د. صبحي شفيق يكتب تأملات في سنة انقضت: عام.. بأي فن عدت يا عام؟! |
ونحن نطفئ الأنوار مع نهاية شهر ديسمبر، لنستقبل أولي إشعاعات العام الجديد، هل خطر ببالنا أن نسأل أنفسنا، مازالت عيوننا مغمضة «هل أدت أحداث عام مضي إلي طفرة في وعينا بالواقع؟ في قدراتنا علي التعبير عن أنفسنا؟» هنا تتحدد معالم كشف حساب دقيق، وعفوي في الوقت ذاته، لما يشكل حصاد عام. وفي مجالنا مجال العلوم البصرية ـ السمعية، من سينما وسينما تفاعلية، وتليفزيون، وتليفزيون تفاعلي، ومسرح بعناصره السينوجرافية، والحركية وأداء ممثيله، في مجالنا هذا أي جهود بذلت كي ننتقل من مرحلة إلي أخري كي تتسع رؤيتنا في الأنشطة الفنية المتعددة؟ لم تضع أجهزة إعلامنا في حساباتها «قانون الطفرة» بل عملت علي «تدشين» ما هو موجود في العام الماضي، والذي قبله والذي قبل قبله، باستخدام منطق «المطلق» معبرة عنه بآلية: «افعل التفضيل» فقد وجهت قنوات التليفزيون وكذلك قنوات الإذاعة استفتاء للمشاهدين وللمستمعين، أسئلته هي: «من أحسن ممثل في 2004؟» ما أحسن فيلم؟ من أحسن ممثلة؟ إلخ.. إلخ. بديهي أن الرد سيكرس نجومنا الذين نحبهم، ونحن نحبهم لقدرتهم علي التعبير ولتلقائيتهم المحكمة، ولكل عناصر الجذب التي هي ثمرة مشاهدات متوالية لأعمالهم جعلتهم وجعلتهن يتخذون ويتخذن مكانا مميزا في وجداننا. وليس هذا المقياس الموضوعي للوعي بما أضافته جهود فنانين وكتاب وفنيين في عام مضي. السؤال الجوهري هو: «هل تغيرت صورة الشاشة؟» هل تفتحت مواهب جديدة علي خشبة المسرح؟ هل تحررت مسلسلاتنا من الأنماط والشخصيات الكليشيهية وكشفت عن وجوه جديدة هي نحن هي أولادنا هي من يحيطون بنا؟ والرد هو: رغم آلية الإخراج في مسلسلاتنا ورغم تسطيح التشكيل والميزانية، ورغم انعدام حساسية الضوء والظل واللون، رغم كل ذلك، فقد حدث تغيير جذري في أداء الجيل الجديد من الممثلين: فتحي عبدالوهاب في «الدم والنار» ومحمد رجب في «لقاء علي الهواء» ومي عز الدين في نفس المسلسل وألفت عمر في دور الطبيبة في «ملح الأرض» وتألقت وجوه لم تكن في الأعوام السابقة تقوم إلا بأدوار «السنيد» مثل نشوي مصطفي في دور شقيقة محمود المصري، ومروة عبدالمنعم في «عباس الأبيض» وكذلك ممثلة جديدة، لديها شحنات تعبيرية قوية علي وعي بالأداء أمام الكاميرا، هي التي قامت بدور ليلي ابنة عباس أضف إليهم محمد الشقنقيري المتأرجح بين السلفية المسماة ـ خطأ ـ بالأصولية، والتي توصلنا إلي مجتمعات إرهابية وحيدة البعد. لقد كان رائعا حقا، وأروع منه «صفاء الطوخي» بعفويتها ودخولها في جلد شخصية الأم. أين هؤلاء في استفتاءات أجهزة الإعلام؟ ثم في مجال الإخراج، سينما أو فيديو، السؤال هو: «من المخرجون الجدد الذي كسروا الجمود الآلية، السائدة في هذين الفنين منذ عشرات السنين؟». ولا يسأل هذا السؤال إلا من هو علي وعي بضرورة تطور أشكال التعبير الفني مع دخول تقنيات جديدة من ناحية، ومع ظهور شرائح اجتماعية غير نمطية من جهة أخري، علي سبيل المثال: مهنة اللوجيسيل، أي البرمجة ومهنة صيانة الأجهزة الإلكترونية من كمبيوتر إلي دش، هذا بالإضافة إلي اتساع رؤيتنا للعالم، ففي بيوتنا نستطيع أن نري ما يحدث في أي بلد أوروبي أو آسيوي أو أمريكي أو عربي، عن طريق الفضائيات ولم تكن مثل وسائل الاتصال الكوكبية هذه متاحة لنا في طفولتنا فاتصالنا بالآخر يحدث عبر الإذاعات المختلفة، وغير إذاعتنا المصرية لم يكن يهتم بالـ BBC مثلا سوي المشتغلين بالإعلام وبعض السياسيين. الخروج من مجتمع مغلق علي خصوصيته إلي مجتمع يقع ـ شاء أم لم يشأ ـ علي محيط اقتصاد تتحكم فيه العاصمة ـ مركز العالم «الميتربول» والصراع من أجل استعادة الهوية الثقافية يتطلب أشكال تعبير جديدة في السينما أو في المسلسل التليفزيوني. ففي المجتمعات المغلقة وحيدة البعد، مركز الدراما هو: «المنزل» أي الزواج والطلاق والحب والمكائد الخفية ومشاكل الأولاد في سن المراهقة، ومشاكل البنات في سن الزواج، باختصار: «معاناة الأسرة» كخلية قائمة بذاتها. ولأن السينما اخترعت لتكبير تفاصيل ما حولنا، لنكون امتدادا لحواسنا، ففي مجتمع وحيد البعد، يصبح الإخراج محدودا بحدود مفردات البيت، والشارع، ومن هنا الديكوباج «التقطيع إلي لقطات في المشهد الواحد» أقول يكون الديكوباج قائما علي معمار البيت والانفراج بالخروج إلي الشارع ويترجم ذلك بردود أفعال الشخصيات. شخص يشغل الشاشة كلها، أخر يرد عليه بنفس الحجم، ينهض اثنان فترتفع الكاميرا معهما وتوصلها إلي باب الخروج أو باب حجرة، في كلمة: إنه الرسم علي مربعات، أي التساوق الآلي «السيمترية». أما المجتمع فهناك باستمرار ما هو خارج المشهد «Off Scene» لأن من هو في هذا المكان همومه متوقفة علي ردود من الخارج، ولأن تطور تقنيات التصوير قد أوصلتنا إلي التحرر من السينما الوصفية، حيث تشرح لنا الكاميرا عناصر المشهد: هذا فلان إنه يتحدث مع X إنه يخرج إلخ.. بينما الإخراج الحق وهو كيف تري كل شخصية من حولها، من هو خارج مكانها، ثم: كيف تري منها؟ هنا تصبح الكاميرا بديلا لنظرة كل شخصية ويتحول المكان من معمار سيمتري «مربعات» إلي مكان دائري حلزوني، والصدمات البصرية هي التي تفجر شحنة دراما كل موقف. في العام الذي ولي، يقترب من هذا المفهوم هالة خليل في فيلمها «أحلي الأوقات» وسعد هنداوي في فيلمه «حالة حب» وإن كانت السذاجة تبدو في ركيزتين للسيناريو ـ شخصية الأمريكية وشاهد البوليس الفرنسي، ونفس سذاجة السيناريو تجدها في فيلمين هما «حبك نار» لإيهاب راضي ـ و«كان يوم حبك» لإيهاب لمعي، بينما الإخراج يشير إلي بداية مخرجين رائعين. وإذا سألنا: أي نجوم جدد قدمتها سينما 2004؟ لن نجد سوي «نيللي كريم» في فيلم خالد يوسف «انت عمري» و«دنيا» في فيلم سعد هنداوي. ولم يشر أي استفتاء للتجارب المسرحية الجديدة، ولم يذكر أحد عملين هما بداية لمسرح مصري معاصر بحق: «ثورة الشطرنج» إخراج ناصر عبدالمنعم عن نص لنبيل خلف، و«صرخات يومية» تأليف وإخراج حسام محب. وكل عام وأنتم بخير جريدة القاهرة في 4 يناير 2005 |
مخرج علي الطريق.. غرفة صناعة السينما.. لماذا؟ محمد خان أرجو ألا يتخيل المواطن العادي أن «غرفة صناعة السينما» هي بالفعل غرفة يتم بداخلها صناعة السينما. الواقع أنها عدة غرف وقاعة اجتماعات ومكاتب وأوراق ودوسيهات وسجلات وأدوات مكتبية وأختام يعمل بها موظفون يتبعوا رئيس ونائب مجلس إدارة. كل هذه العناصر المفترض أنها مكرثة من أجل خدمة وحماية صناعة السينما في مصر تمول باشتراكات شرعية وجبرية علي المنتجين والموزعين إلي جانب رسوم لكل ورقة تستخرج سواء صغيرة أو كبيرة إلا أنها دائما تمنح علي مسئولية طالبها. وإذا كانت الشرطة في خدمة الشعب فالغرفة هي في خدمة صناعة السينما، ولكن بينما الشرطة بأقسامها ووكلاء النيابة تحمي الشعب من أي خطر أو معتد أو سلب حقوق المواطن فغرفة صناعة السينما تكتفي بطرح شروط ومبادئ فقط وساعة الجد لا يجد المنتج المصري من يحميه وتصبح الأوراق والشهادات والسجلات والأختام بلا قيمة فعلية. وكي لا يعتقد البعض أنني أكتب من الخيال، فأحب أن أؤكد لهم أن ما اكتبه هو نتيجة واقع أعيشه من تجاربي كمنتج لفيلمين «فارس المدينة» و«يوم حار جدا». وقد تم إنتاج هذين الفيلمين بسلف من شركات التوزيع وبيع حقوق الفيديو والتليفزيون لمدد محددة حسب التعاقدات التي تسجل في غرفة صناعة السينما. وفي العادة يستغرق عدة سنوات حتي إن تسدد سلف التوزيع قبل أن يعود إلي المنتج بأي ربح، وفي الأغلب يكون من القنوات الفضائية. وأي اتفاق أو بيع حقوق يكسب شرعيته بشهادة تصدرها الغرفة تؤكد ملكية وحق البائع في التصرف بالفيلم الذي يمتلك حقوقه وبناء علي العقد الأصلي المسجل لديها. لذا حينما اكتشف عرض أي من الفيلمين في قنوات فضائية بالرغم من انتهاء مدة التعاقد مع الطرف الحاصل علي هذه الحقوق وأواجه مسئولي هذه القنوات أجد أنهم قد حصلوا علي هذه الحقوق مسنودة بشهادات من الغرفة. السؤال هو كيف تصدر الغرفة مثل هذه الشهادات دون الرجوع إلي العقود الأصلية التي من المفترض أنها تحميني من انتهاك حقوقي الشرعية؟ وهل الغرفة ستعوض خسائري أو حتي تعاقب المتعدي علي هذه الحقوق؟ الحقيقة أنها لا تعوض ولا تعاقب وتكتفي أحيانا بالعتاب بينما ما يحدث هو جريمة تصنف تحت بند السرقات. ففي مقدور غرفة صناعة السينما اتخاذ خطوات صارمة وبالتالي عادلة تحمي بالفعل حقوق أعضائها وتتجاهل المصالح المشتركة بين بعض المنتجين والموزعين والقنوات الفضائية ولا تترك الحلول للمحاكم فتفقدها مكانتها وهيبتها وتصبح مكاتب الشهر العقاري أكثر فاعلية وشرعية لحماية حقوق المنتج. جريدة القاهرة في 4 يناير 2005 |