هاشم النحاس |
في ندوة بنادي الجسرة كيف عالجت السينما العربية العنف ضد المرأة؟ سيدي محمد-الدوحة أقيمت في دوحة قطر ندوة تحت عنوان "العنف ضد المرأة في السينما العربية" شاركت فيها المخرجة المصرية إيناس الدغيدي والكاتبة الكويتية ليلى العثمان والناقد السينمائي عبد الرحمن محسن. وبدأت ليلى العثمان الحديث بالندوة التي استضافها نادي الجسرة الثقافي الإجتماعي، أكدت من خلاله أن العنف ضد المرأة ليس فقط في المجتمعات العربية بل هو ظاهرة تمتد عبر السنين وفي كل المجتمعات وقد تكون أكثر انتشارا وقساوة في المجتمعات الأخرى. وأشارت الكاتبة الكويتية إلى أن هذا العنف يأخذ أشكالا متعددة تبدأ منذ ولادة المرأة بختانها مرورا بحرمانها من حرية الخروج من المنزل والرعاية القاسية من الأبوين بعكس ما يعيشه الابن, كما أنها تحاصر كذلك وهي صغيرة بواجبات منزلية تجعل منها خادمة لتحرم أحيانا من التعليم. وأكدت ليلى العثمان أن أشد أنواع العنف التي تقع على المرأة هو العنف النفسي مثل خيانة الزوج لزوجته أو زواجه عليها بدون مبرر أو تعليقها وإهانتها وحرمانها من أطفالها في حالة ما إذا رغبت في الطلاق من الرجل. وأوضحت أن السينما مثلها مثل الرواية تماما قدمت نماذج حقيقية وساهمت كوسيلة إعلامية هامة في معالجة هذه المشاكل الإجتماعية وإن لم تخل أحيانا من جانب سلبي, ونفت أن تكون السينما ظلمت المرأة موضحة أن السينما مثل الرواية لا تخلو هي الأخرى كشكل من أشكال الأدب من رصد الصور الفظيعة للعنف ضد حواء. وقدم الناقد عبد الرحمن محسن تصورا جادا ومؤثرا لمظاهر العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية في صناعة السينما، كما هو الحال بالنسبة لأفلام "دعاء الكروان" الذي ألف روايتها عميد الأدب العربي طه حسين و"الكرنك" و"زوجة رجل مهم" و"خلف الأبوب المغلقة" وأخيرا فيلم "عفوا أيها القانون". وأشار إلى أنه بالرغم من أن السينما العربية هي سينما ذكورية فإنه كان لقضايا العنف ضد المرأة حظ كبير من رسالتها الإجتماعية. من جانبها أكدت إيناس الدغيدي أن العنف أصبح ظاهرة أساسية ضد الرجل والمرأة معا لكنها أشارت إلى أن أكبر أنواعه ضد المراة وهو مصادرة رأيها، ملمحة إلى ما تتلقاه أعمالها من انتقاد لمجرد أنها - بحسب قولها- رأي مخالف للرأي الآخر أو عمل أنثوي من داخل جحيم المرأة. وأكدت أن هذا العنف الفكري هو محاولة لتشويه الآخرين أخلاقيا دون التأكد من حقيقة ما ينسب إليهم من أعمال وإبداعات. وقالت المخرجة المصرية إنه رغم أن الرجل الغربي أكثر عنفا تجاه المرأة من الرجل العربي فإن المرأة تأخذ حقها في الغرب أكثر من صاحبتها بالعالم العربي, مؤكدة أنه لا بد من سن قوانين تحفظ الحقوق بما يضمن على الأقل حق حرية التعبير. وشهدت الندوة في ختامها بعض النقاش الحاد بين المخرجة وبعض الحضور الذي اعتبر أنها كسرت بعض المسلمات الأخلاقية والدينية للمجتمعات العربية والإسلامية, وهو ما نفته المخرجة التي أشارت إلى أن أعمالها شوهت بقصد من أناس لا يريدون أن يسمعوا أو يفهموا حقيقة ما يقدم على الشاشة. _________________
الجزيرة نت 6 يناير 2005
|
بعيداً عن الثرثرة المعهودة (بالصوت والصورة) في أفلامنا المصرية (والمسلسلات التلفزيونية طبعاً)، وبعيداً من مشاهد «الروح» المطولة التي تسربت إلى أفلامنا باسم الشعبية، وفواصل القفشات الملفقة لاستجداء ضحك الجمهور، يغامر المخرج سعد هنداوي بتقديم فيلمه الطويل الأول «حالة حب». وسعد هنداوي مخرج شاب كشفت أفلامه القصيرة السابقة عن موهبته، بداية من مشروع تخرجه «زيارة في الخريف» عام 4991، ومنها «يوم الأحد العادي»، وحصل بها على عدة جوائز محلية ودولية عدة. وفي «حالة حب» يواصل هنداوي تحقيق ذاته ويؤكد حديثه واجتهاده سواء على مستوى المضمون أم المعالجة الفنية. قصة الحب في الفيلم - على رغم رومانسيتها - لا تنزلق نحو إغراءات الرومانسية الهشة التي يغلب عليها الطابع الميلودرامي، كما في أفلامنا القديمة. العلاقة بين الفتى (هاني سلامة) والفتاة (هند صبري) علاقة عصرية تتميز بالندية بين الطرفين، كل منهما له شخصيته القوية المستقلة المتماسكة. الفتى مصري يعمل مخرجاً للإعلانات والأفلام التسجيلية في قناة تلفزيونية، والفتاة تونسية تعمل في الصحافة. يلتقيان في باريس حيث تربى الفتى مع والده الذي ضاق بالعيش في مصر، التي رحلت إليها الفتاة بعد انفصال والديها. وقصة الحب في الفيلم لا تأتي لذاتها منفصلة عن الواقع المعاش (كما هي الحال غالباً في أفلامنا القديمة.. والحديثة أيضاً)، وإنما تأتي ملتحمة بما يجري من تحولات في العالم اليوم بين الشمال والجنوب. ومن خلال تواجد الفتى والفتاة في باريس يطرح الفيلم من البداية قضيته الأساسية عن هجرة العرب إلى أوروبا وأميركا ويناقش وضع الإنسان العربي في الغرب. فنرى صديق الفتى الذي يتعرض للضرب المبرح، ويموت وحيداً في شقته حتى تفوح رائحة العفونة من جثته. كما نرى ما تواجهه الفتاة من صعوبات في عملها الصحافي، خصوصاً أنها تعارض بكتاباتها وجهة نظر الغرب العدوانية تجاه العرب والمهاجرين اليوم. أما الأب الهارب من ضيق الحياة في مصر على أمل تحقيق فرصة نجاح في المهجر في باريس الجنة الموعودة، فلم يحقق غير الفشل. ويقوم بدوره الممثل القدير محمد مرشد الذي اختفى عن التمثيل زمناً طويلاً. وسبق أن عولجت قضية الهجرة والمهاجرين العرب إلى أوروبا في أفلام مغاربية (من تونس والجزائر والمغرب)، منذ أكثر من ربع قرن. («السفراء» مثلاً إخراج ناصر القطاري من تونس 5791). ولكن لعلها المرة الأولى (أو الثانية بعد فيلم «أميركا شيكا بيكا») التي يتطرق إليها فيلم مصري ويجعل منها قضيته الأساسية، وذلك بعد أن أصبحت فكرة الهجرة بين المصريين واقعاً يداعب خيال الشباب ويقدمون عليها لأول مرة في التاريخ. واستطاع «حالة حب» أن يقدم وجهة نظر مصرية معاصرة. وجاءت رؤيته متوازنة ولم ينزلق إلى «شيفونية» مضادة للهجرة أو رومانسية تجعل منها الجنة الموعودة. وانتقد الهاربين من أصحاب الهجرة العشوائية. وإن أشفق على حالهم. وعندما ينتقل الفتى إلى القاهرة ليبحث عن أمه وأخيه بمصاحبة فتاته التي تشعر بحاجتها إلى هذه الرحلة معه، يقدم الفيلم أفضل مشاهده. بخاصة مشهد التعارف بين الأخوين في حفلة عيد ميلاد. ويبدأ بتبادل النظرات بينهما أثناء اشتراكهما في رقصة جماعية. وتبدو حساسية المخرج العالية في إخراج هذا المشهد، باختياره الدقيق لاحجام اللقطات والتقطيع بينها بإيقاع خاص مع توجيه الحركة مع الموسيقى، بحيث يقتنع المتفرج تماماً كما لو أن هناك قوة مغناطيسية خفية بينهما تكشف كلاً منهما للآخر وتجذبه نحوه وهما يتبادلان النظرات ثم يتجهان إلى الشرفة ليحتضن كل منهما الآخر تحت المطر ويتم التعارف بينهما من دون حاجة الى أي كلمة. وكان للموسيقى دور رئيسي (وضعها يحىى الموجي). كما نجح المخرج في أن يجعل اللقاء بين (هاني سلامة) وأمه (مها أبو عوف) لقاءً شديد العاطفة، اذ تفاجأ الأم بوجود ابنها الغائب على باب شقتها. وتركز الكاميرا على أصابع يدها وهي تضغط على ظهره الذي تحتضنه وتتحرك الكاميرا لأعلى مع حركة اليد حتى تصل إلى وجه الأم في لقطة قريبة تجسم ملامح الوجه التي تعبّر برقة متناهية عن مشاعر الأمومة الداخلية في مثل هذا الموقف. وتنتقل الكاميرا بالتبادل بين وجه الأم ووجه الابن لتكشف عن تعبيرات كل منهما تترفع من مستوى المشهد إلى درجة عميقة من العاطفية من دون الانزلاق إلى الميلودراما لينتهي المشهد بتدخل (تامر حسني) ودعوة مرحة الى العشاء. ومن المشاهد الجديرة بالذكر أيضاً مشهد مفاجأة (هاني سلامة) لابيه (محمد مرشد) بمكالمة من طريق «الموبايل» يخبره بعثوره على النصف الآخر من الأسرة، وعندما يلمح عدم استعداد أمه لقبول الدعوة للحديث مع أبيه، يقدم الموبايل لأخيه (تامر حسني) حتى يرد على الأب، لكن أخاه الذي يضع الهاتف على أذنه يتردد في الاستجابة لنداء الأب المتكرر على الطرف الآخر من الخط في باريس. وأخيراً لا يستطيع ويعيد الجهاز لأخيه. وينقلنا الفيلم في اللقطة التالية للأب تحت «الدش» ثم أمام مرآة «الحمام» التي يحاول أن يرى فيها وجهه المختفي وراء ضباب البخار المتكاثف على سطحها. ولا يخفي على القارئ كما لم يخف على المشاهد عمق المعاني وثراء الأحاسيس الإنسانية التي عبرت عنها هذه اللقطات. ويرجع الفضل إلى المهارة في تنفيذها التي تضافر فيها عمل الإخراج مع التصوير مع الأداء التمثيلي مع المونتاج مع الموسيقى. وبالانتقال إلى القاهرة، يتضح الخط الدرامي الذي يربط بين الأحداث وكنا نفتقده أو نكاد في ما سبق. ويواصل الفيلم مناقشة قضيته الأساسية من خلال ما يجد من أحداث. الأخ الأصغر (تامر حسني) يعمل بالغناء، يرفض عروض التجار من المنتجين الذين يريدون أن يفرضوا عليه «نيولوك» وأغاني استهلاكية لها طابع غربي. ومن خلاله نتعرف الى صديقه (شريف رمزي) الذي يحلم بالهجرة إلى أميركا. ويتورط مع فتاة أميركية (دنيا) في توزيع المخدرات على أمل أن تأخذه معها إلى أميركا. لكنها تهرب في النهاية، ويقع هو في قبضة الشرطة بعد أن كاد يودي بصديقه (تامر حسني) إلى المصير نفسه. وإلى جانب هذه الأحداث المتعلقة بالأخ وصديقه وترتبط بفكرة الهجرة والمواطنة، نجد من الأحداث الأخرى ما يمد النقاش حول فكرة المواطنة أيضاً ولكن من زاوية مختلفة، حينما يقوم الفتى (هاني سلامة) بتصوير بعض أطفال الشوارع ضمن مشروع فيلم تسجيلي يخرجه عنهم، ما يوقعه في مشكلات مع بعض المواطنين والبوليس. ويثور الخلاف بينه وبينهم على موقف المواطن من مشكلات وطنه. وتثار الشكوك ضده بخاصة من أخيه (تامر حسني) الذي يشتبك معه بالأيادي ويتهمه بالخيانة وبيع عورات الوطن للأجنبي. وهي الاتهامات التي يرفعها البعض في الواقع في وجه كل من يتعامل مع الأجانب أو يقبل مساعدتهم. وبذلك يمس الفيلم أوتاراً حساسة كان من الجدير به أن يفتح ملفاتها. وأحسن الفيلم حينما تم الصلح بين الأخوين من دون غلبة رأي أحدهما على الآخر تاركاً المناقشة مفتوحة، وهو ما يكشف عن أسلوب المعالجة الفنية للفيلم بمنح المشاهد فرصة التفكير بعيداً من الحلول الجاهزة والأحكام النهائية القاطعة، فضلاً عن الحكم والمواعظ المعهودة (في أفلامنا القديمة مرة أخرى). ويرجع الفضل في ذلك إلى سيناريو أحمد عبد الفتاح الذي يعتبر هذا الفيلم أول أعماله ويدل على موهبة أصيلة نأمل أن تجد فرصتها كاملة في سينما تتوق إلى كتاب سيناريو يجمعون بين الجدية والموهبة. غير أن الفيلم بحرصه الشديد على تجنب الثرثرة وقع أحياناً في الأخطاء المقابلة. فالمشاهد القصيرة جداً التي لجأ إليها في أول الفيلم لا تسمح للممثل بإبراز مهارته في الأداء. ولا تسمح للمشاهد باستيعاب الموقف. والانتقال السريع بينها يؤدي إلى ارتباكه بخاصة أن الانتقال المكاني بين باريس والقاهرة كثيراً ما كان مجهلاً في بدايته. يضاف إلى ذلك أن الجزء الأول من الفيلم غلب عليه الطابع التقريري وافتقاد الخط الدرامي، مما قد يفقد تجاوب المتفرج معه. كما أن دور (هند صبري) بعد انتقالها إلى القاهرة أصبح باهتاً. ولم يستثمر درامياً دور الفتاة التي أحبها (تامر حسني). والصورة في الفيلم وإن كانت تبدو محكمة الصنع إلا أنها تبدو أحياناً مشابهة لمثيلاتها في الأفلام الأجنبية والفرنسية بخاصة سواء في التكوين أم حركة الممثلين. ولم يستطع الفيلم التخلص من النهاية التقليدية الشائعة الآن وهي النهاية بأغنية، على رغم نجاحه في التخلص من عناصر تقليدية أخرى على نحو ما بيّناه، وهو ما أضفى عليه القيمة وجعله فيلماً مختلفاً يستحق المشاهدة والتأمل، ويتمتع بقدر من الجاذبية. الحياة اللبنانية في 7 يناير 2005 |