رمسيس مرزوق: أفلام اليوم نجم واحد والبقية "كومبارس" نانت (فرنسا) - ندى الأزهري |
"أستاذ رمسيس أود الحديث معك". كان واقفاً أمام عدسة التلفزيون المصري, وخلفه معرض صور لمشاهد من السينما المصرية التقطها بعدسته الفنية. كان علينا انتزاع بعض اللحظات الخالية في برنامجه الحافل وهو يكرم في مهرجان نانت السينمائي. رمسيس مرزوق المصور الفنان ومدير التصوير الذي عمل مع كبار مخرجي السينما المصرية: كمال الشيخ, صلاح أبو سيف, يوسف شاهين, يسري نصر الله... رحب بعبارات ودية وبابتسامته التي كانت لا تفارقه والمترافقة مع نظرة حزن عميقة. فالرجل قد فقد ابنته الوحيدة الشابة حديثاً. · السؤال الأول "احكِ لنا عن تاريخك السينمائي الطويل". - "تعالي" أشار لي ثم قام ليخرج شريطاً من معطفه "حأديك حاجة فيها كل حاجة". وناولني قرصاً مدمجاً "تاريخي كله هنا". و"كده أبقى مرتاح!". أضاف ضاحكاً. وضعت القرص على راحتي ونظرت الى هذا الشيء البارد الأصم. وبدأت الاعتراض. فمنذ قليل, وقبل بدء المقابلة, جرى حديث عن ظهوره الدائم في مشهد قصير لا يتجاوز الدقيقة في كل الأفلام التي يصورها. وكان تعليقه "هذا كمن يضع توقيعه على لوحة فنية. توقيعي هو بالصورة, انه امضائي الخاص". · هل تظن ان كتابة ما في قرص كهذا ستحمل "توقيعاً خاصاً لأي أحد"؟ نريد سماع حكاياتك منك وتسجيلها كما ترويها! وفي البدء علاقتك مع المخرجين. - علاقة مدير التصوير مع المخرج هي كعلاقة الزواج. انه العين التي يرى فيها المخرج. وان لم يحصل توافق تام بين الاثنين فسيخرج الفيلم "بايظ"! أقرأ السيناريو مرات عدة, وأتفاهم مع المخرج حول الملاحظات التي أضعها. تحدث أحياناً خلافات في وجهات النظر كما حصل مرة مع صلاح أبو سيف حول مشهد من فيلم "وسقطت في بحر العسل". ففي حفلة, تتعرف البطلة على البطل ويقوم بدعوتها لإيصالها الى البيت. من خلال الحديث, عرف انها تحب القراءة. فاقترح المرور بمنزله لإعارتها احدى الروايات. وفي المصعد كانت تحدث نفسها "سيسقيني حاجة صفرا..." كان تخيلي للمشهد التالي قائم على تصوري برضاها لما سيحدث. فاقترحت صورة توحي بعلاقة حب جميلة ووضع اللون الأبيض في كل مكان. فيما أصر المخرج انها ستكون حال اغتصاب وبالتالي فالإضاءة التي اقترحتها غير مناسبة. احترمت رؤيته, وغيرت مفهومي للمشهد. ووضعت "الظلمة", وجعلت الضوء الوحيد يأتي من الخارج وكان ضوءاً متقطعاً لإعلان. وبذلك بدا الاغتصاب في مشاهد متقطعة فكان أقل إيذاء لمشاعر المشاهد. خلافات شاهينية · من هو المخرج الذي تتفق وتستمتع بالعمل معه؟ - يوسف شاهين. في بداية عملي معه أخافوني منه! وقالوا إن العمل معه متعب لأنه مسيطر بل وديكتاتور! واتضح لي العكس. هو يفهم حقاً في الصورة ويضحي من أجلها. وقد حصلت خلافات بيننا استطعنا إزالتها بالتفاهم. ففي فيلم "اسكندرية كمان وكمان" أثار لنا مشهد التمثال مشكلة. اذ كان من الصعب اضاءة السقف والأرض والجدران بعد أن وضع في زاوية من البلاتوه عدسة 18 تكشفه كله. وأصر شاهين على الزاوية. فكرت وقلت له "إما أن تغير الزاوية أو تهد السقف!". وسألني ان لم يكن لدي حقاً حل آخر فقلت "لا"! بعد تفكير استجاب. وعطلنا يوم تصوير لهد زاويتين في السقف. وفي "المهاجر" كلفه تنفيذ اقتراح لي بإنارة أحد المشاهد مبالغ طائلة ووقتاً اضافياً ولكنه لم يتراجع. لو كان آخر مكانه لقال: "لما لم تقل لي ذلك من قبل؟" هذا هو التفاهم القوي. المصور هو العازف والمخرج هو المايسترو. · هل ترى فرقاً في التعامل بين القدامى والجدد؟ - القدامى من أمثال حسن الإمام وصلاح أبو سيف وعاطف سالم... كانوا يحضرون عملهم بعناية. وقبل التصوير كان كل شيء محدداً ومحضراً جيداً: مناقشة السيناريو, معاينة الأماكن, تحديد أوقات العمل... ولكن الملاحظ الآن, ان الجيد الجديد متسرع. وتجرى معاينة مكان التصوير في يوم التصوير. وأحياناً, يُغيّر السيناريو بل والتأليف كذلك على الواقف! وهذا من أسباب تدهور السينما. · ما هي برأيك الأسباب الأخرى لتدهور حال السينما المصرية؟ - تأتي الأزمة أيضاً من الوضع الاقتصادي. من سيطرة السينما الأميركية, وأفلام الضحك التي يلجأ اليها المواطن بسبب حاله الاقتصادية والمعيشية والفكرية. كما ان تحول أبطال السينما الى التلفزيون أدى الى رفع أجورهم. ولم يعد الفيلم يستطيع استعادة رأس المال الذي وظفه. في البداية, كان هناك نجمان وأبطال كثيرون من حولهما. أما الآن, فهناك نجم واحد سعره خيالي والبقية كومبارس. · لنعد الى التصوير, هل تعتمد الطريقة نفسها في تصوير المرأة والرجل؟ - الاثنان واحد بالنسبة إليّ. يتساوى عندي الرجل والمرأة والأثاث! أضيئهم كلهم بالطريقة نفسها. وقد أضيء اكسسواراً ما وأخفي الممثل. ما أركز عليه ويحكمني هو الموضوع. · هل ثمة وجوه أكثر قابلية للتصوير من أخرى؟ - أنا ضد كلمة "فوتوجينيك". ثمة وجوه معبرة وأخرى لا. وتلك لا تصلح للتصوير. ليست المقاييس الجمالية هي الأساس, بل الروح والحضور هما الأهم. وجه فاتن حمامة · على من تنطبق تلك المواصفات من بين الفنانات؟ - فاتن حمامة. وجهها شديد التعبير, وهي انسانة بكل معنى ولديها حضور قوي. تستطيع أن تقول عبارة بسيطة مثل "صباح الخير" بأشكال مختلفة. أيضاً نعيمة عاكف وهند رستم وسعاد حسني. · لم تذكر أحداً من الجيل الجديد؟ - هناك وجوه معبرة مثل هند صبري, منى زكي, دنيا وبسمة. ينقص الجيل الجديد التأني في الاختيار والتعامل الجيد مع الكلمة. وأرى ان كثرة الانتشار غير جيدة. · هل حصل وتركت التصوير في فيلم ما بعد البدء فيه؟ وما الذي يجعلك تفعل ذلك؟ - حصل هذا مرات عدة. أترك التصوير عندما أصل الى مرحلة أتيقن فيها بأنني لن أحصل على عمل جيد. لقد اختلفت مع نبيلة عبيد وسعاد حسني. وتركت التصوير في فيلم "الحب الذي كان" بعد أربعة أيام من بدء العمل. كانت سعاد حسني تريد تصوير جهة معينة من وجهها وترفض تصوير الجهة الأخرى. كما حصل خلاف مع سهير رمزي التي أرادت ان أبديها في دورها كخادمة أكثر جمالاً وأناقة من ربة عملها! وبالطبع لم يكن ذلك منطقياً. ولكن هنا كان تدخل المخرج حاسماً. اذ اعتذرت الممثلة وعادت الى العمل. أنا لا أحب تدخل الممثلين في عملي. اعتبرهم كأداة موجودة للتعبير. وقد أقوم "بتشويه" صورتهم في الفيلم ولكن يتم هذا خدمة للموضوع. كما انني ضد اختيار الممثلة لمدير التصوير. وكانت تلك موضة رائجة في الثمانينات. أرفض هذا المبدأ. · ما هي النصيحة التي تقدمها إذاً للممثلة كي تبدو في أكمل صورة؟ - عليها ألا تركز على جمال صورتها بل على تعبيرها. كما عليها ان تثق في المصور ولا تتدخل في عمله, فهو الذي يفهم ما في الوجه من خبايا ويستطيع ابرازها. الحياة اللبنانية في 3 ديسمبر 2004 |