أنور القاسم |
لا أدري ما الذي علقّ اغنية أم كلثوم القبلة ان كانت للملهوف علي لساني كالدبق الحلو، فطوال يوم امس وانا ارددها.. ربما بعد ان شاهدت لقاء مع المخرجة المصرية المثيرة للجدل ايناس الدغيدي علي قناة New TV وكانت القبلة وطقوسها حاضرة في البرنامج مما استدعاني لاكتب حول الغياب او التغييب القسري لهذه الظاهرة عن محطاتنا الفضائية سحابة الاعوام العشرة الماضية. الدغيدي المخرجة المتمردة الباحثة عن تعرية ما يخبئه الآخرون وعرضه عبر الشاشة بأسلوب جريء ومن منظور انثوي استهجنت تظليل الصورة الواقعية لحياتنا المعاصرة علي حساب الشفافية والتمتع بالحياة وزجر المستأنس. فالمتابع لما تقدمه، سواء الدراما العربية او السينما هذه الايام يلحظ محاولات تهشيم صورة القبلة، بحيث خلت منها جل المحطات الفضائية الارضية وكأنها رجس. ولجأت بعض المحطات الخليجية وخاصة قناة MBC الي تقطيع مشاهد القبل بحيث يفاجأ المشاهد بالانتقال من مشهد حميمي هاديء الي عجاج حرب عوان ومن دون مقدمات امعانا في منع المرغوب بحيث يغدو مرغوباً اكثر. ونحن هنا نفتقد بشدة للاعمال والافلام الرومانسية البريئة التي اكتسحت انتاج الستينات والسبعينات في السينما العربية وكانت تصور الحياة والحب برونق وسحر واناقة. فأين نحن من مشاهد فريد الاطرش وقبلات عبد الحليم وغزل وقبل فريد شوقي ومحمود ياسين وحسين فهمي وسعاد حسني وناهد شريف ونجلاء فتحي، وغيرهم الكثير؟ فقد حل مكان القبلة علي نفس المحطات التي تحارب البوسة احتشاد للاغاني الهابطة وعروض الجسد والايحاءات الجنسية بشوائبها وعلي طريقة بلاي بوي لكن بنكهة عربية. فالقبلة هي تعبير عملي عن الحب وهي المحرك الرومانسي لحياة سليمة خالية من التوتر العاطفي والفتور النفسي. ولأننا مجتمع مبتلي بكثرة الحكي فربما تختصر القبلة الكثير من الثرثرة والكلام والجدل، حسبما يري الفرنسيون، الذين يعتقدون ان القبلة هي الطريقة الوحيدة، لمنع المرأة من الثرثرة.. وهي تقنع اكثر من الجدل الذي تغص به برامجنا. وربما تخفف الكثير من التعاسة الزوجية وما اكثرها عندنا، فقد باحت احدي السيدات في برنامج تلفزيون لبناني انها اشقي نساء الارض، رغم امتلاكها كل شيء، لماذا؟ علي ذمتها لان زوجها لا يقبلها ابدا، فيما تغص مجالس النساء في بلادنا بالاستهجان والاستنكار لاستكبار الرجال علي القبلة. وابي ممثل سوري في حلقة شوفوا الناس التي يبدعها ياسر العظمة ان يقبل نعامة قائلا أنا لم اقبل زوجتي طوال عمري اتريدين ان اقبل نعامة؟ واتضح من تقرير امريكي وآخر اوروبي ان 94% من الامريكيات يرغبن بالتقبيل فيما تزيد النسبة عن 97% من الاوروبيات ولا أدري ماذا ستكون النسبة لو استطلعت العربيات! ليس هذا فحسب، فحتي الاغاني الحديثة خلت او تجاهلت فن القبلة وولجت فيما هو اعمق منها، فلم نعد نسمع عبد الوهاب وهو يغني في جحيم من القبل ، ولا ام كلثوم القبلة.. القبلة.. القبلة ولا من مواويل قبّلتها في الصباح فقالت أتفطر يا هذا ونحن صيام وحل مكانها قم اوقف وانت بتكلمني و آه أوه . فلا تظلموا القبلة يا فضائياتنا العزيزة فلدينا ما يكفي من المحطات السياسية والمتجهمة، ولا بأس ببعض مشاهد القبل حينما ينام الصغار بدل ان يهجم شبابنا علي قنوات التشفير التي تغزو غرف نوم شبابنا هذه الايام. ان هي الا دعوة ان أهووا علي الاحباب بـ القبلة الفرنسية او الهندية او العربية إن كانت هناك، فبها نلطف قيظ المشاعر. سهرة يمنية سورية في ظاهرة بديعة تحسب للتلفزيون السوري أقامت الفضائية السورية والقناة الاولي اليمنية سهرة تلفزيونية مشتركة الاسبوع الماضي عابقة بالتراث والتواصل المفقود بين القنوات العربية. الجميل في هذه التظاهرة الثقافية والفنية والتراثية انها صورت الجوانب المشتركة في حياة الشعبين واستحضرت التراث والفرح والألق الحضاري لأقدم حضارتين عربيتين. كما شكلت مشتركا في استغلال الفضاء في وقت تتشظي المحطات العربية بعشوائية دون تنسيق في ما بينها، رغم ترسانة الاتفاقات الصحافية والتلفزية والاذاعية التي تربطها، والتي تظهر بركاتها فقط حينما تتجرأ محطة علي كشف بعض الفساد الذي ينغل في دولنا، وكم كان خلابا البرنامج المصور الذي استحضر بواسق اليمن وحواضر سورية واوابدها، بحيث عشنا معه لحظات من الوجد والتوحد مع يمننا السعيد، الذي تتجاهله الفضائيات العربية، رغم كونه حضننا الدافيء وبيداء اجدادنا. وكم اطربنا شاعرنا عمر الفرا من دمشق والاديب المؤرخ محمود صغيري من صنعاء. ولا زلنا نذكر ان التلفزيون السوري عقد سهرة مشتركة ساحرة في نهاية الثمانينات مع التلفزيون الكويتي واخري بديعة قبل عام مع التلفزيون التونسي ونحن بانتظار ليالي سمر عربية خلابة لطالما حلمنا بها وحققها لنا التلفزيون السوري. يحدث في لبنان فقط في خطوة جريئة عرض تلفزيون المستقبل يوم الثلاثاء برنامجا مطولا حول ظاهرة التحول الجنسي من رجل لامرأة ومن امرأة لرجل، التي اخذت تطفو علي سطح الحياة العربية المحاصرة. مقدم البرنامج زافين عالج الموضوع مع ضيوفه بموضوعية وعلمية وجرأة، فقد استضاف البرنامج اربعة شباب، يحملون صفات الانوثة الكاملة رغم ذكورتهم وحاورهم مع جمهور غفير غلبت عليه النساء او الصبايا حول معاناتهم في مجتمع لا يتقبل هكذا اعراض ويتجاهلها ان وجدت. اعترف الطبيب الذي استضافه البرنامج ان هكذا حالات موجودة في كل دول العالم، وعزا جزءا منها الي الزواج من الاقارب، والخلل الهرموني وأسباب اخري مجهولة. وعرج المشاركون علي معاناة الاهل وهؤلاء الشباب في حياتهم، فيما استفسرت الصبايا عن شعور هؤلاء الشباب كونهم ذكورا واناثا في نفس الوقت، وذهبت فتاة بالقول لاحد هؤلاء واسمه حسن بأنه محظوظ أن جرب الشعور بأنه امرأة ورجل في نفس الوقت، الا ان المسكين كان في عالم آخر وقال لها انه حاول الانتحار لولا مساعدة بعض الاطباء له واعطائه بعض الادوية التي فعلت فعلها في تضمير صدره ومعالمه الانثوية والتي ساعدته ايضا علي نمو ذكورته. وللوهلة الاولي تشعر بنفور من هكذا حالات لكن حينما يحللها ويفسرها العلم والطب اللذان لا حياء بهما، يشعر الانسان كم هي الخلقة التامة عظيمة. كاتب من اسرة القدس العربي anwar@alquds.co.uk القدس العربي في 3 ديسمبر 2004 |