عروض متنوعة ومتفاوتة تعكس ثراء مجتمعاتها وتحوّلاتها العائلة والشباب والمهاجرون عناوين بارزة في مهرجان السينما الأوروبية ريما المسمار |
ينطوي اسم "مهرجان السينما الاوروبية" على أكثر من صفة ومعنى. فهو ليس فقط مهرجاناً سينمائياً يقوم على عرض مجموعة من الافلام المنتجة حديثاً. وهو ليس فقط نشاطاً سنوياً مكرساً تابعاً لبعثة المفوضية الاوروبية. وليس فقط واحداً من ابرز الانشطة في المشهد السينمائي المحلي... انه ايضاً وقبل اي شيء انعكاس لحركة سينمائية متنوعة وغنية ومتبدلة تماماً كما يجدر بسينما تخص عالماً بأكمله ـ الاوروبي ـ ان تكون. لعل ذلك ما يضع المهرجانات السينمائية العربية في مواجهة خاسرة مع مهرجان واحد كالمهرجان الاوروبي ربما لا يمتلك المقومات التخطيطية والجهود الكبرى المبذولة في الاولى. فالمهرجانات السينمائية العربية لاسيما المتخصصة بالسينما الروائية برغم نواياها الطيبة وجهودها تفتقر الى ما هو اساسي وحيوي وجوهري، تفتقر الى الانتاج السينمائي العربي المتنوع والمتحرك الجدير بمنطقة كمنطقته. ليس هنا مجال الخوض في الفروقات البينة بين الانتاج السينمائي العربي ونظيره الاوروبي، الا ان المحصلة النهائية هي مهرجان اوروبي "رسمي" لا يقوم على التنافس او الخطة الاختيارية المحددة والمسبقة او البذخ الاستعراضي، قادر في الحد الادنى ان يكون صورة عن عالمه او من عالمه، الامر الذي لا تصل المهرجانات العربية، وقبلها الانتاجات السينمائية العربية، الى تحقيق نصفه. انه غياب الحركة الانتاجية العربية المستمرة من دون شك التي تتيح تراكماً يسوق الى شيءٍ من التناقض والتنوع والعمق في خلق صورة سينمائية. وهو اشياء كثيرة أخرى تمنع السينما العربية من ان تكون مرآة لـ/ أو لنقل تعبيراً عن المكان الذي تخرج منه. في المقابل، حفل الاسبوع الماضي في مهرجان السينما الاوروبية المقام في بيروت للمرة الحادية عشرة على التوالي، حفل بعروض سينمائية متفاوتة تكاد لا تجتمع الا تحت ذلك العنوان العريض "السينما الاوروبية". لعله من مفارقات ذلك ان تكون تلك السينما عصية على الوصف والاختصار من جهة وان تنضوي تحت لواء سينما واحدة من جهة اخرى. وان تتوق الافلام العربية الى الانعتاق في بوتقة تسمية السينما العربية بينما هي قابلة لتصنيف شبه موحد عنوانه تذبذب الانتاج والقصور في الابداع والخلق والتجدد. لا بد من ان تبدو هذه المقارنة غير عادلة بالنسبة الى كثيرين بين السينما الاوروبية والاخرى العربية ولكنه امر واقع ذلك الفرق الشاسع برغم قيام السينما العربية هي الاخرى على تاريخ طويل. وخير دليل على ذلك انه في الوقت الذي كانت اوروبا فيه تتلقى ابداعات فيلليني وبرغمن وآخرين كثر، كانت السينما اللبنانية تنتج "قطط شارع الحمراء"! بالطبع كانت هناك محاولات أخرى مختلفة ولكنها لم تتعدَ النية الاولية في الاختلاف من دون ان تحققها فعلياً. و"قطط شارع الحمراء" هو أحد الافلام اللبنانية الاربعة التي اختارتها ادارة المهرجان بالتعاون من "مؤسسة سينما لبنان" لعرضها في إطار استعادي بعيد ترميمها. انها خطوة هامة يتبعها المهرجان للسنة الثانية على التوالي بالإضافة الى افلام منسية او غير معروضة في بيروت وغير معروفة بالنسبة الى جيل واسع في ظل غياب التظاهرات السينمائية الاستعادية retrospective التي تتطلب وجود ارشيف نفتقده وامتناع محطات التلفزة عن عرضها. اللافت هو ان الاخير عُرض بنسخة "بيتا ـ كام" وليس بنسخته السينمائية في حين ان المتوقع كان عرض الاخيرة مرممة. أخرج الفيلم الراحل سمير الغصيني العام 1972 مع يوسف شعبان ومديحة كامل ونوال ابو الفتوح في الادوار الرئيسية الى شوقي متى وكريم ابو شقرا كوجهين جديدين والممثل السوري محمود جبر. الفيلم مليء بالاخطاء التقنية ولكن تلك تبقى "ثانوية" امام تركيبته العجيبة: مجموعة شباب يتحدثون باللهجة المصرية ولكن ليس هناك ما يشير الى انهم مصريون ، يتجولون في منطقة الحمراء على دراجاتهم النارية في نمط حياة يصنفه الفيلم بـ"الهيبي"، حاكماً على ملتزميه بالفساد والانحراف الاخلاقي. انه تركيبة هجينة، تقوم على الاثارة وتنتهي الى وعظ اخلاقي كأنه هابط على الفيلم من عوالم أخرى وهذا شأن معظم افلام الغصيني حيث الاثارة هي العامل الجماهيري الاول يليها النهاية الاخلاقية. بعضهم وجد بعيد عرض الفيلم ان لا قيمة للأخير وانه لا يؤرخ لا لزمنه ولتاريخ السينما التي ينتمي اليها. ولكنه يؤرخ ربما لكيفية الصناعة السينمائية وقتذاك ويعزز النقاش السالف حول تخلف السينما العربية عن نظيرتها الاوروبية. الفيلم الثاني "سلام بعد الموت" (1971) لجورج شمشوم هو الآخر فيلم من ذاكرة السينما . ليس الفيلم في حد ذاته تجربة مختلفة ولكنه ينتمي الى حقبة سينمائية غير مستقرة مثل "قطط شارع الحمراء" ـ اوائل السبعينات ـ متأرجحة بين افلام الستينات التي شهدت النزوح المصري واثمرت افلاماً مشتركة خفيفة وبين هاجس فني، تجسد في نقاشات السينما البديلة وغيرها. الفيلم ايضاً يتأرجح بين متطلبات الجمهور عن طريق تقديمه ممثلة مصرية هي سميرة احمد في دور البطولة وبين هاجس فني يظهر في بعض اللقطات. في جوهره، يقوم الفيلم على قصة تقليدية في احدى قرى لبنان ابان الاحتلال العثماني، تتمحور حول اختفاء شابة في ظروف غامضة وبحث اختها التوأم المضني عنها. يسترسل الفيلم في تصوير الطبيعة وحياة القرية ويتخذ من الاحتلال العثماني خلفية ليس الا، محاولاً التركيز على خط السرد الغامض وعلى التحليل النفسي للشخصيات. فنشاهد احياناً الشخصية تحادث نفسها في المرآة او تتخيل امامها احداثاً في اسلوب يخرج الفيلم عن واقعيته ويعبر عن ملامح محاولة بحث عن لغة تعبير ما. لعل ما يفتقده الفيلمان الروائيان من محاولة البحث عن لغة ما او شخصية نعثر عليه في الشريط التوثيقي "مئة وجه ليوم واحد" لكريستيان غازي. وليس مستغرباً ان يكون الفيلم الوثائقي العربي اليوم هو ايضاً الاكثر تعبيراً عن الهواجس الفنية والتجريبية من غالبية الانتاج الروائي. في هذا الفيلم، يجمع غازي بين السرد الدرامي والصورة الوثائقية في نظرة تحليلة الى المجتمع اللبناني في بداية السبعينات بما اعتبر حينذاك شكلاً جديداً في السرد السمعي والبصري. اوروبا...اوروبا بعد فيلم الافتتاح الهولندي "أحب ان أحب" الذي بدا على قدر من التبسيط والسطحية لا يتماشى مع مضمون المهرجان في الغالب، اتاحت الافلام المعروضة خلال اسبوع صورة اعمق واشمل عن الاماكن التي تنتمي اليها. يصعب حصر الافلام المعروضة في البرنامج تحت عنوان محدد سوى تعبيرها الحر عن موضوعات من صميم المجتمع الاوروبي. ولكن بشيء من التركيز، يبرز عنوان "العائلة" في مجموعة غير قليلة من الافلام في ما يشكل محوراً في السينما الاوروبية عموماً منذ بعض الوقت. ذلك ان الكيان العائلي المتهالك في المجتمع الاوروبي منذ سنوات يحدو بكثيرين الى تناوله في افلامهم كمشكلة محورية تواجه المجتمع. فالفيلم الهولندي Godforsaken يتوسع في القاء اللوم على الروابط الاسرية المفككة في ما آل اليه الصديقان "مايكل" و"ستان" من عنف وإجرام. ولعله من مفارقات الامور ان يُعرض هذا الفيلم في اعقاب الاحداث الاخيرة التي اودت بحياة المخرج الهولندي على ايدي جماعات اسلامية متطرفة. فالفيلم الحالي يتناول مشكلة المهاجرين في المجتمع الهولندي ولكنه يطرحها مشكلة بين المهاجرين انفسهم حيث شرورهم موجهة ضد بعضهم البعض. تحت عنوان العائلة ايضاً والمهاجرين عُرض الفيلم البلجيكي 25 Degres en Hiver عن اسباني في بلجيكا، يعيش مع ابنته الصغيرة بينما زوجته تبحث عن مستقبلها الفني في نيويورك ويلتقي إمرأة اوكرانية تبحث عن زوجها الذي انقطعت أخباره منذ مجيئه للعمل في بلجيكا. يقوم الفيلم علي حس كوميدي ساخر يحوّل مآسي شخصياته مصدر ضحك احياناً ويجعلها هي نفسها ميالة الى التفاؤل برغم كل شيء. كذلك لا يبتعد البريطاني The Mother لروجر ميتشيل من تلك الاجواء في تناوله حكاية إمرأة تشعر ان حياتها شارفت على الانتهاء بعيد وفاة زوجها وهجر ابنائها لها الى ان تلتقي شاباً يعيد اضرام نار انوثتها. في المقابل يحتل موضوع المهاجرين في اوروبا محور افلام كالفرنسي "منفى" لتوني غاتليف عن شاب وفتاة يقرران القيام برحلة الى مسقط رأس عائلتيهما في الجزائر للتعرف اليها للمرة الاولى ويركز الفيلم على تفاصيل رحلة العودة في خروج عن الخط المألوف لهذه الافلام حيث التركيز يكون غالباً على رحلة الاشخاص في اتجاه موطن الهجرة الجديد. ويأتي من قبرص المنضمة حديثاً الى الاتحاد الاوروبي فيلم Kalabush عن عامل سوري يدخل بطريقة غير شرعية الى قبرص معتقداً انها ايطاليا، ومن المانيا Head On عن شابة من اصول تركية تحاول شق مستقبل فني بعيداً من قيود ثقافتها. الشباب هو عنوان آخر لصيق بعناوين الهجرة والعائلة والعنف وهو ما نعثر عليه في الفيلم الهنغاري Vagabond والتشيكي Samotari. الى تلك، عرضت افلام خفيفة ترفيهية مثا الايطالي I am Emma واليوناني To Tama والبلجيكي Science Fiction والبولندي Edi والفرنسي Demi-Tarif والالماني Schultz gets the Blues من التي تقدم سرداً قصصياً مسلياً ومتتابعاً وأخرى ذات مناخات تاريخية كالفنلنديKite over Helsinki الذي يدور حول صراع عائلتين كبيرتين في عوالم المخدرات والمجري Smouldering Cigarettes الذي تدور احداثه ابان الحرب العالمية الثانية بين ممثلة وشاعر وجنرال. الى فيلم بيدرو ألمودوفار "تربية سيئة" الذي يتناول فصلاً مما تردد انه تجربة السينمائي الذاتية في اجواء اسبانبا الستينات حيث تنشأ علاقة بين الصبيين في المدرسة الداخلية جوهرها اكتشافاتهما للسينما والحب والدين بشخص الاب "مانولو" مدير المدرسة. كعادته، يضرب المودوفار عرض الحائط بكافة الاعتبارات الدينية والاخلاقية المتوارثة بما اثار في هذا الفيلم تحديداً حفيظة رجال الدين على كيفية تقديم شخصية "مانولو" المكبوت جنسياً وعلاقته بالولدين. الى هذا الفيلم، برز الشريط البريطاني Touching the Void كتجربة سينمائية فريدة. فالفيلم يروي تجربة متسلقي جبال، "سيمون" و"جو"، خلال تسلقهما إحدى قمم البيرو للمرة الاولى. يستخدم المخرج كيفن ماكدونالد اسلوب المزج بين الروائي والواقعي لتحويل فيلمه تجربة جديدة. فإذ يروي المتسلقان وقائع رحلتهما في خط منفصل، يقدم الخط الروائي الثاني اعادة تمثيل لتلك التجربة بكافة الوسائل التي تجعلها واقعية وحية الى حد يدفع المتفرج الى الاعتقاد بادئ الامر بأن الرحلة الحقيقية هي التي نشاهدها. الفيلم بتقشفه التقني والدرامي يضع المشاهد امام تجربة تأملية في العلاقة بين الانسان والطبيعة و"وحشية" الاول في الحفاظ الغريزي على حياته. وبانتظار فيلم الاختتام المتوقع ان يترك اثراً "الحياة اعجوبة" لأمير كوستوريكا، لا بد من التوقف عند احد ابرز العروض Dogville للارس فون ترير. خرج المخرج الدانماركي خالي الوفاض من الدورة الاخيرة لمهرجان كان السينمائي حيث عرض Dogville. خلال السنوات العشر الاخيرة، تحديداً منذ العام 1984، شارك المخرج في المهرجان بستة افلام: "عنصر الجريمة" THE ELEMENT OF CRIME (1984) في قسم المسابقة الرسمية؛ "اوروبا" (1991) حيث حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة؛ "تكسير الامواج" BREAKING THE WAVES (1996) الفائز بالسعفة الذهب؛ "الاغبياء" THE IDIOTS (1998) في فئة المسابقة الرسمية؛ "راقصة في الظلام" DANCER IN THE DARK (2000) حائز السعفة الذهب واخيراً "دوغفيل". يشكل الفيلم الاخير جزءاً ثالثاً في ثلاثية تمحورت حول المرأة والجنس. كثيرون يعتبرون المخرج سفير السينما الاسكندينافية في العالم والسبب الاساسي في شهرتها خلال السنوات الاخيرة. ولكن ما يميز فون ترير الى جانب موضوعات افلامه المبتكرة اسلوبه السينمائي الذي تبنى في "الاغبياء" و"تكسير الامواج" اسلوب الدوغما الذي يقوم على التصوير من دون اضاءة ولا ديكورات وبكاميرا محمولة وترير احد مؤسسيه، بينما شذ عنه باعترافه في "راقصة في الظلام" الذي صُور بالكامل بكاميرا ديجيتال واخيراً "دوغفيل" الذي اختار ان يستعير فيه من المسرح. في استديو"ترولهاتان" السويدي الشهير، بُني ديكور الفيلم كما لو كان ديكوراً لمسرحية: منصة طويلة وُضعت عليها بضع قطع ديكور توحي بالاماكن وتختصر قرية "دوغفيل" الاميركية مكان وقوع احداث الفيلم في الثلاثينات من القرن الماضي. فون ترير الذي اعتاد ان يصور اجزاء كبيرة من افلامه من دون الاستغناء عن مدير تصويره دون مانتل لم يغير العادة على هذا الفيلم، سوى انه يبدو اكثر حماسة بحسب ما جاء في حواره الى مجلة "سايت اند ساوند" السينمائية. جزء من هذه الحماسة يعود الى فرحته العارمة بجمع اسماء ممثلين مميزين من نيكول كيدمن الى لورين باكال وبن غازارا وجايمس كان وآخرين. عن فكرة تقديم الاحداث بطريقة مسرحية يقول فون ترير: "خطرت لي الفكرة بعد انتهائي من كتابة السيناريو مباشرة. كنت اصطاد السمك على ضفاف نهر موروم وافكر في الاسلوب الذي سأقدم فيه احداث الفيلم. خطر لي فجأة ان دوغفيل يجب ان نراها كما لو انها على خريطة. فتنتني دائماً كيفية فرض المكان شروطه وحدوده. كذلك تأثرت باقتباس تريفر نان المسرحي لديكنز في "نيكولاس نيكلبي" الذي بثه التلفزيون في اوائل الثمانينات وقام فيه تريفر بتوليف مشاهد للجمهور داخل العرض او تحويل ممثل ما الى راوٍ او اظهار كيفية تغيير الديكور في شكل علني وغيرها من التقنيات لتغريب المشاهد عن العمل. حادثة اخرى الهمتني فكرة الفيلم هي عندما اصطحبت ابنتي ذات يوم لمشاهدة مسرحية للاطفال. حاولت اقناعها بشتى الطرق اننا متفرجون وان اولئك على المسرح ممثلون. ولكنها لم تفهم اللعبة واصرت على الصعود الى المسرح. كل هذه العلاقات المتداخلة بين المتفرج والممثل جعلتني اقدم دوغفيل بهذا الاسلوب." الجدير ذكره ان فون ترير المولود عام 1956 هو نفسه حقق شهرة كبيرة من خلال التلفزيون عندما قدم "المملكة" (1994)، السلسلة التلفزيونية التي مزج فيها بين قصص الاشباح والآلهة والشياطين وتم توليفه فيما بعد في فيلم جاوز الاربع ساعات عُرض في الصالات السينمائية. تلعب كيدمن في الفيلم دور "غرايس" التي تظهر على اهالي البلدة بشكل مفاجئ ذات ليلة وتطلب حمايتهم. ولكن هذا المجتمع المنغلق لا يبدو مرحباً بها وهو بذلك يشبه الى حد بعيد مجتمع "راقصة في الظلام" النائي والذي يطلق احكامه على البشر جزافاً. تبدي "غرايس" استعداداً كاملاً للاندماج داخل المجتمع وتحاول ان تتقرب من الاهالي بشتى الوسائل وكسب ثقتهم. مع مرور الوقت، يصبح ارضاؤهم اصعب وطلباتهم استغلالية ومهينة لغرايس. تنصاع لرغباتهم ولكنها بخلاف شخصيات "الاغبياء" و"تكسير الامواج" و"راقصة في الظلام" تضع حدوداً لعطاءاتها. "لا مكان للمرأة الشهيدة" تقول احدى شخصيات الفيلم في استكمال لبحث فون ترير في معنى "الخير" كقيمة لا يجدها مطلقة. وسيتيبين لاحقاً ان "غرايس" تخفي سراً كبيراً سيدفع اهالي "دوغفيل" الى الندم على استثارة المرأة التي تبدو في الظاهر مسالمة طيبة من دون حدود. طموح فون ترير لا حدود له في هذا الفيلم؛ فهو لم يكتفِ بتصوير فيلم على منصة سوداء تكاد تكون خالية من اي ديكور ولم يكتفِ بالنجوم الذي يعملون معه، بل انهى التصوير في مدة قياسية هي ستة اسابيع. لا تقل حياة فون ترير اثارة عن افلامه. فمن ابرز مظاهرها ان امه اعترفت له وهي على فراش الموت قبل ثمانية اعوام ان الرجل الذي رباه واعتقد انه والده ليس كذلك، بل ان والده الاصلي كان موظفاً وجدت فيه "الجينات الفنية" التي ارادت ان يرثها طفلها! بعد عثوره على والده الحقيقي، طلب الاخير منه ان يحادثه عبر محاميه ان اراد ذلك. مع ذلك يكمل فون ترير حياته كما يحلو له. فقد رفض عرضاً من سبيلبرغ بانجاز فيلم في اميركا، قدمه اليه بعد مشاهدة فيلمه "اوروبا". والى جانب مشاريعه السينمائية، يعمل على مشروع خاص يقوم على تصوير لقطة مدتها ثلاث دقائق في مكان ما من اوروبا كل عام وذلك على مدى ثلاثة وثلاثين عاماً. بدأ المشروع سنة 1991 اي ان موعد عرضه سيكون عام 2024. من وجهة نظره، على الفيلم ان يكون "كالحصى في الحذاء" وبالحديث عن مخاوفه يقول: "أنا فعلياً اهب كل شيء في الحياة باستثناء عمل الافلام." المستقبل اللبنانية في 3 ديسمبر 2004 |