يجد متعة في الشاشتين معاً... سمير سيف:
القاهرة - سعيد ياسين |
من جديد يطل علينا متألقاً كعادته سواء عبر الشاشة الفضية أم عبر الشاشة الصغيرة، إذ اتحفنا اخيراً بمسلسل يُعد فتحاً جديداً في مجال الدراما التلفزيونية العربية هو «الدم والنار» من تأليف وحيد حامد، وهو المسلسل الذي لاقى عند عرضه في رمضان المنصرم نجاحاً كبيراً على المستويين الجماهيري والنقدي، ولا يزال يحقق إقبالاً عالياً حيث يعاد عرضه على شاشات الكثير من الفضائيات. انه المخرج سمير سيف الذي يُعد من القلائل الذين يجد المرء متعة في الحوار معهم، ويلمس فهماً عميقاً لكل ما يسأل عنه: · ما شعورك عقب النجاح الكبير الذي حققه المسلسل على المستويين النقدي والجماهيري؟ - شعور مزودج وسعادة مضاعفة، فالشخص يسعد عندما ينجح له عمل ويجد له صدى كبيراً، ولكن ما أسعدني أكثر أن الشكل الذي قُدم به المسلسل كان صعباً وغير معتاد وبالتالي فأن ينجح وليس فقط على مستوى الفئات المستنيرة ولكن على مستوى الفئات الشعبية في الأرياف والصعيد والمناطق البدوية تحديداً فهذا أسعدني أكثر. مسلسل بريختي · كان هناك نوع من الحيرة في بداية العمل هل مرجع هذا حداثة الشكل الدرامي الذي قدم به؟ - الناس لم يتعودوا على هذا الشكل، انما على رؤية قصة يندمجون معها، فوجدوا شكلاً أزعم أنه انتج أول مسلسل «بريختي» (نسبة الى بريخت) في معنى أن المتفرج لا يندمج كثيراً في العمل ولكن من آن الى آخر، يتم تغريبه أو إبعاده عن العمل ليفكر فيه ويعلق عليه ويفهم ثناياه ومحتواه فلا يكون مجرد متفرج سلبي يتلقى فقط ما يقدم له. كانت طريقة بريخت في المسرح تسمى طريقة التغريب. والآن فإن كون هذا الأمر ينتقل الى مسلسلات التلفزيون التي تتمتع بشعبية كبيرة وتشاهدها قطاعات كبيرة جداً من الناس وأن يندرج هذا مع شكل السامر الذي يعلق على الأحداث ويناقشها مع الناس فهذا كان شكلاً غريباً وغير معتاد يتطلب مواهب كبيرة لا أقصد بها الاخراج ولكن أيضاً الكتابة والاشعار والموسيقى والتمثيل لتستطيع أن تنقل هذا المفهوم الصعب الى جماهير التلفزيون. · هل كان متعمداً أن تتوه اللهجة في الحوار ما بين الصعيد والريف؟ - ليست تائهة كثيراً وهو أمر متعمد لأن القصة منذ الحلقة الاولى التي حملت مفتاح المسلسل بالكامل، تقول إننا نتحدث عن قرية ليس مطلوباً معرفة اسمها او مكانها، ما عنى أننا نتعامل مع عالم الرمز أو التجريد، وبالتالي فإننا لسنا ملزمين جغرافياً ببيئة أو لكنة محددة انما هناك شيء يقول إننا لسنا من المدن ولكن ريفيين من الصعيد والبدو، لذلك كان هنا نوع من تعمد ان تكون اللهجة غير دقيقة جداً ومرتبطة ببيئة جغرافية وأن يكون شكل التمثيل بالنسبة الى الرواية المحكاة أقرب، لا أريد ان اقول الى المبالغة، ولكن الى أداء أعرض أو أقرب من الحياة لنعطيها هذا الطابع الملحمي او الرمزي اضافة إلى أن إخراج جزء السامر كان له أسلوب بصري مختلف تماماً عن الرواية المحكاة التي كان لها طابع بصري غير واقعي نوعاً ما، بحيث كان هناك استخدام للألوان وللصورة يضفي الطابع الملحمي على الرواية. وفي تقديري أن كل هذا أدوات فنية صعبة وشكل غير تقليدي، لكن الحمد لله رد الفعل فاق التوقع. · هل تعتبر ما حدث مغامرة والى أي مدى يفترض أن يغامر المبدع؟ - لا إبداع من دون مغامرة لأن المضمون يكون لأشياء معلبة وعديمة اللون والطعم والرائحة وكما يقولون «لا فاز باللذة إلا كل جسور ومخاطر». اعتبر المغامرة طريقاً ذا اتجاهين لانها تعطي نوعاً من التجديد والمتعة والتحدي للمبدع، وفي الوقت نفسه تعطي متعة جديدة للمتلقي لانه لا يتلقى شيئاً رآه من قبل. وكان يعرفه. أسلوب صعب · هل يمكن أن يمثل العمل مدرسة أو اتجاهاً جديداً خصوصاً أننا سمعنا أن المخرج الشاب مروان وحيد حامد ينوي استخدام الوسيط في فيلمه الجديد «عمارة يعقوبيان»؟ - بحسب معلوماتي أن ما يستخدمه مروان هو الراوي وهو موجود في الأفلام منذ الثلاثينات من القرن الماضي أي أنه أسلوب قديم جداً في الافلام وليس جديداً. أما الجديد لدينا فكان المزج بين الغناء والسامر والدراما، وأعتقد أن الكثيرين سيترددون في استخدام هذا لأنه أسلوب صعب ما لم تستطع الامساك بزمام المشاهدين فلا يفلتون منك. هذا هو التحدي الحقيقي في مثل هذا الشكل. · هل الاغاني والاشعار التي ضمها المسلسل جاءت في مصلحته أم ضدها؟ - يوجد في العمل 64 أغنية وفي تقديري أن هذا عيب وميزة في وقت واحد: الميزة أنه يوجد تنوع وثراء لا حد له، والعيب أنه في حال وجود مقدمة ونهاية واحدة فإنها تكون محفوظة من كثرة التكرار، ولكنها في عملنا لا تقال إلا مرة واحدة، لذلك أتوقع - وهذا أملي - لهذا العمل ألا يموت أبداً لأنك ستكتشف في كل مرة جديداً تشاهده اضافة الى جمال الاشعار والموسيقى وستتكشف لك اجزاء وطبقات اخرى فيها تجديد وابتكار وستأخذ حقها أكثر مع كل رؤية أو إعادة جديدة وهذا يختلف عن كل الدراما التلفزيونية، لأن التلفزيون يشار إليه دائماً على أنه مثل الصحيفة ليس له معنى في اليوم التالي، لذلك كانوا يقولون إن الفيلم يشبه الكتاب في حين يشبه المسلسل الصحيفة، وأعتقد أن الشكل الجديد الذي قدم في «الدم والنار» سيرفع مستوى الصحيفة الى مستوى الكتاب. · هل يشعرك التعاون مع وحيد حامد مؤلف العمل بمتعة فنية؟ - قطعاً وإلا ما تكرر لأنني قدمت ستة مسلسلات منها خمسة من تأليف وحيد حامد، ناهيك بالافلام السينمائية ولو لم يكن هناك استمتاع وتفاهم وتقدير بيننا ما كانت هذه العلاقة لتستمر. · هل جاء أداء أحد الممثلين في المسلسل مفاجأة لك.. خصوصاً أننا رأينا معالي زايد وكأنه يعاد اكتشافها من جديد؟ - معالي ممثلة جيدة وهذا معروف عنها ولكنها لم تكن بمثل هذا التوهج من قبل وهذا أمر أحسد نفسي على أنه حدث معي، أما بالنسبة الى لوجوه الجديدة التي أحرص علىها دائماً في أعمالي فإنني أعتقد أن دور تامر عبدالمنعم كان مفاجأة بكل المقاييس وكان أحد الرهانات القوية في العمل. وايضاً هناك داليا ابراهيم التي تتمتع بإحساس طاغٍ وهي ممثلة من الطراز الرفيع. أنا مؤمن أن الأداة الاولى لتوصيل العمل هو الممثل على رغم أهمية العناصر الاخرى لذلك أولي الممثل أهمية خاصة وأحب أن يكون ممثلو أعمالي في أحسن حال ممكنة، وهناك أعمال لي لم أحصل فيهاعلى جوائز ولكن ممثليّ حصلوا على جوائز ومنها دولية وكنت أسعد جداً وأعتبر الجائزة في النهاية لي. حالة خاصة · أعلن بعض كبار مخرجي السينما اخيراً اعتزالهم الاخراج السينمائي بدعوى تغير ذوق المشاهد. اليس هذا هروباً خصوصاً أن على المبدع المساهمة في إعادة الذوق الى طبيعته؟ - كل فرد له حالة خاصة ولا نستطيع أن نقول إنه ظرف عام يجمع الجميع واتفق معك في أنه أخلاقي وأدبي ونوع من الالتزام أن يساهم المخرجون الكبار بجهدهم في الارتقاء بالذوق العام وبمستوى الافلام التي تقدم ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لا بد من أن يكون هناك انتاج أو جهات أجنبية تتبنى تحقيق أفكار هؤلاء المخرجين وما لم توجد فلن يستطيعوا تحقيق ما يريدون. عملية الانتاج معقدة لأن جزءاً كبيراً من المنتجين يلعب في المضمون وقد تكونت على مدى السنوات الماضية تركيبة معينة آمنوا بأنها التركيبة الناجحة فانطلقوا جميعاً يقلدونها غير مدركين أنه عاجلاً أم آجلاً سيمل الجمهور هذه التركيبة مثلما ملّ أمثالها في أعوام سابقة وسيعود البحث عن التنوع والاختلاف الذي يجده في الفيلم الاجنبي. فالناس يقبلون اليوم على فيلم مثل «طروادة» وهو تاريخي وعلى الكوميديا وأفلام الرعب والدراما الانسانية. نحتاج الى جرأة في الانتاج ولكي لا أظلم المنتجين ايضاً أقول إنه لا يوجد منتج في العالم يقوم بعمل مؤسسة خيرية لدعم الفن السينمائي من دون أن يفكر في الربح، ولكن نحن في حاجة الى منتج وصناع فيلم يؤمنون بتقديم اشياء مختلفة ويتوافر فيها عنصر الابداع والجذب الجماهيري، ليس ضرورياً ان تكون الافلام التي يقدمها كبار المخرجين أو المنتجين ثقيلة الظل أو متجهمة، لا بد من أن تكون أفلاماً ممتعة وتجذب الناس ولكنها مختلفة ومتنوعة وألتمس العذر لهؤلاء المنتجين في أزمتهم الحالية وأتوقع أن الأمور ستتغير قريباً. · قدمت السينما خلال العامين الأخيرين اسماء جديدة هل هذا في مصلحة السينما حتى ولو لم تكن كل هذه الأفلام ناجحة أو متميزة؟ - السينما في النهاية صناعة قبل أي شيء آخر فلا بد من أن يجد المنتج المصنوع رواجاً مهما بلغت قيمته الفنية لأن هذا هو ما يضمن استمرار الصناعة، وبالتالي فإن أي شيء ينشط الصناعة ويدفع فيها دماء جديدة ويضخ فيها أموالاً هو في مصلحة الصناعة لأن هذا سيشجع المنتجين ويدفع المخرجين الى الاستمرار. · أخيراً... ما جديدك؟ - عادة ما يكون الفاصل بين العمل التلفزيوني والآخر ثلاثة أو أربعة أعوام وانا بعد مسلسل «أوان الورد» قدمت فيلمي «معالي الوزير» و«ديل السمكة» وحالياً اقرأ مواضيع سينمائية ومثلما اقول «الدوري نادى ممثله» فان الموضوع يناديني اياً كان مكانه وهو الذي يجذبني وليس الوسيط. ولو ظهر في الأفق مسلسل يحفزني فنياً سأقدم عليه بلا تردد وكذلك لو ظهر فيلم أو مسرحية. الحياة اللبنانية في 24 ديسمبر 2004 |