د. رفيق الصبان يكتب:
|
|
· نجمة الإغراء السابقة «كيم باسنجر» تعود في دور يبدد موهبتها ويجعلها مثل التائهة · «رينيه زويلجر تستجدي الضحكات في الجزء الثاني من برجيت جونز نظرة أخيرة سريعة علي ما بقي من أنهم أمريكية حرصت الشركات علي عرضها بنبض متسارع قبل هجمة أفلام العيد الكبير التي ستغلق الشاشات المصرية عن استقبال أي «وافد» أجنبي دخيل. والحق ان هذه الأفلام التي حاولت أن تثبت نفسها في الأيام القليلة المتبقية لها لا تحمل الكثير من المفارقات.. دائما تؤكد الخيط التجاري الذي مازالت السينما الأمريكية تتبعه.. رامية بين الحين والآخر.. أفلاما قيمة لكي تثبت أنها قادرة علي الصمود أمام أي زلف فني يأتي من الخارج. «جريمة الهاتف المحمول».. فيلم يضعنا لأول مرة.. مع تعاملنا مع هذا الضيف الجديد الذي دخل فجأة كالعاصفة علي حياتنا العامة.. وأصبح جزءاً لا يتجزأ منها.. إنه الهاتف المحمول.. الذي جعل من المتاح الاتصال بأي شخص نريد.. دون عائق أو تدخل.. والذي تزداد أهميته وخطورته مع الأيام (إذ أصبح الآن يحمل كاميرا محمولة قادرة علي تسجيل أي صورة وفي أي وضع). الفيلم يروي قصة زوجة.. تخطفها عصابة قوية.. يحميها رجال شرطة فاسدون.. لتجبر زوجها علي تسليم فيلم التقطه ويعتبر وثيقة مهمة تؤكد إدانتهم وتورطهم في عمليات فساد وقتل واستغلال سلطة. الزوجة توضع سجينة في غرفة مقفلة.. ولكنها من خلال جهاز هاتف مكسور تنجح في الاتصال بشاب صغير.. عن طريق المحمول الذي يملكه.. وتطلب منه مسترحمة أن يهب لنجدتها.. وبعد تردد وعدم تصديق.. يجد الشاب نفسه متورطا في مغامرة تعقبها مغامرة.. تضعه في مأزق حرج.. ولكنها تدفعه بما يملك من حمية ونخوة وشجاعة أن يتابع محاولته لإنقاذها.. ويكشف العصابة التي تعمل بالخفاء مستعملة نفوذها وسلطتها المستمدة من واقع وظيفتها. الفيلم يحمل فكرة جديدة.. ويسير بإيقاع معقول.. ولكنه بعد منتصفه ابتدأ يسقط في التكرار وفي تعقيد أمور لا تحتاج إلي كل هذا التعقيد.. لدرجة أن المرء يتساءل.. «هل صنع الفيلم أصلا كدعاية للتليفونات المحمولة.. أم أن له هدفاً آخر؟». كيم باسنجر.. تعود بعد غياب.. وقد زادت السنون من تجاعيد وجهها.. فأعطتها طابعا إنسانيا يختلف قليلا.. عن طابع الإغراء الجسدي الذي كان السلم الذي صعدت عليه إلي الشهرة. فيلم معتاد يستمد أهميته من جدة موضوعه غير المعتاد. كذلك هو الحال في فيلم «المنسيون» الذي لعبت بطولته المدهشة «جوليانا مور».. والذي يبدأ وكأنه فيلم نفسي.. عن أم ملتاعة عاجزة عن تقبل حقيقة موت ابنها الصغير.. في حادثة أوتوبيس.. وتحاول مقاومة المنطق والعقل والإيمان أنه مازال حيا رغم بدء الناس باتهامها بالجنون.. في هذه المقاطع الأولي من الفيلم.. بدت الممثلة الشهيرة في أوج تألقها وتعبيرها عن العذاب الداخلي والحيرة التي تشعر بها.. والإيمان العميق الذي يترعرع في قلب الأم.. حول ابنها «المفقود» وأنه مازال حيا تجري الدماء في عروقه. وتلتقي الأم.. بجار لها.. كانت له ابنة زميلة لابنها.. ربما قتلت أو فقدت في نفس الحادث.. لكن الرجل ينفي تماما أن له ابنة.. رغم إصرار الأم الملتاعة.. ولكن شيئا فشيئا تبدأ الأمور تتكشف ويبدأ الفيلم نفسه بالانحدار إلي اللامنطق وإلي الخيال العلمي غير القابل للتصديق. إذ تكتشف أن كلاً من الطفل والطفلة قد اختفيا بفعل قوة مجهولة.. وأن هذه القوة تملك «رسلا» لها علي الأرض.. وهي قادرة علي غسل دماغ الأهل.. وجعلهم ينسون تماما أن لهم «أطفالا» قد فقدوا.. ومن هذه النقطة يسير الفيلم مترنحا بين الفيلم البوليسي وفيلم الخيال العلمي.. (حيث تملك هذه القوة السماوية القدرة علي خطف البشر وجذبهم إلي السماء.. أو إرسال مبعوثين لا يمكن للرصاص أن يخترق أجسادهم).. كمية من الخيال المريض الذي يتسم بالمبالغة وعدم المصداقية.. لم ينقذه أداء الممثلة البارعة.. التي بدت في النصف الثاني من الفيلم تائهة تماما.. وكأنها ممثلة أخري غير التي رأيناها في الجزء الأول. ورغم النهاية الأخلاقية.. وعودة الأولاد.. من منفاهم المجهول.. والإشارة إلي أن قلب الأم قادر علي تحقيق المعجزات.. فإن «المنسيون» يبدو لنا فيلما تاه عن طريقه الأصلي.. وكان يمكن أن يكون فيلما جيدا لولا «جرثومة» الخيال العلمي.. التي ابتدأت تفتك بكثير من الأفلام الأمريكية الأخيرة. أما الفيلم الثالث الذي أتانا متوجا بدعاية كبيرة بسبب نجاح جزءه الأول.. فهو «برجيت جونز» الذي كان يروي في قسمه الأول مغامرات فتاة بدينة.. ومحاولة بحثها عن الحب الحقيقي. الجزء الثاني الذي نراه اليوم.. يخلو أولا من متعة المفاجأة التي حققها الفيلم الأول.. كما أنه في محاولته إدهاشنا.. أو إمتاعنا.. فإنه يقود ممثلته الأولي «رينيه زويلجر» التي أثارت إعجابنا بأفلام سابقة نالت عليها جوائز مهمة كفيلم «الجبل البارد» الذي تفوقت فيه بأدائها العفوي الجميل علي «نيكول كيدمان» نفسها. في هذا الجزء الثاني من مغامرات «برجيت جونز».. يقودنا الفيلم إلي مناطق جغرافية بعيدة في آسيا ومن خلال مغامرات «روكاميولية».. يضع «برجيت جونز» في سجن آسيوي مع عشرات العاهرات.. وما ينتج عن ذلك من مفارقات. ومن خلال تهمة حيازة مخدرات. تذكرنا بشكل أو بآخر برائعة آلان باركر «قطار منتصف الليل».. الذي يروي حادثة مشابهة ولكن بشكل درامي مؤثر. ثم حيرة «جونز» بين عاشق قديم خدعها.. وعاشق جديد.. تحاول عبثا أن تدفعه للزواج منها.. وتكن غيرة مبررة من امرأة شديدة الجمال تظن أنه علي علاقة بها.. وإنها هي السبب الذي يمنعه من الإقدام علي طلب يدها.. إلي أن تكتشف في آخر مراحل الفيلم أن هذه الفتاة الجميلة.. مثلية الجنس وأن من تحبه ليس حبيب «بريجيت» وإنما «بريجيت» نفسها. محاولة ساذجة لاجتذاب الضحكات إلي جانب مواقف أخري مشابهة خرجت بالفيلم عن كوميديا الموقف التي كان يتميز بها الفيلم الأول.. إلي كوميديا «الفارس» التي تخرج أحيانا كثيرة عن الذوق السليم. وأخيرا.. علينا أن نشير إلي هذا الزمن المستمر من أفلام الرسوم المتحركة لتنافس بشكل صريح الأفلام الدرامية المعتادة.. فهناك مثلا «قطار القطب الشمالي» الذي تختلط فيه الرسوم بالتمثيل الحي.. والذي يحمل بطولة نجم شعبي مشهور هو «توم هانكس» والذي يروي بأسلوب ممتع (قد يرضي عنه الكبار بتحفظ) قصة تثير إعجاب أطفال العالم أينما كانوا.. ولعل فترة أعياد الميلاد هي الفترة المناسبة لعرض مثل هذا الفيلم علي أغلب شاشات العالم.. ضمانا لنجاحه واستقبال الأسر له. كذلك فيلم «اللامعقولون» الذي يهزأ بطريقة حلوة من «السوبر مانات» والذي يدفع الأطفال إلي شحذ تفكيرهم.. بأن القوة الجسمانية ليست هي كل شيء.. في عصر تتضافر فيه كل وسائل الإعلام لتمجيد القوة وتقديسها واعتبارها المحرك الوحيد لكل التيارات التي تتجاذبنا سواء علي المستوي السياسي أو الاجتماعي. أفلام كثيرة تحمل سمة العادية أو المألوف ولا تضيف شيئا كبيرا لفن السينما.. ولكنها علي الأقل تملأ الشاشات في فترة حرجة.. تخشي الشركات الكبري من عرض «تحفها» خشية الفشل أو انصراف الجمهور عنها. ربما أن السينما اليوم قد أصبحت تجارة قبل أن تكون فنا.. فعلينا إذن أن نقبل هذا الواقع بتفهم وتسامح. جريدة القاهرة في 18 يناير 2005 |