حصاد الشاشات لعام مضى طاهر عبد مسلم |
يبدو مشهد شاشات 2004 بالرغم من كثرة الظواهر فيه، انه امتداد لما سبقه من بضعة اعوام مضت: انغماس السينما بالافلام والموضوعات الاكثر شعبية، بما في ذلك افلام الجريمة والعنف والخيال العلمي والافلام ذات الانتاج الضخم والمؤثرات والتقنيات المتطورة. وعلى هذا كان هنالك اكثر من رأي لنقاد الفيلم في تقييمهم لمشهد نهاية العام وكلهم يجمعون على ان لا انتاج مبهر ومميز يستحق ان يعلقوا عليه ويفردون له المساحات. بالرغم من ان الحقيقة المألوفة هي ان جوائز الاوسكار بضجيجها وبريقها الاعلامي ستكون دوما سببا كافيا لاعطاء (فيلم من الافلام او مجموعة من الافلام اهمية كبرى عما سواه من افلام. وعلى هذا وجدنا ان هنالك تواترا في اعتماد حفلات الاوسكار مقياسا في مدى نجاح فيلم وتفوقه واخفاق أخر. لكن ما هو ملحوظ هو ان الاوسكار كانت وما تزال سببا في مزيد من الرواج التجاري لسلسلة محددة من الافلام دون غيرها. اذن لنتوقف عند ما تمخض عنه اوسكار 2004. اوسكار 2004 لملك الخواتم لقد توجت حفلات اوسكار 2004 سلسلة فيلم سيد الخواتم افضل فيلم ليحصد ما مجموعه احدى عشرة جائزة من جوائز الاوسكار وهو رقم يلفت النظر ويعزز ما حصدته هذه السلسلة من ارباح في انحاء العالم. في سيد الخواتم استغراق فيما ذهبنا اليه من مزج معطيات الخيال العلمي مع الفكرة الاسطورية مع حشد مذهل للتقنيات السمعبصرية والمؤثرات السمعية والبصرية.. لقد تحولت هذه السلسلة الى لون من الوان الادب الشعبي والطبعات الشعبية التي صارت في متناول الكبار والصغار على السواء، وطيلة العام كانت هنالك احتفالات واسعة بظهور هذه الطبعات الشعبية. اذا، سيد الخواتم حصد جوائز الاخراج والتصوير والتمثيل والمؤثرات الخاصة والعديد من الجوائز الاخرى.. وقد دفع هذا الفوز الى ردود فعل متباينة من نقاد الفيلم في استبعاد الافلام ذات الموضعات الواقعية والاجتماعية وتسليط الضوء على افلام ذات ميزانيات ضخمة وامكانات تقنية عالية. سينما العنف التي لا تنتهي وقد حظيت عدة افلام بين صحبة الخاتم والبرجان ثم سيد الخواتم هنالك رواية ج.ر. تولكين حيث تقع الاحداث في بلاد خالية تدعى الارض الوسطى وفي زمن متخيل كليا.. والفكرة كلها تنصب حول خاتم سحري يمنح صاحبه السلطة المطلقة والتحكم في مصائر الاخرين والفكرة ان هذا الخاتم ظل يتنقل من يد الى يد عبر العصور حتى ينتهي الى يد فتى يدعى فرويد..وبموازاة ذلك هنالك ساحر شرير يدعى سارومان يسعى لاسترداد الخاتم مستخدما مخلوقات خرافية تشبه الطيور واخرى تشبه الافيال.. ثم هنالك مجموعة من المحاربين تواجه جيوش الساحر الشرير سارومان.. وتضم ساحرا طيبا وفارسا بشريا وجنيا وخليطا آخر من الشخصيات الطريفة.. وميزة السلسلة وآخرها هذا الفيلم هو اشغال الجمهور بسلسلة لا تنقطع من التفاصيل الجزئية لقد اثير كلام كثير حول فكرة الفيلم غير المباشرة والمتوارية وراء سلسلة احداثه الدراماتكية.. فهنالك رأي مفاده ان ثمة فكرة دينية تتوارى خلف الفيلم وانها تبشيرية داعية الى نشر فكرة السلام. بيتر جاكسن الذي اتحف مشاهديه بهذا الفيلم يقدم صورة اخرى للاشرار الذين لا نعرفهم جيدا لكنهم بكل تأكيد هم غير البيض الذين يقدمهم الفيلم. الجزءين الاولين من الفيلم فشلا في الفوز بترشيحات الاوسكار.. اما الجزء الثالث فقد قطف جائزة احسن مخرج للنيوزيلندي بيتر جاكسن واحسن ممثل لشون بين وتشارلس ثيرون، احسن ممثلة اضافة الى جوائز افضل ازياء وماكياج ومناظر ومؤثرات بصرية وصوت وموسيقى تصويرية ومونتاج واغنية وسيناريو. فيلم محمد خاتم الأنبياء واقعيا ازدادت الحاجة في اوساط الجاليات المغتربة الى ايجاد خطاب يفسر ويجيب عن كثير من التساؤلات التي تثيرها اوساط متعددة في الغرب بالأخص بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر . ذلك ان هنالك الكثير من حملات الأساءة والتشويه المتعمد للمسلمين والعرب ولتاريخهم ورموزهم .وكان من آخر انجازات الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في الولايات المتحدة هي انتاج فيلم الرسوم المتحركة محمد خاتم الأنبياء والذي تم عرضه في العديد من الصالات الأمريكية في شهر رمضان المبارك الماضي . بلغ طول الفيلم 90 دقيقة وانتجته استديوهات ريتش – كريست للرسوم المتحركة واما مخرجه فهو ريتشارد ريتش .يحكي الفيلم اجزاءا من السيرة النبوية قبل البعثة وبعدها حيث يصور الحياة في مكة قبل النبوة ثم يحكي الفيلم كيف تحولت الى مجتمع للأيمان والوحدانية والمساواة وينتهي الفيلم بغزوات بدر واحد والأحزاب . قام الممثل ايلي اوليم بدور ابو طالب عم النبي ( ص) وقد وظفت الشركة المنجة هذه الشخصية المرموقة في المسرح والسينما للترويج للفيلم الذي نال حظا طيبا من النجاح وكان حافزا للمنتجين والجاليت لخوض تجربة جديدة . السينما المصرية لعل الخلاصة التي يمكن الخروج بها من منجز السينما المصرية لهذا العام هو تذبذب انتاجها الذي غلبت عليه الأفلام التجارية والهابطة التي تتضح من العناوين الغريبة التي بدأت تشيع مؤخرا ومنها فيلم عوكل لمحمد النجار الذي يحكي جانبا من حياة شاب يضطر للهجرة ويغامر في ركوب البحر وفيلم فول الصين العظيم من اخراج شريف عرفة الذي يعود الى شخصية محمد هنيدي وهو يغامر هذه المرة بالسفر الى الهند ويواجه هنالك مفاجآت غير محسوبة , ثم فيلم غبي منه فيه لمخرجه رامي امام نجل عادل امام ويعود عادل امام الى الشاشة هو الآخر بفيلم عريس من جهة رسمية من اخراج علي ادريس وشهد العام دعاوٌ قضائية ضد عرض فيلم "بحب السيما" لاسامة فوزي وبطولة ليلىٌ علوي ومحمود حميدة من قبل مجموعة من رجال الدين المسيحيين بدعوٌ اسائته للعقيدة المسيحية كون احداثه تدور ضمن بوتقة الطائفة المسيحية. . بينما قدمت ايناس الدغيدي فيلمها الباحثات عن الحرية الذي نال احدى جوائز مهرجان القاهرة وشاركت فيه ممثلة فرنسية هي نيكول بروديل وقد لفت الأنتباه اليه لبنائه المتماسك ومعالجته المميزة...يبقى الحديث متواصلا حول فيلم يوسف شاهين اسكندرية – نيويورك الذي يؤكد شاهين انه الجزء الرابع من ثلاثيته : اسكندرية ليه وحدوته مصرية واسكندرية كمان وكمان , وقد جابه الفيلم منعا في الولايات المتحدة بينما كان شاهين يعول على عرضه هناك وحتى خوضه سباق الأوسكار ولكن لاجدوى . موقع "ألف ياء" في 7 يناير 2005 |
ازمات الأمبراطورية تسيطر على الشاشات طاهر عبد مسلم (1) مع اطلالة العام الجديد 2005 ثمة اطلالة موازية هي صورة الغد الذي نراه ولا نراه ، نشهد تحولاته ومضاعفاته وبوادره دون ادراك حقيقة ماسيكون عليه ، غصت الشاشات بصور العصف الزلزالي والطوفان الذي يغمر بلادا شاسعة من قارة آسيا ، اعادت تلك الصور الي الأذهان صورا اخري كانت قد قدمتها السينما طويلا من خلال افلام الكوارث الطبيعية وفورات البراكين ولعلنا لاننسي الفيلم ذائع الصيت تويستر الذ ي قدم مشاهد مروعة لسطوة الطبيعة وفتكها ومرت في افلام اخري قصة الأمبراطورية التي لاتريد التوقيع علي اتفاقية كيوتو حول الأحتباس الحراري ممعنة في تجاهل مايطرأ علي هذا المناخ ومايتعرض له بالتفجيرات تحت الأرض والتجارب الصاروخية وخوض الحروب. الطبيعة في تجلياتها المجهولة كانت دوما مصدر قلق لأرتباطها بالمجهول , من هنا صرنا ازاء حوادث طيران وغرق سفن مما تكرر علي الشاشات وكانت الجبال الشاهقة والبحار هي التي تلتقط هؤلاء الذين وقعوا ضحية تلك الحوادث المأساوية. نحن مأزومون في وسط هذا الواقع والأمبراطورية مستهدفة مرارا عبر فيلم الأستقلال وعصبة من الأشرار وكانت بواكير السينما شاهدة علي هذا القلق من غدر الأغيار ...ايا كان هؤلاء الأغيار ابتداء مما يسمونهم الهنود الحمر وماهم هنود ولا حمر ، مؤخرا اتحفونا بالقصة ذاتها عن الصراع المثالي صراع الخير ضد الأشرار في فيلم جورانيمو ، القصة واحدة : ان هنالك عدوا ما يتربص بالأمبراطورية سواء عبر المخبأ من الأسلحة ام بالأرهاب ام غزو الأغيار والأقوام القادمة من الفضاء. في كل الأحوال لم تشأ هوليوود يوما ان تقدم ملة او قوما علي ماهم عليه في الواقع ولذا احتج عليها اليابانيون والهنود والمسلمون والأتراك وحتي ابناء جلدتهم من الأوربيين. لقد كان القلق الأفتراضي مما هو آت شغل شاغل للدراما الهوليوودية وبما في ذلك القلق من ثورة الطبيعة التي تتساوق مع غدر الآخرين وتحت مبدأ بدأ يرسخ ومفاده : انهم يكرهوننا ، انهم يغارون من حضارتنا ويضيقون ذرعا من اسلوب حياتنا. لم تشأ الأمبراطورية التعرف علي : لماذا يقع هذا الأنقسام الحضاري وهذا البغض ولم تتحد الطبيعة مع الأشرار لصنع عدو ما فتئنا نشهد خداعه وشراسته. (2) عدو الأمبراطورية قد يظهر من الداخل .. من اناس لايدركون قيمة دور الأمبراطورية ولذا يخطأون في تفسير ذلك الدور ، في فيلم عدو الدولة يقود جون فويت قافلة من العملاء والمخبرين من اجل تحقيق استراتيجية يسير عليها ، وعندما يقف نائب في مجلس الشيوخ في طريقه بالأختلاف معه في ما هو مقدم عليه فأنه لايتورع عن حقنه بأبرة سمية ويقتله علي الفور ثم تتوالي فصول ملاحقة الذيول والفلول , احد هذه الذيول عميل مخضرم كان مقيما في ايران الشاه وكان يشرف فيما بعد علي تجهيز وتمويل العمليات ضد الروس ابان الغزو السوفيتي لأفغانستان ، ولسبب او لآخر ينتهي دور العميل النشط ، يؤدي الدور الممثل ذائع الصيت جين هاكمان ، يقول انه وجد نفسه هكذا ، منسيا منذ العام 1980 ورقما مهملا ... لم يسأل عنه احد ولم يتابعه احد ..ولهذا يقرر ان يتخذ لنفسه طريقا قد لايتناسب بالضرورة مع اهداف وطموحات الأمبراطورية ، وخلال هذا وعندما يجد المسؤول الكبير - فويت - نفسه انه مطالب بالوصول الي اعدائه بأية وسيلة ومهما كانت درجة الوحشية والسوء فيها ، فأنه يفعل ماهو ضروري ويأمر معاونيه ان ينفذوا الأوامر دونما ادني تردد .. والملاحظ في الوقت ذاته انه كلما ازداد اعداء الدولة ضراوة كانت الأمبراطورية تندفع بكل قوتها وثقلها للقضاء عليهم وتخرج من كل صراع بأقل الخسائر وهو امر ملفت للنظر حقا. (3) وبعد هذا ... فأن الأمبراطوريه سوف تواجه يوما حقيقة مرة كما سيواجهها العالم في اجياله المقبلة ، حقيقة نضوب موارد الطاقة في اعقاب صراع الجبابرة النوويين الذين سيخلفون وراءهم هذه الحضارة - افتراضا - وهي اثر بعد عين ، اجل ، سوف تنسحق الحضارة بوساطة هذه الترسانات النووية الهائلة المتصادمة ، وسيبقي هنالك نموذج او رمز يحيل الي الأمبراطورية : ثلة من الأفراد الهائمين علي وجوههم الذين فازوا ببئر نفطي او محطة وقود ، تلك هي خلاصة فيلم ماكس المجنون بأجزائه التي ظهرت قبل سنوات وتحديدا عامي 1979 و 1985 علي التوالي ، هو مثال آخر من امثلة الفوبيا المستحكمة ، الفوبيا من الغد والخوف من الآخر والخوف من نزعة الأنتقام ، والحاصل ان الأمبراطورية حتي وهي في حالة النضوب والتقهقر في هذا الهباء الصحراوي الذي تعيش فيه الا انها ستبقي تدافع عن نفسها وافرادها القلة المشتتون المشوشون سيبقون علي العهد بهم ذائدون شجعانا عن حوض النفط او محطة تعبئة الوقود. لا يتسع تفسير الظاهرة سيكولوجيا في هذه المساحة لكن الحقيقة المؤكدة هي ان اللاوعي الذي يشغل مساحة من حركة الأمبراطورية هو لاوعي معذب وشقي - علي الشاشة بالطبع - وملاحق بأشباح شتي واعداء كثر والطبيعة احدهم بكل تأكيد. علي هذا سارت هذه الأمبراطورية في عرض نفسها فنيا وجماليا. موقع "ألف ياء" في 7 يناير 2005 |