شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

«محمود الشريف: أنا والعذاب وأم كلثوم»:

محمد القصبجي حاول قتل «الست» غيرةً

الرباط – خالد الخضري

 

 

 

 

 

 

عن داري "الخيام للطباعة والنشر" و"الفرسان"، صدر للناقد السينمائي المصري طارق الشناوي كتاب شيق بعنوان: "محمود الشريف: أنا والعذاب وأم كلثوم" من الحجم المتوسط (182 صفحة) تناول فيه قصة الزواج المجهض بين هذا الملحن الكبير وكوكب الشرق، اضافة الى باقة من أهم آرائه في الفن والحياة بصفة عامة، وفي بعض زملائه الفنانين, وكذلك شهادة بعض هؤلاء فيه.

زواج ملغوم

عزز الكتاب بمجموعة من صور محمود الشريف في مراحل ومناسبات متباينة، أو بمعية افراد أسرته كما العديد من رجالات الفكر والفن والسياسة: جمال عبد الناصر، ثروت عكاشة، يوسف السباعي، محمد عبدالوهاب، وديع الصافي، نجاة، عبدالحليم حافظ، محمد عبدالمطلب، وطبعاً أم كلثوم... ما جعل من هذا العمل وثيقة تاريخية مدعمة بوسائل اثبات منها ما ذكر كالصور، ومنها ايضاً تصريحات الشريف نفسه بخط يده او بقلم الكاتب، ثم صور مقالات صحافية لبعض الصحافيين الكبار على رأسهم مصطفى أمين الذي صاغ مقالاً مؤثراً يؤبن فيه اغتيال ذلك الزواج البركاني تحت عنوان: "جنازة حب" وهو مثال حرياً بالشناوي ان يعيد طباعته لعدم وضوحه نسبياً مع الاشارة الدقيقة لمرجعه تاريخاً ومنبراً.

ومن الزواج ما قتل!

إن ما ورد في الكتاب بخصوص هذا الزواج المغضوب عليه من جانب الفنانين سواء الذين عشقوا ام كلثوم عينها ام صوتها فقط – بل وحتى من القصر الملكي الذي أمر بفسخه – جدير باعتباره نواة فيلم سينمائي عن جانب معتم من حياة سيدة الطرب العربي، لالقاء حزمة ضوء على رجل أحبها، وكان سيغدو واحداً من اكبر ملحنيها لو رضي ان يعيش في منطقتها الرمادية حينما طلبت اليه – بعد فسخ الخطوبة – ان تستمر علاقتهما في السر، لكنه رفض ذلك بحزم قاطع: "لقد فقدت ام كلثوم ولكنني لم أفقد انسانيتي... وفقدت حبي لكنني لم أفقد كرامتي". (ص46)

من أطرف وأغرب الحوادث التي أوردها الكتاب بخصوص ذلك الزواج الملغوم، ما اثاره من ردود افعال مناوئة من أقرب الفنانين الى ام كلثوم الى درجة وصل بعضها الى محاولة قتلها هي وعريس "غفلتها". فأحمد رامي عندما قرأ الخبر في "أخبار اليوم" لم يشعر بنفسه الا وهو يخرج من بيته في مصر الجديدة بـ"البيجامة" من هول المفاجأة ليستقل الترام من دون ان يدري لماذا او الى أين؟ ولم يدرك انه يرتدي "البيجامة" الا عندما نبهه قاطع التذاكر! (ص25)

اما القصبجي العاشق الاول لأم كلثوم فلم يكتف بمثل زكريا أحمد بأن يقف في بهو الفيلا منتظراً ولكنه صعد مباشرة الى غرفة نومها ومعه مسدس يخفيه خلف ظهره وبدا متحفزاً تجاه أم كلثوم والشريف، فتنبهت "الست" لذلك وقالت له: "مخبي ايه ورا ظهرك يا قصب؟" فوقع المسد من القصبجي كما وقع هو ايضاً على الأرض! وتحولت هذه الواقعة الى شكوى في النيابة العامة بتهمة الشروع في القتل تقدم بها الشريف ضد القصبجي... وفي الصفحة (26) نشر طارق الشناوي صورة الشكوى المذكورة واخرى لجدول اعمال جلسة للنقابة الموسيقية المصرية للمحترفين مؤرخ في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 1946 خاص بـ"عرض قضية الشروع في قتل سكرتير النقابة مع سبق الاصرار من الاستاذ محمد القصبجي بحضور الأساتذة: عزيز عثمان ومحمود الشريف وأحمد الحفناوي... قبل عرضها على النيابة العامة". لكن أم كلثوم تدخلت في اللحظات الاخيرة فأوقف التحقيق كي لا يمثل القصبجي امام النيابة وتغدو الواقعة قصة تلوكها الألسن وتتلقفها الصحف. (ص27)

يقتلون الحب ويمشون في جنازته!

بخلاف المؤرخين وكتاب السيرة الذاتية بأسلوب تقديري، سرد محمود الشريف حكاية حبه وخطوبته من أم كلثوم مع ما كالت له من متاعب، بنفس فلسفي هو الى الحكمة والموعظة أقرب، لاعتزاله محراب الفن في أواخر ايامه ليخلد الى محراب الدين والتعبد. وهذا، في حيز لا يتعدي ست صفحات، اختزل محمود هذه الحكاية في فقرات مركزة عميقة الدلالة لا يتعدى بعضها جملة واحدة كقوله: "أم كلثوم لعبت بالنار وأنا احترقت بها". وتحت عنوان "صفقة ام صفعة" أورد: "لقد أقاموا لها عرشاً في قلوبهم، ألبسوها حلل القداسة ورفعوها في حياتهم الى مستوى الآلهة... كانوا يعتقدون بأنها خلقت من طينة غير طينتهم وتصوروها قديسة لم يمسسها بشر! ثم جاء صباح 7 أيلول (سبتمبر)، فخرجت عليهم "أخبار اليوم" بالنبأ الذي أطاح بعقولهم! ان سيدة الغناء التي يقدسونها قد وقعت في غرام واحد من البشر!". وانتشر الخبر في جميع البلاد وقال بعضهم: ٍانها صفقة العمر...

وينهي الشريف هذه الاعترافات بما عنوانه: "خلاصة القول": "لم أدخل بها، ولم تدخل بي، ولكن الحب هو الذي دخل بنا نحن الاثنين! ووضع كلانا دبلة الخطبة في اصبع صاحبه، دبلة كتب عليها (لا إله الا الله) والأخرى: (محمد رسول الله)، وقالت لي: لكي لا نفترق أبداً... ومع ذلك افترقنا... افترقنا لأن ما كان الله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل...". (ص46)

وبعد اعترافه بأن زواجه من أم كلثوم كان غلطة غير مقصودة، يكتب الشريف عن الذين وقفوا ضد هذا "الرباط المقدس" زملاؤه الفنانون خصوصاً – قائلاً: "هؤلاء هم الذين قتلوا الحب ومشوا في جنازته، اغتالوا الحقيقة وشيعوها بالكذب والنفاق وقول الزور، ثم جلسوا عند باب السرادق يتقبلون العزاء!". (ص45)

اما الزوجة الضائعة أم كلثوم فقال عنها: "هي ببساطة صوت يحتوي كل ما في حناجر المطربين والمطربات من جمال، بل وتمتاز عليهم جميعاً باللفظ الفصيح، وعلى كل صوت يتطلع للتأسي بها، عليه اولاً وقبل كل شيء ان يتأمل حفلاتها ليتعلم كيف يكون الوقوف على المسرح!". (ص96).

الحياة اللبنانية في 11 فبراير 2005