شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

ألان روب غرييه:

أحب النساء وأكره الكوكاكولا

الإسكندرية - جميل حسن

 

 

 

 

 

 

الحدث الأهم في مهرجان الإسكندرية السينمائي هذا العام·· هو تكريم الأديب والمخرج الفرنسي ألان روب غرييه الذي كتب أربع روايات فقط أثارت جدلا وأحدثت ثورة في الأدب الفرنسي سواء في الشكل أو المضمون، وأطلق عليها النقاد موجة الأدب الجديدة التي صار لها الكثير من الأتباع والمريدين يصفهم غرييه بالأصدقاء والتلاميذ· واللافت في شخصية هذا الروائي المتعدد المواهب أنه لا يصنف ضمن الكتاب أو المخرجين، فالكتابة والإخراج بالنسبة له حاله يعيشها وتنتهي فور إنجاز العمل·

أمضى غرييه أربعين عاما من عمره قبل أن يدخل عالم السينما الرحب، فقد بدأ حياته مهندسا زراعيا، ثم أصبحت علاقته بالكتابة مصيرية، فقدم أربع روايات وكان عام 1961 هو عام التحول الحقيقي في شخصيته، حيث تحول من عالم النباتات والأشجار الى دنيا الأدب، فكتب أولى رواياته ''البصاص'' عام ،1955 ثم اتبعها برواية ''الغيرة'' في العام التالي، ثم رأى الخلود إلى الراحة ثلاثة أعوام حتى يفاجئ الفرنسيين بعمله الثالث ''في التيه'' واهتم بكتابة مجموعة مقالات بعنوان ''نحو رواية جديدة'' اعتبرها النقاد مقدمة لأفلامه·

ويرى غرييه أنه واقعي النزعة ويرفض وصف رواياته بالواقعية، ولم يكن الرجل شغوفا بأن يفسر مصائر شخوص رواياته، ولم يكن مهتما أيضا بتحديد الأماكن التي تدور فيها أحداث رواياته إلا مكانين فقط ذكرهما في إحدى رواياته هما: نيويورك واسطنبول· كان هدف غرييه الأكبر هو إسقاط الحواجز بين الواقع والخيال، ويبدو ذلك واضحا في روايته ''الممحاوات''· أما انتقال غرييه لعالم السينما فقد كان صدفة، حيث فوجئ بأحد المنتجين الفرنسيين يعرض عليه إخراج فيلم سينمائي، وبعد تفكير استمر ساعات·· قبل غرييه العرض فأخرج أول أفلامه ''الخالدة'' عام 1963 واختار تركيا ليصور فيها أحداث فيلمه، ولم يكن ذلك من قبيل المصادفة، لكنه رأى في اسطنبول مدينة أقرب إلى الخيال من كونها مكانا حقيقيا كما أن نساءها يتميزن بالجمال والحياء، ولم يخجل غرييه من التصريح بأنه يحب النساء كثيرا وهذا الحب يوازي كراهيته لمشروب الكوكاكولا الذي يضطر أحيانا لتناوله·

حب وسينما

ويضيف غرييه إن حلمه الأول تحقق حينما التقى بحبه الأول وهي الفتاة التركية التي أصبحت شريكة حياته·· الا ان مشروعه السينمائي واجه عقبات لم تكن في الحسبان حينما شهدت تركيا انقلابا دمويا أسفر عن إعدام الرئيس التركي ووزير داخليته، وبعد أن تحولت شوارع اسطنبول إلى حمامات دم·· لم يكن هناك مفر من جمع آلات التصوير والعودة إلى فرنسا بخفي حنين ليواجه أزمة نفسية لم تبرحه إلا بعودته مرة أخرى إلى تركيا·

ويعترف غرييه بأن قوانين الاقتصاد في تركيا كانت سببا مباشرا في إنجاز مشروعه السينمائي الأول حينما اقتنع الممول التركي بالإغداق على الفيلم دون أن يتكلف غرييه أعباء مالية، وينص القانون التركي على عدم السماح بإخراج الأموال التركية للخارج مما شجع المنتج على تمويل الفيلم ليضمن تسويقا في الخارج، وكانت المفاجأة الثانية السارة - والكلام لغرييه - هي اشتراك فيلمه الأول ''الخالدة'' في مهرجان البندقية وحصوله على الجائزة الكبرى مما منحه تصريحا من نفس المنتج بأن يعرض الفيلم في أي دولة في العالم· ويؤكد غرييه أن الأقدار لعبت دورا ثالثا مهما في حياته عندما سمحت إيطاليا بعرض الفيلم لأنه يحمل رؤى مغايرة لفلسفة الحكم الفرنسي·

والغريب أن ألان روب غرييه بعد أربعين عاما من عرض فيلمه الأول ''الخالدة'' يراه مملا لا لشيء·· إلا لأن التليفزيون الفرنسي يفرط في عرضه على قنواته المختلفة بالإضافة إلى عرض المحطات الأجنبية والمراكز الثقافية له باستمرار·

كما يرى المخرج الفرنسي أن فيلم ''الخالدة'' يستمد قوته وأهميته من أنه يؤرخ لفترة مهمة في تاريخ تركيا إلى جانب رؤية الكثيرين له على انه وثيقة مهمة في رصد ملامح اسطنبول المعمارية القديمة بما فيها من بيوت خشبية أزيلت لتشيد مكانها أبراج خرسانية·

السينما والأدب

ولغرييه رؤية تتعلق بالتكنيك السينمائي فهو يرى على سبيل المثال أن الصورة هي الحاضر الموجود على الدوام بغض النظر عما إذا كانت الأحداث واقعية أو خيالية، فالفيلم يستمد أهميته من أنه يزخر بالحياة التي بوسع المشاهد أن يستدعيها في أي وقت يشاء ليخلق من خلالها حياة موازية للعالم الحقيقي الذي يعيشه·· ويرفض غرييه وجهة النظر التي ترى أن الأدب اصبح وثيق الصلة بالسينما في الوقت الحالي ومحاكيا لها لأنه استمد منها تقنية السرد· وعلى سبيل المثال·· استخدام بعض الروائيين لطريقة ''الفلاش باك'' في سرد الأحداث· ويؤكد غرييه أن الأدب يختلف عن السينما فكل منهما متعة مختلفة، ويرفض تحويل الروايات التي كتبها إلى أفلام سينمائية لأنه يرى ضرورة استحضار الصورة أمامه عندما يشرع في الكتابة للسينما، فالاهتمام بالصورة أثناء الكتابة السينمائية هو العمود الفقري للفيلم، أما روح الكتابة الأدبية فأمر له قوانينه التي لا يمكن لصاحب النص أن يتغاضى عنها مثل الاستمتاع بكتابة الجملة ونسجها مع جمل أخرى قبلها أو بعدها· أما وجه الشبه بين السينما والأدب من وجهة نظر غرييه فيكمن في أن كليهما يبحثان عما يدور في العقل البشري وان كان لكل منهما طريقته في التعبير·

ويرفض غرييه تصنيفه مخرجا أو أديبا، فعلى الرغم من أن منظمة السينما الفرنسية اعتبرته واحدا من ابرز أعضائها بعد عشرة أفلام هي كل رصيده السينمائي·· لم يرق له ذلك، ويفضل أن يجعل من الكتابة أو الإخراج حالة يعيشها ثم يعود إلى عمله بالزراعة، ولم يقتصر دور ألان غرييه على السينما والأدب فقط·· لكنه امتد ليشمل تدريس السينما طوال عشرين عاما في أميركا·

محفوظ وشاهين

لا يعرف ألان روب غرييه من الأدباء العرب سوى نجيب محفوظ، ولا من المخرجين سوى يوسف شاهين· ويقول عن الأول: قرأت العديد من روايات محفوظ المترجمة إلى الفرنسية وأحترم كل كلمة يكتبها أي كاتب، واحترمت نجيب محفوظ بعد أن قرأت له، لكن أدب هذا الأديب الكبير لم يكن الشكل الأدبي الذي احبه وقد عرفت أن الترجمة هي السبب، لأن العرب الذين يقرأون أعمال نجيب محفوظ بالتأكيد يستمتعون بها، فالأدب عندما يترجم يفقد مذاقه، وهذا ينطبق أيضا على رواياتي التي إذا ترجمت فسوف تفقد طعمها· ويؤكد غرييه أن الأدب العربي ليس منتشرا في فرنسا بسبب الموزعين من ناحية وعدم الإقبال على الأدب المترجم من ناحية أخرى، لأن المترجم تظهر روحه في العمل وتطغى في أحيان كثيرة على روح صاحب الرواية·

أما يوسف شاهين فهو المخرج العربي الوحيد الذي يعرفه وأبدى ألان روب غرييه إعجابه بالمخرج المصري النشيط الذي يحرص على التواجد في كل المهرجانات الفرنسية، كما انه يهتم بفرنسا·

وقال: شاهدت أغلب أفلامه والتقيته اكثر من مرة في فرنسا وتحدثنا سويا· وقال غرييه: الجمهور لم يكن يقبل على أفلامي في البداية، وتوقعت هذا الإحجام ولم أفاجأ به بعد أول فيلم، لكني حرصت في فيلمي الثاني ''مريان باك'' على إضافة ما يتناسب وروح العصر، لذلك لقي الفيلم إقبالا جماهيريا لأنني عرفت ماذا يريد الجمهور من السينما في ذلك الوقت، فقد حرصت على مخاطبة عقول الناس بعيدا عن الفلسفة التي كانت سببا في انصراف الجمهور عن فيلمي الأول، لكني ابتعدت في الوقت نفسه عن الفكر التجاري الذي اندفع بعض المخرجين إليه ليحققوا شهرة سريعة وثراء كبيرا· ويبرر غرييه اتجاهه للكتابة الأدبية بأنه كان في حاجة إلى ذلك وحاجته لم تكن مادية لأن رواياته لم تلق الإقبال الجماهيري، لكنها حاجته للتعبير عن أفكاره، أما اتجاهه للسينما فسببه الخيال والصورة السينمائية التي استقطبته· ويرفض غرييه أن يكون صاحب مدرسة سواء في الأدب أو الإخراج السينمائي، ويسمي تلاميذه الأصدقاء الذين اتبعوه في رفض رواية الخمسينات والستينات وكانت ثورة غرييه وأصدقائه بداية لثورة شهدها الأدب الفرنسي، كما كانت أفلامه التي تغوص في اللاوعي بداية لموجة جديدة في السينما الفرنسية· ورغم أن الجمهور رفض هذه الموجة في البداية·· إلا أن غرييه أكد أن موجته رسخت بعد الفيلم الثاني وتحدث عنها الجميع، ويرى أن الكاتب يعبر عن نفسه من خلال القلم، والمخرج يعبر عن آراء غيره من خلال الصورة السينمائية·

الإتحاد الإماراتية في 30 نوفمبر 2004