الإيرانية ميترا فاراهاني حول فيلمها "محرّمات": لدى الشباب الايراني رغبة في التحرر من الممنوعات |
|
قوية الشخصية وواثقة من نفسها ميترا فاراهاني. امرأة حرة، مندفعة، فاتنة، لا تأبه بالأعراف وال تقاليد، تتحدى الممنوعات في سحر وخفة. هذه الايرانية ذات الوجه الملائكي والأعوام الثلاثين لديها هاجس واحد: اكتشاف اسرار الحب الجسدي. رسامة اروتيكية استبدلت ريشتها بكاميرا يديو ديجيتال كي تواصل سعيها في شكل أفضل. بعد "مجرد امرأة" فيلم من تسع وعشرين دقيقة أخرجته عام 2000 يتناول قصة متحولة جنسياً، توقّع ميترا فاراهاني اليوم "محرمات" اول فيلم طويل لها. وثائقي مثير يذهب أبعد هذه المرة، اذ يتطرق الى موضوع الجنس في ايران، هناك حيث يتعذر الكلام عن الحب، ويتم كبته حتى قبل ان تقمعه سلطة من الخارج. في ساعة وعشر دقائق، في طهران، يستسلم نساء ورجال لبوح شهواني حر ومليء بالرغبة، سعيد، محبط، مكبوت، غاضب، ممتلئ خبثاً... حديث "من دون حجاب" كما تفرض الاستعارة. وعبر الاستعارات تمكنت من ان تذهب أبعد مما يمكن ان يسمح به الدين او السياسة. هذه الشهادات لا يسرون بها لطبيب او لرجل دين بل لامرأة شابة، فنصغي على التوالي الى رجل دين ومتحول جنسياً يتكلمان من دون همس الى كاميرا تحملها امرأة يحمل في ذاته قيمة ثورية. كل الكلام يشي بالأمر ذاته: كيف يمكن مجتمعاً ان يقوم على تقديس العذرية، الخطيئة والسرير الزوجي وحده، فيما تنتشر الرغبة كما في كل مكان آخر؟ "الإروسية" والجنس هما منذ سنين في صلب اهتماماتي وعملي في الرسم" توضح فاهاراني، "انه موضوع محرم في الجمهورية الاسلامية الايرانية، لا نتحدث ابداً جهراً عن العلاقات الجنسية او عن الحب الجسدي، نوحي بها من خلال استعارات وقصائد تغني الانجذاب، الرغبة والحب في أكثر ما فيه من شهوانية. لذا اضطررت تلافياً لمواجهة الرقابة، الى الانطلاق من قصيدة اروتيكية فارسية من القرن التاسع عشر كتبها عراج ميرزا، لتقديم الموضوع في هدوء ومن دون صدامية. هكذا، وبالالتفاف حول العراقيل تمكنت من التعبير بكل حرية". لذا كان على هذه السينمائية الذكية والشجاعة ان تلجأ الى الممثلتين الفرنسيتين كورالي ريفيل وصوفيان بن رزاق لتمثلا في الجزء المتخيل من الفيلم: "لم أكن قادرة على تصوير مشاهد عري بواسطة ايرانيات. أي ممثل لم يكن ليقبل. كان علي بعد ذلك ان أجد أطراً جميلة لكي تتلاءم والشعر في عمل عراج ميرزا (...)". من الناحية التوثيقية استغرقت ميترا فاراهاني سنتين (من 2001 حتى 2003) لتجمع شهادات مؤثرة ومتناقضة من كل فئات المجتمع الايراني: من المومس الى المتحول جنسيا، ومن طالبة الدين مروراً بطلاب ينتمون الى فئة شبابية تعيش تحولاً حادا: "استلزمني الكثير من الوقت لأن الموضوع كان هائلا، ولهذا كان تركيزي على موضوع جوهري: كيف يمكننا عيش حياتنا بالكامل ومن دون خبث في هذه الغابة من الممنوعات والمبادئ التقليدية والدينية؟ نشأت في عائلة من الطبقة المتوسطة، والدي كان حرفياً متديناً جداً، علاقتي به لم تكن وثيقة جداً. كان عليّ أن أرتاد الجامع حتى العاشرة. لاحقاً لم يفرض علينا الدين. شقيقاي وشقيقتي وأنا كان لدينا الخيار في ان نمارس أم لا. كنت متمردة. أمي، خياطة، دعمتني وكان قربها مني يجعلها اكثر انفتاحاً. شجعتني على الخروج من كبتي والتعبير عن شخصيتي من خلال الرسم. تعلمت لاحقاً ألا آبه بالاحكام الاجتماعية القوية والمعيقة". مواهبها في الرسم سمحت لها بالحصول عام 1998 على منحة دراسية في باريس. هناك درست ايضاً التصوير: "مثل معظم الرسامين انا مفتونة بالجسد وبالعلاقات الجسدية بين الرجل والمرأة. أحب أن أرسم في طريقة متخيلة اتحاد جسدين. انه امر جميل، شهواني، رمزي". وتضيف "بالنسبة إليّ هناك تكامل: لوحاتي تجسد الجنس وأفلامي لا تتحدث سوى عن ذلك. الفرق هو في المنهج: عندما ارسم اكون في عزلة المحترف لكن عندما اصور فيلماً أكون كمن ينظر من النافذة". أثناء دراستي للرسم في طهران اكتشفت عالماً ليبرالياً، مجتمعاً مصغراً يعيش في طريقة خفية على الطريقة الغربية. لذا كان اندماجها في المجتمع الباريسي سهلاً وسريعاً والأمر الوحيد الذي شكل صدمة لها هو الطريقة التي "يرون فيها ايران من الخارج". امضت فاراهاني جزءاً من السنتين اللتين استغرقهما جمع المادة التوثيقية في اقناع هؤلاء الافراد الذين ينتمون الى مختلف فئات المجتمع الايراني بأن يقبلوا التحدث أمام الكاميرا عن موضوع كهذا: "ان تقنع اريستوقراطية بالكلام صعب بقدر اقناع رجل الدين. رجل الدين سيقول: كيف لامرأة ان تفكر في موضوع العلاقات الجنسية؟ فيما ستحاول الاريستوقراطية ان تلبس ثوب العفة والحياء. كنت اعرف معظم الذين شاركوا ولولا ذلك لما تكلموا. بعضهم ذهب بعيداً جداً، آخرون طلبوا مراجعة كلامهم رغم انهم كانوا على علم بأن "محرمات" لن يعرض في ايران سوى في طريقة سرية". عندما نسأل ميترا فاراهاني هل كانت واعية للأخطار التي يمكن ان تطالها من جراء هذا القدر من الحرية المكثفة، تجيب في ارتياح تام كما لو انها اعتادت اللعبة المبهمة والملتبسة التي تلعبها السلطة الدينية، بالتلاعب دوماً في الحدود المسموحة فتلجأ أحياناً الى الصراخ المدوي واحياناً أخرى تتصنع الصمم المفاجئ: منتجي اكثر قلقاً مني. الفيلم شارك في مهرجان برلين وتجاهله السياسيون، ربما لأنه طريقة ليوصلوا بها صوتهم... أنا خائفة اكثر على الشق المتخيل من الفيلم، حيث العري مصور في طريقة مباشرة، اكثر من خوفي على الشق التوثيقي. الجميع يشعر بأن طهران تعيش انفجاراً على صعيد الرغبة الجنسية (...) لدى الشباب الايراني رغبة في الانطلاق جنسيا، في العيش في طريقة مغايرة، في التحرر من الممنوعات، هذا يستلزم وقتاً، لكني آمل خيراً!".في الفيلم لا تنحاز فاراهاني الى أي طرف، تسمع وتشاهد، كأني بها تشير الى مروق مجتمع مشلول بين البطريركية وتهديدات الأئمة. من شابة تقول انها قصدت سان فرنسيسكو (لتمارس الحب) الى رجل يستشهد بالقرآن ويؤكد على حسنات السوط "للحفاظ على الفضيلة"، ترتسم تناقضات بلاد بأكملها لتشكل صورة كاريكاتورية شاقة وقاسية للصراع الأبدي بين النظام الديني والحرية العلمانية. (من "لوفيغارو" و"ليبراسيون"، ترجمة س. خ) النهار اللبنانية في 31 يناير 2005 |