في يوبيلها الذهبي السينما الكوبية نقد من الداخل إعداد : باسل أبو حمدة |
عرفت السينما الكوبية تقليدياً في جميع انحاء العالم بكونها السينما الأفضل في أميركا اللاتينية واحتلت احد افضل المواقع في العالم. وهي تعد سينما فتية ايضا. فقبل الثورة، كانت كوبا تستورد جميع أفلامها من الولايات المتحدة، وقامت هذه الافلام بدور التأملات الثقافية، لكنها تأملات تتعلق بالثقافة الاميركية، وليس بالثقافة الكوبية.ولقد تم تأسيس المعهد الكوبي لفن وصناعة السينما المعروف اختصاراً باسم (آي سي إيه آي سي) خلال الاشهر الثلاثة الأولى التي وصل فيها فيدل كاسترو وتشي جيفارا والثوار الآخرون منتصرين الى هافانا، وذلك في الاول من يناير 1955. ولقد شكل هذا المعهد احد العناصر الاولى في المراسيم الجديدة الخاصة بالثقافة الكوبية في ظل الدستور الجديد. واعترفت الحكومة بالسينما كوسيلة اتصال مهمة من أجل اظهار المجتمع الكوبي ومثاليات الثورة، وأرادت تشجيع الانتاج السينمائي لكن مع بعض القيود، حيث يقول نص الدستور الاشتراكي الكوبي الصادر عام 1975 على انه :« يتعين على النقد في وسائل الاعلام ان يلتزم بشكل صارم بالطبيعة البناءة والودية التي ينبغي ان تشكل الميزة السائدة للنقد في ظل الاشتراكية». وذلك يعني ان السينما تستطيع نقد النظام، لكن اذا كان الموضوع السينمائي يخدم الاخاء والثورة فقط. ونظر الفنانون الى تأسيس المعهد باعتباره احد انتصارات الثورة، لكن احداً لم يدرك من أين يجب ان تكون البداية. فمع انهم حصلوا آنذاك على الفرصة المناسبة لابراز الثقافة الكوبية، الا ان القضية كانت على النحو التالي: ما هي الثقافة الكوبية وماهي المفاهيم المراد تقديمها وما هي طبيعة العلاقات المراد تشكيلها بين الفنانين وجمهور المشاهدين؟ في حين لم يكن هناك الكثير من الماركسيين وكان المثقفون قد نشأوا على التقاليد الاوروبية والاميركية الشمالية. فباستثناء جيل المثقفين الثوار في عشرينات القرن الماضي وخوسيه مارتي، قلة من الكوبيين هي التي درست الثقافة الكوبية الخاصة ببلادها. لكن هناك ايضا الكثير من المخرجين الكوبيين الذين يدافعون عن السينما الكوبية وحقوقهم الفنية. فلقد اوضح المخرج الكوبي سانتياغو الفاريز، اثناء رحلة الى انجلترا، لمحطة «بي. بي. سي» انه: « لدينا رقابة فنحن لا نستطيع تقديم افلام عرقية او فاشية او صهيونية». وفي مقالة اخرى ظهر في «فيلج فويس» دافع توماس غويتيرز آليا، احد افضل المخرجين الكوبيين وأحد مؤسسي «آي سي إيه آي سي» دافع عن السينما الكوبية قائلا: «اننا لا نعيش في فردوس على الارض. حتى الآن نحن لا نمثل رجال المستقبل الذين اردنا ان نكونهم، والاجحاف والظلم وعدم الكفاءة، كل ذلك لا يزال يلازمنا، ونعرف نضالنا ضد الذين يريدون تدميرنا». وتتيح السينما للكوبيين مجالا لانتقاد الحكومة اذا ارتقت الحركة النقدية الى مصاف قضايا الثورة، حيث بمقدور المخرجين تحليل الواقع الذي يعيشون فيه وعيوبه من أجل تشجيع المشاركة في نقاش ما يمكن فعله لمساعدة الثورة بطريقة مسؤولة. لكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال عدم ظهور افلام غير ملائمة بشكل واضح بين الحين والآخر. ففي فيلم آليا «فريز وشوكولاته» (1993) يبرز آليا قيم «الإنسان الجديد» والثورة عندما يظهر رجلا يدعى دييغو مرتبك العواطف، اذ يتعرف دييغو هذا على طالب تقدمي يدعى ديفيد وتنشأ بينهما صداقة على الرغم من اختلافاتهما. وهناك ايضا امرأة تدعى نانسي وهي غانية خاضعة للاصلاح الاجتماعي وانقذها شخص تقدمي، وتحاول الانتحار عدة مرات في الفيلم، فضلا عن انها مشوشة الافكار، لكنها تمثل امة على حافة الدمار بطريقة ايجابية. وعلى الرغم من ان شخصيات الفيلم لهم حيوات متضاربة جدا، الا ان الجميع يريد ان يعيش في مجتمع طيب وعادل بالنسبة لهم كلهم حيث يعملون سوياً لكسر عيوب المجتمع الذي يعيشون فيه. ولقد شهد فيلم «فريز وشوكولاته» موجة انتقادات واسعة، حتى ان احد الاشخاص قال ان الفيلم هو: «نقد للمجتمع الكوبي في مرحلة ما بعد الثورة، لكنه مع عدم المرونة فيه لا يمثل أي شيء بالنسبة للمثقف، وانا لا اتفق مع هذا التأويل واعتقد ان المؤلف لم يفكر عميقاً جداً في الفيلم ولا في تاريخ السينما الكوبية التي يتعين على الكوبيين اصلاح اوضاعها». ويعتقد مايكل شانون في كتابه «الصورة الكوبية» ان «هذا الفيلم يشمل المشاهدين ويشجع الفكر النافد». البيان الإماراتية في 25 ديسمبر 2004 |