كيف نجحت المغرب في إقامة صناعة سينما ؟ مراكش: نــــادر عـــدلي |
الرحلة الكبرى: التقاء جيلين في طريق الروح الى مكة باريس - ندى الأزهري يريد الأب تحقيق حلم سعى إليه طويلاً واقتصد له طوال حياته. رحلة العمر، رحلة ما قبل الختام. يعلم ابنه بضرورة اصطحابه إلى مكة. يرغب بالوصول إليها عبر الطرقات الطويلة. فبعد معاناة مشاق السفر يصبح للهدف مذاق آخر. السيارة القديمة هي الوسيلة. والابن الشاب هو السائق. تدفع الخطوط العريضة التي ترافق الكتيبات الإعلانية عن الأفلام في فرنسا، إلى شعور أولي بالقبول أو الرفض. ثم تحسم رؤية الفيلم «النظرة الأولى» التي قد تخيب أو تصيب. هنا، قبل إنهاء قراءة السطور كان القرار قد اتخذ بمشاهدة الفيلم. فمواضيع كتلك، لها وقع خاص في نفس من يعيش بين هنا وهناك. الأسرة العربية المستوطنة في أوروبا، ارتباطها بالأصل. ثمة فضول لمعرفة كيف ينظر أحد أبنائها من الشباب إلى جذوره. وهل ثمة من رابط؟ فمهما سمعنا وصادفنا تبقى الرؤية الفنية ذات أبعاد متميزة في معالجتها. يقدم لنا إسماعيل فرّوخي شريطه الروائي الأول «الرحلة الكبرى» في إنتاج فرنسي - مغربي بعد أفلام قصيرة عدة. وعرض الفيلم في الصالات الفرنسية ولقي استقبالاً حسناً من النقاد. قادنا المخرج في رحلة قاربت الساعتين، وقطع فيها بطلاه خمسة آلاف كيلومتر من جنوب فرنسا حتى الوصول إلى مكة. وكان لامعاً في القيادة وفي سرد حكاية متماسكة بعيدة من الكليشيهات المعروفة المتعلقة بالعلاقة بين الشرق والغرب، وبعيدة من نظرة فولكلورية تحصر الارتباط بالجذور بالتمسك بالمظاهر. الأب مغربي في فرنسا، والابن فرنسي في عائلة مغربية. رضا مثال لشاب ذي أصول مغربية مندمج في المجتمع الفرنسي. يتابع دروسه بانتظام ومرتبط عاطفياً بصديقة فرنسية ولا يتحدث العربية. ما الذي يجمع بين الاثنين غير صحبة الطريق المفروضة على كليهما، وقبلها رابطة الدم؟ لا شيء. على الأقل ظاهرياً. التواصل منقطع، لكل عالمه ولغته، يكلم الأب ابنه بالعربية ويرد هذا بالفرنسية. تفصل بين الرجلين هوة ثقافية عميقة. الأب متمسك بدينه وبأركانه، والابن لا يعني له ذلك شيئاً. كل ما يهمه هو إيصال والده وإنهاء هذه المهمة والعودة إلى حياته الطبيعية وإلى الحبيبة. الأب مسيطر يريد لكلمته أن تنفذ وهو أجبر ابنه على القدوم معه وعلى السير في طرقات يختارها هو على رغم أنه لا يعرف قراءة الخرائط. إحساس الأب الغريزي بالأشياء وخبرته يقابلهما تهور الشاب. ويبين السيناريو عبر مجريات الأحداث، أن الحق كان في كل مرة تقريباً إلى جانب العجوز. وكأنه تأكيد وقبول على دور هذا الأب الحاني في أعماقه والشديد في ظاهره. وحتى لحظات ثورة الشاب والتي لم تأخذ منحى تنفيذياً سوى مرة واحدة، لم تدم طويلاً. ينظر الشاب إلى كل ما يصدر عن والده وكأنه قادم من عالم آخر، التيمم، الحرص على إخفاء النقود عن الأعين... اختار المخرج معالجة قضيتين في وقت واحد: صراع جيلين وصراع ثقافتين. وهذا ليس بالأمر السهل ولاسيما في عمل أول قد يقع تحت تأثير محاولة قول كل شيء وحشو الفيلم بالقصص والتفاصيل. بيد أن المخرج نجح في إظهار التفاصيل الصغيرة ذات المدلولات الكبيرة من دون خطب وإلحاح. فاكتفى بالصورة السريعة إنما المؤثرة وبالعبارة القصيرة لكن المعبرة. فمثلاً كان تيمم الأب وتمسكه بالصلاة في كل الأوقات، حتى تلك غير المناسبة منها في نظر الابن، يثير دهشة رضا. فكانت نظرة الشاب كافية للتعبير عن الاستغراب والتأثر مما يرى واعتراضه يتم من دون كلام كثير. وجاءت الشخصيات محكمة البناء ومقنعة. فكان الشاب مجسداً للفردية الغربية في سلوكه منذ البداية. وفي مكة، بدا غريباً في خضم هذا التجمع الهائل من البشر، وضمن تجمعات الحجاج. لقد أعاد اكتشاف أبيه وتعرف الى هذا الدين من خلاله. الحياة اللبنانية في 24 ديسمبر 2004 |
100 سنة كاملة, ونحن نفخر بأننا نملك صناعة سينما قوية, وإنها الصناعة الوحيدة في العالم العربي وكل أفريقيا.. وإنها الصناعة المصرية الوحيدة التي تصدر كل إنتاجها.. وهذه حقيقة فعلا!.. وعشنا نفاخر بهذه الريادة, ولكن مع القرن الجديد, وظهور نظرية العولمة الاقتصادية, بدأت تتغير أشياء كثيرة, وتفاقمت أزمة السينما المصرية لأسباب كثيرة!.. بينما نمت تجربة سينمائية مدهشة في المملكة المغربية, وبدأت تقام فيها صناعة سينما حقيقية.. ودعونا نرصد ما حدث؟ بدأ الانتاج السينمائي في المغرب متأخرا( أواخر الخمسينيات), ومتعثرا, وعلي مدي40 سنة أو أكثر وصل عدد الافلام التي انتجتها إلي85 فيلم... ولكن في السنوات الخمس الأخيرة ارتفع معدل الانتاج ليصل إلي8 أفلام سنويا, بعد أن كان انتاج فيلمين في العام يمثل انجازا كبيرا.. وأكد لي الناقد نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي أن خطتهم أن يصل الانتاج إلي20 فيلما في العام خلال3 سنوات, فلماذا تراجع الانتاج المصري إلي أدني مستوياته( نحو20 فيلما) في الفترة الأخيرة, بينما انطلق في المغرب التي لم يكن لديها صناعة سينما أصلا؟!! يبدو أن السبب المباشر هو اقامة صندوق دعم الانتاج السينمائي الذي رصد مبلغ30 مليون درهم(23 مليون جنيه مصري), لانتاج سبعة أفلام مغربية سنويا, والمملكة أو المركز القومي لا يتدخل في الانتاج, فقط يوافق علي سيناريو الفيلم, ثم يمنح المنتج مبلغا لا يرد إلا بعد أن يسترد الفيلم أموال تكلفته( وكأنها منحه لاترد)!.. والأمر يحتاج إلي تفسير, فهل الحكومة المغربية قررت ــ هكذا ــ ان تمنح السينما هذه الملايين فجأة, وبدون مبرر, أو اكتشفت أن الثقافة السينمائية مهمة فأعطتها هذه الملايين؟!! الحقيقة.. أن المملكة المغربية تعاملت مع الأمر بمنطق اقتصادي بحت, وأكدت الدراسات أن السينما دجاجة تبيض ذهبا, وأنها من الصناعات التي تنعش الاقتصاد, وتدعم الثقافة, وتقوم بتنشيط السياحة, فقررت اقامة صناعة لتستفيد من هذا كله.. ثم أقامت مهرجان مراكش لجذب مزيد من الاستثمارات, وإعلان أن المغرب هي جزء من هوليوود, ودعت في مهرجانها الأخير عشرات النقاد والصحفيين العرب والأجانب ومحطات التليفزيون العالمية لنقل هذا دعائيا للعالم كله( تم دعوة300 صحفي ومراسل تليفزيوني أجنبي للمهرجان). مرة أخري.. ما الذي جعل المملكة المغربية علي يقين من تحقيق رواج اقتصادي من السينما؟.. سوف أضرب مثالا واحدا ــ وأترك لكم تقدير الأمور! ــ في عام1999 تم تصوير الفيلم الأمريكي المصارع في المغرب.. فماذا تحقق من هذا الفيلم وحده؟!.. تكلف إنتاج الفيلم130 مليون دولار, وبلغت الميزانية المخصصة للتصوير في المغرب17 مليون دولار( أكثر من100 مليون جنيه مصري), هذا المبلغ تم صرفه في المغرب( الانتقالات, الاقامة, التصوير, المجموعات المغربية التي شاركت بالفيلم).. والمهم أن هذا المبلغ جعل الحكومة المغربية تراجع حساباتها بسرعة, وقدمت تسهيلات كبيرة سواء للأمريكيين أو الأوروبيين لتصوير أفلامهم بالمغرب مستفيدين من وجود أماكن طبيعية جميلة ومتنوعة للتصوير, وأن التصوير في المغرب يعطي مزايا للمنتج أبسطها خفض الميزانية إلي الربع!.. وبدأت المغرب فعلا تصبح من الأماكن الجاذبة لتصوير الأفلام حيث يصور فيها20 عمل سنويا علي الاقل, تربح فيهم مئات الملايين.. في مصر يحدث العكس حيث تقف عشرات العوائق في سبيل تصوير الأفلام الأجنبية بداية من دخول مصر في الجمارك, حتي الرقابة وبيروقراطية الموظفين! ولم تكتف المملكة المغربية بأن تظل مجرد مكان للتصوير, فقررت دعم الانتاج المغربي واقامة معامل, وإعداد كوادر سينمائية, وتنشيط التعامل في الانتاج المشترك مع أوروبا, والاشتراك الدائم في مختلف المهرجانات لتأكيد التوجه الجديد.. وهكذا. إذن.. فإن التجربة المغربية انطلقت في خطين كبيرين هما: جذب الأفلام الأجنبية للتصوير في المغرب, واقامة صناعة حقيقية فيها!.. والحقيقة أن التجربة المغربية لم تكتمل بعد فلديهم مشاكل في إقامة وتجديد دور العرض, ومشاكل في جعل الفيلم المغربي ينجح تجاريا داخل المغرب, وغير ذلك. نأتي إلي السينما المصرية, وهي صاحبة صناعة عريقة كما نعرف, وتعيش أزمة حقيقية, فلماذا لا نستفيد من التجربة المغربية؟.. فالمسألة عندنا أسهل بكثير, لأن السينما المصرية لا تطلب من الحكومة دعما, انما تسهيلات في الجمارك والضرائب, واعطاء البنوك الثقة في تقديم قروض للأفلام بضمان الفيلم نفسه.. وفض الاشتباك بين شركة مصر للاستوديوهات, وأصحاب الاستوديوهات( بعد أن تمت الخصخصة بالفعل), ولكن هذه الشركة المستفيدة بدون وجه حق, تطارد الجميع وتفرض شروطا تعوق العمل.. أيضا ضرورة تقديم تسهيلات للتصوير الأجنبي في مصر, فهذا يمثل ثروة اقتصادية في حد ذاته, كما أن صناعة السينما في مصر يمكنها أن تستفيد تماما, ليس لأنها تملك الخبرات فقط, ولكن أيضا لأنها تملك المعامل والاستوديوهات بالاضافة إلي الآثار والأماكن السياحية الساحرة. إن صناعة السينما في مصر يمكن أن تصبح من أهم الصناعات في مردودها الاقتصادي بكل ما يعنيه من تشغيل عمالة, وانتقالات, واستفادة سياحية وغير ذلك الكثير.. فقط المطلوب من الحكومة أن تتعامل مع الأمر بجدية.. وتقدر بشكل صحيح قيمة السينما في الدعاية والرواج الاقتصادي الحقيقي. الأهرام اليومي في 22 ديسمبر 2004 |