شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

طاقات بصرية تعلي من القيم الفكرية والفنية

ناجح حسن

 

 

 

 

 

 

 

ما يزال الفيلم التسجيلي او الروائي القصير او التجريبي مغيبا عن المتفرج السينمائي العربي على نقيض الفيلم الروائي الطويل المنتشر بفعل شركات التوزيع والذي يجري تسويقه حسب ذائقة سائدة تحكم قواعد العرض والتوزيع رغم ما يفتقده هذا النوع من الافلام عادة من ابتكار على صعيد اللغة السمعية والبصرية. وذلك لاسباب كثيرة منها غياب الوعي والمعرفة والعلم بسوية المدارس والتيارات السينمائية، وطمس المحاولات المتينة في تاريخ السينما العربية، والانقطاع عن انتاج ما يتمتع منها بمصداقية في طرح القضايا الانسانية.

من هنا جاءت محاولات كثير من الشباب الجدد في التوجه الى كاميرا الفيديو- الديجيتال في مسعى للحاق بركب السينما، وقدموا اعمالا بدت كالتدريب اكثر منها التزاما في التوجه الى نوعية سينمائية مغايرة للفيلم الروائي، ومع تزايد المدارس والمعاهد والجامعات او عبر ورش التدريب المتخصصة بهذا النوع من الابداع.

تشكلت في السنوات الاخيرة مجاميع من الافلام المنطلقة بعيدا عن توجهات السينما السائدة، والمليئة باشكال من الاساليب المتفاوتة منها الاقرب الى العمل الصحفي او الريبورتاج التلفزيوني او الدعائي السياسي، ومنها ما يشتمل على الوان من التجريب والابتكار والالتزام في قراءة الصناعة الفنية والفكرية لهذه الافلام في محاولة لطرح اسئلة حول قضية او مسألة ما، وهناك من يناقش ويسعى الى التواصل، من خلال انجازات بسيطة لا تدعي اكثر من محاولة شفافة لطرح موضوع معين على خلفية من المعرفة بمفردات اللغة البصرية.

مثل هذا الامر كان لزاما على بلد مثل مصر، شهد الصناعة السينمائية منذ وقت مبكر يكاد يقترب من عمر السينما نفسه «على صعيد الفيلم التسجيلي» ان ينفرد في احتضان مهرجان سينمائي دولي للافلام التسجيلية الطويلة والقصيرة كل عام، وان تكون مدينة مثل الاسماعيلية حاضنة المهرجان لما تمثله من نقطة التقاء بين قارتين «آسيا وافريقيا» مما يؤكد على اتساع الفضاء العالمي للاهتمام بهذا الحقل الابداعي، ولتكون الاسماعيلية نقطة لقاء وحوار ونقاش بين مخرجين عرب وافارقة واوروبيين ومن اميركا اللاتينية ومن آسيا واستراليا ايضا، اتيحت لهم الفرصة لان يتواجدوا في المهرجان بدورته الثامنة التي انتهت مؤخرا، وقد ادهشهم حجم الاحساس السينمائي الذي يتمتع به زملاؤهم القادمون من اماكن اخرى وبعيدة، حيث المزج بين سينما مؤلف وسينما حقيقة، وتقديم ابداعات ولقيات لم يسبق للسينما ان قدمتها سواء على صعيد خطابها الانساني او السياسي او الاجتماعي، وكل ذلك كان محملا بقدرات متميزة وخلاقة.

ومهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والقصيرة لا يقطع الصلة مع تراث السينما الوثائقية في العالم وتكريم صناعها الذين شكلت افلامهم فيما مضى منحى تعبويا وتحريضيا ودعائيا في اكثر من اتجاه، لكنها بطبيعة الحال لا تعدم وجود نماذج رفيعة كرستها اقلام النقاد العرب والاجانب وجرى اختيارها في مناسبات دولية عدة مثل «اوبرهاوزن»، «لايبزغ»، «كارلو فيفاري»، «طشقند»، «قرطاج»، «دينار» «بالجزائر».

ففي هذا العام مثلا جرى الاحتفاء بالسينما التسجيلية السورية بمناسبة مرور 75 عاما من الابداع وعُرضت مجموعة من الافلام السورية كان ابرزها: «القناع» لبسام محي الدين، «اليوم كل يوم» لاسامة محمد، «امنيات» لعبداللطيف عبدالحميد، «حكاية مسمارية» لموفق قات «لحظة فرح» لوليد حريب، «احاديث الحجر» لريمون بطرس، «قيامة مدينة» لباسل الخطيب، «هو وهي» لناصر نعساني، «الحركة الخامسة» لباسل الخطيب، و«ورد وشوك» لغسان شميط، وكانت هناك سلسلة عروض من الافلام الموزعة على اقسام المهرجان الاخرى: ففيلم الافتتاح جرى اختياره بعناية ليتلاءم مع الظروف التي تعايشها منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا الحرب على العراق، فقد كان توجه القائمين على المهرجان منذ البدء بعرض فيلم «فهرنهايت 11/9» للاميركي مايكل مور الحائز على سعفة «كان» الذهبية، ولكن تهافت الشركات الكبرى على الفيلم حمل صاحبه على تسويقه تجاريا قبل ان يحين موعد افتتاح فعاليات «الاسماعيلية» مما حتم علي الناقد السينمائي علي ابو شادي رئيس المهرجان على العمل بضرورة اختيار فيلم بديل، وكان العمل الفرنسي التسجيلي الطويل «العالم كما يراه بوش» لمخرجه وليم كاريل، والذي كان بحق وثيقة سمعية بصرية هامة لما يختزنه من شهادات على الحرب في العراق، ويتيح الفيلم الفرصة للعديد من الشخصيات لان تتكلم باريحية ويستقطع مشاهد من المناقشات التي تدور في الكونغرس الاميركي بشأن الذهاب الى الحرب والدوافع التي تحكم الداعين لها، وهناك ايضا مواقف تعارض ما ذهبت اليه الادارة الاميركية.

يركز الفيلم بشكل خاص على عائلة الرئيس الاميركي جورج بوش بدءا من الجد مرورا بالاب ووصولا الي الابن، وانعكاس ادائهم في مسؤوليتهم عن الادارة والاقتصاد والرئاسة على سائر دول العالم وليس الشعب الاميركي فحسب، ويفضح الفيلم تلك العلاقات التي جمعت بين عائلة بوش ورموز العنف والتطرف بالعالم على خلفية الشراكة التجارية والاعمال الاستثمارية الخاصة بالولايات المتحدة، مثل صناعة السلاح، وهناك الكثير من المصالح المتبادلة بينهما من بينها تمويل الحملات الانتخابية.

وبين السياسي والانساني شارك في المهرجان مخرجون تناولت اعمالهم مرض الايدز والهجرة الى العالم الصناعي، كما في الفيلم الصيني «ان تعيش افضل ان تموت» عن قصة من بيئة اجتماعية فقيرة في قرية وسط الصين حيث اغلبية سكانها مصابون بمرض الايدز، وفيها امضى المخرج وايجين تشين الذي كتب بنفسه سيناريو العمل وقام بتصويره، شهورا بالقربة مع احدى العائلات راصدا الموت البطيء الذي يحيط بهؤلاء الناس على نحو مستفز وجارح للمشاهد لحظة التعبير عن لفظ المريض لانفاسه الاخيرة داخل عائلته الفقيرة.

اما الفيلم الثاني «المرور من تعريفة الموت في مضيق جبل طارق» اخراج وسيناريو بواكيم ديمر فيتناول وجهة النظر الاوروبية لمحاولات الهجرة غير المشروعة التي يقوم بها شباب العالم الثالث الى الضفة الشمالية من المتوسط من خلال لقطات لشخوص ولاهالي تلك البيئة الاوروبية ومعايشتهم لمسلسل الموت الذي يصبحون عليه ما بين يوم وآخر، وكيف تتأثر معيشتهم بذلك، معتمدا الصورة كوسيلة تعبير وحوار.

ويغوص فيلم «النصر الاخير» للهولندي جون أبيل في اعماق قرية ايطالية نائية ويكشف احساس سكانها بالمسؤولية الجماعية في حياتهم اليومية من خلال طقس سنوي تقيمه البلدة في احتفال مبهر ومثير بمناسبة سباق خيل يقام في المدينة القريبة، بدأت تنحسر فيه جهودهم بالفوز الذي يذهب الى جيرانهم، وبدلا من الانكفاء والانزواء يعمل شباب البلدة على الاخذ بناصية المبادرة والتدريب والاعتناء بلياقاتهم في امتطاء الخيل للفوز بهذا السباق، انه عمل يعلي من شأن التصميم والكبرياء والشعور بالمجد والنصر، ولم تجد لجنة تحكيم المهرجان بدا من منحه جائزة المهرجان الكبرى.

ومن اميركا اللاتينية يأتي فيلم «لاعب البرميل» لمخرجه القادم من هولندا آرتو هيلون والذي تدور احداثه عن «يسوع» الكوبي وقيامه بتحويل دوران براميل النفط الفارغة الى شكل فني من العاب الاكروبات وصارت حرفته اليومية التي يمارسها امام انظار الناس والسياح في الساحات العامة والاماكن التي يرتادها السياح، وتساعده بالعروض عائلته الصغيرة.

ويتابع الفيلم رحلة «يسوع» الكوبي في انحاء مدينة هافانا من الصباح وحتى المساء وكأنه في رحلة صفاء روحي وخلاص من هموم الدنيا ويعطف بحنان وطيبة نفس على الكثير من المهمشــــــــــين والفقراء في بيئته الشعبية البسيطة.

يفعّل مهرجان الاسماعيلية تواصله مع نتاجات العالم السينمائية في الحقل التسجيلي والرسوم المتحركة والروائي والتجريبي وساعيا الى بلورة افقه باتجاهات عدة سوف تحملها الدورات اللاحقة كما يشير ابو شادي في اخر احاديثه الصحفية عن المهرجان وضرورة ان يكون عنوانا دوليا لهذا النوع من السينما المفتقدة في صالاتنا السينمائية، او من شاشات العرب الفضائية الا ما ندر بعكس ما هو في باقي دول العالم.

وكعادته دوما ظل مهرجان الاسماعيلية يفتح ابوابه امام الشباب والمعنيين، لكنه في الوقت نفسه يركز على الجودة والقيمة الجمالية والفكرية، وقد شكل لهذه الغاية لجانا للمشاهدة من المتخصصين امضوا ساعات طولة لاختيار افلام هذا العام دون ضغط او اكراه في اختيار او حجب هذا الفيلم او ذاك.

وقد ساهم جمع السينمائيين والمهتمين في حقل الافلام القصيرة في مكان واحد مثل مدينة الاسماعيلية وعلى ضفاف قناة السويس، في خلق مساحة واسعة من النقاش والحوار في مسعى لتبادل الآراء والخبرات والبحث فيما آلت اليه حال السينما التسجيلية وفي كيفية تطويرها على مستويات المواضيع ومعالجاتها التقنية والفكرية والجمالية.

الرأي الأردنية في 3 ديسمبر 2004