ماجدة خيرالله تكتب عن فيلم «الإسكندر»
|
مخرج علي الطريق: بوسة أمينة رزق امتناني الشديد لقناة «الشاشة» حين فاجأتني بفيلم عتيق مثل «النبيذ الأحمر خميرة» 1939 يسكرك بعنوانه «قلب امرأة» للمخرج توجو مزراحي بطولة سليمان نجيب «ابن الناس الغني بعرق جبينه والنبيل الشهم حبيب الطبقة العاملة» وأمينة رزق «بنت الباشا المفلس ذي القلب المحطم» مع أنور وجدي «ابن العم النذل الجشع الذي حطم قلبها» ومحمود المليجي «المحامي حامي كل الطبقات» ودولت أبيض «أرملة الباشا التي تزول أرستقراطيتها حبة حبة» ثم عقيلة راتب «بنت الجزار النوفو ريش خاطفة الرجال بالإضافة إلي موهبة الغناء» في أدوار ثانوية، إلي جانب آخرين أجهل أسماءهم ما عدا فاخر فاخر بالرغم من أن اسمه في عناوين الفيلم هو فاخر محمد «الأخ العائد من أوروبا ليراقب الأمور ويعلق عليها». تدور أحداث الفيلم في جو الريف والعزب والفيللات إلي جانب محالج القطن أحيانا قليلة، والرواية قرعة وقديمة تتكرر عبر تاريخ السينما حتي الآن تداعب الطبقية ببراءة ومكر شديد أحيانا أخري تحت راية «الفقر حشمة بالرغم من كل شيء» في أفلام دائما علي حافة السذاجة المطلقة حسب الزمن الذي تدور فيه أحداثها. أما مفاجأة «قلب امرأة» الحقيقية فتقع في مشهد يجمع بين أمينة رزق وأنور وجدي بالفيراندة التقليدية لفيللات زمان حيث يتبادلان النظرات ويقتربان من بعض وتلتقي الشفايف في قبلة. «يالا الهول» علي رأي يوسف وهبي وبصوته العظيم. معقولة أمينة بنت طنطا تعمل كده. معقولة ونص كمان فهي عاشقة للفن وبصمتها سواء علي المسرح أو في السينما أو الإذاعة أو التليفزيون ستظل إلي الأبد. هل هناك من يجرؤ أن يشكك في موهبتها أو أخلاقياتها ومشوارها الفني دليل لعطائها الثري من ضحية لراسبوتين يوسف وهبي علي خشبة المسرح إلي الحماة التي تتحول إلي لوليتا أمام فؤاد المهندس وشويكار في الكوميديا المسرحية «إنها حقا عائلة محترمة» وإذا كنا قد شاهدناها بقميص نوم في «قلب امرأة» عام 1939 فقد شاهدناها برداء راهبة تسطو علي بنك في «حرب الفراولة» عام 1994 وكانت الخادمة في «التلميذة» والأم المضحية في «أعز الحبايب» وهل يمكن أن ننسي مشهدها كالمطلقة في محكمة الأحوال الشخصية في «أريد حلا» أو المسنة المرحة التي تحب مرة أخري في «أرض الأحلام» فهي دائما تبصم بالعشرة في كل دور تقمصته مهما كان حجمه نجدها تتألق في عشرات وعشرات الأفلام من «أولاد الفقراء» إلي «استاكوزا» ومن فلاحة في «دعاء الكروان» إلي عمياء في «السقا مات». حتي في التليفزيون تألقت في دور «توتة» الجارة في مسلسل «أوبرا عايدة» فسواء علي خشبة المسرح أو أمام كاميرات السينما أو التليفزيون هي فنانة محترفة من الطراز الأول تعشق وتحترم فنها ودائما في خدمة الدور الذي تلعبه ومتطلبات السينما التي انتمت إليها لم تقيم بالنظافة أو أي هراء من هذا المثيل كما يحدث اليوم فمدعو النجومية الموجودون علي الساحة اليوم اتعظوا من أمينة رزق إذا كنتم باقين ولا تخلطوا الأمور بين ما يمثل حياتكم الشخصية وما تمثلونه علي الشاشة، فالتمثيل فن نقي وراق أولا وأخيرا. وإذا كانت القبلة في التمثيل في مكانها الصحيح محرمة لديكم فلتعتزلوا المهنة بدلا من أن تهينوها. فالمسألة لم تصبح «أبوس أو لا أبوس» قدر ما هو تيار يهدد ويحد من حرية التعبير بوجه عام. ومن الطريف ذكر رفض مطرب صاعد في ثاني أفلامه من أن يقبل البطلة تحت حجة أن معجبيه غضبوا منه بسبب أنه قد قبل البطلة في فيلمه الأول.... «يالا الهول» شكرا أمينة علي تلك البوسة في «قلب امرأة» منذ أكثر من ستين عاما فاليوم لها دلالة أكبر مما كنا نتخيل. فالحياة علي لسان يوسف وهبي مرة أخري ليست إلا مسرح كبير. محمد خان جريدة القاهرة ـ 21 ديسمبر 2004 |
عندما يقرر المخرج الأمريكي «أوليفر ستون» أن يقدم فيلما سينمائيا جديدا، فهذا يعني أنه يريد أن يقدم شهادة علي عصر ما، أو حدث ما.. فالسينما بالنسبة له.. ليست للتسلية فقط.. ولكنه يضعها لإعادة التفكير في بعض القضايا أو الأحداث التي لم تحسم، قبل أن تدفن تحت صفحات التاريخ.. وقد اعتاد «أوليفر ستون» علي أن تحدث أفلامه صدمة لدي المتلقي.. سواء كان هذا المتلقي ناقدا.. أو مجرد متفرج عادي.. لأنه غالبا ما يجبرك علي أن تري من الصورة.. جانبا مختلفا.. قد يكون شديد القسوة، والبشاعة.. وهو ما حدث مع فيلمه «بلاتون» أو الفصيلة، الذي نال عنه جائزة «الأوسكار».. وكان من أول الأفلام التي أكدت علي «سفالة» الجندي الأمريكي في حرب فيتنام.. حيث كان الجنود الأمريكان يعاملون بوحشية من رفاقهم أكثر من تلك التي يواجهونها من العدو!! وتوالت أفلامه المهمة مثل سلفادور «جي. إف.ك» «J.F.K».. الذي أعاد البحث في قضية مقتل الرئيس الأمريكي جون كيندي.. و«سلفادو» الذي يناقش دور المخابرات الأمريكية في إحداث انقلابات سياسية في دول أمريكا اللاتينية!! أما أفلامه «ولدوا ليقتلوا» ونقطة العودة.. فهي تناقش زيادة درجة العنف والهوس لدي الشباب الأمريكي. الإسكندرية.. 325 عاما قبل الميلاد لكن لماذا يفكر المخرج الأمريكي «أوليفر ستون» المهموم بقضايا بلاده، المعارض لسياستها في السيطرة وفرض النفوذ علي شعوب العالم!! في العودة للتاريخ السحيق.. أكثر من ثلاثة قرون قبل الميلاد.. ليعيد للأذهان أسطورة ملك مقدونيا الشاب «الإسكندر» الذي غزا العالم، وأخضع شعوبا وممالك وأنشأ ثماني عشرة مدينة تحمل اسمه.. وكما كان طموحه سببا في ازدهار نفوذ بلاده.. كان سببا في سقوطها وتمزق أوصالها!! يقول «أوليفر ستون» إنه يقدم فيلم «الإسكندرية» لأنه يري أن التاريخ يعيد نفسه.. ورغم الفروق الكبيرة في شخصية الإسكندر.. وجورج بوش.. إلا أنه يعتقد أن الذي يجمع بينهما هو هذا الإصرار علي أن يخرج بجيوش بلاده في حروب لا طائل منها غير إحداث حالة من الفوضي، في العالم تؤدي حتما إلي انهيار الامبراطورية الأمريكية بعد أن انفردت بالسيطرة علي العالم.. وتخلصت من خصمها اللدود «الاتحاد السوفييتي» سابقا!! وهذا بالضبط ما حدث مع الإسكندر المقدوني.. الذي استطاع أن يقضي علي الامبراطورية الفارسية!! ولكنه لم يكتف بهذا الانتصار بل سعي لفرض قبضته علي بقية شعوب العالم.. فأنهك جيوشه في حروب ضارية استمرت لأكثر من سبع سنوات متصلة!! الإسكندر.. شاذا اعترض البعض «لا أعرف لماذا؟» أن يؤكد «أوليفر ستون» في فيلمه علي أن «الإسكندر الأكبر» كان شاذا جنسيا!! ويعلق المخرج الأمريكي علي هذا الاعتراض.. قائلا: إن الإسكندر كان ثنائي الميل الجنسي وهذا لم يكن يعيب الرجال.. في تلك الحقبة من الزمن.. التي اعتاد فيها الرجال علي مشاركة بعضهم في كافة أنشطة الحياة!! والمثلية الجنسية إذا كانت في زماننا الحالي تعد سلوكا، مشينا، فهي لم تكن كذلك في فترة حكم الإسكندر.. ولم تنتقص من إنجازاته وتفرده، كما لم تنتقص من قيمة الفيلسوف الاغريقي «أرسطو» المعلم الأول للإسكندر.. أما لماذا أكدت علي علاقة الحب التي ربطت بين الإسكندر وأحد جنوده؟ فذلك لأن بعض كتب التاريخ فردت مساحة لتلك العلاقة!! وفي رأيي أن الشخصيات الأسطورية الخارقة.. تحمل ضعفا إنسانيا، أو بذور فنائها.. وأزمة «الإسكندر» الشخصية كانت عجزه عن أن ينجب وريثا لمملكته مترامية الأطراف.. رغم أنه تزوج من ثلاث نساء!! بطليموس.. يعيد كتاب التاريخ تبدأ أحداث فيلم «الإسكندر» من مدينه الإسكندرية.. التي آل حكمها إلي بطليموس «أنتوني هوبكيز» الذي تعهد بكتابة تاريخ ملك مقدونيا الشاب الذي مات بأسلوب غامض.. وهو في الثانية والثلاثين من عمره.. بعد أن خاض مع جنوده أكثر من خمسين حربا دامية.. وفرض نفوذه علي تسعين بالمائة من العالم القديم.. نتعرف في البداية علي طفولة الإسكندر.. الذي كان مرتبطا بأمه «أوليمبيا» تلعب دورها «إنجيلينا جولي» تلك المرأة التي زرعت في نفسه الطموح الطاغي والشجاعة وأهلته أن يصبح خلفا لوالده الملك العظيم «فيليب» إلا أن العلاقة بين الأب وابنه سارت في منحني خطر.. لرفض «فيليب» أن يخلفه ابن امرأة لا تنتمي للطبقات النبيلة في مجتمع مقدونيا وسعي لأن ينجب ذكرا من أخري تتوفر فيها عراقة الأصل!! مما دفع «أوليبمبيا» لأن تتآمر عليه.. وتدبر لمقتله لينفرد ابنها الإسكندر بحكم البلاد.. وهذا ما أحدث شرخا في العلاقة بين الإسكندر وأمه جعله يقرر الهرب منها، والاستغراق في غزواته الخارجية، لعله يجد في انتصاراته الحربية ما يشفي جراح نفسه!! وينسيه تآمر والدته علي أبيه الذي كان يحمل له مشاعر متناقضة بين الحب والإعجاب الشديد والكراهية!! سبع سنوات قضاها الملك الشاب بعيدا عن مقدونيا استطاع خلالها أن يحقق انتصارات مذهلة.. وقاد جيوشه لغزو العالم.. ولكنه بعد كل انتصار.. تزداد رغبته في تحقيق المزيد من السيطرة علي بقاع الأرض.. مما انهك جيوشه.. فتمرد ما بقي منهم علي قيد الحياة وطالبوه بالعودة للوطن!! ولكنه قضي علي كل صوت معارض وأصر علي مواصلة غزواته إلي بلاد الهند التي خرج عليه جنودها بما لم يكن في الحسبان!! وكانت معركة الأفيال، نقطة النهاية لأسطورة جيوش الإسكندر الذي قرر بعدها العودة لبلاده ولكنه واجه ما هو أشد فتكا وايلاما علي نفسه من كل المعارك التي خاضها.. وهو وفاة رفيق صباه.. وتوأم روحه وعشيقه!! وخوفا من عودة الإسكندر لشغفه وولعه لمزيد من الحروب قرر بعض جنوده التخلص منه فدسوا له السم في شرابه ليموت الإسكندر غدرا وتدب الفوضي في مملكة مقدونيا سعيا لتقسيم تركته لينال كل من رجاله قطعة من العالم وتنتهي أسطورة القائد الشاب الذي ملك العالم وخسر نفسه!! جريدة القاهرة في 21 ديسمبر 2004 |