شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

حياة كبار القرن العشرين تواصل غزوها الفن السابع وتصل الى العاصمة الألمانية

برلين - ابراهيم العريس

 

 

 

لفلسطين فيلم اوروبي... وللبنان اسئلة صبرا وشاتيلا

ابراهيم العريس

ليست كثيفة المشاركة العربية في مهرجان «برلين» السينمائي الدولي لهذا العام. وفي الأحوال كلها يمكن القول ان «برلين» على عكس «كان» الفرنسي لم يكن دائماً واسع الاهتمام بالسينمات العربية، من دون ان يفوته في دورات سابقة ان يقدم فيلماً عربياً كبيراً من هنا، أو آخر من هناك. وفي المقابل كان الاهتمام بسينمات شرقية اخرى في «برلين» ملحوظاً اكثر.

هذا العام، اذاً، لن يشهد ازدحاماً عربياً، حتى وإن كان بعض الأفلام القصيرة العربية، وجد طريقه الى تظاهرة او تظاهرتين ثانويتين، وحتى وإن كان بعض الجمهور الألماني سيخلط كعادته، بين ايران والعرب، او بين تركيا والعرب، فيتفرج على افلام - قليلة بدورها - تركية او ايرانية معتبراً اياها انعكاساً لحال السينمات العربية. هذه السينمات، ممثلة على اي حال بفيلمين من المؤكد ان كلاً منهما على طريقته، قادر على إثارة السجال، السياسي والتاريخي، إن لم يكن السجال الفني والإبداعي. والأهم من هذا ان واحداً من هذين الفيلمين، داخل في التظاهرة الرسمية الأساسية: المسابقة الرسمية، ما يعني إقبالاً مؤكداً عليه، وإخراجاً له، لمن احب، من دائرة المضمون ذي الموضوع الشائك، الى دائرة العمل الفني الجدير بالمقارنة، او الفوز على تحف اخرى معروضة في المسابقة الرسمية نفسها. اما الفيلم الثاني، المعروض ضمن احدى التظاهرات الموازية، فإنه بدوره يبدو مثيراً لنقاش حاد، طالما انه، هو الآخر، يتناول قضية شائكة: قضية الفيلم الأول فلسطينية، وقضية الفيلم الثاني لبنانية/ فلسطينية، ولنا ان نتخيل حجم الاهتمام الذي يمكن ان يسبغ على الفيلمين، انطلاقاً من وجود لبنان وفلسطين ومنذ زمن طويل، على خريطة اهتمامات الرأي العام العالمي، الذي لا يبعد عنه الجمهور السينمائي الغربي كثيراً.

الفيلم الأول عنوانه «الجنة... الآن» وهو من اخراج الفلسطيني، المقيم في هولندا، هاني ابو اسعد، الذي كان انتج بعض افلام رشيد مشهراوي وغيره من المخرجين الفلسطينيين قبل ان يبرز خلال السنوات الأخيرة من خلال اول فيلم اخرجه بنفسه، عن قصة لليانا بدر، بعنوان «عرس رنا». وهو فيلم عرض للمرة الأولى في دورة «كان» قبل الماضية، وأثار إعجاباً وضجة كبيرين، بل اعتبره كثر واحداً من اجمل الأفلام الفلسطينية التي حققت في الآونة الأخيرة، بل واحداً من اكثر الأفلام الفلسطينية انسانية، إذ تناول «القضية» من خلال حكاية حب وزواج اضطراري، تدور في يوم واحد، ويكون الحاجز العسكري الإسرائيلي واحداً من العقبات الأساسية التي تقف في وجهها. حينما عرض الفيلم في «كان» وغيرها لاحقاً، عومل كعمل متقدم سياسياً، لكنه عومل ايضاً بصفته عملاً فنياً متميزاً، ما جعل صاحبه يحسب في خانة المخرجين الفلسطينيين المتقدمين، وجعل الفيلم يعتبر مؤشراً على نضوج اضافي في السينما الفلسطينية. من المؤسف ان هذا الاعتبار الأخير قد لا يضفى على ثاني افلام ابو اسعد «الجنة... الآن» اذ انه، حتى ولو فاز بجائزة، فإنه لن يحمل اسم فلسطين، بل «ألمانيا - هولندا - فرنسا» وهي الدول التي ساهمت في انتاجه، ويقدم في «برلين» باسمها. ومع هذا فإن موضوع الفيلم فلسطيني خالص، وشائك بقدر ما هي شائكة كل مسألة تتعلق بفلسطين: موضوعه الأساس شابان سيقومان بعملية انتحارية ضد الإسرائيليين، وهما، طوال زمن عرض الفيلم يمضيان آخر يوم لهما عارفين بأن الموت ينتظرهما غداً، او الاعتقال في احسن الأحوال. الفيلم إذاً يتابع هذا اليوم الأخير من حياة انتحاريين يؤمنان بأنهما سيكونان في الجنة «بفضل جهادهما» منذ غد. طبعاً، سنعود الى الحديث المفصل عن «الجنة... الآن» بعد عرضه، إذ حتى الآن لم يشاهد كثر هذا الفيلم الذي سيعرض للمرة الأولى، بعد غد الأحد. ولكن منذ الآن يمكن المراهنة على ان الحياة اليومية لخالد وسعيد، التي يعيشانها طوال زمن الفيلم، قبل توجههما الى تل ابيب للقيام بعمليتهما الانتحارية، ستكون مثيرة، وخصوصاً ان الشابين، إذ يسمح لهما بإمضاء الليل معاً، ومع عائلتيهما، سيكون عليهما إحاطة كل ما هما مقدمان عليه بالتكتم الشديد... ثم خصوصاً ان الخطة لن تسير كما كان مرجواً لها...

فلسطين حاضرة ايضاً في فيلم «مجازر» (او «مقاتل» كما تفضل الجهة اللبنانية تسميته) الذي يقدم هذه المرة باسم لبنان شراكة مع ألمانيا وسويسرا، ضمن تظاهرة «بانوراما السينما الوثائقية»، وسيبدأ عرضه الأول يوم غد السبت. و«مجازر» الذي حققه اللبناني لقمان سليم مع مونيكا برغمان وهرمان تيسين، يتابع على مدى اكثر من ساعة ونصف الساعة وقائع مجزرة صبرا وشاتيلا (من 16 الى 18 ايلول/ سبتمبر 1982). نعرف ان هذه المجازر قدمت، بأشكال متنوعة، في الكثير من الأفلام قبل الآن. ولكن يمكننا ان نفترض، ان هذا الفيلم الجديد، سيكون شاملاً وسيطرح الكثير من الأسئلة، ومعظمها اسئلة لا تزال مطروحة منذ نحو ربع قرن من دون ان يجيب عنها احد. وطبعاً لا نتوقع من هذا الفيلم ان يحمل اجابات قاطعة، ولكننا نتوقع منه، منذ الآن، ان يحمل اسئلة حقيقية على الأقل... وخصوصاً ان جزءاً كبيراً منه يأتي على شكل حوارات مع بعض الذين نجوا من المجزرة التي سيؤكد لنا الفيلم من جديد، ان افراداً تابعين لأحد اجنحة القوات اللبنانية، اقترفوها، تحت سمع القوات الإسرائيلية المحتلة وبصرها.

إذاً، على السينما العربية ان تكتفي في الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان «برلين» بالحضور الأساسي عبر هذين الفيلمين، من دون صراحة اعتبارهما فيلمين عربيين. ولكن، ألا يكفي شريطان يتحدثان عن فلسطين ولبنان، في هذا الزمن الذي يشغل فيه فلسطين ولبنان، إضافة الى العراق طبعاً، مساحة كبيرة من اهتمامات الرأي العام العالمي؟

الحياة اللبنانية ـ 11 فبراير 2005

 

ليست كثيفة المشاركة العربية في مهرجان «برلين» السينمائي الدولي لهذا العام. وفي الأحوال كلها يمكن القول ان «برلين» على عكس «كان» الفرنسي لم يكن دائماً واسع الاهتمام بالسينمات العربية، من دون ان يفوته في دورات سابقة ان يقدم فيلماً عربياً كبيراً من هنا، أو آخر من هناك. وفي المقابل كان الاهتمام بسينمات شرقية اخرى في «برلين» ملحوظاً اكثر.

هذا العام، اذاً، لن يشهد ازدحاماً عربياً، حتى وإن كان بعض الأفلام القصيرة العربية، وجد طريقه الى تظاهرة او تظاهرتين ثانويتين، وحتى وإن كان بعض الجمهور الألماني سيخلط كعادته، بين ايران والعرب، او بين تركيا والعرب، فيتفرج على افلام - قليلة بدورها - تركية او ايرانية معتبراً اياها انعكاساً لحال السينمات العربية. هذه السينمات، ممثلة على اي حال بفيلمين من المؤكد ان كلاً منهما على طريقته، قادر على إثارة السجال، السياسي والتاريخي، إن لم يكن السجال الفني والإبداعي. والأهم من هذا ان واحداً من هذين الفيلمين، داخل في التظاهرة الرسمية الأساسية: المسابقة الرسمية، ما يعني إقبالاً مؤكداً عليه، وإخراجاً له، لمن احب، من دائرة المضمون ذي الموضوع الشائك، الى دائرة العمل الفني الجدير بالمقارنة، او الفوز على تحف اخرى معروضة في المسابقة الرسمية نفسها. اما الفيلم الثاني، المعروض ضمن احدى التظاهرات الموازية، فإنه بدوره يبدو مثيراً لنقاش حاد، طالما انه، هو الآخر، يتناول قضية شائكة: قضية الفيلم الأول فلسطينية، وقضية الفيلم الثاني لبنانية/ فلسطينية، ولنا ان نتخيل حجم الاهتمام الذي يمكن ان يسبغ على الفيلمين، انطلاقاً من وجود لبنان وفلسطين ومنذ زمن طويل، على خريطة اهتمامات الرأي العام العالمي، الذي لا يبعد عنه الجمهور السينمائي الغربي كثيراً.

الفيلم الأول عنوانه «الجنة... الآن» وهو من اخراج الفلسطيني، المقيم في هولندا، هاني ابو اسعد، الذي كان انتج بعض افلام رشيد مشهراوي وغيره من المخرجين الفلسطينيين قبل ان يبرز خلال السنوات الأخيرة من خلال اول فيلم اخرجه بنفسه، عن قصة لليانا بدر، بعنوان «عرس رنا». وهو فيلم عرض للمرة الأولى في دورة «كان» قبل الماضية، وأثار إعجاباً وضجة كبيرين، بل اعتبره كثر واحداً من اجمل الأفلام الفلسطينية التي حققت في الآونة الأخيرة، بل واحداً من اكثر الأفلام الفلسطينية انسانية، إذ تناول «القضية» من خلال حكاية حب وزواج اضطراري، تدور في يوم واحد، ويكون الحاجز العسكري الإسرائيلي واحداً من العقبات الأساسية التي تقف في وجهها. حينما عرض الفيلم في «كان» وغيرها لاحقاً، عومل كعمل متقدم سياسياً، لكنه عومل ايضاً بصفته عملاً فنياً متميزاً، ما جعل صاحبه يحسب في خانة المخرجين الفلسطينيين المتقدمين، وجعل الفيلم يعتبر مؤشراً على نضوج اضافي في السينما الفلسطينية. من المؤسف ان هذا الاعتبار الأخير قد لا يضفى على ثاني افلام ابو اسعد «الجنة... الآن» اذ انه، حتى ولو فاز بجائزة، فإنه لن يحمل اسم فلسطين، بل «ألمانيا - هولندا - فرنسا» وهي الدول التي ساهمت في انتاجه، ويقدم في «برلين» باسمها. ومع هذا فإن موضوع الفيلم فلسطيني خالص، وشائك بقدر ما هي شائكة كل مسألة تتعلق بفلسطين: موضوعه الأساس شابان سيقومان بعملية انتحارية ضد الإسرائيليين، وهما، طوال زمن عرض الفيلم يمضيان آخر يوم لهما عارفين بأن الموت ينتظرهما غداً، او الاعتقال في احسن الأحوال. الفيلم إذاً يتابع هذا اليوم الأخير من حياة انتحاريين يؤمنان بأنهما سيكونان في الجنة «بفضل جهادهما» منذ غد. طبعاً، سنعود الى الحديث المفصل عن «الجنة... الآن» بعد عرضه، إذ حتى الآن لم يشاهد كثر هذا الفيلم الذي سيعرض للمرة الأولى، بعد غد الأحد. ولكن منذ الآن يمكن المراهنة على ان الحياة اليومية لخالد وسعيد، التي يعيشانها طوال زمن الفيلم، قبل توجههما الى تل ابيب للقيام بعمليتهما الانتحارية، ستكون مثيرة، وخصوصاً ان الشابين، إذ يسمح لهما بإمضاء الليل معاً، ومع عائلتيهما، سيكون عليهما إحاطة كل ما هما مقدمان عليه بالتكتم الشديد... ثم خصوصاً ان الخطة لن تسير كما كان مرجواً لها...

فلسطين حاضرة ايضاً في فيلم «مجازر» (او «مقاتل» كما تفضل الجهة اللبنانية تسميته) الذي يقدم هذه المرة باسم لبنان شراكة مع ألمانيا وسويسرا، ضمن تظاهرة «بانوراما السينما الوثائقية»، وسيبدأ عرضه الأول يوم غد السبت. و«مجازر» الذي حققه اللبناني لقمان سليم مع مونيكا برغمان وهرمان تيسين، يتابع على مدى اكثر من ساعة ونصف الساعة وقائع مجزرة صبرا وشاتيلا (من 16 الى 18 ايلول/ سبتمبر 1982). نعرف ان هذه المجازر قدمت، بأشكال متنوعة، في الكثير من الأفلام قبل الآن. ولكن يمكننا ان نفترض، ان هذا الفيلم الجديد، سيكون شاملاً وسيطرح الكثير من الأسئلة، ومعظمها اسئلة لا تزال مطروحة منذ نحو ربع قرن من دون ان يجيب عنها احد. وطبعاً لا نتوقع من هذا الفيلم ان يحمل اجابات قاطعة، ولكننا نتوقع منه، منذ الآن، ان يحمل اسئلة حقيقية على الأقل... وخصوصاً ان جزءاً كبيراً منه يأتي على شكل حوارات مع بعض الذين نجوا من المجزرة التي سيؤكد لنا الفيلم من جديد، ان افراداً تابعين لأحد اجنحة القوات اللبنانية، اقترفوها، تحت سمع القوات الإسرائيلية المحتلة وبصرها.

إذاً، على السينما العربية ان تكتفي في الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان «برلين» بالحضور الأساسي عبر هذين الفيلمين، من دون صراحة اعتبارهما فيلمين عربيين. ولكن، ألا يكفي شريطان يتحدثان عن فلسطين ولبنان، في هذا الزمن الذي يشغل فيه فلسطين ولبنان، إضافة الى العراق طبعاً، مساحة كبيرة من اهتمامات الرأي العام العالمي؟

الحياة اللبنانية في 11 فبراير 2005