غياب ليلى فوزي عن ثمانين عاماً النجمة الارستقراطية في زمن السينما الرومنسية ريما المسمار |
|
غاب أمس وجه سينمائي آخر يذكّر بما كانت السينما عليه قديماً. ليلى فوزي هي من ذلك الجيل الذي شهد العصر الذهبي للسينما والذي يقف الى جانب وجوه أخرى، ربما تكون أكثر بريقاً ونجومية، يحفل تاريخها بالانجازات ويمتزج بتاريخ السينما والفن لانتمائها الى الأجيال الاولى التي ان لم تكن مؤسسة فهي انما التي استلمت شعلة الريادة. تغيب ليلى فوزي مخلفة مكانها بين زميلات المهنة ممن جايلنها من مديحة يسري ومريم فخر الدين ولبنى عبد العزيز وناديا لطفي وفاتن حمامة وسواهن ممن مازلن يسطرن تاريخهن حتى هذه اللحظة بانزواء اختياري او بمشاركات قليلة، تسمح بها اوضاع السينما المتدهورة بين حين وآخر. لا شك في ان فوزي التي غابت عن نحو ثمانين عاماً، انتمت الى حقبة النجومية الساطعة التي قامت على عوامل عدة، ليس التمثيل وحده الاساس فيها. فالمناخ العام السائد وقتذاك، كرس السينما مجال سحر وفتنة وأضواء وعلق ممثليها نجوماً ساطعة بعيدة المنال. بهذا المعنى، برز الجمال الخارجي سمة اساسية لنجوم تلك المرحلة، رجالاً ونساءً، كأن الصورة السينمائية كانت انعكاساً لعالم افتراضي، يدغدغ الأحلام ويلامس الرغبات القصية للمشاهد في ان يكون جزءاً من ذلك العالم. لم تكن النجومية وقتذاك قائمة على التواجد الفائض لصاحبها كما هي اليوم بل على إطلالات قليلة لا تكاد تروي عطش محبيه. انها الصورة الغامضة غير المحسوسة تلك التي قامت عليها النجومية في ما مضى. فبقدر ما كان النجم قصياً متخفياً تماماً خلف شخصياته السينمائية بعيداً من اية توصيفات واقعية، بقدر ما ازدادت هالته سطوعاً وملامحه غموضاً. لذلك كان من المنطقي ان يلعب الشكل الخارجي دوراً بارزاً في اسناد الادوار الى الممثل. فالحضور على الشاشة كان الأهم في وقت لم يكن بعد التمثيل منهجاً او سلوكاً يكتسب خصوصية مؤديه. فكان على الشكل الخارجي ان يقول في لحظات ما يمكن الاداء والتركيبة الشخصية قوله على طول الفيلم. في هذه الاجواء برزت ليلى فوزي في الاربعينات من القرن الماضي بملامحها الارستقراطية الآخذة من اصولها التركية وجمالها الغربي وقامتها الطويلة المشيقة. غالب الظن ان تلك المواصفات هي التي قادتها الى الشاشة النهمة باستمرار الى ملامح مختلفة ووجوه جديدة. فكان ان نالت لقب "جميلة جميلات السينما" من بين الالقاب التي وزعتها الشاشة على زميلاتها مثل "سيدة الشاشة" لحمامة ولاحقاً "سندريللا الشاشة" لسعاد حسني تدليلاً على الدور الذي لعبه شكلها في إرساء نجوميتها. وفي ذلك ايضاً إشارة الى اختلاف جذري بين نجومية الامس ونجومية اليوم. ففي حين يندر اليوم اطلاق لقب نجم على ممثل في ادوار ثانية، لم يكن ذلك مستحيلاً في الماضي إذ تحددت النجومية بموازين اخرى. تلك كانت نجومية ليلى فوزي المرتكزة الى شكلها الارستقراطي. قلائل هم الذين نجحوا في اللعب عكس التيار الذي وضعتهم السينما فيه. هند رستم نجحت الى حد ما في إبراز الممثلة داخلها في مواجهة صورة الاغراء التي لازمتها. ولكن يبرز هنا السؤال: لماذا لعبت مريم فخر الدين بطولات اولى على الرغم من انها لم تنجح في كسر الطوق الرومنسي البكائي الذي وُضعت فيه بينما لم تحصل فوزي على فرص مماثلة؟ غالب الظن ان الاجابة تكمن في مواصفات تلك الحقبة السينمائية التي اكتسبت اللون الرومنسي بامتياز. فبالنظر الى نجوم الاربعينات والخمسينات وحتى الستينات، نكتشف ان اولئك الذين اشتهروا هم الذين حملوا ملامح رومنسية سواء ممثلين او ممثلات: شادية، فاتن حمامة، مريم فخر الدين، ماجدة، لبنى عبد العزيز، زبيدة ثروت، ناديا لطفي، احمد مظهر، شكري سرحان، كمال الشناوي، عبد الحليم حافظ، عمر الشريف، رشدي اباظة... وكثيرين آخرين. بخلاف اولئك، لم تحمل ملامح ليلى فوزي النعومة والرومنسية. لقد كانت اقرب الى الجمال المتسم بقسوة وخصوصية توحيان بقوة الشخصية بما يتناقض مع هشاشة الشخصيات الرومنسية. في حين ان الاخريات كنا اما جميلات وناعمات واما ناعمات من دون خصوصية في الملامح بل ان الأخيرة كانت اقرب الى العادية التي تجعل المتفرج قادراً على تخيل نفسه في مكان النجم او على الاقل في موازاته. فليلى مراد مثلاً لم تكن جميلة ولكن نعومتها فضلاً الى صوتها بالطبع حولاها نجمة ادوار اولى. في بداياتها، لعبت فوزي الادوار الثانية للصديقة او الزوجة الوفية. ولكنها نادراً ما كانت الحبيبة التي يتفانى البطل في سبيلها. بكلام آخر، لم تتحول رمزاً بل بقيت ملامحها هي الطاغية: خطوط وجه عريض وعينان خضراوان وفم متصلب... ملامح هيأتها للمرحلة التالية في مسيرتها التمثيلية: ادوار الشر. ولكن قبل الانتقال اليها، شاركت في افلام كثيرة بالابيض والاسود من النوع الكوميدي والرومنسي من اوائلها دور البطولة في "ملكة الجمال" عام 1946 الى جانب كارم محمود وفي افلام اخرى مثل "خطف مراتي" مع انور وجدي وفريد شوقي و"ليلى بنت الشاطىء" مع محمد فوزي و"الدخيل" الذي لعبت فيه دور البطولة الى جانب صلاح قابيل وزيزي البدراوي و"من اجل امرأة" مع عمر الشريف عام 1959 و"من اجل حبي" مع فريد الاطرش وماجدة في دور الصديقة التي تقع في حب زوج صديقتها. ومن ادوار تلك المرحلة البارزة دورها في "الناصر صلاح الدين" عام 1963 من اخراج يوسف شاهين حيث لعبت ملامحها الغربية مرة اخرى دوراً في اختيارها لشخصية صليبية. منذ منتصف السبعينات، تراجع ظهور ليلى فوزي الا في ادوار قليلة في "اسكندريه ليه" مثلاً وفي "ضربة شمس" لمحمد خان مع نور الشريف و"الطاووس" مع ليلى طاهر ورغدة حيث تؤدي دوراً صامتاً لسيدة تتميز بقفازها الجلدي وملامحها الجامدة، تلاحق رجلاً داخل قطار بمسدس في يدها. وفي احد حواراتها تعترف بأنها آثرت الابتعاد عن السينما "لأحتفظ بالماضي الجيد". هكذا عوضت بعض غيابها بالتلفزيون. فقد شهدت السينما منذ التسعينات نزوح الكثير من ممثليها الى التلفزيون مع تراجع الانتاج وهبوطه. عادت فوزي الى الظهور في التلفزيون بأعمال عدة ابرزها "الحرملك" و"هوانم غاردن سيتي". مرة أخرى، لعبت السيدة الارستقراطية، الشخصية التي تناسب ملامحها وقامتها بامتياز ولعلها وجدت في تلك الادوار او الاحرى وجدت الادوار فيها ضآلتها اذ انها حافظت خلال سنوات تفوق السبعين على قامة وطلة وإشراقة لا تتوفر الا لقلائل في سنها.فمن المعروف عنها ممارستها رياضات السباحة والتنس والايروبيكس. آخر ادوارها التلفزيونية عملان لم يُعرضا على نطاق واسع هما "فريسكا" من تأليف مجدي صابر واخراج مجدي احمد علي و"بعاد السنين" لمحسن فكري. خلال حياتها، تزوجت ثلاث مرات الأولى من المطرب والممثل عزيز عثمان والثانية من كبير المذيعين المصريين جلال معوض والثالثة من الممثل والمخرج انور وجدي الذي كشفت عن حبها الكبير له في مقابلة تلفزيونية. ولكنها لم تنجب اولاداً. المستقبل اللبنانية في 13 يناير 2005 |