شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

مؤكدا أنه الأكثر توفيقا في التعبير عن أدب «يحيي حقي» سينمائيا

كمال عطية:

«قنديل أم هاشم» التزم بالرواية بنسبة 100%

أجري الحوار: أسامة عبدالفتاح

 

 

 

 

 

 ظاهرة غريبة لها تاريخ طويل وتفاصيل عجيبة

أغنية في فيلم تتحول بقدرة قادر إلي ألبوم في السوق 

لسنا بصدد أسطوانات كبار نجوم الفيلم الغنائي والاستعراضي أمثال «أم كلثوم» و«فريد الأطرش» و«محمد فوزي» و«عبدالحليم حافظ»، وغيرهم، إننا بصددظاهرة تفرز كل موسم سينمائي مجموعة غير قليلة من ألبومات غنائية، أقربها عيد الفطر الماضي، قد يتحدد تاريخ هذه الظاهرة منذ عام 1990 عندما ظهر ألبوم مرافق لفيلم كابوريا بطولة أحمد زكي، وعلي الرغم من صدور العديد من الألبومات في هذه الفترة «أغلبها لأفلام خيري بشارة» يمكن أن نصف هذه الألبومات كظاهرة غريبة منذ فيلم «إسماعيلية رايح جاي» 1997، ذلك الفيلم الذي اقتحم الأسرة المصرية بأغنيته الشهيرة «كامننا»، تلك الكلمة التي لا يعرف مؤلفها معني لها حتي الآن، ومن هنا أصبح الكاسيت صناعة تقتات من صناعة السينما، ويحقق في نفس الوقت أغراضا مختلفة لكل من المنتجين والموزعين علي الرغم من أن تلك الألبومات لا تحقق أرقام توزيع مرتفعة حاليا. أصل الظاهرة من الممكن أن نؤطر هذه الظاهرة علي النحو التالي:

1ـ صاحبت هذه الظاهرة هوجة الأفلام الكوميدية، فعلي الرغم من عدم خلو أغلب الأفلام قبل هذه الهوجة من أغنية لبطل الفيلم مثل أحمد زكي أو محمود عبدالعزيز، أصبحت الأغنية سمة مميزة للفيلم الكوميدي وعاملا أساسيا من عوامل الدعاية له أكثر مما هي جزء لا يتجزأ من دراما الفيلم وأحداثه، وما يؤكد هذه النظرة وجود بعض الأغاني في الألبوم غير موجودة في الفيلم ذاته مثل أغنية «يا نهار بنات» في ألبوم فيلم «همام في أمستردام» وعلي صعيد آخر تستخدم أغاني الفيلم حاليا لتعرض بشكل دوري علي قنوات الأغاني الفضائية علي شكل "tailler" للفيلم قبل عرض الفيلم حتي وإن تأخر صدور الألبوم لما بعد عرضه.

2ـ لا تنفصل تلك الظاهرة عن ظاهرة الاتجاه المكثف للمطربين إلي السينما منذ أن بدأت الهوجة ومن الممكن أن نجزم بأن مصطفي قمر هو الذي فتح الباب بجرأة لكل من فارس وعامر منيب وخالد سليم وأخيرا مصطفي كامل وتامر حسني، ومن الطبيعي أن يرافق كل فيلم لهؤلاء ألبوم يضم أغاني فيلمه، وتنقسم هذه الألبومات إلي نوعين: الأول: ألبوم خاص للفيلم لا يضم سوي أغانيه مثل «سكوت ح نصور» الذي ضم بجانب أغاني لطيفة الـ"Sound tack" للفيلم وهي عادة أغلب أفلام شاهين الأخيرة، وكذلك ألبوم فيلم «بحبك وأنا كمان» الذي طرح في الأسواق قبل عرض الفيلم بما يقرب من خمسة شهور مما أفقد تفاعل الجمهور مع الأغاني عند مشاهدة الفيلم، ومن أشهر تلك الألبومات أيضا «السلم والثعبان» الذي يعتبر الانطلاقة الحقيقية لخالد سليم علي الرغم من عدم اشتراكه بالتمثيل داخل أحداث الفيلم، أما النوع الثاني فهي تلك الألبومات التي تصدر للمطرب نفسه وبها بعض الأغاني المأخوذة من فيلمه ويتصدر هذا النوع ألبومات مصطفي قمر فيلم «قلب جريء» ألبوم «منايا» فيلم «أصحاب ولا بيزنس» ألبوم «حياتي» وهكذا ومن التجارب المتواضعة ألبوم «أحلف بالله» لفارس الذي ضم أغاني الفيلم المتواضع «جالا جالا» ومن التجارب القريبة ألبوم «ولا ليلة ولا يوم» لخالد سليم فإلي جانب بعض الأغاني المأخوذة من فيلم «سنة أولي نصب» توجد أغنية «ليالي» الذي استعان بها خالد في فيلمه الأخير «كان يوم حبك» أي بعد مرور ما يقرب من عام ونصف منذ صدور الألبوم، ومن الألبومات الأكثر توزيعا «كبر الغرام» لمحمد فؤاد من فيلم «رحلة حب» أكثر أفلام فؤاد جماهيرية إلي جانب فيلمي شعبان عبدالرحيم «مواطن ومخبر وحرامي» و«فلاح في الكونجرس» وقد ألهم فشل الثاني شعبان فكرة أغنية ناجحة تقول كلماتها «الفيلم ما نجحش ليه.. علشان المنتج ما صرفش عليه..إيه».

3ـ استغل هذه الظاهرة بعض فناني السينما من الممثلين من أجل تحقيق هاجس الغناء ومنهم من اختفي فقط بصدور ألبوم يضم مجموعة من أغاني أفلامهم السابقة مثل ألبوم «الكيمي كا» ومنهم من حاول أن يتجه لمجال الغناء مثل يسرا وذلك الألبوم الذي يضم أغاني فيلم «دانتيلا» و«الوردة الحمراء» بالإضافة إلي أغنية «جت الحرارة» التي سجلتها يسرا مع حسين الإمام في بداية التسعينيات وأغنية «حب خللي الناس تحب» التي صورتها علي طريق الفيديو كليب وكانت من إخراج إيناس الدغيدي، ومن هؤلاء الفنانين من تمادي واعتبر نفسه مطربا بجانب كونه ممثلا مثل لوسي التي تصرح في حوار لها بأنها عضوة في نقابة المهن الموسيقية قبل أن تكون ممثلة لذا أصدرت ألبوم «علي ويل» الذي يضم 11 أغنية ثلاث منهم فقط من فيلم «كرسي في الكلوب» ويشترك مدحت صالح مع لوسي في اثنين منهما وتسخر لوسي مجهودها حاليا في هذا المجال بعد أن حقق الكليب الأخير «يا مغير حالي» نجاحا كبيرا مع العلم أن لوسي غنت من قبل في أفلام داود عبدالسيد «البحث عن سيد مرزوق» و«سارق الفرح» وكل ذلك من أثر الهوجة.

4ـ أفرزت هذه الظاهرة مجموعة كبيرة من المؤدين الغنائيين بعد أن صدرت لهم ألبوماتهم الأولي، فبعد النجاح الجماهيري الكبير الذي حققه فيلم «اللمبي» الذي تساوي تقريبا مع نجاح «إسماعيلية رايح جاي» ـ سبب الهوجة ـ أصدرت شركة إنتاج «محمد فؤاد» لمحمد سعد بالطبع لن تفهم ثلاثة أرباع أغانيه لأنه يضم أغاني لم تأت بالفيلم، وقد ساوي هذا الألبوم محمد سعد بكبار المطربين مثل محمد عبدالوهاب في أغلب المواقع الغنائية، ولا يمكن إغفال «روبي» تلك الفتاة التي بدأت كممثلة خجولة في «فيلم ثقافي» ثم «سكوت ح نصور» ولم تتوقع بأنها ستكون مغنية إلي أن اكتشف شريف صبري مواهبها الغنائية إلي جانب مواهبها الأخري التي لا يختلف عليها اثنان أثناء تصوير فيلم «7 ورقات كوتشينة»، وقد وجدت نفسها في هذا المجال أكثر من البطولة السينمائية، وذلك بعد أن فشل الفيلم جماهيريا إلا أن روبي استفادت كثيرا من القنوات الفضائية بشكل أقوي من سوق الكاسيت الذي أصبح أكثر ركودا حاليا، حيث لم يحقق ألبومها الأول والأخير «ابقي قابلني» هو الآخر النجاح المتوقع. ومازالت أغاني الأفلام تظهر، ومازالت آذان الجمهور صاغية لهذه الأغاني، سواء كانت داخل الفيلم، أو علي إحدي القنوات الفضائية، أو حتي علي شريط كاسيت.

جريدة القاهرة

4 يناير 2004

 

* الفيلم ولد في «كازينو أوبرا» خلال ندوة «نجيب محفوظ» الأسبوعية

* انتظرت 14 عاما حتي أجد منتجا وفي النهاية أنتجه القطاع العام

* «يحيي حقي» اعترف لي بأن البطل «إسماعيل» مستوحي من شخصية عمه

* أوصاني بشخصية خادم المقام الدجال قائلا: إنها محور الرواية

* صورت في ألمانيا بدلا من إنجلترا وفي طنطا بدلا من السيدة زينب!

* تعب «صلاح منصور» المفاجئ أنقذني من شرطة طنطا!

* غيَّرنا النهاية وأوجدنا شخصيات غير موجودة في الرواية بموافقة «حقي»

* رفضت عرضا لتصوير الفيلم بالألوان وأصررت علي أن يكون الجزء الخارجي بالألمانية فقط

* صورت مشهد تكسير القنديل في الاستوديو.. ولو كنت نفذته في المقام لذبحونا جميعا!  

الحوار مع المخرج الكبير كمال عطية متعة. فأنت لا تحاور مخرجا سينمائيا فحسب، بل مفكرا وأديبا وشاعرا يأخذ بيدك إلي عالم رحب ساحر لا تستطيع منه فكاكا.. ورغم قربي منه ومعرفتي التامة بأنه يحب أن يذكر له الناس إلي جانب «قنديل أم هاشم» أفلامه المهمة الأخري مثل «رسالة إلي الله» و«سوق السلاح» و«الشوارع الخلفية» وغيرها إلا أن الظروف شاءت أن يكون أول حوار أجريه معه عن القنديل، ليتردد قليلا ثم يتدفق بحماس وقوة ليكشف الكثير عن عالمه، وليفاجئنا أيضا بكشف الكثير عن عالم العملاق «يحيي حقي».

* كيف اخترت الرواية وقررت تحويلها إلي فيلم؟

ـ بصدق شديد قرأت الرواية ولم أستطع استيعابها، فأعدت قراءتها في وقت آخر، ووجدت فيها ما شدني فقرأتها للمرة الثالثة، والرابعة لأستكمل الجوانب التي أعجبتني... وقلت لنفسي ليتني أحولها إلي فيلم وأجد لها المنتج الذي يتحمس لها..فالكتاب وصفي بالدرجة الأولي وأحداثه قليلة للغاية باعتراف الأستاذ يحيي حقي نفسه الذي قال لي فيما بعد: كيف ستحولها إلي فيلم وأحداثها قليلة.. لقد طلبها مخرجون قبلك ووجدت أن المشروع لن ينجح فقلت لنفسي: لأكتفي بالأدب الآن وأؤجل السينما مؤقتا.

* كيف اقتنع إذن؟

ـ بعد قراءتي الجيدة للرواية انتهزت فرصة جلوس الأستاذ يحيي في كازينو «أوبرا» وذهبت إليه لأقابله هناك. كان من رواد الركن المخصص لنجيب محفوظ في جلسته الأسبوعية يوم الجمعة التي كان يحضرها عبدالحميد جودة السحار وأحمد السحار وعلي أحمد باكثير وعلي الراعي أحيانا وغيرهم.. كانت ندوة ثقافية أسبوعية يحضرها يحيي حقي بشكل منتظم في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي قبل ظهور «مجموعة الحرافيش» الخاصة بنجيب محفوظ الذي كنت قد تعرفت عليه أثناء عمله معنا في سيناريو فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» لصلاح أبوسيف. في هذا الفيلم كنت مساعدا وبعد الثورة تغيرت الأمور وأصبحت مخرجا لكنني عندما ذهبت إلي يحيي حقي لم أكن قد أخرجت سوي فيلم واحد ولم يكن ذلك يؤهلني في رأيي لطلب «قنديل أم هاشم» لكنني تشجعت وفعلت.. وقلت له إنني سأبحث لها عن منتج.

* ماذا كان رد فعله؟

ـ تعجب لطلبي الرواية بعد مرور كل هذا الوقت فقد كنا في عام 1953 والرواية صدرت في الثلاثينيات ثم سألني ماذا أعجبني فيها، فقلت: وصف الأمكنة وارتباط الشخصيات بهذه الأمكنة، وتحليلك للحي الشعبي.. صحيح أن أساتذة مثل نجيب محفوظ فعلوا ذلك لكنك اتخذت منحي مختلفا، واخترقت الجدار القائم بيننا وبين سكان حي السيدة زينب لتصف لنا حياتهم وشخصياتهم بشكل دقيق ومذهل.. وخصوصية ذلك أن هذا الحي مختلف تماما عن باقي الأحياء، ويرتبط سكانه بالمقام ويتفاعلون مع فئات كثيرة ومختلفة تأتي للتبرك به. صحيح أن هناك مقامات أخري شهيرة لكن السيدة زينب لها شعبية كبيرة جدا تفوق أي مكان آخر، فإذا نجحنا في التعبير عن هذا المكان وعن تلك المجاميع الكبيرة سينمائيا، سنكون قد جمعنا خلاصة الأحياء الشعبية في كل القطر المصري وفي الدول العربية أيضا.

* هل ناقشك في التفاصيل؟

ـ أدقها. سألني مثلا: ماذا ستفعل في شخصية «درديري»؟ هذه الشخصية هي «قنديل أم هاشم» أداها في الفيلم الممثل العبقري صلاح منصور، فهو الرجل الذي يقيم في المقام ويخدع الناس ويستغل سذاجتهم ليبيع لهم زيت القنديل في غياب شيخ الجامع.. إنه محور القصة، قلت له: سأنفذها كما كتبتها تماما فقال: أريدك أن تلتزم أيضا بروح الشخصيات القادمة من الريف مثل «إسماعيل» نفسه ـ شكري سرحان ـ وأسرته، ففاجأته بأنني أعرف أن شخصية إسماعيل مستوحاة من شخصية عمه، وأنه بالتالي أجدر من يمكنه أن يساعدنا في نقلها إلي الشاشة وتعهدت له بأن أحافظ علي «كرامة» الرواية.. فسألني: ماذا ستفعل في المجاميع وفي معالم ميدان السيدة التي تغيرت بعد مرور كل هذه السنوات؟ قلت إنني قادر علي التركيز علي ركن واحد والتعبير من خلاله عن الميدان كله.. فضحك وقال: أنت واثق من نفسك قوي! فقلت: لا ولكنني أحببت الرواية وسأقدمها بإخلاص.. فأكد لي موافقته.

* كان ذلك عام 1953 ولم تنفذ الفيلم سوي عام 1967، لماذا استغرق الأمر كل هذه السنوات؟

ـ لم أجد منتجا لأن التركيز كله وقتها كان علي الأفلام التجارية ذات التوليفة المعروفة ولم يكن أحد يهتم بأي قضايا أو موضوعات أخري فأيقنت أن هذا الفيلم لن ينتجه سوي القطاع العام. لكن كان صلاح أبوسيف علي رأس إدارة شركة «فيلمنتاج» وكانت بيننا بعض المشكلات فمنعني من العمل وظللت هكذا ثلاث سنوات إلي أن استقال من الشركة وحل مكانه سعد الدين وهبة، فاتصل بي وقال لي أنت لا تعمل منذ ثلاث سنوات ونحن نريد أن نصلح هذا الخطأ وطلب مني أن أختار موضوعا أنفذه، فقلت بلا تردد: «قنديل أم هاشم» فاستدعي يحيي حقي فجاء وأكد موافقته، وقال لي ضاحكا: أخيرا وجدت المنتج!

* لماذا لم تكتب السيناريو وأنت سيناريست وكتبت معظم أفلامك؟

ـ هذا ما تساءل عنه سعد وهبة أيضا، فرددت بأنني أريد عينا أخري علي الرواية وقلماً آخر في الورق يترجم ما جاء في الرواية من جمل وصفية سينمائيا... رشح لي «صبري موسي» فوافقت بلا تردد لأنه أديب موهوب وله خبرة بأدب يحيي حقي لاشتراكه في كتابة سيناريو «البوسطجي» مع دنيا البابا.. ووافق يحيي حقي أيضا قائلا: إنه كان سيرشحه لنا وحرصنا ـ صبري وأنا ـ علي إشراك يحيي حقي في كل مراحل كتابة السيناريو واطلاعه علي كل ما يتم إنجازه، وكان راضيا عن الورق وسعيدا به، وهنا أريد أن أقول شيئا: هناك مخرجون يعتبرون إشرافهم علي كتابة السيناريو أو إبداءهم رأيهم فيه بالتعديل أو غيره، اشتراكا في الكتابة، ولذلك يضعون أسماءهم علي السيناريو، وأنا أرفض ذلك ولم أضع اسمي أبدا علي السيناريوهات التي أكتبها من الألف للياء.. فأنا أعتبر أن أي مجهود يبذله المخرج في السيناريو من صلب وصميم عمله ولا يعني اشتراكه في الكتابة.

* أول اختلاف عن الرواية أنك صورت في ألمانيا وليس في إنجلترا كما في الأصل الأدبي؟

ـ كانت العلاقات مع إنجلترا مقطوعة بالإضافة إلي ارتفاع الأسعار فيها، فاخترنا ألمانيا الشرقية لوجود معاهدة صداقة معها.. لجأنا إلي عبدالحفيظ سالم، مدير الاستوديوهات في الشركة وقتها لمعرفته بالألمانية وقيامه بزيارات متعددة إلي ألمانيا.. وللعلم لم يسافر سوي ثلاثة فقط: شكري سرحان وعبدالحفيظ سالم وأنا، وكل الفريق الفني وباقي الممثلين كانوا من هناك كما لم نقم بزيارة استطلاعية لمعاينة مواقع التصوير، بل سافرنا للتنفيذ مباشرة وفوضني مسئولو الشركة ويحيي حقي وصبري موسي في اختيار هذه الأماكن وضبط السيناريو علي أساسها.

* لماذا أصررت علي أن يكون هذا الجزء ناطقا بالألمانية؟

ـ لأنني كنت علي ثقة من التعبير عما أريده دون كلام... تماما مثل السينما الصامتة.. واخترت المواقف والأحداث بحيث يكون الإحساس فيها أقوي من الكلام... صحيح أن شكري سرحان تعلم بعض الألمانية هناك ليتمكن من التلفظ ببعض الجمل، إلا أنني كنت أفضل التعبير بالوجه فقط سواء بالنسبة له أو للممثلة الألمانية... ونجحنا في ذلك وأقنع المشاهدين جدا، وهذا أفضل من الطريقة السخيفة التقليدية حين يأتون بالمصريين ليلعبوا أدوار الخواجات ويقولوا «يا خبيبي» وأشياء من هذا القبيل، وقد اقتنع بوجهة نظري المسئولون عن الفيلم سواء في الشركة أو في فريق العمل.

* أي كان اهتمامك الأكبر في هذا الجزء بالصورة؟

ـ نعم، وساعدني علي ذلك مدير التصوير البارع الذي خصصه لي الجانب الألماني والذي لم يكن سيعمل معي أصلا لولا واقعة طريفة.. فقد عرضوا علي مجموعة من الصور لأختار الممثلة التي ستؤدي أمام شكري سرحان المشاهد الرئيسية في ألمانيا، واخترت واحدة فإذا بهم يرفضون قائلين إنها نجمة وإنني مخرج صغير ولا يمكن أن تعمل معي.. ولم ينقذ الموقف سوي عبدالحفيظ سالم الذي تدخل وقال لهم إنني حاصل علي جائزة الفيلم الممتاز من مهرجان «كورك» عن فيلم «رسالة إلي الله».. فتغيرت المعاملة تماما ووافقوا علي كل طلباتي وخصصوا لي فريقا فنيا مختلفا علي أعلي مستوي تقني.. هذا الفريق ساعدني في اختيار مواقع التصوير في مدينة «بوتسدام» التي وقعوا فيها اتفاقية استسلام ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية وتركوها كما هي دون تغيير في معالمها، وهذا ما كنت أريده بالضبط حيث تدور الرواية في الثلاثينيات قبل ظهور بصمات النازي علي المدن... وكذلك في مدينة «درسدن» التي تركوها كما هي أيضا بعد أن قصفت بطريق الخطأ رغم إعلان نهاية الحرب.

* كما صورت في ألمانيا الشرقية بدلا من إنجلترا فقد صورت في طنطا بعض أجزاء الفيلم بدلا من السيدة زينب؟

ـ هذه صدفة طريفة.. فقد كنا نصور ليلا من بعد صلاة العشاء إلي ما قبل صلاة الفجر حتي لا نعطل الجامع عن استقبال المصلين... لكن الناس في هذا الحي لا ينامون، وبمجرد وصولنا يتجمعون حولنا في زحام رهيب، وأيقنت أنني لا يمكن أن أعمل في هذه الظروف... بالإضافة إلي أن هناك شائعة انطلقت في هذا الوقت بأن ماجدة الخطيب تدخل مقام السيدة وهي تؤدي دور عاهرة... عوامل كثيرة جعلت التصوير في المكان الأصلي صعبا، فقلت لسعد وهبة: سأبني ديكورا.. فقال لا، لقد كنت أعمل ضابطا في طنطا، وأعرف أن مقام السيد البدوي نسخة من مقام السيدة والاختلاف الوحيد أن علي رأسه «عمة» بدلا من الطرحة، ويمكن أن تحذف «العمة» بسهولة، وهكذا سافرنا للتصوير في طنطا حيث كانت الظروف أفضل كثيرا.. وقد أنقذني صلاح منصور من الشرطة هناك، حيث طلب ـ بعد عمل شاق ـ أن نسافر ونستكمل ما تبقي من لقطات في ديكورات القاهرة لشعوره بالتعب.. وبمجرد سفرنا أبلغني محمد عبدالجواد مدير إنتاج الفيلم بأن الشرطة جاءت وتساءلت عما نفعل في المقام، وكالعادة تولي سعد وهبة حل المشكلة.

* كيف حافظت علي وحدة المكان رغم أن المقام ـ وما حوله ـ علي سبيل المثال صور في ثلاثة أماكن مختلفة: السيدة زينب، وطنطا والاستوديو؟

ـ كنا فريقا متجانسا أذكر منه مهندس الديكور حلمي عزب، الذي التقط سيلا من الصور الفوتوغرافية للمواقع الحقيقية وجعل الديكور نسخة طبق الأصل منها.. وكذلك المونتير حسين عفيفي الذي كان يركب معي ما يتم تصويره بسرعة حتي نتجنب أي خطأ، وساعدنا علي ذلك أن الفيلم أبيض وأسود، أما الألوان فتأخذ وقتا أطول في التركيب..وبالمناسبة طلب مني أن أصور الفيلم بالألوان فرفضت تماما مؤكدا أن الفيلم له طابع شرقي وقديم ويعبر عنه الأبيض والأسود بصورة حقيقية.. وعلي سبيل المثال صورنا الزحام والحركة التي يموج بها شارع السد في موقعها الطبيعي ثم نقلناها إلي داخل البلاتوه في الديكور الذي بناه حلمي عزت وبالتركيز علي زوايا معينة استطيع التحكم فيها. وهناك أيضا دور الموسيقي في تحقيق هذه الوحدة، وكنت ألتقي يوميا بالموسيقار فؤاد الظاهري وأطلعه علي ما تم تصويره حتي يضع تصوره للموسيقي متلاحما مع ما شاهده. لكن الحق أن المهمة كانت صعبة، فقد كانت الإعادة مستحيلة في ظل الزحام ومواكب شيوخ الطرق وغيرها.. لذلك كنت أصور بأربع كاميرات وأوزع مساعدي الإخراج في كل مكان لإخفاء أي عيب.. وعلي سبيل المثال شاهد أحد المساعدين عسكريا بالملابس الحديثة وسط زفة بالبيارق لأحد المشايخ ولم تكن هناك إمكانية لإبعاده فطرحه أرضا حتي لا يظهر في الصورة!

* ماذا عن مشهد تكسير القنديل الذي أثار جدلا؟

ـ هذا المشهد صور في الاستوديو ولو كنا صورناه في الجامع لذبحونا جميعا.. وبعد عرض الفيلم أثار جدلا بالفعل، فالمتشددون والمتزمتون قالوا: كان من الممكن تجنب تكسيره والاكتفاء بخلعه أو تنحيته جانبا.. لكن المستنيرين والعقلاء وكانوا كثيرين أكدوا أن المشهد لا يمس كرامة السيدة زينب من قريب أو بعيد وليست له علاقة بالبركة، بل هو رمز للنصب والاحتيال علي البسطاء.. وأيد هذا الرأي كثير من رجال الدين.

* في نهاية الرواية ينال المجتمع بعض الشيء من البطل «إسماعيل» كما نال هو من مجتمع الجهل ونجح في إجراء العملية فنراه وقد أهمل نفسه وأصبح له «كرش».. إلخ ونراه يقبل دخول الطيور إلي عيادته، وأراد يحيي حقي بذلك أن يشير إلي استمرار الصراع بين الجهل والتعليم لكن في نهاية الفيلم انتصار «إسماعيل» واضح وكامل وليست هناك هذه الإشارة لاستمرار الصراع؟

ـ نعم غيرنا لكن من صلب الرواية.. قلت ليحيي حقي هذا شخص رغم أنه عاش في ألمانيا في جو متقدم جدا وحضارة وعلم لم يفقد إطلاقا إحساسه الديني.. وعندما فشل في علاج الفتاة فقد جزءا من إيمانة بأهله وحبه لهم لكنه لم يفقد إيمانه بالعلم... ولم ينجح في النهاية إلا عندما أشعر الفتاة بحبه وجمع بين العلم والإيمان، إنه العامل النفسي الذي جعلها تقبل إجراء العملية بعد أن كانت ترفضها.. وهو كان بحاجة إلي نجاح عملية واحدة لكي يثبت لأهله أن الأخذ بالعلم مهم إلي جانب مظاهر حياتهم الأخري التي يعيشها معهم. ولا مانع أن يكون هذا العلم مشفوعا ببركة السيدة زينب بعيدا عن الخرافة. والنهاية في رأيي نابعة من الرواية وأقرها يحيي حقي الذي كان إيمانه هو شخصيا به قدر من التصوف والميتافيزيقا. وقد ناقشته فيها وسألته: لماذا جعلت النهاية انهزامية يذوب فيها البطل في المجتمع؟ فرد بأنها هكذا أكثر واقعية وأكثر تأثيرا وتجعل الناس يفكرون دون تقديم حل جاهز لهم، لا أريدهم أن يرتاحوا ويذهبوا ليناموا بل أريدهم أن يفكروا وتدفعهم الهزيمة لنصر كبير.. فقلت له إن ذلك جائز في الأدب الذي يتلقاه القارئ بمفرده لكن الأمر يختلف مع السينما التي يتم تلقيها جماعيا ومع ذلك فقد أشرت إلي الجيل الجديد الرافض للخرافة في صورة الطفل الذي يخطف «مقرعة» درديري التي كان يضرب بها الناس ويضربه بها علي رأسه في آخر لقطة، وعلي كل حال إن كان هناك أي تغيير فقد شارك فيه يحيي حقي ووافق عليه.

* «قنديل أم هاشم» فيلمك رقم 21، أي أنك كنت في ذروة مسيرتك، ورغم ذلك نشعر أنه مختلف عن أفلامك السابقة في الأسلوب وطريقة التناول.. هل تتفق معي؟

ـ نعم.. فأنا بشكل عام عندما أقتنع بموضوع، وأحس به أجند له كل إمكاناتي لكي أعبر عنه جيدا وتكون كل قوتي في خدمته.. وأهم وسائلي في ذلك أن أختار له الأسلوب الذي يناسبه.. وكان تغيير الأسلوب في «القنديل» ضروريا لأنه مختلف عن الموضوعات التي تناولتها في أفلامي السابقة عليه.. فهو يعالج ظاهرة مازالت موجودة حتي اليوم ومازال الناس يذهبون إلي مقام السيدة للتبرك.. لن أقول إنني اتبعت الأسلوب الواقعي لأنه لا يوجد شيء اسمه الواقعية في السينما لكنني حريص علي تحليل شخصية الإنسان في كل أفلامي، وهذه الشخصية تختلف من فيلم لآخر ولابد أن ينبع تحليلها من البيئة التي نشأت فيها، ومن الأفضل أن تكون لي أنا شخصيا تجارب وخبرات في هذه البيئة، وهذا ما توفر في القنديل، حيث ترددت كثيرا علي هذه الأماكن وعشت فيها.

* هل يضايقك أن يقال إنك صاحب القنديل السينمائي؟ هل «تغير» علي أعمالك الأخري؟

ـ لا بالعكس... أنا مثل أب لديه أولاد كلهم صالحون وفي مراكز جيدة لكن أحدهم نابغة ويستحوذ علي إعجاب الناس ولذلك يفتخر به.. لكنني صنعت أفلاما متميزة ومختلفة عن بعضها البعض ولا أحب أن يتجاهلها المشاهدون والنقاد ومازلت حتي الآن لا أعرف لماذا لا يذكرني الناس سوي بالقنديل.

* ما هي ـ في رأيك ـ نسبة التزام الفيلم بالرواية؟

ـ الفيلم تطابق مع الرواية بنسبة 100% لأن الرواية وصفية ومن الجائز أن جملة واحدة يمكن ترجمتها إلي أحداث كثيرة.. لكن هناك تطابقا مع إحساس يحيي حقي وتصميمه علي رسم الشخصيات والأماكن بدقة شديدة.. وهناك جمل عامة ترجمناها إلي مفردات شخصية جدا بل أوجدنا لها شخصيات تعبر عنها. فيحيي حقي يقول مثلا إن الميدان يشهد ليلا خروج السكاري من الخمارات الصغيرة وتجول البائعين والدراويش وحتي النشالين وغيرهم، ولم يكن من الممكن إظهار كل هؤلاء في الفيلم، فأوجدنا شخصية «أمين شحاتة» مطرب المقاهي الذي يلخص كل ذلك وينقله لنا «أداها عزت العلايلي».. هذه الشخصية ليست موجودة في الرواية لكن تعبر عنها تماما، وقد وافق عليها وعلي مثيلاتها يحيي حقي الذي كنت أريه كل شيء حتي قال لي في النهاية: لقد أتعبتني! لكن هناك «تهويمة» في الرواية لم أصورها وقلت ليحيي حقي إنني لو صورتها ستفسد الفيلم. وهي أن الشيخ «درديري» يحكي أن هناك واحدا من أولياء الله الصالحين يأتي ليلا مع مجموعة من أقرانه ويعقدون جلسة في الميدان للفصل في طلبات البركة والشفاء وغيرها التي تقدم بها الناس للسيدة ويوصونها بقبول طلبات من يرونه جديرا بالمساعدة.. هذا مشهد كان سيضر في رأيي بفكرة الفيلم الرئيسية ووافقني يحيي علي حذفه.

* بدون حرج.. هل تري أن «قنديل أم هاشم» أفضل فيلم عبر عن أدب يحيي حقي؟

ـ لست أنا الذي أقول وذلك بل العالم كله، وكمية العروض الرهيبة التي حظي بها الفيلم علي القنوات الأرضية والفضائية وفي أسابيع الأفلام وغيرها في مصر والعالم العربي واستمرار هذه العروض حتي اليوم.

جريدة القاهرة في 4 يناير 2005