شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

المنتجون عادوا للسينما الرومانسية بعد تراجع سينما الكوميديا:

قشطة يابا والحب في عصر التيك أواي!

القاهرة ـ من كمال القاضي

 

 

 

 

 

 

مع اول إرهاص لتراجع سينما الكوميديا بعد استنفاد كل سبل التحايل علي شباك التذاكر وفشل الخدع والتقنيات السينمائية من اجل النجوم الشباب علي الساحة بدأت علي الفور عمليات التخطيط من جانب المنتجين لدفع عجلة الإيراد والربح السريع، فشرعوا في عودة السينما الرومانسية وإحياء النمط الغنائي بعد فترة هجرة امتدت لسنوات.. وكان حرياً بهؤلاء المنتجين الاستعانة بنجوم الأغنية والأشباه منهم لسد هذا الاحتياج كما هي العادة دائماً عند إزاحة الوجوه المستهلكة واستبدالها بعناصر أخري يصلح الرهان عليها لموسم سينمائي جديد خال من التكرار والارتجال.. وفي غمرة الانتصار بالاكتشاف الذي يعيد عملية الإيراد وتدفق رأس المال انهالت عروض البطولة علي المطربين كبديل مضمون العائد لنجوم الكوميديا.. وعليه صار التسابق عنواناً للموسم الشتوي والذي بدأ بأفلام العيد كمفتتح لتجارب عديدة قادمة، كان من بشائرها فيلم قشطة يابا لمصطفي كامل أحد شعراء الأغنية والملحن الذي بزغ نجمه مؤخراً بعد صدور أول ألبوم غنائي له منذ عام، تم تصويره فيديو كليب وتناقلته المحطات الفضائية فتحققت له الشهرة والذيوع وأصبح الآن أحد أحصنة الرهان في الموسم السينمائي الفائت، حيث يقدم مصطفي في تجربته الدرامية الأولي علي الشاشة الكبيرة خلطة سحرية مهجنة ما بين الرومانسية القشرية والغنائية التقليدية المستوحاة من زمن فات وكانت الزعامة الرومانسية فيه لنجم الأغنية العاطفية عبد الحليم حافظ الذي شكل في تأثيره وحضوره الفني 50 % علي الأقل من احداث الفيلم في محاولة لاجترار نجاح العندليب الأسمر وإكساب الحاضر بعضا من مذاق أغنياته، وذلك بالاجتهاد في رسم صورة مماثلة لمصطفي كامل تتقارب في ملامحـها الشكلية مع عبد الحلــــيم حافظ ويكون لها ذات التأثير الوجداني والنفسي علي المتلقي، وهي الحيلة المدبرة من كاتب السيناريو الشاب عادل عبد المنعـم والهادفة إلي التفاف الجمهور حول بطله الفقير الناشئ في حي شعبي والرافض لمغريات الفن الهابط.. المتمسك بمبدأه لخلق خصوصية فنية تليق بإمكانياته وموهبته الخالصة لوجه الفن لا لوجه الشهرة والمال.. وبفضل هذه القناعات النزيهة والإصرار عليها في ظل ظروف اجتماعية بالغة السوء يتعاظم شأن المطرب في نظر أهله وأصدقاءه وتراه حبيبته جيهان فاضل التي قابلها صدفة فارساً لأحلامها ومخلصاً من جحيـــم المنتفعين الذين يلتفون حولها طمعاً في أموالها وثروتها..

وهنا تظهر تجليات المفارقة الصارخة بين الفقر المدقع للمطرب والثراء الفاحش للحبيبة ويبدو الأمر وكأنه عودة ساذجة لحواديت ألف ليلة وليلة وعزفاً ناشزاً لمحاكاة أفلام عبد الحليم حافظ معبودة الجماهير، حكاية حب، يوم من عمري إذ أن الأفلام الثلاثة كان العامل المشترك بينها هو انتصار الحب علي الفوارق الاجتماعية الشاسعة بين البطل والبطلة، غير أن هناك مقدمات درامية في الأفلام المذكورة خلقت مبرراً منطقياً للرباط العاطفي بين البطلين لم يتوافر بالضرورة في فيلم قشطة يابا الذي لم يستنكف مؤلفه او مخرجه عاطف شكري من المماحكة في تراث عبد الحليم بوضع قطع من أشهر أغانيه اي دمعة حزن لا كعنوان فرعي وتمهيد مباشر للأحداث التي بدأت تفاصيلها بين الصديقين مصطفي كامل، محمد نجاتي علي شاطئ النيل.. كما لو كان ذلك هو العهد بين الصديقين علي عدم الحزن، فضلاً عن استمرار صوت عبد الحليم كخلفية لعديد من المشاهد.. بالإضافة لبعض الدلالات والإشارات الأخري لحضور شبح عبد الحليم كمحرك اساسي للأحداث داخل رأس السيناريست والمخرج معاً، وهو ما يذهب بنا إلي الشك في نضوب خيالهما الدرامي ووقوفه عند حدود صور عبد الحليم علي الشاشة، الأمر الذي شكل مأزقاً حقيقياً لكليهما واضطرارهما اضطراراً إلي البحث عن مخرج بإضافة بعد آخر للفيلم ينقل حالة التعاطف من البطل إلي البطلة ليسبح السير الدرامي في أكثر من اتجاه ومن ثم يحتسب ذلك ثراء إضافياً من وجهة نظرهما بالطبع!!

فيما تأتي الانطباعات المطلة من الشاشة بغير هذا المفهوم، فالواقع الدرامي يؤكد وجود شتات وتشعب توحي بهما تعاريج السيناريو الممتدة بين الميلودراما الإنسانية للبطل والكوميديا الفارس المبالغ فيها لبقية الشخصيات، فضلا عن الانفعالات غير المتوازنة والمتضاربة من البطل مصطفي كامل تجاه البطلة برغم انها وضعت ثروتها بالكامل تحت قدميه إلا أنه يتمادي في عنفه وتأنيبه الدائم لها لمجرد أن يراها تحدث أحد أصدقائها الرجال أو تبتسم في وجه ضيف من ضيوفها مثلاً.. وكأنه طفل لم يع ما منحته له هذه الفتاة الوحيدة من حب واحتواء.. والأعجب أن ذلك لم يتم بقصد درامي ولكنه انعكاس لمواطن الضعف والترهل في السيناريو والتي لم يفلح المخرج في علاجها.. شأنها شأن مواطن أخري أشد ضعفاً مثل علاقة الحبيبة جيهان فاضل بمدير اعمالها وشركتها الضخمة التي تدار من وراء ظهرها كأنها مسرح للعرائس وليست مصدر ثروة طائلة تغدق عليها الملايين!! ولعل الجدير بالملاحظة في الفيلم أيضاً هو لجوء السيناريست إلي إصابة البطلة في حادث سيارة كمقدمة لرأب الصدع الذي أصبح له شأن بعد اكتشاف المؤامرة التي حاكها له الخصوم والطامعين في الاستحواذ علي قلب وثروة حبيبته، مع انه كان في الإمكان تقديم معالجة أكثر اقرابا وبساطة، خاصة وان مشهد التصادم ودواعيه قد تم بشكل ملفق ومثير للضحك أكثر مما هو مثير للشفقة والتعاطف، وبالتالي تبدد المعني الإنساني المرجو من ورائه، وبدا كأنه مشهد قص ولصق يمكن تمرير الأحداث بدونه.. أي أنه متفق لضرورته الحتمية كما هو معهود في قواعد الدراما التي تتأثر بمجرد اختلال الحروف علي لسان الممثل أو تغيير بسيط في زاوية التصوير أو ربما ظل غير مقصود في الإضاءة.. فتلك أبجديات العمل الناجح تقاس كل مفرداته بميزان حساس ولا تترك تفاصيله الدقيقة للصدفة!

وبالعودة للرؤية الشمولية للفيلم ككل نجد أن العنصر الوحيد المقنع في ذلك الطرح الدرامي الغنائي الجديد هو أداء الفنان صلاح بد الله باعتباره الأكثر خبرة وتمرساً والتزاماً بخطه الكوميدي وعدم انسياقه وراء محاولات القفز لاستعراض مهاراته أو كما يسمونها لغة السينما سرقة الكاميرا كما هو الحال بالنسبة لمحمد نجاتي الذي بذل قصاري جهده لتأكيد وجوده داخل حلبة المنافسة الثلاثية بينه وبين مصطفي وصلاح والوجه الجديد إيناس النجار. ومثلما عاني الفيلم من تضارب درامي علي مستوي الحدث.. عاني أيضا من عيوب في الديكور والإضاءة والموسيقي التصويرية أثرت كثيراً علي الجو النفسي للفيلم وخلفت فراغاً في البناء الدرامي ككل أدي إلي شيوع المعني الإنساني المتضمن في فكرة انتصار الحب وإذابة الفارق الطبقي في سخونة المشاعر واستخلاص نتيجة واحدة.. هي استحالة استنساخ الرومانسية عبر تجارب لا تتوافر لها نفس الظروف ولا تتمتع بنفس المناخ!؟

القدس العربي في 10 ديسمبر 2004