جمال سليمان:
يعرب العيسي * |
|
في السادس عشر من شباط عام 1987 استشهد شاب فلسطيني من يافا، كان عضواً في الجبهة الديمقراطية، رحل وهو يعتقد أنه مات فداءً لفلسطين وأننا سنكمل المسيرة وأن دمه لن يذهب هباءً، رحل دون أن يعرف أن سبعة عشر عاماً فقط ستكون كافية ليخرج رجل علي شاشة التلفزيون ويصفعه بتهمة إرهابي و قاتل مأجور ، كان هذا الشهيد سيتألم لو علم بذلك، لكنه سيتألم أكثر لو عرف اسم الرجل الذي يطلق عليه هذه الصفات، كان سيحزن كثيراً بسبب الاسم الذي حمله تسعة وعشرين عاماً، لأن هذا الشهيد كان اسمه جمال سليمان (لمن أراد الدقة: جمال حرب سليمان مواليد نابلس1958 استشهد في مخيم شاتيلا). ربما كان الشهيد جمال سليمان مغرراً به ومخدوعاً وهو أمر وارد الحدوث، لأن التفريق بين الإرهاب والمقاومة أمر بالغ الصعوبة وهو ـ بلا مبالغة ـ أصعب من تفريق الخيط الأبيض عن القلب الأسود، وكثيرون يمكن أن يقعوا في خلط كهذا. فالممثل السوري والسفير حسن النوايا الذي يحمل الاسم ذاته وقع في هذا الإشكال ووقع بياناً يطالب بدعم ونصرة الأسري الفلسطينيين تحت اسم رسالة من 637 شخصية عربية للأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية ، دون أن يعرف أنه يمكن أن يكون بينهم إرهابيون، وبالضرورة بينهم إرهابيون حسب التصنيف الجديد (النيو لوك) الذي أطلقه جمال سليمان بنفسه، ووقع مرة أخري في الإشكال ذاته حين ألقي في السابع من نيسان 2002 (وللصدفة فالتاريخ يمثل ذكري عزيزة علي قلوبهم) كلمة في مهرجان تضامني أقيم تحت شعار: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين ولا أعرف حسب التصفيف الجديد للفنان النجم إن كان الفداء بالأرواح والدماء يدخل في خانة الإرهاب، وفي كلمته تلك التي ألقاها قبل علي عقلة عرسان ـ طيب الله ذكره ـ مباشرة حيا فيها كل المناضلين في سبيل فلسطين واستخدم مفردات من مستوي: (خيار المقاومة، القدس والمقدسات والاستقلال والهوية والعزة والشرف.
صراع شامل لعناصر التاريخ والهوية والجغرافيا والوجود والحاضر والمستقبل). كلمة جميلة وذات وقع رنان وأثر مقنع، بدلاً من كل تلك الثرثرة عن الصحافيين المأجورين أعداء النجاح، والصحافي التافه الذي يشتري قلماً بنصف ليرة ليتطاول به علي القامات الوطنية، الجهلة وبدلاً من أغلقوا قسم النقد (في المعهد العالي للفنون المسرحية) يمكن القول: إنه يخرج أصوليين والدليل لحية رفيق قوشحة شيخ الطريقة عندها لن يبقي أساتذة في المعهد كي يستقيلوا احتجاجاً ولا طلاب وخريجون كي يوقعوا بيانات الاستنكار، وبدلاً من ضرب طالب في المعهد لأنه نادي لزميله جمال بصوت مرتفع، يمكن القول هذه شيفرة خاصة بعملية إرهابية وعندها سنتلذذ جميعاً بنداءات الاستغاثة التي سيطلقها الطالب من غوانتانامو، وبدلاً من ممارسة النفوذ لاستبعاد ممثل من حجم فارس الحلو عن أي عمل يمكن إلصاق تهمة تقديم خدمات معلوماتية لإرهابيين محتملين . ليس في هذه الاقتراحات أية مبالغة، فجمال سليمان في لقاء مع تلفزيون المستقبل وردا علي سؤال لزافين، حول جملة وردت في مقال لراشد عيسي نشرته السفير اللبنانية حول مستوي مسلسل الخيط الأبيض قال بالحرف الواحد: هذا الصحافي قضي حياته في منظمة قتل مأجور، منظمة إرهابية، تؤمن بالقتل وسيلة للحوار، وانتقل، مع تغير هذا العالم، إلي الصحافي المعارض والناقد والمثقف الذي يستخدم القلم مثلما يستخدم المسدس . طبعاً لم يتضمن مقال السفير تهديداً بقتل أي ممثل رديء عامة أو جمال سليمان خاصة، بل هو مقال باهت مفرط في تهذيبه ومهادنته، يتحدث عن صورة النجم الأوحد في مسلسل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه يغيظ لفرط رداءته، والنقد الذي وجهه المقال يشبه انتقاد رجل لعدم التزامه بالإشارة الحمراء، رغم أنه صاحب عذر قاهر، فالشرطة تلاحقه لأنه قتل أفراد أسرته للتو. وربما كان الاستشهاد بـأيمن زيدان كممثل قادر علي تلوين أدائه هو ما أغاظ النجم الفتان، فأن تنتقد جمال سليمان وتمدح أيمن زيدان في مقال واحد يشبه أن تقول لشيعي: حلفتك بيزيد أن تمسك هذه الأفعي. سياسياً كانت المفردات التي اختارها جمال سليمان، للتعليق علي المقال ضربة معلم، فمنذ أشهر ووسائل الإعلام تتناوب أخباراً عن تعاون أمني بين سورية والولايات المتحدة، وهو ما يعول عليه في حال إثباته في تخفيف الضغوط الأمريكية عن سورية، ويأتي هذا الاتهام في هذا الوقت بالذات مدروساً وذكياً، فالجرافات ترفع الساتر الترابي علي حدود العراق وجمال سليمان نفسه يستخدم مفردات وتقييمات المخابرات الأمريكية. استخدم رئيس تحرير صحيفة جبهوية عبارة يصلحون لتشكيل مجلس حكم ما في وصفه للمشاركين مختلفي الاتجاهات في ندوة حول الوحدة الوطنية، وعلق أحد المتابعين: هذا تقييم لا يصدر إلا عن كيماوي ما وأسوق هذا المثال لأذكر بلقاء أجراه زاهي وهبي مع جمال سليمان، وسأله عن ثقافته فارجع ذلك لتربيته علي القراءة حيث كان منذ المرحلة الإعدادية يقرأ بانتظام أعداد مجلة المناضل، ولمن لا يعرفها فهي النشرة الفكرية الداخلية لحزب البعث، وتحدث في نفس اللقاء عن فضل اتحاد شبيبة الثورة عليه كممثل. وهذه النشأة تجعل من الطبيعي اتهام الآخرين: بالعمالة قبل 11/9 وبالإرهاب بعده. كتب راشد عيسي ذات يوم في صحيفة السفير: نحن في المخيمات ننجب الكثير من الأبناء لأننا نعرف أن أمامنا فاتورة باهظة من الدم، وكل فلسطيني يشعر أن عليه واجب سدادها وذات يوم من فتوته المبكرة (16 عاماً) حمل نسخته من الفاتورة الباهظة، ومضي إلي المخيمات في لبنان، حيث كان مركز العمل الفدائي، وببساطة وعفوية مراهق قال لأول رجل التقاه هناك: أريد أن أحرر فلسطين.... تاجَر لصوص القضية براشد كما تاجروا بآلاف مثله وكما تاجروا بنا جميعاً، وبأوطاننا ومستقبلنا وهواء رئاتنا، تاجروا براشد وغرروا به وبوطنيته وطفولته كما يفعل لصوص أية قضية منذ بدء الخليقة، ولا يستثني من ذلك قضية حرية الرأي ورسالة الفن السامية، ودور الدراما السورية في بناء غدنا المشرق وحاضرنا المجيد . عاد راشد (وهو ما زال فتياً أيضاً) ليبحث عن خلاصه الذاتي (كما يقول أخوتنا الماركسيون علي سبيل الشتيمة) ووجده في الكتب فانكب عليها ودرس النقد، وتفرغ للعمل الصحافي تماماً، كتب مقالات نقدية في المسرح والسينما والتلفزيون والأدب، كسب الكثير من الأعداء (يشرفني أن امتلك حتي نصفهم) وبعض الأصدقاء، رسخ نفسه كصحافي ثقافي مشاغب لا يوفر أحداً من سلاطة قلمه (سخر مني بقسوة في احد مقالاته في مجلة النقاد، ولا استطيع إخفاء إعجابي به). كتب الزميل سلمان عز الدين في جريدة الثورة: أدي الممثل جمال سليمان دورا رائعا في التغريبة الفلسطينية، المسلسل الذي يري كثيرون انه واحد من أهم المسلسلات السورية إن لم يكن الأهم علي الإطلاق، ولكن سليمان كعادته، لم يتح لنا فرصة كافية لمديحه وأود بالمناسبة أن أصحح هذه العبارة لتصبح: كان مسلسل التغريبة رائعاً لدرجة أنه حتي جمال سليمان نفسه أدي دوراً جيداً فهذه مناسبة ليعرف جمال سليمان أن نسبة المفتونين بأدائه كممثل ليسوا 99.98 % لأن الحزب لم يضع لنا حتي الآن قائمة جبهة بذائقتنا الفنية، فهناك مشاهد واحد (علي الأقل) يري أربعين ممثلاً سورياً (علي الأقل) أكثر ٌقناعاً وأوضح موهبة من جمال سليمان، فالممثل الذي يؤدي دور النجار والسجين والمهندس والفلاح مصر أن يبدو أستاذاً جامعياً لا يمكن أن يكون ممثلاً جيداً، والفنان الذي يعتقد أن مهمة ضابط ارتباط بين الأجهزة الأمنية والحزبية وبين شركات الإنتاج هي إسهام في صناعة الدراما السورية لا يمكن أن يكون فناناً، وشخص تسيل دهون النفط علي شفتيه، ويقطع آلاف الكيلومترات لأن فتات الأمير هناك يشكل وليمة هنا، لا يحق له استخدام مفردات صحافي مأجور وقبض خرجيته من المتنفذين، ولا يحق له اتهام أحد ولا رفع دعوي علي مجلة نشرت وقائع الرحلة العجائبية لقبض الجعالة، ثم توقفت بعد عددين لانتهاء مدخرات مجموعة من الشباب المتحمسين واستنفاد فرص الاستدانة الممكنة. في الوقت الذي يعتبر فيه جمال سليمان أن ورود ملاحظات نقدية علي أدائه كممثل في أي مقال يكتبه صحافي هو استهداف ومؤامرة، لا تنبع إلا من جهات غامضة تشتري الذمم للإساءة للنجم المحبوب، وأن الصحافي الذي يكتب ليس سوي إرهابي، وفي أدني الحالات مدفوع ومريض نفسياً، في ذات الوقت يصرح أنه في طور البحث عن جهة تمول مشروعا مسرحيا غنائيا ضخما يهدف من خلاله تقديم صورة الإسلام المتنور الذي يقوم علي إعلاء قيم التسامح والثقافة والعلم وقبول الآخر، أكرر: إعلاء قيم التسامح والثقافة والعلم وقبول الآخر . حين يتقاطع التصريحان خلال أسبوع واحد يصبح لكلام جمال سليمان لقب واحد: تشدق. يحضرني قول مأثور: احذروا شر بعثي خلع بدلة السفاري الصينية وغير تسريحة شعره. لا اعرف جمال سليمان شخصياً ولست مدفوعاً من أحد، ولم أشارك في عمليات إرهابية في حياتي ـ اللهم سوي بضع مقالات صحافية لا تخص الفن ـ ويسرني بصراحة إزعاج راشد عيسي، ولكن لدي خوف مؤرق من أن تتصادم لسبب ما مصالح جمال سليمان مع مصالح ياسر العظمة ذات يوم فنضطر للاقتناع بأنه يحمل لوثة الإرهاب في دمه لأن يوسف العظمة خرج لميسلون مدججاً بالسلاح لأنه ببساطة: كان إرهابياً. ملاحظة: المادة 8 تنص علي أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع . * كاتب من سورية القدس العربي في 3 فبراير 2005 |