الباحثات عن الحرية شريط يدعي الكثير عن محرمات زائفة و أنت عمري يسفه قيم العائلة والحب و رقصة الريح يتعثر بعد بداية قوية عن الصحراء القاهرة ـ زياد الخزاعي |
ترى ان المرأة نالت حقوقاً عدة ليس من بينها نظرة المجتمع اليها ... ايناس الدغيدي: الشبّاك يهمني لكنني لن امشي في ركاب القطيع القاهرة - فيكي حبيب بعد نيلها جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قبل سنوات قليلة عن فيلمها "مذكرات مراهقة" تعود ايناس الدغيدي لتقطف مرة اخرى هذه الجائزة عن فيلمها الاخير "الباحثات عن الحرية" لتقطع الفرصة امام ثلاثة افلام عربية اخرى من مصر وتونس والمغرب. "الباحثات عن الحرية" فيلم آخر من افلام ايناس الدغيدي المثيرة للجدل, حتى لو أتت الصدمة هذه المرة لجهة غياب المشاهد القوية في الفيلم, ما يطرح السؤال: الى أي مدى قدمت ايناس الدغيدي تنازلات في فيلمها الاخير نتيجة الضجة التي رافقت انجازه؟ "بعد تجربتي مع مقصّ الرقابة في "مذكرات مراهقة" تفاديت المشاهد الساخنة في "الباحثات عن الحرية" خوفاً على الفيلم من ان يتشوه فنياً, ومع هذا أوصلت المضمون الذي اريده, فلم اقدم تنازلات في فكرة الفيلم لا بل على العكس طالبت بحرية المرأة ومن ضمنها حريتها الجسدية في شكل اكبر بكثير مما فعلت في افلامي السابقة, لكن بلا مشاهد, اذ لعبت دور الرقيب على المشهد لا الرقيب على المضمون". ايناس الدغيدي التي ارتبط اسمها بالجنس لم ترحمها الاقلام الصحافية, حتى حينما قررت تجنب المشاهد الساخنة في فيلمها الاخير, اذ تحدثت بعض المانشيتات عن فيلم بورنو لا اكثر. ترد ايناس على هؤلاء قائلة: "الذين كتبوا عن الضجة التي اثارها الفيلم لاحتوائه مشاهد اباحية لم يشاهدوا الفيلم من اساسه, كل ما في الامر انهم كانوا في انتظار افتعال الضجة بعد العرض كما افتعلوها قبله, لإحداث فرقعات صحافية لا اكثر. وهؤلاء هم التافهون من الناس لا عشاق الفن. والحقيقة انهم لو شاهدوا الفيلم لما كان عندهم رد الفعل هذا, لأنه فيلم مهم جداً لكل انسان, فهو يتحدث عن افكار نبيلة كالتسامح والحرية والبحث عن الذات...". لكن ألا تخدم الضجة التي تكاد ترافق كل اعمال ايناس الدغيدي هذه الاعمال؟ "طبعاً تخدم الضجة الفيلم من الناحية التجارية", تقول ايناس ضاحكة وتتابع: "حتى ان من يفتعلها يخدمني من حيث لا يدري, فهو يعمل لي دعاية لأن كل ممنوع مرغوب". لكن ماذا عما يقال من افتعال ايناس الدغيدي نفسها هذه الضجة للترويج لأعمالها من خلال اختيار مواضيع تستفز المشاهد؟ تقول: "طبعاً اختار مواضيع تجذب الجمهور ليشاهد الفيلم. ومن ناحية اخرى يشغلني كثيراً الكبت العربي ونمط التفكير الذي نصادفه في مجتمعاتنا, فأنا جزء من هذا المجتمع, وأرى من واجبي ان اساعد في كسر حاجز المحظورات, ولعل لهذا السبب بالذات يأخذ البعض موقفاً سلبياً مني لأنني بكل بساطة ادخل منطقة محظورة". لكن لم الاصرار؟ "للتميز" تجيب ايناس وتتابع: "التخلف الذي نعيش فيه, والكبت الذي يحاصرنا لا يجوز. فنحن نعيش بلا أي حرية. و"الباحثات عن الحرية" لا يتكلم فقط عن حرية البنات, لكنه يتكلم ايضاً عن حرية الرجال والحرية السياسية والاجتماعية... كل الحريات. التوتر الذي نعيشه وعدم تقديرنا لما نريد من اساسيات الفيلم ولا ادري لماذا يغفل البعض هذا الجزء ويركزون على البنات وعلاقاتهن الجنسية؟". المرأة دائماً بنظرة بانورامية الى افلام ايناس الدغيدي نرى ان المرأة تشكل الهاجس الاكبر لديها دائماً حتى انه يقال انها ترفع راية المرأة في اعمالها وتهمل اموراً كثيرة اخرى, فما رد ايناس على هذه المقولات؟ "لنفهم امراً, انا لا ادافع عن المرأة في افلامي انما بكل بساطة احاول ان اغير نظرة المجتمع الى صورة المرأة الشرقية. هذه المرأة نالت حقوقاً عدة في اماكن عدة. لكن الحق الذي لم تأخذه بعد هو نظرة المجتمع, هذه النظرة التي لا تزال نظرة دونية كونها انثى وحتماً تابعة للرجل في مفهومهم. حتى ان المرأة الناجحة في مجالها غالباً ما يشكك في شرفها وأخلاقياتها وكأن المرأة لا يمكن ان تنجح بلا تنازلات, وان كانت قبيحة وناجحة في عملها, يقولون انها فشلت في حياتها العائلية. من هنا احاول في افلامي ان اغير نظرة المجتمع وأقول ان للمرأة حرية في الحياة والصداقة والجنس... لكنني لا اطالب بحقوق المرأة ولا اتكلم بالحدة التي تتكلم بها جمعيات حقوق المرأة". هل تؤمن ايناس الدغيدي حقاً بأن السينما النضالية لا تزال موجودة او قادرة على إحداث تغيرات في المجتمع؟ "طبعاً, لكن ذلك لا يحدث بين ليلة وضحاها انما بالتراكم. فالسينما سلاح مهم بيد من يملكه لأنها غير مفروضة على المشاهد لكن على العكس يرتادها الواحد منا بكامل ارادته وهي في النهاية التي تؤرخ مسيرة البلاد ومجتمعاتها". ... والرجل مهمش ايناس الدغيدي التي غالباً ما تتهم بتهميش الرجل في افلامها, نراها في فيلمها الاخير تركز على صورة الرجل المثالية في اكثر من شخصية, فهل في ذلك رد على الاتهامات السابقة؟ "أبداً" تقول ايناس وتتابع: "عندما اضع شخصية الرجل المثالي في الدراما أضعها لخدمة قضيتي لا اكثر. وبصراحة انا لا اهمش الرجل لكني اركز على قضيتي, على قضية المرأة. وأكثر, في فيلم "امرأة واحدة لا تكفي" كان بطلي رجلاً وتحدثت من خلاله عن مشكلات المرأة, بالاستناد الى تربيته وشخصيته. فأنا لا اتكلم عن حقوق المرأة بقدر ما اتكلم عن علاقة المرأة بالرجل, بالمجتمع وعلاقة المجتمع بالمرأة. فالدين لم يعط الرجل أي حق اكثر من المرأة, الدين ساوى في العقاب أما المجتمع فلا, لأنه مجتمع ذكوري". والسؤال: "هل تمرد ايناس الدغيدي على المجتمع جاء نتيجة معاناة شخصية؟", تجيب: "لا يمكن قول هذا بالتحديد, لكني فعلاً تربيت تربية متزمته, فيها الكثير من العيب والحرام. وهو واقع موجود في كل اسرة عربية. تمردي جاء نتيجة اقتناعي اولاً بأهمية المرأة ككيان, وثانياً انه في استطاعتي الوصول الى نتيجة وهذا هو الأهم. وفي رأيي يوجد خيط رفيع بين التمرد الايجابي والتمرد السلبي الذي لا يوصل الى مكان". في فيلم ايناس الدغيدي الاخير "الباحثات عن الحرية" ثلاث شخصيات اساسية من ثلاث جنسيات عربية, فهل واجهت الدغيدي صعوبات لجهة الخروج عما هو سائد في مصر, أي الانغلاق على الذات وعدم فتح الابواب امام الوافدين من الخارج إلا في ما ندر؟ تقول ايناس: "أنا في الاساس املك قصة خاصة, وبصراحة فرحت بها كثيراً لأنني خرجت من مشكلات المرأة المصرية الى مشكلات المرأة العربية. وبذلك نقلت السينما المصرية من الخصوصية المصرية الى الشمولية العربية. والحقيقة ان كل واحدة من الفتيات الثلاث تصلح لتكون نموذجاً لكل فتاة عربية بغض النظر عن جنسيتها". "الباحثات عن الحرية" فيلم مقتبس عن قصة للكاتبة هدى الزين, فإلى أي مدى تقيدت ايناس الدغيدي بالنص الحقيقي؟ "يمكن القول انني تقيدت بالرواية بنسبة سبعين في المئة, اما الاضافات فتركزت على دور الفتاة المصرية بحيث ان عنصر الامومة لم يكن موجوداً في الرواية وهو اساسي للحبكة الدرامية, كذلك اقترحت عليّ هدى اضافة شخصية الرجل السوداني الذي انتحر بعد طرده من العمل وهي شخصية حقيقية صادفتها هدى في الغربة. كل هذه الاضافات كانت لخدمة القضية الاساسية في الفيلم". وتختتم ايناس حديثها قائلة: "في كل افلامي ادانتي هي للمجتمع وليس للشخصيات التي تجسد الادوار. وغالباً ما اتعمد الاختلاف وأن تحاور افلامي العقل الانساني وفي الوقت نفسه ان تصل الى المشاهد, اذ اكون كاذبة ان قلت ان الشباك لا يهمني, لكن الاهم ألا امشي مع القطيع". الحياة اللبنانية في 17 ديسمبر 2004 |
قلة الأشرطة العربية المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هي معضلة سنوية. وما كنا ندعو إليه في تغطياتنا السابقة في شأن تحويل دوراته إلي سلة عروض شاملة لما أنتجته السينما العربية خلال عام أو عامين وتجميع مخرجيها وفنييها، لم يجد أذاناً صاغية في أروقتها. والدورة الثامنة والعشرون 30 تشرين الثاني (نوفمبر) ـ 10 كانون الأول (ديسمبر) 2004 لم تنج من هذا الفقر. ففي المسابقة الرسمية هناك فيلمان مصريان وآخران هما مغربي وتونسي، فيما ضمت خانة السينما العربية الجديدة 12 شريطاً، حصة الأسد فيها إلي الفيلم التونسي (4 افلام) أغفلت أعمال أخري كانت محظوظة في اصطيادها من قبل مهرجانات دولية، ورغم ذلك لم تلفت انتباه اعضاء لجنة اختيار الأفلام الذين يبلغ عددهم 28 عضواً. وإذا سلمنا بأن استضافة الأعداد الكثيرة من الأشرطة العالمية هي لصالح مشاهد وسط البلد (المركز التجاري بالقاهرة) وإتاحة الفرصة له للتعرف علي ما يفترض أن يكون آخر النتاج العربي الدولي وأفضله (وهي قضية تحتاج إلي قراءة أخري) فإن فكرة التجمع السينمائي العربي تصب في منهجية تحويل المهرجان إلي حاضنة للشركة العربية. قد تبدو هذه الفكرة طوباوية غير أن التشديد عليها هو نتاج لحالة التهافت التي تشهدها صناعة السينما العربية وانكفاء الكثرة من مبدعيها بسبب صدود الجهات الثقافية الرسمية والتي يفترض أن تصب جهدها علي دعم مشاريع السينما المحلية التي لن نختلف اليوم علي انها دُفعت قسراً إلي زيادة الجهد الفردي: تأمين المال اللازم للإنتاج، العلاقات الملتبسة مع الجهات الأوروبية المانحة، الخضوع إلي شروط المنتج المحلي وافتراضات سوقه. ما يفسر العسر الإنتاجي الذي يواجهه السينمائي العربي: هل القاهرة هي افضل حيز لتلك الشركة؟ في القناعة العامة هي ليست الأفضل وحسب بل أنها التربة الأكثر خصوبة بين نظيراتها العربيات، فهي تملك صناعة رائدة، متشابكة المصالح، وثقلا إنتاجيا وتوزيعيا، وكما متوالدا من الطاقات. لكن مايعوزها هو الانفتاح علي الطاقة العربية واستقدامها. ومهرجان القاهرة هو الفعالية المناسبة التي يجب ان تتحول (أو يفترض فيها هذا) من سلة عروض إلي مؤسسة نفعية تجتهد في تأمين فرص لإنجاز أشرطة عربية لا تشترط هوياتها المسبقة، وتوفر تلاقي ديناميكي للخبرات. الدافع لهذا الكلام هو مايجري اليوم علي الساحة السينمائية الأوروبية علي سبيل المثال، فهناك تطور هائل أصاب الصناعة الإقليمية التي شهدت في عرضها في مواجهة الفيلم الهوليوودي واكتساحاته المتواصلة، وأفضل صور هذ التطور الإلغاء المقصود لعزلة الخبرات. فالمخرجة البريطانية سالي بوترا استقدمت مديراً لتصوير شريطها الجديد نعم من روسيا. واعتمد الأسباني بيدرو المودفار علي كفاءات أوروبية في جديده التربية السيئة . فما الضير لو اعتمدنا أسلوباً مماثلاً يثور الترتيب البيروقراطي المتهالك في سينمانا؟ هل هي عنصرية عربية - عربية أم انه الهاجس في سياق الاختراقات ومخاوف سرقة المبادرات؟ لا حديث كبيراً في دورة هذا العام، ومع غرقها في فوضاها وبيروقراطيتها وتضخم برنامج عروضها واختياراتها المتضاربة القيمة والمستوي، والتي جمعت بين قامات عالمية الشهرة علي شاكلة الروسي المخضرم أندري كونشولوفكسي ورائعته منزل الحمقي أو مواطنه الشاب أندري سفاجنتسيف في شريطه البكر العودة جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا . أو الحياة معجزة للبوسني أمير كوستاريكا، وأشرطة أخري متهافتة علي نمط تحت شمس توسكاني للأمريكية أودري ويلز، أو الفتي آدم للبريطاني ديفيد ماكينزي وغيرها. لا يبقي أمام الضيف سوي الغرق في محنة البحث عن الصالات ومواجهة التغييرات الطارئة علي برنامج العروض وهي ميزة لا يصادفها المرء في أي مهرجان آخر. لا حديث كبيرا وهاماً بين الضيوف، لأن إدارة هذا المهرجان لا تكلف نفسها البحث عن إمكانية الاستفادة من طاقات هؤلاء الأغراب الذين سينتهون علي موائد الضيافة مكرمين في الحفلات السياحية، أما لجنة التحكيم التي رأسها كارلو فرسكاني رئيس مدينة السينما تشنيشيتا في إيطاليا (و هو تكليف يتوازي مع اختيار السينما الإيطالية كنجم لهذه الدورة وهو تقليد أطلق العام الماضي مع السينما الفرنسية) فإن مهمتها لا يحسد عليها في اختيار الفائز بالهرم الذهبي نظراً لتواضع أغلب الأشرطة المختارة وضعف قيمتها، ونبدأ عربياً: هناك سُبتان سينمائيتان مصريتان لا يجد المرء جواباً علي اختيارهما ضمن خانة المسابقة الرسمية، فجديد المخرجة إيناس الدغيدي البحثات عن الحرية نص متهالك، يقول كلاماً ضعيفاً حول مفاهيم الحرية والشخصية والحب والعنف والابتزاز الجنسي علي خلفية اتهامات كثيرة لقيم العائلة والشرف والتحرر الأخلاقي والفساد السياسي. هذا العمل يشبه كثيراً أشرطة الدغيدي الأخري، لكنه امتاز بفجاجته البصرية والأيديولوجية. للأولي جاء العمل كسرد شديد التقليدية، تراتبي المشاهد، مفتعل الأداء، فكي تثبت صاحبة امرأة واحدة لا تكفي و دانتيلا أن بطلاتها محصنات جغرافياً في باريس انكبت مع مدير التصوير محسن أحمد علي ضخ صور سياحية لمدينة النور. وزرعت شخصياتها أمام أبرز رموزها وعلاماتها الحضرية. العربيات الثلاث المهاجرات إلي هذه المدينة المفتوحة علي ارتباكات السياسة العربية هي أمل اللبنانية أداء سيئ للوجه الجديد نيكول برودويل الهاربة من جحيم الحرب الأهلية و الفارسة الصحافية التي ستتنكب إلي المهمات الخطرة بما فيها اهانة أحد أقطاب الزعامات الطائفية في بلدها. وهي نموذج للتحرر الأقطاعي في علاقاتها الجنسية، فمسيحيتها ـ حسب الدغيدي تضفي عليها قدرة خرافية من الالتزام المهني إلي المضاجعات السادية التي تمارسها في فنادق وضيعة مع رجال تلتقطهم في الحانات، وإمعانا في تضخيم انكسارها الداخلي (خسارتها إلي حبيبها علي يد أعوان الميليشيات الإسلامية)! تحوّل الدغيدي اللقاءات الجسدية إلي مفهوم ساذج حول تأثير الحرب علي بطلتها التي تتلذذ بالضرب والعنف، لكن المشاهد السيئة الصنع للمعارك اللبنانية تفرط بجحيم نيتها وتحولها إلي مسخرة سينمائية. أمل الحسناء ستنتهي قاتلة حين تغتال الزعيم بسكين صغير!! لكنها وبمعجزة ستصل إلي لبنان أمام كنيستها الأثيرة ومع الحبيب الجديد (الممثل المصري هشام سليم) الذي لن يتواني بتبريك صلاتها المتأخرة بقوله تقبل الله! كإشارة من الدغيدي ودفاعها عن التسامح الديني، لكنها لم تتحدث عن الدم الذي لطخ يد بطلتها أو العقوبة الأخلاقية التي يجب ان تنالها كمومس مغمطة باسم الحرية الباريسية. سعاد المغربية أداء مقبول من سناء موزيان طينة بشرية من نوع آخر، فهروبها في بلادها نتيجة لحملة عائلية ضدها بعد وقوعها بحب ابن الجيران! وهي الآن خليلة لتاجر مغربي عجوز يمارس عليها حظوة جنسية وترهيباً بـ رميك إلي الشارع الذي أنقذتك منه! ، وهذه الشابة تهوي بالخفاء العامل الفرنسي في المتجر المقابل، والذي سنكتشف لاحقاً وبما يشبه المزحة الثقيلة أنه في الأصل جزائري سيدعوها في المشهد الختامي إلي قراءة سورة الفاتحة إيذانا ببدء مرحلة جديد ة من حياتها. بعد هروبها من المغربي المقيت الذي تنعته بـ العجوز والعاجز . تتحول سعاد إلي مطربة ملاهي بمساعدة صاحب ملهي لا يتواني عن العمل كقواد إلي أمراء خليجيين (تصور الدغيدي أميراً محاطاً بمجموعة بائعات هوي يتراقصن بإغراء مفتعل فيما يقوم هو بحركة كاريكاتيرية وبصحبة ابنه الصغير الذي ـ حسب المخرجة ـ يتلقي دروس الفساد من ابيه الغارق في تفاهة اجوائه) ولن يترك الفرصة تفلت من يديه، حينما يقرر اغتصابها، وبشجاعة نادرة تفلت سعاد منه ومن شوارع واحياء باريس لتضع رأسها باطمئنان علي صدر صديقتها الفنانة التشكيلية المصرية عايدة (الممثلة داليا البحيري) وهي نموذج مختلف تماماً، تمتاز بقوة الشخصية ونباهتها وتفانيها فيما يخص نجاحها الشخصي والإبداعي، لكن هذه المصرية المجيدة تعاني من انكسار داخلي بفقدانها وليدها الذي رفض والده السماح له بمرافقتها في منفاها، بمعني: كيف تسمح لنفسها باعتبارها انثي زوجة أن تختار الشجاعة والقرار في إنهاء دراستها الأكاديمية في باريس؟ إن حريتها مرهونة ـ علي عكس زميلتيها ـ بمقدار شهرتها كمبدعة، لذا فإن الدغيدي لن تسمح بوقوعها في زلات اخلاقية كالتي مارستها امل وسعاد. إنها الطاهرة التي ستنتظر مجيء فارس احلامها الجديد (وهو بالمناسبة مهندس مصري!!) الذي سيكون النقيض النوعي للزوج الأناني والمتخلف، فهو متفهم ومتحمس الدوافع في شأن شهرتها وضرورة بقائها في عاصمة النور. تقرر عايدة فجأة العودة إلي بلادها أنا مش مستحملة الغربة دي! وتجمع شجاعتها لتحتضن حبيبها أمام باب مدرسته، وحين يطلب منها زوجها مرافقته إلي البيت ستكون في انتظاره إهانة ابنه الصغير الذي يقرر مرافقة أمه. الخلاصة الثلاثية للبطلات هي حريات رسمتها الدغيدي بمنطق في عينيك عود أي أنهن نساء محسودات في اختيارهن الموقع والحب والمغامرة والإيمان و... الحظ. ولكن ما فات هذه المخرجة أن نصها (اقتباس من رواية للصحافية هدي الزين) لا يدعو مطلقاً إلي العفة، بل يحرض علي فساد النية. فبطلاتها يمارسن قهرهن بإرادتهن علي أرضية أنهن يملكن مفاتيح حريتهن التي ستأتي بالضرورة بعد مرورهن بالكثير من السقطات الأخلاقية والشخصية، وإن طهراتهن لن تستكمل إلا بالكثير من التلفيق. وهي الصفة الأخيرة يمكن اطلاقها بسهولة علي شريط أنت عمري لخالد يوسف الذي سبق وأن عرف بشريطه العاصفة حول حرب تحرير الكويت! فالحكاية المفبركة بين المهندس الناجح يوسف (أداء باهت من هاني سلامة) والحسناء الشابة شمس (نيللي كريم) في المصح الذي سيجمعهما وها يحاربان مرض السرطان، ستتطور إلي كارثة أخلاقية يشرف عليها طبيب المصح الشهير الذي يري أن القضاء علي العلة الجسدية ليست بالضرورة محكومة بالدواء والعلاج، بل بالسعادة الداخلية وتطهير النفس من أثام الفشل والانكفاء. المشكلة أن البطل متزوج وله صبي، وحين يقرر الهروب من حياته العائلية ويدخل في نفق الكآبة، سيكون عليه اجتياز امتحان العزلة المفتعلة في احدي شقق القاهرة بالمناسبة هو يسكن في منتجع الغردقة كعلامة علي ثرائه واهتمامه بمحيط عمله الصحي!! قبل أن يجد نفسه اسيراً ليتعاطف مع راقصة الباليه الطموحة بمشاركة فرقة البولشوي! شمس لا تعرف بحكاية الزوجة والابن ويوسف يتغابي عن التصريح بارتباطه العائلي، وسنكون نحن شهود غفلة لحكاية حب خاسرة، تنتهي بمطاردة الزوجة (أداء لافت من منة شلبي) إلي العاشقين المتحصنين بالمرض وجرذان المصح وشوارع القاهرة، غير أن لقاءها بالطبيب المتفلسف (أيضاً هشام سليم) يحول وجهتها من انقاذ الزوج من براثن الإثم إلي دعوته بأن يمعن في وقوعه يحب الندّة النذلة التي اكتشفت ان تفانيها في عشقه أدت به وبها إلي ابراءه من المرض. فالسعادة ليست مشترطة بالعائلة وقيمها (خصوصاً في مجتمع شديد المحافظة مثل الشعب المصري) بل إن انعتاق الفرد من التزامه قد يؤدي حسب المخرج يوسف إلي حيوات جديدة وإن نقصها الشرف. عاني شريط المخرج التونسي الطيب الوحيشي رقصة الريح من تكرار ممل، لم تنجح نصوص متصوفة العرب من إنقاذ نهايته الكئيبة. وما بدا للوهلة الأولي أنه نص سينمائي يعتمد علي حذاقة الصورة ونظافة المشهد تغنياً بالصحراء وغموضها وقسوتها، تهافت رويداً رويداً إلي أن يصبح خيطاً درامياً واهياً عماده حكاية المخرج السينمائي العجوز الذي سيتوه بين الكثبان والقري المهجورة والواحات العطشي الجافة خلال بحثه عن مواقع لتصوير فيلمه الجديد، خلال ذلك يلتقي ضمن تهويماته صورة الشابة البدوية الحسناء التي تمثل له ماضياً آفلاً لحب ضائع، أو التمني بهيام غيبة العمر والشيخوخة. يلجأ المخرج يوسف إلي أطلال ويحاول العيش مع حالته العصية الجديدة: وحدته، عطشه، جوعه، انتظاره للموت. غير أن طلة البدوية ترفع من عزمه علي السير علي غير هدي، فالمسير حالة جسدية تحارب الفناء المفترض. إنه المصارع الدرامي لقدر الحياة. أسلحته قليلة أولها الذكريات وأخرها اللامبالاة. يفشل يوسف في الفصل بين سراب عثراته الصحراوية وواقع عزلته وموته القادم، ومع اقترابه من نهايته يعي أن مشاريعه لم تكن سوي كتابات علي الورق، سينشرها في وجه الريح العاصفة. في خط مواز يحاول مساعده والفتاة المكلفة بالسيناريو حل لغز اختفائه، وبعد عدة زيارات سياحية لمواقع الجنوب التونسي ( وهي مشاهد بالغة الضعف والسذاجة) يصلان متأخرين إلي سيارة المخرج الذي سيجد ملاذا لموته بالرقصة الغامضة مع البدوية الحسناء، إنها رقصة الريح والرمل والخسارات. صاحب ظل الأرض (1982) و عرس القمر (1998) عاشق حقيقي للصحراء فهو ابنها (مواليد 1948 في مدينة مارت، درس السينما وعلم الاجتماع والأدب في باريس)، وبانت في المقاطع الأولي للشريط الجديد بصيرته السينمائية الذكية في التقاط زوايا الصحراء وكثبانها وحيواتها، غير أن الوحيشي تعثر في تحميل دراما حكايته المزيد من العناصر، ولم يفهم لماذا أصر علي أن يكون نصه ثابتاً، مسطحاً قليل الشخصيات، التي تقول كلاماً هاذياً ومفككاً، فرادة المقاطع الأولي أن الوحيشي أصاب في مسك الزمن الصحراوي، إن جاز التعبير، فضياع يوسف العجوز هو وسيلة لسلبنا كمتفجرين من امكانية التفكير ببطولة خارقة قادمة. أي أن مخرجنا رجل عاجز أمام شريعة الطبيعة وما انتظاره الطويل الا تعبير عن قوتها وبطشها. القدس العربي في 17 ديسمبر 2004 |