شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

 

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

فلسطيني مستعار آخر يصنع فيلماً من رواية فلسطيني مستعار

دمشق ـ فاطمة شعبان

 

 

 

 

 

 

يعتبر اللبناني الياس خوري كاتب رواية ''باب الشمس'' نفسه ''فلسطينياً مستعاراً'' فهو لم يكتب الرواية كمشاهد عربي من خارج التجربة، بل كتب من داخلها، حتى أن روايته يمكن اعتبارها رواية فلسطينية بامتياز· والمخرج يسري نصر الله يدخل إلى الانتماء نفسه بتحويله الرواية إلى فيلم، معالجاً مسيرة خمسين عاماً من العذاب الفلسطيني من الوطن إلى المنفى·

فيلم ''باب الشمس'' الخامس في مسيرة يسري نصر الله الفنية، بعد أفلام ''سرقات صيفية'' ''صبيان و بنات'' '' مرسيدس'' ''المدينة''·

وعلى هامش مهرجان الأفلام الفرنسية العربية الذي نظمه المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، كان لنا معه الحوار التالي:

·         لماذا اخترت رواية ''باب الشمس'' التي تتناول القضية الفلسطينية من خلال قصتي حب لتكون موضوع فيلمك؟

لولا قصتي الحب لما اشتغلت الفيلم، بالنسبة لي كانتا اجمل ما في الرواية، وأكثر ما لفت نظري فيها، وهو ما حاولت أن أقدمه، أنها من المرات النادرة جداً التي نتعامل فيها مع الفلسطينيين كأفراد وليس مع القضية الفلسطينية· وهذا لا يبتعد كثيراً عن موضوعات أفلامي السابقة التي كانت كلها عن علاقة الفرد بالتاريخ، كيف يعمل الفرد حتى لا يتحول التاريخ إلى عبء جاثم على صدره، يقتله ويلغيه كفرد· ولو لم يكن جوهرها الأفراد أو قصص الحب لما اقتربت من الرواية، وهذا كان الأمر الحاسم لاختياري هذه الرواية وتحويلها إلى فيلم·

·         ما الذي يميز هذه الرواية عن غيرها من الروايات والقصص التي تناولت الوضع الفلسطيني أغراك لتحويلها لفيلم؟

أهم ما يميزها، وهذا ما حاولت أن أتبعه عبر فيلمي، هو الروائية، كيف نحول مادة متداخلة مع بعضها البعض مبعثرة في عدة اتجاهات، ونعطيها شكلا يمكن التعامل معه· حكاية نستطيع أن نحكيها· نحن نتكلم عن ذاكرة مصادرة، حتى اللاجئين في المخيمات يتحدثون بصعوبة شديدة جداً عن النكبة، لأنها بالنسبة لهم كانت لحظات صعبة وقاسية ومهينة جداً لا أحد يريد استعادتها· بذل المؤرخون والكتاب الفلسطينيين والعرب جهوداً عظيمة لاستدراج المسنين من اللاجئين للحديث عن النكبة ورواية ما حدث معهم على أرض الواقع، بعيداً عن الوثائق والتأريخ· السرد الشفهي الذي يقدمه اللاجئون في المخيمات عن النكبة، لا يمكن أن نجده لا في أي كتاب تاريخي ولا في أي وثيقة تاريخية·

فيلم روائي لا وثائقي

·         لهذا لم تُدخل إلى الفيلم أي مشاهد وثائقية؟

عندما عرضت الفيلم في مخيم شاتيلا، كنت حريصاً جداً أن أقول للاجئين الذين حضروا العرض، أن هذا الفيلم ليس صورة وثائقية، أبداً· عندما صورت مشاهد النكبة كانت أول مرة تصور سينمائياً· كنت حريصاً ألا أدخل أي مشاهد وثائقية، وكان أقصى ما أطمح إليه أن يأتي الفلسطيني الذي عاش هذه اللحظات والذي ما زال يملك ذاكرة ويقول لي أن الأمر لم يتم بهذه الطريقة أو بهذا الشكل أو أنه عاشها بطريقة مختلفة، وأن تدفعه للحديث عن ما عاشه حقيقة، لا أن احجر باسم أنها وثيقة على خبراته التي عاشها· ومن هنا أصرّ دائماً على أن هذا الفيلم فيلما روائيا وليس تاريخيا·

·         يشكل فيلم ''باب الشمس'' أول تجربة في السينما العربية تقدم فيلم في جزأين، ما الهدف من وراء هذه التجربة؟

الهدف كان عمل فيلم واحد يحكي الحكاية، ولان المادة كانت غزيرة جداً أصبح من الضروري أن يكون جزأين· عندما بدأنا بكتابة السيناريو أنا وإلياس خوري ومحمود سويد، كان من الواضح بالنسبة لنا حتى نستطيع أن نحكي الحكاية التي تبدأ من عام 1943 وتنتهي عام 1995 أن الفيلم لا يركب كمشروع إلا في جزأين· هناك شيء جوهري في الجزء الأول يرد عليه الجزء الثاني، الحكاية تتكون من حكايتين رئيسيتين تكملان بعضهما: الأولى، ناعمة ورومانسية جداً ولا نعرف إذا كانت حقيقية أم لا، وهي قصة حب يونس ونهيلة· والثانية حكاية خليل وشمس وهي قصة حب ملتبسة أكثر بكثير من الأولى، كان واضحا منذ البداية أنهما شيئان مختلفان يتصادمان مع بعضهما ويضعان تساؤلات على بعض·

يقدم الجزء الأول فلسطين كما رويت لنا، أنا لم أرى فلسطين ولم أعشها ولا املك ذاكرة عنها، كان علينا أن نتخيل فلسطين عن الطريق القصص والروايات التاريخية، كان نوعا من السرد التأسيسي للذاكرة· الجزء الثاني يعرض كيف عشنا نحن فلسطين، فلسطين التي عاشت في مخيمات اللاجئين أثناء الحرب الأهلية تجربة قاسية عايشناها وعانيناها نحن كعرب·

جيلي لم يرو تجربته

·         بأي معنى عشت هذه التجربة، وكيف تقاطعت تجربتك مع تجربة شخصيات الرواية؟

الدكتور خليل في الفيلم، يحاول أن يجد طريقة يتعامل بها مع واقعه رغم الكوارث التي عاشها والتمزق الذي يعاني منه، شخص يسائل نفسه يقول: ''أنا لا أريد أن أتعامل مع نفسي كضحية''، لماذا؟ لأن الضحية عديمة الأخلاق تفعل ما يحلوا لها تحت ذريعة أنها ضحية، ولا يحق لأحد أن يسائلها· هذا ما يفعله الإسرائيليون اليوم مع الفلسطينيين ولا أحد يحاسبهم لأنهم كانوا ضحايا· أما بطلنا يراجع نفسه ويقول هذه مسؤوليتي، كيف يعود إلى هذا التاريخ الفظيع المليء بالسلبيات التي شارك بها ويستطيع أن يخرج من كل هذا كآدمي؟

ما المبرر لشخص مثلي أن يصنع فيلما عن هذه الرواية؟ يمكن أن يقال: ما علاقتي بها؟ الحكاية ليست بالضرورة حكاية الفلسطيني، هذه حكاية جيلي العربي، لم يكن هدفي أن أؤرخ للفلسطينيين، إنما لأن الموضوع الفلسطيني بدرجة ما يسيطر على مخيلتنا كجيل، فعلاقتنا بالموضوع شديدة التعقيد وشديدة العنف في بعض الأحيان، ولأن الجيل الذي انتمي إليه هو الجيل اليساري الذي ضُرب بالحركات المتطرفة الدينية وغيرها، وبالتالي لم يكتسب مشروعية الحديث عن تجربته، بالنسبة لي هذه الرواية تتحدث عن هذه التجربة، وهذا السبب الذي دفعني إلى عمل هذا الفيلم·

فيلم عن غير الممتثلين

·     هناك اتجاه في السينما الفلسطينية الجديدة لأنسنة صورة الفلسطيني في السينما، هل فيلم ''باب الشمس'' محاولة لتصحيح هذه الصورة في السينما العربية التي وضعته في إطار أيديولوجي فقط، أو لتصحيح الصورة السائدة على المستوى العربي بأن الفلسطينيين إما شعب من الملائكة أو شعب يستحق ما جرى له؟

لا يمكن اعتبار ''باب الشمس'' انه أعاد للفلسطينيين أو لم يعد أو اخذ منهم، هذا يحمّل الفيلم أكثر مما يحتمل، والشعب الفلسطيني أكبر من يأتي فيلم ويعمل له أي شيء·

عندما اشتغلت فيلم ''مرسيدس'' فوجئت بعد عرضه بعدد كبير من المكالمات من مسيحيين غاضبين على الفيلم يعاتبوني بشدة لأنني برأيهم ''طلّعت العبر بالمسيحيين'' رغم أنني مسيحي، ويظهرون كملائكة عندما يتحدث عنهم المسلمين مقارنة بالفيلم· إذا كانت الطريقة الوحيدة التي اقبل بها الفلسطيني أو المسيحي أو أي شخص آخر مهما كانت جنسيته أو ديانته: إما أن يكونوا ملائكة أو بلاش منهم، برأيي هذا منتهى العنصرية· وأنا لا أريد أن احب أحد بهذه الطريقة لأن هذا النوع من الحب العنصري يفرض علي أن لا أكون أنا· وهذا لا ينطبق على الأقليات أو على القوميات فحسب، بل أصبح ظاهرة عامة في المجتمع· فعندما تريد الحديث عن شيء يجب أن تتحدث عنه مثل كل الناس الآخرين، هذا أمر كريه قاتل للثقافة قاتل للوجدان· هذا ينطبق أيضاً على الفلسطينيين، هناك جملة قالها عزمي بشارة أتذكرها دائماً ''العرب يموتون في حب القضية الفلسطينية ولكنهم يكرهون الفلسطينيين''، وعندما قررت عمل الفيلم توقعت أن يأتي من يقول لي ستعمل فيلما عن الفلسطينيين اللي باعوا أرضهم، هذه دعايات السادات· ببساطة شديدة جداً أنا أحب الفلسطينيين لأنني اكره الناس الممتثلين، وأنا اشتغلت فيلما عن ناس متمردين غير ممتثلين·

·     يؤخذ على الفيلم تقديمه مشاهد حساسة فيها الكثير من الجرأة، خلقت حساسية عند الفلسطينيين عندما عرض في مخيم شاتيلا، واعترض البعض على كثرتها في الفيلم، ما ردك على ذلك؟

الاعتراض الأول كان في سياق الفيلم نفسه على لسان أم حسن التي قالت للدكتور خليل ''قصدك يونس كان بيحب نهيلة، نحنا فلاحين ما بنعرف شو حب''، هل يتكاثر الفلسطينيون بالروح القدس؟ اعتراضات الفلسطينيين لها ما يبررها، ولكن المؤسف اعتراضات الآخرين·

الإتحاد الإماراتية في 25 ديسمبر 2004