عروضه الاولى. ضحكات عصبية ووشوشات عالية، حاول بها الحاضرون إخفاء توترهم الواضح ازاء الفيلم وموضوعه. غالب الظن ان هؤلاء توقعوا مشاهدة فيلم كوميدي رومنسي ومنوا النفس برؤية بعض من نجوم هوليوود: جوليا روبرتس المنشغلة منذ بعض الوقت في شؤون الامومة، ناتالي بورتمن التي ينتظرها كثيرون منذ "حرب النجوم" للخروج من عباءة الطفولة البريئة وجود لو المكتسب سمعة "زير النساء" من فيلمه الاخير "آلفي" Alfie في انتظار اطلاق عروضه المحلية. وهناك ايضاً كلايف اوين الذي حل في مراتب متقدمة خلال العام الفائت على شباك التذاكر بفيلمه "الملك آرثر" King Arthur. خاب سعي المعجبين... ففيلم نيكولز لا علاقة له من قريب او بعيد بأية توقعات جاهزة. يكفي ان نتذكرانه صاحب Who's Afraid of Virginia Woolf (1966)، The Graduate (1967)، Carnal Knowledge (1971)، Angels in America (2003)... لنستنتج على الفور في اية منطقة يمكن ان يقع فيلمه الجديد. فالرجل الذي تخطى السبعين بثلاثة اعوام، يشغله عنوان شبه اوحد في افلامه: العلاقات والانجذاب الجنسي. انها، في نظره، تلخص ماهية الانسان ووجوده. صحيح ان الرجل بدأ حياته كوميدياً، ولكنها كوميديا غير بعيدة ابداً من حوارات فيلمه الاخير الحادة، حيث تتبارى فيها الجمل على المكاشفة والبوح العلني، ليس للمشاعر، وانما لما يتخطاها او الاحرى يحركها من تهويمات وافكار، لم تعتد تخطي عتبة اللاوعي الانساني الى مساحة نقاشية تواصلية. بهذا المعنى، يكسر نيكولز ومعه باتريك ماربر المشارك في كتابة السيناريو وصاحب النص المسرحي الاصلي الذي اقتُبس الفيلم منه، التقليد الاول في هذا النوع من الافلام من خلال عدم ادعائهما إحناء التابوات. فالحوار الوحيد في الفيلم يدور حول الانجذاب الجنسي، اي انه لا ينطلق من ان الأخير "تابو" يجب كسره، بخلاف Lila Dit Ca الذي لا يفلح في التخلص تماماً من إعلان تناوله التابو ومحاولة كسره وما يتخلل ذلك من مواجهة مع المجتمع (فلنتذكر ان دويري آتٍ من خلفية شرقية، مهما بدا متخلصاً منها تفرض عليه ذلك التعاطي الصدامي مع موروثاتها.) وشخصيات الفيلم، اي Closer، الاساسية لعبتها واحدة: الاغواء. في ما يشبه دورة الحياة، يتعاقب الاربعة، "اليس" و"دان" و"آنا" و"لاري" على اغواء بعضهم بعضاً. كل ارتباط بين اثنين منهما تتخلله خيانة وكل انفصال يعني علاقة عابرة بين المنبوذين في العلاقتين. عندما يرتبط "لاري" و"آنا" تخونه الاخيرة مع "دان" المرتبط هو الآخر بعلاقة مع "اليس". وحين ينفصلان، ترتبط "آنا" بـ"دان" ويذهب "لاري" الى اغواء "اليس". كل يستمتع بإغواء الآخر ويستمتع بمعرفة تفاصيل علاقة شريكه بالآخر ليس بنزعة مرضية وانما طلباً لمعرفة اوسع بخبايا لعبة الاغواء. يطل دويري هو الآخر من بين خيوط لعبة التوقعات. من "ويست بيروت"، يتوقع الجمهور ان يطلع عليه مرة ثانية، بحكاية خفيفة محبوكة من حكايات الحب والنضج على خلفية الحرب.. ولكنه هذه المرة يخالف التوقعات وان كان يحتويها بإقصاء فيلمه الى ساحة غير ساحته بجعل المحيط اوروبياً. المستقبل اللبنانية في 11 فبراير 2005 |