شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

سِيَر الكبار تعكس قساوة الواقع والتوغل في التاريخ عبر شرائط تقول الحياة نفسها

إبراهيم العريس

 

 

 

 

... وماذا لو كانت السينما قد انتظرت مئة عام بالتمام والكمال كي تثأر من «الورطة» التي ورطها جورج ميلياس للفن السابع، وأدت الى «القضاء» بالتدريج على الفنون الأخرى كافة، بل حتى على بعض أصناف الأدب، لحساب صورتها المتحركة؟

... ماذا لو كان عدد كبير من كبار مبدعي فن السينما، من الذين انطلقوا من نهايات القرن العشرين الى بدايات القرن التالي له، قد سعوا، من دون ترتيب مسبق، الى اعادة الفن السابع الى ألق وبراءة بداياته الأولى، يوم كان يسعى الى التحدث، حقاً، عن الواقع، لا عن الواقع الذي أعاد فن السينما، منذ جورج ميلياس على الأقل، الاشتغال عليه ليصبح واقعاً سينمائياً راح يفرض حضوره على مئات ملايين البشر بصفته، هو، الواقع الحقيقي... الواقع البديل لكل واقع آخر؟

لئلا يبدو هذا الكلام أشبه بلعبة كلمات متقاطعة، قد يتعين علينا، بداية، أن نقول ان العام 2004 السينمائي، كان، في السينما الغربية والأميركية في شكل عام، زمناً مفصلياً في توجهات الانتاج السينمائي. طبعاً، لتأكيد هذا، يمكننا ان نبادر الى الحديث عن «الاستثناء» الذي شكّله فوز فيلم مايكل مان «فهرنهايت 9/11» بالسعفة الذهبية في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، مسجلاً بذلك حدثاً لم يسبق له مثيل إلا قبل ذلك بنحو أربعة عقود وفي «كان» نفسه حين فاز فيلم «عالم الصمت» التسجيلي للوي مال وجان - إيف كوستو بالسعفة نفسها. لكن الفارق كان شاسعاً بين الفوزين. إذ صحيح انهما ينتميان معاً الى السينما التسجيلية، ولكن في ما بدا فيلم مال - كوستو، أشبه بقصيدة شاعرية تبتعد عن الواقع سنوات ضوئية حتى ولو كانت تصوره - في أعماق البحار -، بدا فيلم مور غائصاً ليس في الواقع الحي والراهن فقط، بل حتى في وحوله ورماله المتحركة. غير ان «فهرنهايت 11/9» لم يكن استثناء حقيقياً إلا من ناحية فوزه في «كان». ذلك انه اذا كانت السينما قد عاشت في الستينات، ثورة الفيلم الأوروبي (من طريق «الموجة الجديدة» في فرنسا، و«السينما الحرة» في بريطانيا و«سينما نوفو» في البرازيل، بين انتفاضات أخرى)، وإذا كانت قد عرفت في السبعينات ثورة «أصحاب اللحى» في هوليوود (كوربولا وسكورسيزي وسبيلبيرغ ورفاقهم)، فإن أقل ما يمكن أن نقوله عما يحدث للسينما، منذ سنوات هو أنها تعيش ثورة جديدة، هي ثورة سينما الواقع من ناحية وثورة سينما التاريخ من ناحية ثانية، وبينهما ثورة سينما السيرة.

وطبعاً قد لا نكون في حاجة هنا الى أن نقول إن الثورات الثلاث هذه، تجتمع أحياناً في «ثورة» واحدة، طالما ان الشاشة العريضة تستخدم هنا لقول ما حدث «حقاً» في التاريخ، ولا سيما على أيدي سينمائيين يتنطحون بقوة، وإصرار، الى قول هذا التاريخ الحقيقي، وقد آلت السينما على أيديهم، أن تحل، حتى، محل التاريخ والمؤرخين.

قلنا ان هذا يحدث في السينما منذ سنوات عدة، في معنى ان استشراء الظاهرة عند بدايات القرن الحادي والعشرين، ثم تحديداً، خلال العام المنصرم، إنما يأتي في سياق تطور طبيعي صار له هو الآخر تاريخه. ولعل أهم ما يمكن قوله هنا، عطفاً على فكرة أن السينما، أصلاً، لم تتخل أبداً عن التدخل في التاريخ، هو أن تفاقم الظاهرة واهتمام السينما أكثر وأكثر بالتاريخ الحقيقي لا بالتاريخ المتخيل، إنما برزا في شكل كلي الوضوح مع اقتراب القرن العشرين من نهايته، يوم رأت السينما ان من المجالات الواسعة المتاحة لها بأن تتحدث عن كبار الذين عبروا تاريخ البشرية، ثم بخاصة تاريخ القرن العشرين: وهكذا شهدنا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، أفلاماً عن «غاندي» و«شابلن» و«نيكسون» و«عبدالناصر» و«كيندي» وحتى «هوفا» و«مالكولم اكس» بين آخرين. وقد أدى نجاح هذه الشرائط وأمثالها، الى الالتفات أكثر وأكثر صوب ذلك المجال الذي فتح على مصاريعه أمام السينمائيين. وعرف هؤلاء بسرعة كيف يتخطون من ناحية، معظم العقبات القانونية والتقنية، ومن ناحية ثانية، كيف يستفيدون من تطلع ملايين المتفرجين في شتى أنحاء العالم، الى معرفة المزيد - وبأنجع الأساليب الفنية - عن أناس غالباً ما لم يعرفوا عنهم شيئاً سوى أسمائهم ومكانتهم في التاريخ.

إزاء مثل هذه الظاهرة كان من حق بعض النقاد أن يتساءلوا عما اذا لم يكن اللجوء الى تلك المواضيع المنتزعة من الواقع المعيوش نفسه، اعلاناً، عن افلاس المخيلة لدى المبدعين... غير ان الجواب أتى سريعاً لينفي هذا، طالما ان السينما اذا نحت صوب رواية سيرة كبار القوم، لم تتخل في الوقت نفسه عن صنع مئات الأفلام المنتزعة مباشرة من الخيال: خيال السينمائيين مباشرة، أو خيال الكتّاب الذين غالباً ما اقتبس منهم السينمائيون أعمالاً أكدت اتساع الخيال السينمائي أكثر وأكثر (ولعل في إمكاننا هنا أن نذكر بعض أكبر نجاحات العام المنصرم في هذا السياق، من «هاري بوتر» في جزئه الثالث، الى إنجاز ثلاثية «سادة الخاتم»... وما شابه ذلك من أعمال، في المجال التجاري الجماهيري، اضافة الى آخر نتاجات الأخوين كون («قاتلو السيدة») وأمير كوستوريتسا («الحياة معجزة») وبيدرو المودوفار («التربية الفاسدة») وغيرها، في مجال السينما الأكثر جدية والتي باتت، حتى على رغم صعوبة بعض أفلامها، تحظى بجماهيرية واسعة).

إذاً، لا خوف طبعاً على السينما كميدان لتقديم المتخيل. لا خوف على تراث ميلياس. كل ما في الأمر ان السينما أتت، بعد مئة عام من انجازات هذا الأخير الذي رفض «واقعية» السينما ذات حقبة من مساره، لتذكر بشاعرية الواقع وقوته. وهكذا، إذا كنا اعتدنا، في جردة كل عام، على التحدث عن الأفلام الكبيرة، التي أكدت تفوق فن السينما دائماً على بقية الفنون، وبالتحديد: من خلال استيعابها لها... فإن ما يمكن التوقف عنده في هذا العام، استحضاراً للعام الذي ولّى، إنما هو هذان الاتجاهان، أو بالأحرى الاتجاهات الثلاثة، التي ضخت في فن السينما... بل حتى في علاقتها بجمهورها، دماً جديداً... أو متجدداً، مؤكدة - وهذا الأمر جديد بالطبع - أن هذه الأنواع السينمائية، يمكنها هي الأخرى أن تخترق الجمهور، عددياً ونوعياً، كما هي حال السينمات الأخرى التي لطالما انفردت بالميدان السينمائي... ونعني بذلك سينما السيرة، وسينما التاريخ، وأخيراً لا آخراً سينما التوثيق السياسي والاجتماعي.

الحياة اللبنانية في 7 يناير 2005

من مايكل مور الى السيدة نظيرة جنبلاط... السينما التسجيلية تسرق الأضواء مجدداً

اذا استثنينا فيلم ميل غيبسون «آلام المسيح»، يمكننا الافتراض ان فيلم مايكل مور «فهرنهايت 9/11» كان ابرز ظاهرة سينمائية خلال العام 2004 . وليس فقط في المعنى الايجابي، لجهة فوزه بالسعفة الذهبية لمهرجان «كان»، ولجهة اقبال الجمهور عليه في شتى انحاء العالم ثم بخاصة لجهة اتخاذ البعض له، وفي مقدمهم مخرجه، سلاحاً في معركة مقدسة ضد الرئيس الاميركي جورج بوش وحربه على العراق، بل ايضاً بالمعنى السلبي، اذ يرى كثر ان هذا الفيلم، وعلى عكس التصورات، ساهم مساهمة اساسية في انجاح بوش. لا في اسقاطه في انتخابات ولايته الثانية. ويستند هؤلاء الى ان الفيلم خلق حالاً استفزازية ضده في اوساط البيض الاميركيين، اذ بالغ في الاستناد الى الاقليات اللونية والعرقية لخوض معركته، مما جعل ملايين البيض يصطفون الى جانب بوش... غير ان هذه حكاية اخرى بالطبع. المهم هنا هو ان «فهرنهايت 9/11» امعن في يقظة الفيلم التسجيلي، ذي البعدين السياسي والاجتماعي، واكسابه شعبية جديدة، ما كانت له من قبل.

ومع هذا نعرف ان «فهرنهايت 9/11» ليس اول اعمال مايكل مور، وليس اول عمل تسجيلي ينجح هذا النجاح. اذ قبل عامين كان هناك من مور، ايضاً، فيلمه السابق «بولنغ من اجل كولومباين»، وقبله كانت له سلسلة افلامه التسجيلية الاخرى. ولكن، هذه المرة، تبدو الاوضاع مختلفة، اذ يأتي نجاح فيلم مور الجديد، ضمن اطار توجه عام، تنتمي اليه افلام اخرى، مثل «زد قياسي» الذي يصور فيه مخرجه كيف ان وزنه زاد اكثر من 19 كلغ خلال اسابيع قليلة بسبب تناوله وجبات ماكدونالدز. وهناك افلام عدة اخرى حول حرب العراق وضد سياسة الرئيس بوش تحث على منوال «فهرنهايت». وهناك شرائط عدة امضت في المعركة الاجتماعية مثل فيلم «يوم من دون مكسيكيين» و«القبض على آل فريدمان»... وكلها افلام اميركية ذات اتجاه نضالي واضح، قابلتها في فرنسا وغيرها شرائط اخرى تنمو النمو نفسه. بعضها يستضيء بمسيرة مايكل مور، ولكن منها من يحاول اتباع خطوات فيلم فرنسي حقق قبل سنوات بعنوان «ان تملك وان تكون». ولقد شهدت المهرجانات السينمائية، من «كان» الى «البندقية» الى «القاهرة» مروراً بالاسماعيلية ولوكارنو، اعمالاً عدة من النوع نفسه. وكذلك، في سينمانا العربية تجلت الظاهرة عبر شرائط عدة تسجيلية من ابرزها سلسلة «نساء رائدات» من انتاج المصرية ماريان خوري، وشارك فيها من لبنان مخرجان على الاقل هما جان شمعون وسمير حبشي (الاخير قدم فيلماً عن «سيدة القصر» نظيرة جنبلاط).

كل هذا النوع السينمائي لم يكن جديداً بالطبع، فهو معروف وحاضر منذ بدايات زمن السينما. الجديد الحقيقي هو، هذه المرة، التفاف الجمهور من حول هذه الافلام واقباله عليها، ما انعكس مشاريع عدة جديدة، من الواضح انها لو نفذت جميعاً، ستكون من ابرز ما يقدمه فن السينما في العام المقبل، ثم في الاعوام التي تليه. واذا كانت السينما التاريخية، وسينما السيرة المرتبطة بها، جعلتا من العام 2004 عام تجديد هائل ولافت في حياة فن السينما، من المؤكد ان السينما التسجيلية وتجدد الاهتمام بها يمكن اعتبارها مفاجأة حقيقية ما يمكن معه التحدث، حقاً، عن انعطاف كبير وأساسي في مسار الفن السابع. يقربه، من ناحية، من التلفزة، ويميزه من ناحية اخرى عنها.

الحياة اللبنانية في 7 يناير 2005

التاريخ... ولكن كي نقول هواجس الزمن الراهن 

منذ افلامها الأولى، اهتمت السينما بالتاريخ... وطوال قرنها الأول صار التاريخ جزءاً اساسياً من لعبة السينما الى درجة ان «الأفلام ذات الأزياء» كما تسمى في فرنسا، مثلاً، صارت نوعاً على حدة، وعرفت كيف تروي القسم الأعظم من فصول التاريخ، منذ حروب النار، حتى العصور الحديثة. وإلى درجة انه ندر ان عرف التاريخ شخصية كبيرة او حدثاً عظيماً إلا وتحول لاحقاً الى فيلم او الى عدد كبير من الأفلام.

وطبعاً لا يمكن الانطلاق من هنا للقول ان كل تلك الأفلام كانت على مستوى واحد من التوفيق الفني، أو حصلت على المستوى نفسه من القبول الجماهيري. فإذا أضفنا الى هذا انه كان هناك دائماً تمايز في التعامل مع التاريخ المروي في الفيلم السينمائي، يصبح في مقدورنا ان نقول ان النوع التاريخي في السينما، ربما يكون النوع الذي اثار القدر الأكبر من السجالات وضروب الاعتراض، سواء روت الأفلام حكايات حروب أو أمم او شخصيات كبيرة. من هنا، لا يعود امام المرء ان يستغرب كل ذلك الضجيج السينمائي السجالي الذي اندلع خلال العام المنتهي، مرتين على الأقل. مرة لمناسبة بدء عرض فيلم «آلام المسيح» لميل غيبسون، في الربيع الماضي، ومرة ثانية في هذه الأيام بالذات لمناسبة عرض فيلم اوليفر ستون «الاسكندر» في الولايات المتحدة، حيث لم يحقق على اية حال، ارباحاً كبيرة، على عكس ما حدث بالنسبة الى «آلام المسيح».

والحال ان هذا التفاوت بين الفيلمين مبرر منطقياً، وإن كان من التعسف، فنياً، المقارنة بين فيلم تقليدي سطحي تبدو حصة الاستفزاز فيه مقصودة، ويبدو التاريخ مجرد حكاية مكرورة (هو «آلام المسيح») وبين فيلم استثنائي غير عادي، يدخل على رغم ضخامته واستعراضية معاركه وقسوتها، في صلب حميمية بطل الفيلم، بحيث نجد امامنا، ليس بطلاً تاريخياً تتلاقى صورته تماماً مع الصورة المتوارثة عن اول قائد عسكري في تاريخ البشرية، وعن اول فاتح حقيقي شاء غزو البلدان، بل صورة لإنسان تراجيدي يعيش هموماً وهواجس شكسبيرية من ناحية، ويسير من ناحية اخرى في خطوات تنحو الى توحيد ثقافات الأمم والتلاقي بين الشعوب، اضافة الى كائن من لحم ودم يعيش لعبة النبذ والجذب مع امه، ويتحمل مسؤولية مثلية الجنسية من دون وجل، ويطرح على نفسه في كل لحظة اسئلة القلق.

في هذا المعنى يجدد اوليفرستون - على خطى كان سبقه فيها ستانلي كوبريك، حين حقق «باري لندون» ثم حين حلم بأن يحقق عملاً ضخماً عن نابوليون بونابرت - في ميدان السينما التاريخية عبر جعل اسئلة الحاضر حول السلطة وأصحابها، مرمية على الماضي، مما يجعل الاسكندر يبدو معاصراً لنا، أو صورة للموحد كما ينبغي له ان يكون، كنقيض، مثلاً لجورج بوش في غزوه المناطق نفسها - تقريباً - التي فتحها الإسكندر: المنطقة الآسيوية الممتدة من جنوب ما يعرف الآن بتركيا حتى اواسط الهند.

غير ان درس اوليفرستون هذا، لا يمكن تطبيقه في اية حال من الأحوال على بقية ما تبقى من افلام تاريخية عرضت في العام 2004، «فالملك آرثر»، على رغم ضخامته وجماله، يظل من ناحية موضوعه منتمياً الى ما هو تقليدي، الى حد ما، في السينما التاريخية. وكذلك حال «طروادة». وهنا لا بد من الإشارة الى ان افلاماً مثل «الملك آرثر» و«طروادة» إذا كانت قد انطلقت، بالأحرى، من الرغبة في الإفادة من نهم الى سينما التاريخ ابداه الجمهور العريض، إزاء فيلم «المصارع»، فإن «الإسكندر» انطلق من مشروع طويل عريض يشتغل عليه اوليفر ستون منذ سنوات، حول السلطة وهواجسها. ومع هذا تصب هذه الأفلام كلها في خانة واحدة في نهاية الأمر: خانة لجوء السينما الى التاريخ وضخامته واستعراضيته لتنهل منه مواضيعها في اشكال فنية لا يمكن للتلفزيون بعد، ان ينافسها. ذلك ان افلاماً مثل «الاسكندر» و«طروادة» من الصعب تصور امكان مشاهدتها على الشاشة الصغيرة.

ويقيناً ان هذا الأمر في حد ذاته يفتح امام الشاشة الكبيرة مزيداً من الآفاق المستقبلية، او يمكننا ان ندرك منذ الآن ان احد الحلول المطروحة امام السينما لاجتذاب جمهورها، لا يزال يكمن في تحقيق افلام ضخمة، تاريخية غالباً. وفي هذا السياق، يمكننا ان ندرج منذ الآن فيلم «مملكة السماء» لردلي سكوت، هذا الفيلم الذي يتناول الحروب الصليبية، او جانباً منها على الأقل، من وجهة نظر يمكن لنا ان نتوقعها، منذ الان، غربية، مما يذكرنا بالمشروع العربي، عن الحروب نفسها، ولكن عبر حكاية حياة وبطولات صلاح الدين الأيوبي، ونعني به مشروع الفيلم الذي لا يزال يسعى المخرج مصطفى العقاد الى تحقيقه منذ سنوات طويلة، وفي يقيننا ان الوقت حان ليرى النور مشروع يقدم وجهة نظر عربية تصل الى الساحة العالمية ولا يكون جمهورها جمهوراً عربياً وحسب.

الحياة اللبنانية في 7 يناير 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كل الأسماء الكبيرة على شاشات العالم

... قد يكون من المنطقي حسبان فيلم «الاسكندر» لأوليفر ستون (وهو أحد آخر الأفلام الكبيرة التي عرضت - في الولايات المتحدة جماهيرياً، وفي بعض المناطق الأخرى مهرجانياً أو في مناسبات صحافية - عند نهاية العام 2004) ضمن اطار السينما التاريخية، على غرار «طروادة» و«الملك آرثر» وغيرهما من أفلام اعادت متفرجي السينما قروناً عدة الى الوراء...

غير ان من يعرف سينما أوليفر ستون جيداً، ومن يشاهد الفيلم سيدرك بسرعة أننا لسنا هنا أمام شريط تاريخي صرف... بل نكاد نكون أمام عمل شديد المعاصرة لأن ستون حاول أن يغوص من خلاله في هواجسه من حول مفهوم السلطة، على غرار ما كان فعل في «ج.ف.ك» ثم بخاصة في «نيكسون»، فيلميه الكبيرين اللذين ساهما في تأسيس بعض قوانين سينما السيرة، روائياً، ثم في «غير مرغوب به» (عن عرفات) و«الكومندانتي» (عن كاسترو) - وهذان الأخيران ينتميان في الآن عينه الى السينما التسجيلية. ومن هنا أطل ستون على «الاسكندر» بحذق ومعاصرة مقدماً شخصية اشكالية تطرح من حولها تساؤلات عدة وتثير سجالات وليس فقط حتى حول مثلية الاسكندر الجنسية كما حاول بعض الصحافة أن يوحي.

و«الاسكندر» في مجال سينما السيرة، اتى تتويجاً لعام، ظهرت فيه في سينمات عالمية عديدة، عشرات الأفلام التي تحدثت عن أنواع معينة ومتنوعة من كبار الأشخاص الذين عرفهم التاريخ ولا سيما التاريخ المعاصر - أي تاريخ القرن العشرين - وليس في مجالات السياسة أو القيادة العسكرية فقط. فمن فيلم عن حياة الممثل الانكليزي الكبير الراحل بيتر سيلرز، الى آخر عن حياة الموسيقي كول بورتر، الذي اشتهر عند أواسط القرن العشرين في برودواي وفي هوليوود، الى أفلام تناولت حياة السينمائي الفرنسي هنري لانغلو، والممثلة ماريا شل (حققه أخوها ماكسيليان شل)، وصولاً الى يوسف شاهين الذي أرخ لجزء كبير من مساره السينمائي في «الاسكندرية - نيويورك»، عرفت السينما كيف تؤرخ لنفسها ولتاريخها، متساوية في هذا مع السياسة التي أطلت، من خلال فيلم - خيالي - عن «اغتيال ريتشارد نيكسون» (مثله بروعة شين بين)، كما أطلت من خلال فيلم عن سلفادور اللندي، وآخر عن رحلة تشي غيفارا، في بلدان أميركا اللاتينية على متن دراجة بخارية مع صديق له، وهي الرحلة التي أثارت نقمة غيفارا - كما يروي هو نفسه في نص عن الرحلة كتبه باكراً واستند فيلم والتر ساليس اليه لكتابة السيناريو - وحولته من ابن عائلة بورجوازية يدرس الطب في هدوء الى الثائر الذي نعرف.

ترى ألا يمكننا هنا حسبان أفلام مثل «التربية الفاسدة» لبيدرو المودافار، و «1 على 10» و«خمسة» لعباس كياروستامي في السياق نفسه طالما أنها أفلام تقدم جزءاً من سيرة أو تأملات مخرجين على سيرتهم؟

يقيناً ان أفضل ما يمكننا أن نقول هنا هو أن بعض أبرز وأهم مخرجي زمننا هذا، اختاروا الغوص في حياتهم الشخصية، كما في حياة أشخاص عرفوهم أو سمعوا بهم، لكي يحاولوا القاء نظرة جديدة، ليـس فقط على الأزمان التي تولي، بل على الأزمان الراهنة، من منطلق ان التاريخ نفسه - وخصوصاً تاريخ الأشخاص الذين فعلوا في زمنهم - انما هو الوسيلة المثلى لفهم الزمن الذي تعيش فيه. ومن هنا بدا من الصعب جداً رواية حياة شخص ما - كان له دور في تاريخ معين - على الشكال المحايد البريء الذي كان، في الماضي، من سمات تعامل فن السينما مع مفهوم السيرة.

المهم في الأمر أن اقبال المتفرجين على هذا النوع من الأفلام، ساهم في فتح الطريق أكثر وأكثر في اتجاه بروز أفلام اضافية من هذا النوع خلال الفترة المقبلة، إذ - حتى من دون أن نسعى الى استباق الحديث عن أفلام العام 2005 - يمكننا منذ الآن أن نقول إن فيلم مارتن سكورسيزي عن المنتج هوارد هيوز («الطيار» من بطولة ليوناردو دي كابريو)، والفيلم الذي يحقق حالياً عن حياة المغني الأسود الضرير راي تشارلز (من بطولة جيمي فوكس)، والفيلم الموسيقي الآخر عن حياة مغني «الترفانا» المنتحر كورت كوبين، سنكون بعض أبرز عروض المرحلة المقبلة... وربما سينسحب هذا الكلام كذلك على فيلم يحقق عن مارتن لوثر، وآخر - ثان - عن تشي غيفارا، وثالث عن «الاسكندر» هو هذه المرة من بطولة ليونارد دي كابريو، واخراج باز ليرمان، وآخر أيضاً عن واحدة من بطلات مقاومة الغزو الأبيض لحضارات الهنود الحمر في أميركا الجنوبية... من بعض ما سيعرض - في السياق نفسه - خلال المرحلة المقبلة.

فهل يمكننا والحال هذه، أن نختتم هذا الكلام عن سينما «السيرة» من دون أن نشير مجدداً الى فرنسا التي تترقب، بكل وجل، عرض الفيلم الذي يحققه روبير غديجيان عن حياة فرانسوا ميتران؟

طبعاً لا يزال الوقت، هنا، أبكر من ان يتيح لنا الحديث عن هذه الأفلام الأخيرة، إذ ان مكان هذا الحديث هو السباق المسابر لأغوار العروض المقبلة، ولكن من الصعب هنا الفصل بين ما يعرض وما سيعرض، لأن المهم في الأمر هو الظاهرة واستشراؤها... وهذه الرغبة المتجددة لدى الجمهور في القاء نظرة جديدة - تلصصية الى حد ما - على حيوات المشاهير، منظوراً اليها عبر مرشح مبدعي زمننا هذا.

وإذا كان لنا ان نختتم هذا السياق بسؤال، من المؤكد ان السؤال سيطاول رغبات عربية كثيراً ما عُبّر عنها في هذا المجال، ولكن من دون أن تتحقق... هو سؤال يتعلق بمشروع برهان علوية عن «جبران خليل جبران» ومشاريع لا تنتهي تحدثت عن شريط عن حياة أسمهان، وآخر عن حياة مي زيادة، وحتى اليوم لا يبدو في الأفق ما يشير الى ان هذه المشاريع في طريقها حقاً الى التحقق. فقـط يمكن أن يـــكون فــلتـــة الشـوط فــيلم مصري عن حيـاة «عبدالحليم حافظ» يقال دائماً ان أحمد زكي سيمثله... أو فيلم عن حياة هدى شعراوي... فإلى متى ستبقى مثل هذه المشاريع في الانتظار؟

الحياة اللبنانية في 7 يناير 2005